ما بين التربية والأخلاق وقضاء الأحوال الشخصية

ما بين التربية والأخلاق وقضاء الأحوال الشخصية

بقلم / أميرة  حسب الله

 

لا ينفك المجتمع أن يعج بالضجيج المجتمعي حول المشكلات الأسرية وما يتخلف عنها من أضرار بكافة النواحي ووصول هذا الضجيج إلى ساحات القضاء والمنصات التي يترجى منها أطراف الخصومة الوصول إلى محطة العدالة التأملية من وجهة كل طرف على حدا.

وكثيراً ما يبحث المحللين الاجتماعين والخبراء النفسين والقانونين عن جذور المشكلة المريضة المعدية المتفشية في المجتمع، فهذا الداء يختلف من طبقة إلى طبقة ويتنقل بين كل حالة على حدا مخلفاً عنه نفس الآثار -العقيمة الحلول- التي تلحق بالمجتمع وأفراده المستقبلين "الأطفال الصغار" الآفة المجتمعية الحالية. 

لقد اندثرت القيم والأعراف والتقاليد الاجتماعية التي كانت تتوج المجتمع بالكثير من الترابط والمحبة والصمود النتاج الطبيعي للمودة والرحمة المذكورين بكتاب المولي عز وجل في قوله تعالى:" وخلقنا بينكم مودة ورحمة " صدق الله العظيم ، فكانت العلاقات الأسرية التي بنيت علي الشريعة السمحة بكل الديانات السماوية مبنية على مبدأ التكاتف والتراحم والبقاء في السراء والضراء للطرف الآخر وعندما تدب المنازعات تلجأ الأطراف لتحكيم العاقل الراشد بكل من العائلتين للوصول لطريق الصواب وليس ذلك فحسب بل الإرتضاء برجحان العقل للوسيط بين الزوجين فكلمة الحكم الكبير هي النافذة على الرقاب وعلي الطرفين الطاعة وتمجيد الحكمة العاقلة ومن هنا تظهر النشأة السوية ، والالتزام بالأعراف والتقاليد في الطاعة في احترام الكبير وعدم الغرور والتكبر بالعلاقة وعدم الانسياق وراء الأنانية وتفخيم العقل الخاطئ علي كل الظروف المحيطة .

وللأخلاق الناشئة عن التربية السليمة أعظم الأثر في المشكلات الأسرية ولاسيما الحياتية كافة، فالفهم الصحيح للموقف والتحليل ومراعاه الظروف والملابسات وكذلك التعامل بالفطرة والمشاعر الإنسانية الصادقة كل ذلك هو مفتاح بوابة الوصول لحياة رغدة، فكل الأديان سواء باليهودية أو المسيحية أو خاتمة الديانات السماوية والمتممة لها الإسلامية توضح وتشير إلى ذلك المبدأ الراجح في العلاقات والتعاملات وهو الفطرة السليمة "وإن أفتوك الناس أفتوك ... أستفتي قلبك “. 

الرجوع إلى الفطرة، عدم الانسياق وراء المستحدثات المجتمعية، طرد النفس الأنانية من النفس البشرية، المحبة والمودة والرحمة؛ كل هذا ركائز لبداية أخلاقية جديدة ولتنشئة سوية لجيل مستقبلي كامل.

ليس فقط طرفي العلاقة هم الضحية بل هم الجلادين لضحية غير واعية واهنة هزيلة يرقات وبراعم لم تنضج بعد هم " الأبرياء الصغار " فبذلك التفكك تهرب منهم البراءة ويتحولون إلي عصا الشيطان بيد كل طرف من أطراف العلاقة سواء الأب أو الأم ، المصلحة المرجحة بعد فترة من الزمن تكون مصلحتهم فقط وفي سبيل ذلك يكون بكافة طرق السعي بين الطرفين فلو المصلحة مع الأم يكون الانحياز لطرفها والعكس المهم تحقيق النتيجة المرجوة لتعويض النقص الأسري ؛ ولا أشير من هذا الضغط على طرفي العلاقة الزوجية بالاستمرار لعدم العبث بكيان الصغار بل بالعكس فالعيش بجو يسوده التفاهم مع الانفصال أفضل بكثير من الاستمرار بالعلاقة الزوجية بالمشاحنات والضغوط النفسية والعصبية لكافة أطراف الأسرة .

رفقاً بالأب فقد كان لابد من وجود أيام هنيئة معه، فزجه بساحات القضاء وضياع العمر في مباشرة الإجراءات القانونية فيما بينكم لا يستهلك الطاقة إلا من كلا الطرفين، فليس لأن القانون أعطاني حقوق أتعسف في إساءة استعمالها.

ورفقاً بأم أولادك فقد كانت بيوم خير عون وملجأ ورفيقة درب، فلا تدفع شرارة الانتقام أن تتفاقم فيما بينكم، زهدت في عشرتها فأتبع شرع الله "فعاشروهن بمعروف أو سرحوهن بإحسان " فأن لا تتكفل بأولادك وتأكل حقوق زوجتك فليس هذا مفهوم الرجولة الذي تنشأت عليه. 

وعلي قانون الأحوال الشخصية التعديل و مراعاة كلا الطرفين وعدم تضليل طرق السلامة الأمنة فحالياً ما يشوبه من غفوات لحقوق مهدورة لكلا الطرفين، يعقبه بالتبعية النفسية المريضة السائدة والمتفشية بين الكبار والعقد النفسية والعصبية بالإضافة إلي الجيل الجديد المنعزل بالعالم الافتراضي والغير واعي للملذات الروحية والإنسانية والأخلاقية ، فبناء المجتمع والدولة يبدأ من بناء الفرد ، ولا سيما بناء الفرد هو أهم ما في الدولة مخلداً لتاريخ ساستها .