مسجد الحاكم بأمر الله

مسجد الحاكم بأمر الله
مسجد الحاكم بأمر الله

مسجد الحاكم بأمر الله.. تحفة معمارية ساحرة في قلب القاهرة

"شيء ما، ساحر وغامض، يكتنف القلب حينما يلج المرء إلى صحن مسجد الحاكم بأمر الله الفاطمي وسط القاهرة" الذي مضى على بنائه أكثر من ألف عام.

ففي العام ٩٨٩ميلادية، رأى العزيز بالله الفاطمي، خامس الخلفاء الفاطميين، أنَّ جامع الأزهر الشريف، لم يعد لديه قدرة على استيعاب المزيد من المُصلين والدارسين، لذلك بدأ يفكر في بناء مسجد جديد، ولكن عملية البناء توقفت بوفاته، قبل أن يستكملها ابنه "الحاكم بأمر الله"، الخليفة الفاطمي السادس، وتم افتتاحه العام ١٠١٢ ميلادي، وسُمي على اسم الحاكم.

ويصف المقريزي في خططه جامع الحاكم بأمر الله فيقول "هذا الجامع خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة وأول من أسسه أمير المؤمنين العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله، وخطب فيه وصلى بالناس الجمعة، ثم أكمله ابنه الحاكم بأمر الله، فلما وسَّع أمير الجيوش بدر الجمالي القاهرة وجعل أبوابها حيث هي اليوم، صار جامع الحاكم داخل القاهرة وكان يُعرف أولاً بجامع الخطبة ويعرف اليوم بجامع الحاكم ويقال له الجامع الأنور".

 وفي عام ١٠١٣ ميلادي، أصدر الحاكم بأمر الله قراراً بتحويل المسجد إلى "جامع" يُدَرَّسْ فيه الفقه، ليساعد جامع الأزهر الشريف في استيعاب الدارسين والمصليين.

يعتبر جامع الحاكم بأمر الله ثاني أكبر جوامع القاهرة اتساعًا بعد جامع أحمد ابن طولون، ورابع أقدم المساجد الجامعة الباقية بمصر، وذلك بعد جامع عمرو بن العاص بالفسطاط، وجامع أحمد بن طولون بالقطائع، والجامع الأزهر الشريف بالقاهرة، وتبلغ المساحة الكلية لمسجد الحاكم بأمر الله حوالي ١٤ ألف متر مربع، حيث يبلغ طوله نحو ١٢٠٫٥متر، وعرضه نحو ١١٣ مترًا.

و يعتلي الواجهة البحرية للمسجد مئذنتين ثُمانية الشكل، كل مئذنة تجلس علي قاعدة هرمية الشكل، وبأسفلها قاعدة أخري مكعبه الشكل تخرج عن السور بقليل، ثم ترتفع حتي تصل لارتفاع سور المسجد، وبين هاتين المئذنتين بوابة رئيسية للجامع تخرج عن السور قليلاً، وبنفس مقدار القاعدتين المكعبتين للمئذنتين، يغطيه من أعلى قبو أسطواني الشكل عرضه ٣٫٤٨ متر وطوله ٥٫٥ متراً، في نهايته باب عرضه ٢٫٢١ متراً ومعقود بعقد أفقى من الحجر حديث البناء، وعند المدخل نجد في اليمين واليسار بعض البقايا من النقوش الجميلة إرتفاعها تصل نحو ١٫٦متراً، ومنها يؤدي الي صحن الجامع الذي يحيط به الأواوين.

في الجانب الجنوبي الشرقي يقع إيوان قبلة الصلاة، الذي يتكون من خمسة أروقة، وفي كل رواق ١٧ عقداً، أما الإيوان الشمالي الشرقي فيتكون من رواقين فقط بكل رواق ١٧ عقداً، أما الإيوانين الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي، فيحتوي كل منهما على ثلاثة أروقة، كل رواق به مجموعة من العقود، وكل هذه العقود محمولة على مجموعة أكتاف أو أعمده.

قديمًا كانت جميع العقود مغطاة بسقف خشبي مسطح، يحيط بالسقف من أسفله فيما بينه وبين العقود ازار جصى مكتوب عليه بالكتابة الكوفية، وجميع الأكتاف والأعمدة من الطوب الداكن، ويربط الأكتاف بعضها ببعض بأربطة مكسوة بألواح خشبية مزخرفة بنقوش ومحفورة، وكان فوق الأعمدة فرشات خشبية مسطحه تتكون من قطعتين أو ثلاث، وفي نهاية حائط القبلة قبتان محمولتان على مثمن، كما توجد قبة ثالثة أعلي المحراب، وقد هـدمت القبة الشرقية بسبب إقامة سور القاهرة، والذي بناه المملوك "بدر الدين الجمالى"، والملاصق للجدار الشرقي للجامع كما سدت جميع النوافذ في هـذا الجدار أيضا لنفس السبب، وكان يوجد للمسجد تسعة أبواب، بينهم بابان جهة اليمين ولكن تم سدهما بواسطة سور بدر الجمالي، وباب أخر مخصص لخطيب المسجد فقط،

أما عن نوافذ المسجد، فللجامع ١٦ نافذة في كل من الحوائط الجانبية، و١٧ نافذة في كل من ايوان القبلة والحائط المقابل له، وكان يوجد بكل مئذنة نافذة، أما الحائط الخلفي لإيوان القبلة، فكان يوجد نافذتان على يسار المحراب، ومزخرفة بزخارف نباتية متداخلة بعضها ببعض، ولكن كل هذا قد أختلف عن ما كان بسبب سور بدر الدين الجمالي.

ويمثل المسجد نموذجًا بارزًا على التقلبات التاريخية والدينية التي مرت بمصر، إذ ظل منبرًا لنشر وتدريس المذهب الشيعي إلى جانب الأزهر الواقع على بُعد مئات الأمتار من هذا المسجد، حيث كان الفاطميون على هذا المذهب وبحسب موسوعة "المسالك" يجمع هذا الجامع في تخطيطه بين عناصر إفريقية وعناصر مصرية، فتخطيط الجامع بلا جدال يماثل تخطيط جامع ابن طولون، الذي بُني على طراز سامر، ويفتح مدخل الجامع الرئيسي في منتصف جدار مؤخر الجامع في موضع يقابل المحراب، وهو يتفق في ذلك مع مدخل جامع المهدية، ويبرز المدخل الرئيسي خارج سمت جدار المؤخر متخذاً هيئة برجين يتوسطهما ممر يؤدي إلى باب بحيث أصبح شكل المدخل يماثل البوابة بالمعنى المصطلح عليه في عمارة الأسوار، بينما كانت المداخل الرئيسية قبل ذلك فتح عادة في الجدارين الجانبيين غير جداري القبلة والمؤخر.

وحينما جاء صلاح الدين الأيوبي (٥٣٢-٥٨٩هـ/ ١١٣٨-١١٩٣م) قام وزيره بهاء الدين قراقوش بمنع نشر المذهب الشيعي، وجرى إغلاق وإهمال المسجد ـكما جرى مع الأزهر الذي أغلقه الأيوبيون لقرن تقريباـ فاحتل مسجد الحاكم بأمر الله الزجاجون والنساجون وأقاموا ورشهم فيه وحوله، وظلوا فيه حتى وقت قريب.

وكان المسجد يقع خارج أسوار القاهرة بداية إنشائه، وفي عهد الخليفة المستنصر تم تجديد سور القاهرة الشمالي لتوسعة مساحة القاهرة وأدخل الجامع داخل الأسوار.

 وقد شهد عام ٧٠٢ للهجرة زلزالاً شديداً أدى لتصدع بعض جدران المسجد ليرممها الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وتم تجديد الجامع في زمن الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ، وكان قد تهدم كثير من العقود والأعمدة وسقط السقف، كما تهدمت قمتا المئذنتين، وتهدمت جميع أواوين المسجد، ما عدا بعض العقود الموجوده في الإيوانين القبلي والشرقي، لذا أستخدمته وزارة الأوقاف المصرية لفترة من الزمن، ليُصبح مخزنًا لحفظ بعض التحف والآثار الإسلامية، قبل نقلها الي دار الآثار الحالية، واليوم تشغله مدرسة "السلحدار" الابتدائية، وقـد قامت إدارة حفظ الآثار العربية بأصلاح أعمدة النصف الغربي من الايوان القبلى وعقوده.

 وحينما غزا الفرنسيون مصر (١٧٩٨-١٨٠١م)، اتخذته قيادة الحملة الفرنسية مقرا لجنودها، واستخدمت مئذنتيه للمراقبة.

وفي العام ١٢٢٢هـ جدده نقيب الأشراف عمر مكرم ليشهد ترميمات وإصلاحات متتالية في عصور مختلفة كان آخرها ترميم شهده المسجد ليتم إعادة افتتاحه أخيراً ويشهد إقامة الصلوات ومن بينها تراويح رمضان بعد انقطاع لسنوات.

أصبح المسجد مهمشًا لفترات طويلة حتى عهد الرئيس "أنور السادات"، لتتحول إلي مخازن للتجار المحطين بمنطقته، فطالبت إحدي الطوائف الشيعية، وهي طائفة البهرة، بمحاولة تجديده بجهودهم الذاتية كونه مكاناً مقدساً بالنسبة لهم، ومنها دعا الرئيس السادات لإعادة افتتاحه من جديد، ما جعل من البهرة يطورون من عملهم كتجار بجوار المسجد، ولكنه مفتوحًا لجميع الطوائف للصلاة بداخله.

ويحد الجامع من الجانب الشمالى سور القاهرة الشمالى وباب الفتوح، ومن الجنوب منازل حديثة البناء، ومن الناحية الشرقية وكالة قايتباي، أما من الناحية الغربية فتطل على شارع المعز.

ويقول علي مبارك في الخطط التوفيقية، "بجوار جامع الحاكم من الجهة الغربية مدفن بناه الحاكم لنفسه ولم يُدفن فيه، وعُرف فيما بعد بمدفن الساعي، وهو بناء متسع تعلوه قبة ومبخرة مرتفعة، وفيه شواهد على أسماء الموتى المدفونين هناك".

المصادر

- موسوعة المسالك.

- كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروفة بالخطط المقريزية.

- موقع وزارة السياحة والأثار المصرية.