إن مشكلة فلسطين فى نظرنا هى أولاً مسألة حقوق العرب الفلسطينيين
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. ماذا ستفعل لو أن عمال الموانئ فى أمريكا استمروا فى مقاطعة السفن العربية؟
*الرئيس ناصر: إنى أرى قبل كل شىء أن هذه المسألة ضد مصالح الولايات المتحدة والجمهورية العربية المتحدة على السواء، وقد عملنا خلال الأشهر الماضية على تحسين العلاقات بين بلدينا، حاولنا أن ننسى الماضى ولكننا فوجئنا بهذا الحادث وقد دهشنا له.
وموقف الحكومة حيالها ما زال موضع بحث، ولكنك اطلعت طبعاً فى الصحف على موقف العمال العرب منها، وأظن أن عمالنا نظروا إلى الحادث على أنه إجراء عدائى ضد وطنهم، له مساس بمصالحه، وله مساس بكرامته.
والواضح أن علينا فى الجمهورية العربية المتحدة مسئولية أن نحافظ على استقلالنا، وكذا على كرامتنا. وإذا لم نكن دولة كبرى نملك القوى المادية التى ترهب؛ فإننا بما نملكه من قوى معنوية، أولاها الإيجابية فى مواجهة المشاكل؛ نستطيع أن نرفع صوتنا عالياً ومحترماً فى كل ما يمسنا.
سؤال من المحاور: ولو فرض - يا سيدى الرئيس - أن قرر العمال العرب مقاطعة كل السفن الأمريكية، فهل ستؤيد حكومتكم هذا القرار أم ستعارضه؟
*الرئيس ناصر: لقد قلت إن الحكومة تدرس المسألة دراسة وافية.
سؤال من المحاور:هل لسيادتكم أن تذكروا لنا تماماً لماذا تمنعون السفن الإسرائيلية من المرور بقناة السويس؟ وما هى الشروط التى تطلبونها من إسرائيل لكى تفكوا هذا الحصار؟
*الرئيس ناصر: إن مسألة مرور السفن الإسرائيلية بقناة السويس تعد جزءاً من المشكلة الفلسطينية، ويرجع تاريخها إلى عام ١٩٤٨. وقد عرضت هذه المشكلة على الأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن، واتخذت عدة قرارات بشأنها، ومن هذه القرارات قرار يقضى بوجوب عودة اللاجئين العرب إلى ديارهم، ودفع تعويضات لهم عما حل بهم من خسائر، بعد أن طردوا من بلادهم وحرموا من ممتلكاتهم، ومن كل شىء فى وطنهم فلسطين.
ولكن ماذا حدث بعد هذه القرارات؟ لقد رفضت إسرائيل تنفيذ أى منها، وأعلنت أنها لن تسمح لأى عربى من عرب فلسطين بالعودة. أما العرب فقد أصروا على ضرورة تنفيذ هذه القرارات التى أصدرتها الأمم المتحدة. إن إسرائيل لم تكتف فقط برفض كل قرارات الأمم المتحدة؛ بل طالبت أيضاً باستخدام خليج العقبة، مع أن مياهه مياه إقليمية عربية حقاً، وطالبت باستخدام قناة السويس.
وثمة ملاحظة أود أن أقولها فى هذا الصدد؛ وهى أن الصحف الأمريكية أغفلت حقوق عرب فلسطين، وراحت تبرز مطالب إسرائيل، ومنها - كما قلت - رغبتها فى استخدام قناة السويس. ولكننا ننظر إلى السلع والممتلكات التى تريد إسرائيل استخدام قناة السويس من أجلها على أنها ملك للعرب؛ لأن إسرائيل حرمت عرب فلسطين من ممتلكاتهم، ومن أراضيهم، ومن كل شىء.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. هل تسمح لى بإبداء ملاحظة؟ هل تعنى أن الحظر المفروض على مرور السفن الإسرائيلية بقناة السويس يطبق كذلك على السفن الإسرائيلية القادمة من شرق إفريقيا والمتجهة إلى إسرائيل عن طريق القناة؟ إن إسرائيل تبتاع منذ سنوات مقادير من اللحم من شرق إفريقيا، وتنقلها فى سفن بها ثلاجات خاصة، وترفع أعلاماً غير علم إسرائيل، فهل لدى سيادتكم اعتراض على مرور مثل هذه السفن بالقناة؟
* الرئيس: إننا نعد كل ممتلكات إسرائيل ممتلكات لعرب فلسطين الذين حرموا من أراضيهم وممتلكاتهم، وقد صودرت شحنات كانت فى طريقها لإسرائيل، ومن هذه السفن سفينة كانت تحمل شحنة من اللحم مستوردة من إريتريا. وقد صودرت هذه الشحنة؛ لأننا نعدها ملكا للعرب استولت عليه إسرائيل.
سؤال من المحاور: وإذا تغير عنوان الشحنة قبل تصديرها من إسرائيل؛ بحيث يعلن أن شخصاً غير إسرائيلى قد اشتراها، فهل تتدخلون فى مثل هذه الشحنة وتمنعون مرورها من قناة السويس؟
*الرئيس ناصر: إن المسألة ليست مسألة عناوين؛ إنما هى - فى الواقع - مسألة امتلاك وملكية. ونحن نعد كل ما تملكه إسرائيل ملكاً للعرب، أخذته منهم إسرائيل بالقوة وبغير حق.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. أود التأكد من أننى فهمت رأيك فى هذه المسألة.. هل تعنى أنك ستظل تمنع سفن إسرائيل من المرور من قناة السويس ما دامت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قائمة؟
*الرئيس ناصر: إن مشكلة فلسطين فى نظرنا هى أولاً مسألة حقوق العرب الفلسطينيين، وما دامت هذه الحقوق لم ترد إليهم، وما دامت لا توجد فرصة لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بهذه الحقوق؛ فإننا لن نسمح لسفن إسرائيل باستخدام قناة السويس.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. أوضحت بعض الدوائر بالأمم المتحدة أنه حدث عندما زار "مسيو همرشولد" القاهرة أخيراً، أن تباحثتم معاً فى مشكلة مرور البضائع الإسرائيلية بقناة السويس، وأنكم تفاهمتم معه على عدم منع هذه البضائع من المرور بالقناة لو أنها نقلت على سفن محايدة، ومع ذلك فقد أوقفتم سفناً غير إسرائيلية تحمل بضائع إسرائيلية، فهل لسيادتكم أن تذكروا لنا إذا كنتم قد اتفقتم بالفعل مع "مسيو همرشولد" على مثل هذا الإجراء؟
*الرئيس ناصر: لم يتم أى اتفاق مع "مسيو همرشولد" بشأن هذه المسألة، ولقد نشرت إحدى الصحف ما ذكرت فى سؤالك، ولكن الرد جاء من "مدام جولدا مائير" - وزيرة خارجية إسرائيل - فقد صرحت أثناء زيارتها أمريكا الجنوبية فى أغسطس الماضى أن شيئاً كهذا قد تم الاتفاق عليه بين "همرشولد" والجمهورية العربية المتحدة، ولكن الواقع أننا لم نتفق على هذا، وقد رفضناه، وكان كل ما أراده الإسرائيليون - على ما يبدو - هو محاولة استغلال هذا الخبر الكاذب كدعاية ضدنا فى البلاد العربية، ولكن جماهير الشعب العربى لم تعد تصدق شيئاً من ذلك.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. أوصت أخيراً إحدى لجان الجامعة العربية بإنشاء كيان فلسطينى وجيش فلسطينى؛ وهذا يعنى أن ينشأ هذا الكيان الفلسطينى وهذا الجيش الفلسطينى على حساب الأردن، فهل لا ترون أن هذه محاولة لتحطيم التضامن العربى بدلاً من تعزيزه ودعمه؟
*الرئيس ناصر: لست أظن أن أى هدف من أهدافنا يمكن أن يكون موجهاً ضد التضامن العربى، أو معداً ليكون عملاً عدائياً لمصلحة أية دولة من الدول العربية. والغرض من إنشاء كيان فلسطينى هو مواجهة نشاط إسرائيل لتصفية المشكلة الفلسطينية، وإضاعة حقوق شعب فلسطين. وأما الجيش الفلسطينى فالغرض منه فى الواقع هو الدفاع عن حقوق عرب فلسطين، وذلك أمر طبيعى ومنطقى. ومن هذا يتضح أنه ليس من أهدافنا على الإطلاق أن نثير أية متاعب أو أية صعوبات، أو أن نتخذ أى إجراء، ولا سيما فيما يتعلق بأية دولة من الدول العربية.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. هل تظن أن للملك حسين - ملك الأردن - أى مستقبل؟
*الرئيس ناصر: إنى فى الحقيقة لا أستطيع أن أنظر إلى الأمر بهذه الكيفية؛ فثمة فرق بين التفكير الصحفى، وبين تفكير رئيس دولة مسئول عن تصريحاته بشأن المسائل الدولية. إننا طبعاً نتعامل مع الملك حسين بوصفه ملكاً للأردن، ونحن نحاول أن تكون علاقاتنا به طيبة، ولكننا واجهنا أخيراً بعض الصعوبات؛ لأن ملك الأردن وحكومته دأبوا على شن حملات دعاية عدائية لنا، يتصورون أنهم من ذلك الطريق يستطيعون أن يزيدوا فرصهم مع بعض الدول الكبرى صاحبة المصالح فى الشرق الأوسط، ولكننى فى الحقيقة لا أستطيع - بأى حال - مناقشة مثل هذا السؤال، وهو هل للملك حسين مستقبل أم لا، أعتقد أنه يمكن لأى إنسان أن يجيب على مثل هذا السؤال.
سؤال من المحاور: فى أية ظروف تعتقدون - يا سيدى الرئيس - أن من الممكن أن تتم عملية توحيد الملك حسين وحكومة الجمهورية العربية المتحدة، طبقاً لما قلت إنكم تودون؟ ما هو المطلوب لكى يتحقق هذا؟
*الرئيس ناصر: من الواضح أن كل ما نطلبه من حكومة الأردن هو العمل فى سبيل التضامن العربى لا العمل ضده. وما دامت حكومة الأردن تعمل ضد الجمهورية العربية المتحدة؛ فإنه من الصعب أن تتاح فرصة لتقوم بيننا وبين حكومة الأردن علاقات طيبة.
سؤال من المحاور: هل ينطبق هذا الكلام على العراق؟
*الرئيس ناصر: نعم.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. ألا تشعر الآن بتشجيع ولو قليل فيما يتعلق بالحالة فى العراق، بعد أن رفض اللواء قاسم أن يعترف بحزب شيوعى خاضع لتوجيهات موسكو، واكتفى بالاعتراف بحزب شيوعى غير متمتع برضاء "الكومنترن"، هل يبدو هذا كعلامة على تحسن الحالة بالعراق؟
*الرئيس ناصر: إن هذه ليست المشكلة الرئيسية على الإطلاق؛ إذ أن المشكلة الرئيسية بالنسبة لنا هى سياسة الحكومة العراقية حيال التضامن العربى وموقفها من القضايا العربية، ذلك هو فى الدرجة الأولى ما يحدد موقفنا من أية حكومة فى أى بلد من البلدان العربية.
سؤال من المحاور: على ذكر مسألة التسلل الشيوعى بالشرق الأوسط، إن هناك مظهراً آخر أود أن أعرضه على سيادتكم؛ فحكومة الجزائر الحرة طلبت متطوعين لينضموا إلى جيشها كما تعلمون، فهل سيكون لحكومتكم موقف حيال أى متطوعين من الصين الشعبية يريدون المجىء إلى الشرق الأوسط كمتطوعين فى الجيش الجزائرى؟
*الرئيس ناصر: من رأيى أنه يجب أن يتمتع الشعب الجزائرى بالاستقلال، ولن نعترض على الطريقة التى يتبعها فى سبيل الفوز بالاستقلال.
سؤال من المحاور: إنى لا أثير يا سيدى الرئيس مسألة استقلال الجزائر، وإنما أثير مسألة مجىء الصينيين كمتطوعين، واشتراكهم فى حركة الاستقلال الجزائرى؟
*الرئيس ناصر: أرجو أن يُنظر إلى الجيش الفرنسى، إنه يضم جنوداً من ألمانيا ومن دول أخرى كثيرة، فلماذا تعترض على حق الجزائريين فى أن يضموا إلى جيشهم متطوعين من كل الدول، بما فيها الصين؟! إنى لست أرى سبباً يدعو إلى هذا الاعتراض.
سؤال من المحاور: ألا ترى - يا سيادة الرئيس - إن فى ذلك ما يدعو الشرق الأوسط إلى القلق بشأن هذه المسألة؟
*الرئيس ناصر: إنى متأكد من أنه لن تتمكن أية عناصر شيوعية من التأثير - مهما حدث - على القومية العربية فى البلاد العربية، بما فيها الجزائر، بل بالعكس؛ أعتقد عن يقين أن أفكار القومية العربية هى التى ستسود فى النهاية، وستظل دائماً سائدة.
سؤال من المحاور: ألا ترون - يا سيادة الرئيس - أن هذه تعتبر محاولة تسلل عسكرى شيوعى، قوامه متطوعون للجزائر من الصين الشعبية أو من الاتحاد السوفيتى؟ فهل مثل هذا التسلل الشيوعى العسكرى ينطوى على خطر على العالم العربى؟
*الرئيس ناصر: أنظر إلى مشكلة الجزائر باعتبارها بلاد الجزائر وشعب الجزائر. لقد قُتل من هذا الشعب مليون شخص منذ أن نشبت الثورة الجزائرية؛ أى أن عُشر الشعب الجزائرى قد لقى حتفه؛ لهذا أظن أنه لو تلقى الشعب الجزائرى مساعدة من أية جهة؛ فإن هذه المساعدة ستنقذ مليوناً من أبناء هذا الشعب من الهلاك.
وأما فيما يتعلق برأيى فى مسألة التسلل الشيوعى؛ فإنى أرجو أن تنظر مثلاً إلى مصر وسوريا، أين هو ذلك التسلل الشيوعى؟! لقد نشرت الصحف الأمريكية لفترة طويلة أننا تحت النفوذ الشيوعى، وراحت تعيد وتزيد فى أننا نواجه خطر التسلل الشيوعى؛ بسبب صفقات الأسلحة التى عقدناها مع الدول الشيوعية، وبسبب علاقاتنا الاقتصادية مع تلك الدول، ولكن هل ما نشرته الصحف الأمريكية عن هذه المسألة صحيح حقاً؟
-سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. لقد عُدتَ أخيراً من زيارة الهند والباكستان، تُرى ما هو رأيكم فى حلف بغداد السابق المعروف الآن بالحلف المركزى؟ هل ترون فيه تهديداً للوحدة العربية؟
*الرئيس ناصر: إننى أطلب إليكم أولاً أن تتذكروا لماذا قاومنا حلف بغداد، وما هو التهديد الذى كان ينطوى عليه هذا الحلف بالنسبة لنا؛ فبعد إنشائه دعيت الدول العربية للانضمام إليه، فلما رفضنا بدأنا نواجه المؤامرات، وبدأنا نتعرض لأنواع مختلفة من الضغط. ولقد رفضنا الاشتراك فيه من البداية، ثم جرت محاولات لإرغامنا على الاشتراك فيه، وصلت - كما تعلمون - إلى حد الحصار بكل أنواعه، بل قادت إلى العدوان. ولقد بحثت مسألة هذا الحلف مع الرئيس "أيوب خان"، وتحدثت معه فى كل مؤامرات ذلك الحلف ضدنا، ورويت له كيف أن دول الحلف مثلاً - ولاسيما بريطانيا - دفعت ١٦٠ ألف جنيه لأحد الطيارين بسلاحنا الجوى؛ لكى يقوم بحركة انقلاب ضد حكومتنا، كما رويت "لأيوب خان" كيف أن دول الحلف شنت حملة دعاية ضدنا. وقد أكد لى الرئيس "أيوب خان" أنه لن يحدث شىء من هذا فى المستقبل، وأنه لا علم له بأى شىء يجرى ضد بلادنا، وأن موقف دول الحلف الآن هو أن تستخدمه فقط كحلف دفاعى، وليس كأداة للقيام بأى عمل عدائى.
فإذا كانت المنظمة الجديدة - أى الحلف الذى يضم تركيا والباكستان وإيران - منظمة دفاعية وليست لها أية سياسة عدائية ضد البلاد العربية الأخرى؛ فإننا نستطيع إقامة علاقات ودية مع هذه البلاد، مع احتفاظنا برأينا فى الأحلاف عموماً.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. هل بحثت مع الرئيس "أيوب خان" أية تدابير دفاعية مشتركة؟
*الرئيس ناصر: إنى متأكد من أنك تعرف رأينا فيما يتعلق بتدابير الدفاع، إننا ضد الأحلاف العسكرية؛ لأننا نشعر أن أية منظمة عسكرية فيها دولة كبيرة ستمكن هذه الدولة من فرض سيطرتها على الدول الصغرى، وخاصة أن الدول الصغرى لا تستطيع - بأى حال - أن تتساوى مع الدول الكبرى فى مثل هذه المنظمات أو الأحلاف. كذلك فإننا لا نؤمن بأن التكتلات العسكرية هى الطريق الصحيح لصيانة السلام.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. هل من الممكن أن نعود بالحديث إلى مسألة قناة السويس؟ إن المسألة متصلة بالقرار الذى اتخذته الأمم المتحدة فى سنة ١٩٥١ بشأن حرية الملاحة بقناة السويس، وإنى استناداً إلى مذكراتى ألاحظ أن سيادتكم صرحتم فى يوليه الماضى بأنكم على استعداد لتنفيذ هذا القرار، لو أن إسرائيل التزمت بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الموجهة إليها، فهل مازال هذا موقفكم؟
* الرئيس ناصر: نعم يجب تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق شعب فلسطين قبل أى شىء آخر.
سؤال من المحاور: إن سيادتكم صرحتم أيضاً فى حديث لكم منذ حوالى ٦ أشهر - أى فى أكتوبر الماضى - بأنه إذا أنشأت الأمم المتحدة لجنة أو هيئة خاصة لتنفيذ هذا الأمر، فإنكم ستتعاونون معها.
*الرئيس ناصر: نعم، ولقد أنشأت الأمم المتحدة فى سنة ١٩٤٩ لجنة توفيق، وكانت هذه اللجنة مؤلفة من فرنسا وتركيا والولايات المتحدة. وقد عقدت اجتماعاً فى لوزان، اشترك فيه مندوب إسرائيل ومندوبو الدول العربية، وبحث الجميع كيفية تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، ثم قبلت إسرائيل فى عضوية الأمم المتحدة، وفى اليوم التالى رفض مندوب إسرائيل الاستمرار فى الاشتراك فى اجتماعات هذه اللجنة.
إن المسألة فى الأصل مسألة حقوق عرب فلسطين، وإسرائيل تحاول بكل الطرق والوسائل، وبكل أنواع الدعاية؛ أن تجعل العالم ينسى أن ثمة شيئاً اسمه حقوق عرب فلسطين؛ وهم المليون عربى الذين طردوا من بلادهم وحرموا من كل شىء. إن إسرائيل تحاول أن تركز جهودها ونشاطها على رغبتها فى استخدام قناة السويس.
سؤال من المحاور: إذن مازال موقفكم هو أنه إذا أنشأت الأمم المتحدة لجنة أو هيئة أخرى بدلاً من لجنة التوفيق؛ فإنكم على استعداد للتعاون مع هذه اللجنة أو الهيئة الجديدة؟
*الرئيس ناصر: هذا صحيح.. نحن على استعداد للتعاون من أجل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن حقوق عرب فلسطين، وقد وافقت كل الدول العربية على هذا فى مؤتمر باندونج، كذلك وافقت كل الدول الآسيوية والإفريقية على ذلك. ولقد أوضحنا هذا بالتصريحات التى أدلينا بها فى الهند، وفى البلاغ المشترك الذى صدر عقب زيارتنا للهند، وكذا البلاغ المشترك الذى صدر أيضاً عقب زيارتنا للباكستان.
سؤال من المحاور: وهل يكون لهذا صدى من ناحية الأمم المتحدة أو من ناحية إسرائيل؟
*الرئيس ناصر: أعلن الإسرائيليون أنَّهم سيرفضون تنفيذ قرارات الأمم المتحدة.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. هل ترفعون القيود المفروضة على مرور السفن والبضائع الإسرائيلية بقناة السويس أثناء قيام مثل هذه اللجنة أو الهيئة إذا ألفت للبحث فى الأمر؟
*الرئيس ناصر: نعم، لو أتيحت الفرصة لعرب فلسطين فى تلك الأثناء لكى يعودوا إلى ديارهم، ولكن الواضح أن إسرائيل غير موافقة على حق عرب فلسطين فى العودة إلى وطنهم.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. صرح رئيس وزراء إسرائيل أكثر من مرة أنه يسعده جداً أن يتقابل معكم فى أى مكان تختارونه، بما فى ذلك القاهرة؛ ليبحث معكم المشاكل الأساسية، ولست متأكداً من أنكم رددتم بالموافقة على الاجتماع معه، فهل لسيادتكم أن تتيحوا لنا الفرصة لكى نسجل ردكم عليه؟
*الرئيس ناصر: لقد رد على نفسه بنفسه، ولعلكم تذكرون أنه قبل العدوان الثلاثى على بلادنا فى سنة ١٩٥٦ بسبعة أيام؛ كان "مستر بن جوريون" قد صرح بأنه يسعى للسلام، وأنه يود أن يجتمع معى للتفاوض بشأن عقد تسوية، ولكنه كان قد أدلى بهذا التصريح فى الوقت الذى كان يتآمر فيه مع بريطانيا وفرنسا لشن عدوان وهجوم على بلادنا، وبالأمس قال مندوب إسرائيل فى يوجوسلافيا شيئاً كهذا. إن الإسرائيليون يحاولون بكل بساطة تضليل الرأى العام العالمى؛ إنهم يقولون إنهم على استعداد للتفاوض مع العرب، وللجلوس معهم بقصد الوصول إلى تسوية معهم، ولكن بشرط واحد؛ هو أنه يجب ألا تكون للعرب أية شروط!.. فما معنى هذا؟ معناه أن الإسرائيليين يريدون أن نتناسى فعلاً كل قرارات الأمم المتحدة بشأن حقوق عرب فلسطين.
سؤال من المحاور: إذن لا ترون سيادتكم فائدة من اجتماع يعقد بينكم وبين "بن جوريون"؟
*الرئيس ناصر: لست أدرى كيف يمكن أن تجتمع مع رجل لا تثق فيه، رجل أعلن أنه مستعد للاجتماع معك ليتباحث فى عقد صلح فى الوقت الذى كان يتآمر فيه على قتلك وقتل أهلك. إن "مستر بن جوريون" أعلن قبل عدوانه بسبعة أيام أنه مستعد للتفاوض بشأن عقد صلح، ولكنه كان فى الواقع يستعد للحرب؛ حدث هذا فى سنة ١٩٥٦.
سؤال من المحاور: سيادة الرئيس.. لقد حدث ذلك وقت معركة انتخابات الرياسة فى أمريكا، فأوقع المرشحين فى حيرة؛ لأنه استوجب منهم التعهد والارتباط بكيفية أو بأخرى، فهل سيتكرر هذا فى هذا العام.. عام ١٩٦٠؟
رفيما يتعلق بى؛ لن يكون الأمر مفاجأة لى، فلن أُدهش إذا أنبأتنى القيادة العامة يوماً ما أن الإسرائيليين بدءوا يغزون بلادنا؛ لأن هذا كان هو الموقف خلال السنوات السبع الماضية.
سؤال من المحاور: سيدى الرئيس.. أعتقد أن حكومتكم وقَّعت فى أغسطس سنة ١٩٥٨ اتفاقاً تجارياً مع حكومة كوبا، يقضى بأن تتبادلوا معها سلعاً استهلاكية، وقد سُميت ٢١ سلعة بالاسم، ولكن الملاحظ أنه ذكر بالاتفاق: "وسلع أخرى"، غير تلك السلع التى ذكرت بالاسم، فهل "السلع الأخرى" تعنى أسلحة دفاعية من أى نوع؟
* الرئيس: فى الحقيقة إن الاتفاق لم ينص على أية أسلحة، ولم تطلب منا حكومة كوبا أية أسلحة دفاعية، وأظن أن الاتفاقيات التجارية لا تتضمن أسلحة دفاعية؛ لأن الأسلحة الدفاعية تتطلب مباحثات خاصة.
سؤال من المحاور: وهل تعتقدون - سيادتكم - أنه ستجرى مثل هذه المباحثات الخاصة بينكم وبين حكومة كوبا؟
ر إذا طلبت منا حكومة كوبا هذا فإننا سنبحث المسألة، وندرس مطالبها.
سؤال من المحاور: تردد - يا سيادة الرئيس - أن ثمة صفقة أسلحة عقدت بالفعل بينكم وبين كوبا، فهل هذا صحيح؟
ر لا أظن أن ذلك صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديث الرئيس جمال عبد الناصر الذى أدلى به إلى مندوبى محطة إذاعة "كولومبيا" التليفزيونية الأمريكية
بتاريخ الخامس والعشرين من إبريل العام ١٩٦٠م.