المشكلات التي تواجه تعليم اللغة العربية في الأقطار الإفريقية

المشكلات التي تواجه تعليم اللغة العربية في الأقطار الإفريقية

(قراءة في نتائج عدد من الأطروحة العلمية)

بقلم الأستاذ الدكتور/ كمال محمد جاه الله الخضر

تتصدر اللغة العربية قائمة اللغات المتحدثة في قارة إفريقيا، من منظور عدد المتحدثين، ومن منظور التأثير على اللغات التي احتكت بها، وعلى الرغم من قدم هذه اللغة في هذه القارة، إلا إن حاضرها يشي بأن تعليمها يواجه جملة من المشكلات والتحديات، لا سيما في الأقطار الإفريقية التي تقع جنوب الصجراء، وخصوصا الأقطار الفرانكوفونية.

يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء حول هذه المشكلات والتحديات التي يعكسها واقع تعليم هذه اللغة في عدد من الأقطار الإفريقية (هي على وجه التحديد: إثيوبيا، وتشاد، والسنغال، ويوغندا)، وذلك عبر قراءة نتائج لعدد من الأطروحات العلمية المقدمة للحصول على درجة الدكتوراة (تخصص المناهج وطرق التدريس) في كلية التربية، بجامعة إفريقيا العالمية في الخرطوم- السودان.

وقد جاء اختيار الأطروحة العلمية لأنها تمثل صدقية عالية كمصدر للمعلومات، وفقا لما يؤكده، المختصون في مجال مناهج البحث العلمي، علاوة على ذلك فإن الأطروحات يغلب عليها أنها لا تجد طريقها للنشر، مما يحد من الاستفادة مما تحتويه من معلومات عالية الجودة، كونها تتم تحت إشراف أستاذ دكتور(بروفسير) أو أكثر، وعبر لجنة ممتحِنة تفتي في محتواها.

الأطروحة باعتبارها مصدرا للمعلومات:

من المعلوم بالضرورة عند الباحثين أن هناك عددا من المصادر، التي يجمع منها الباحثون معلوماتهم أو بياناتهم (غير الأولية، التي تجمع من الميدان)، تأتي في مقدمتها الكتب المطبوعة، والصحف، والدوريات، والإصدارات الرسمية، والرسائل الجامعية(الأطروحات)، والوثائق، والمخطوطات، وأخيرا دخلت الشبكة العنكبوتية باعتبارها واحدة من جملة تلك المصادر.

الحق أن كل واحد من تلك المصادر تبرزه أهميته من طبيعة الموضوع المختار للبحث، فقد يكون المصدر المعين له الأولوية والتقدم في موضوع ما، ولكن في الموضوع الآخر قد يكون غير ذلك، ولكن يستثنى من ذلك الرسالة (الأطروحة) الجامعية، التي لها الحق في التصدر في جميع الموضوعات تقريبا.

يرى عبد الرحمن أحمد عثمان أحد الباحثين، الذين لهم إسهام في مجال كيفية كتابة الأطروحات الجامعية- أن الرسائل الجامعية تعد إحدى مخازن المعلومات المرتبة ترتيبا حسنا، فهي تختلف عن الكتب المنشورة والمخطوطة، وغيرهما، بأنها خضعت لإشراف متخصص وتوجيه أستاذ مشرف وفق منهج علمي مدروس. كما تتميز بالعمق وعدم الاستعراض السطحي. فلكل هذه الاعتبارات فهي إحدى مصادر المعلومات المهمة.

ويقول في موضع آخر: إن الرسائل الجامعية تعد من أكثر مصادر المعلومات التي لا بد أن يكون الباحث على دراية بها، إذ على كل باحث أن يقوم- قبل أن يختار موضوع بحثه، بزيارة لكل المعاهد والكليات قريبة الشبه بتخصصه، ويقف على مستخلصات الرسائل قريبة الموضوع من رسالته حتى لا يكرر ما بُحث.

وعلى ذلك فإن الأطروحات الجامعية، التي يتم الحصول بها على الدرجات العلمية، التي تبدأ من الدبلوم العالي مرورا بالماجستير، وانتهاء بالدكتوراة على قدر كبير من الأهمية باعتبارها مصدرا للمعلومات، ولا غرو أن صارت تلك الأطروحات(الرسائل) الجامعية تمثل وحدها، حاليا، الدراسات السابقة للبحوث العلمية. والدراسات السابقة واحدة من الأساسيات التي يجب اسيفاؤها عند إعداد خطط البحوث العلمية.

وإذا كانت الأطروحات الجامعية، لا سيما التي تحصل بها على درجة الدكتوراة، بهذا القدر من الأهمية- فإن نتائجها، انطلاقا من ذلك، تمثل موضع اهتمام لمتخذي القرارت، وواضعي السياسات والإستراتيجية في المجال المعين، الذي كتبت الأطروحة فيه. ولعل من جملة الأسباب، التي تؤكد على أهمية الأطروحات كونها، في الغالب الأعم، يتم فيها عمل ميداني دقيق ومنظم.

مكانة العربية اللغة العربية في إفريقيا:

للغة العربية، التي تنتمي إلى الفرع السامي، أحد أفرع أسرة اللغات الإفريقية الآسيوية، في عالم اليوم، مكانة خاصة بين اللغات المتحدثة في أنحاء المعمورة تتجلى في كثرة متحادثيها، وتتمثل في أنها لغة لها محل تقديس واحترام عند جمهور المسلمين في العالم، الذين تتحدث الإحصاءات عن تقديرهم بنحو المليارين.

كما تتحدث الإحصاءات أيضا عن نسب مقدرة من المتحدثين باللغة العربية عالمياً وعربياً وإفريقياً، كما تعكس الدور الذي تلعبه كلغة رسمية ولغة أم ولغة ثانية في العديد من الأقطار في الكرة الأرضية.

أظهرت أحدث تقارير الأمم المتحدة فيما يخص اللغات المتكلمة في العالم أن ٥٠٪ من سكان الأرض يتكلمون ثماني لغات فقط من أصل ستة آلاف– سبعة آلاف لغة تستخدم اليوم في أنحاء المعمورة، وقد أورد هذا التقرير أن اللغة العربية ضمن هذه اللغات الثماني، متفوقة على اللغة الفرنسية.

فلا عجب، بعد ذلك، أن صارت اللغة العربية اللغة الرسمية السادسة للأمم المتحدة في عام ١٩٧٤م بعد طول تجاهل لدورها ومكانتها وكثرة متحادثيها، ولكن هذه اللغة، في أيامنا هذي، قد يسحب منها هذا الدور لجملة من الأسباب، لعل أهمها:

أولا: لم يعد متحدثوها يتحدثونها في منابر الأمم المتحدة المختلفة.

ثانيا: قلة المترجمين من وإلى العربية في المنظمة الدولية وتكاليفهم الباهظة.

على كلّ فإن العربية تعد في الوطن العربي اللغة الأصلية Primary   لأكثر من ٢٠ قطرا تبدأ من المغرب، وتنتهي بالخليج العربي، وتعد اللغة الأولى لأكثر من ١٩٥ مليون نسمة، وعلى الأقل يتحدثها ٣٥ مليون نسمة كلغة ثانية. ويمثل هؤلاء كثيرا من القوميات التي ارتبطت تاريخيا بأرض الوطن العربي كالأكراد والبربر.

أما إفريقياً فالعربية هي اللغة الرسمية (أحيانا برفقة لغة أخرى) لتسع دول هي: مصر وليبيا والسودان وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وتشاد وجيبوتي، وتتحدث بصورة واسعة في دول وسط وشرق إفريقيا، مثل: الصومال وإثيوبيا وإريتريا وتنزانيا (زنجبار). وتمثل العربية (لغة القرآن الكريم) لغة شعائر دينية لأكثر من ٤٣٠ مليون مسلم في قارة إفريقيا، وتستخدم اللغة الفصحى منها في تأليف الكتب وفي الصحف والتلفزة والإذاعة وللأغراض الرسمية والعالمية وفي الأعمال والسياسة، كما أن معظم الأدب يكتب بها.

وقد أورد يوسف الخليفة أبوبكر في عام ١٩٩٠ (أي قبل أكثر من ٣٠ عاما) إحصاء في هذا المجال جاء فيه أن اللغة العربية يتكلمها كلغة أم حوالي ١٢٥ مليون نسمة، أي حوالي ربع سكان إفريقيا (الذين كانوا يقدرون بأكثر من ٥٠٠ مليون)، وهؤلاء هم سكان مصر والسودان وليبيا والجزائر والمغرب، ومجموعة من القبائل العربية التي تعيش في غرب إفريقيا مثل قبيلة الشوا في نيجيريا، وقبيلة الحسانية التي تعيش في موريتانيا، وفي أجزاء من السنغال ومالي، وقبيلة وداي في تشاد، إلى جانب هؤلاء، كما ذكر يوسف الخليفة أبوبكر– يتكلم العربية كلغة ثانية داخل إفريقيا نحو ١٠٪ من السكان، وهؤلاء في الأساس والغالب المسلمون. وهذا يعني استنتاجا مما ذكر، أن عدد المتكلمين باللغة العربية كلغة أم وثانية تزيد نسبتهم عن ثلث سكان القارة الإفريقية.

ولمكانة اللغة العربية بين اللغات- فقد امتد تأثيرها كمفردات وبنى لغوية في الكثير من اللغات الإفريقية (وغير الإفريقية) بسبب الإسلام والجوار الجغرافيّ والتجارة (سابقا).. إلخ، بل إن بعض اللغات الإفريقية، ما يزال يستخدم الأبجدية العربية للكتابة كالسواحيلية والهوساوية والفولانية.

حاضر ومستقبل اللغة العربية في إفريقيا:

الحق أنه من الصعوبة بمكان تناول حاضر ومستقبل اللغة العربية في إفريقيا جملة واحدة، إذ لهذه اللغة خصوصية تختلف من منطقة إلى منطقة، ومن قطر إلى آخر، ونضيف إلى ذلك:

أولا: أن اللغة العربية في شمال إفريقيا متغلغلة ومتقدمة تقدما ملحوظا، غير أن هذه المنطقة من إفريقيا تشهد بروزا للغات محلية مثل الأمازيغية التي تنافس العربية في بعض مجالات الاستخدام، وقد أتاح ذلك المناخ الدولي الذي شجع الأقليات على إبراز ثقافاتها وإظهار هوياتها.

ثانيا: أن اللغة العربية في إفريقيا الفرانكفونية جنوب الصحراء يختلف وضعها من بلد لآخر، فباستثناء تشاد وشمال الكاميرون، لا نكاد نجد للغة القرآن الكريم أثرا في بلدان إفريقيا الوسطى (الغابون وكنغو كنشاسا وكنغو برازفيل وجمهورية إفريقيا الوسطى ورواندا وبروندي). والسبب في ذلك أن الإسلام دين الأقلية في تلك البلدان، ونحن نعلم أن خريطة الدين الإسلامي تطابق في الغالب خريطة الثقافة الإسلامية واللغة العربية. وللسبب نفسه نجد حضورا قويا للثقافة الإسلامية وللغة العربية في بلدان إفريقيا الغربية، في بوركينافاسو والكوت ديفوار، ثم بوجه خاص في غينيا، والنيجر، ومالي، والسنغال.

وتمثل اللغة العربية مكانة متميزة في تشاد وموريتانيا وجيبوتي وجزر القمر، والسبب في ذلك يرجع أساسا إلى قرب هذه البلدان جغرافيا من العالم العربي، وإلى كون قسم كبير من سكانها ينحدرون من أصول عربية، وتفضّل تشاد التي تبنت مؤخرا خيار الثنائية اللغوية الدستورية أن تبتعد عن صف الجامعة العربية.

إن الأشواط التي قطعتها اللغة العربية في موريتانيا وتشاد- تعد استثناء يشذ عن القاعدة، ولكنها في الوقت نفسه، تجعلنا نتفاءل بإمكانية تعميمها مستقبلا في البلدان الإفريقية الفرانكفونية.

ثالثا: أن اللغة العربية في شرق إفريقيا تحتل موقع اللغة الثالثة وهذا، في الغالب، لا يعكس وضع هذه اللغة المتوقع وارتباطها تاريخيا بهذه المنطقة.

هذه إشارة مبتسرة عن وضع اللغة العربية في مناطق مختلفة من قارة إفريقيا، فماذا عن تجربة بعض الأقطار الإفريقية في مجال تعليمها؟

واقع تعليم اللغة العربية في بعض الأقطار الإفريقية:

يمكن القول إن واقع تعليم اللغة العربية في الغالبية العظمى من أقطار إفريقيا جنوب الصحراء تعترضه جملة من المشكلات، ومنطلق هذا القول إن تعليم اللغة العربية جزء من التعليم العربي الإسلامي الذي يجابه العديد من المشكلات.

لقد كُتب الكثير عن المشكلات التي تواجه التعليم العربي الإسلامي في إفريقيا. وقد شَخّصت الأدبيات المختلفة في هذا المجال تلك المشكلات، وعزتْها إلى أسبابها، وقدمت لها مقترحات للحلول. ولما كانت هذه المشكلات أشبه بالأمراض المزمنة- فإن علاجها يحتاج فترة طويلة للقضاء عليها.

ونحن في رحاب الحديث عن واقع اللغة العربية في إفريقيا- لا بد من القول إن المستعمرين قبل رحيلهم من إفريقيا عملوا على إضعاف اللغة العربية، وإحلال لغاتهم محلها، وأظهروا لغاتهم لغات للعلم والحضارة بخلاف اللغة العربية، التي ربطوها بكل تخلف، وشاء الله أن تبقى هذه اللغة وإن ضعفت في كثير من البلاد. ثم إنه لولا تمسك المسلمين باللغة العربية، وإيمانهم الأكبر بأن هذه اللغة ستأخذ دورها، وإن طال الزمن في القارة الإفريقية، لترك أكثرهم، إن لم يكن كلهم، تعلم هذه اللغة، ولا شك أن من وراء صمود هذه اللغة مظلة الإسلام، التي ما برحت تحميها من كل غارة تراد بها.

الحق أنه يمكن إجمال عوامل ضعف اللغة العربية، وعدم انتشارها في عدد من الأقطار الإفريقية في التالي:

١- جهود المستعمرين في إقصائها وإضعافها بشتى الوسائل، مع إبقاء لغاتهم إلى اليوم لغات رسمية، ولغات التخاطب والتداول؛ الأمر الذي أدى إلى انحسار اللغة العربية.

٢- إن تعليم اللغة العربية كان قاصرا على الزوايا والكتاتيب، فلم تنتشر في وسط المجتمعات بصورة واسعة، ثم إن المدارس الإسلامية على الرغم من انتشارها في الآونة الأخيرة، إلا إن اللغة العربية لا تستعمل فيها باعتبارها لغة للتخاطب والتحدث بين المتعلمين أنفسهم، فضلا عن بقية المجتمع، بل يضطر بعض المعلمين أن يشرح الكتاب العربي باللغات المحلية لتلاميذه!

٣- ندرة الكتب العربية، وقلة انتشارها وسط المتعلمين وعامة المسلمين.

 ومن جملة أسباب ضعف اللغة العربية، الاقتصار على تعلم النحو والصرف غالبا دون دراسة الأدب والبلاغة والتعبير؛ مما يخرج طالبا قارئا وكاتبا فقط! ويبدو أن هذا حاصل كثيرا في المدارس العربية الفرنسية.

إن واقع تعليم اللغة العربية يمكن الوقوف عنده بصورة أكثر دقة على النحو التالي:

أولا: أن اللغة العربية غير واردة في مناهج التعليم الحكومي بغرب إفريقيا، إلا في بعض المناطق ذات الصبغة الإسلامية، وهي هناك تبدأ كلغة اختيارية في المرحلة الثانوية، بمستوى متواضع جدا في المادة، والاستعداد التربوي للمعلم والمادة التربوية، يجعلانها لا تنافس اللغات الحية، ففي بلد إسلامي كبير مثل مالي، يخيّر الطلبة- في المرحلة الثانوية- بين اللغة الإنجليزية واللغة العربية واللغة الفرنسية كلغة للتعليم. وتدل الدراسات التي أجريت في هذا الصدد على أن الطلبة يختارون اللغة الفرنسية غالبا، نظرا للتفوق الفني في دراستها بطريقة تربوية حديثة، قوامها الوسائل التعليمية المتقدمة والمواد التعليمة المدروسة والمدرسون المؤهلون، بينما لا تتوفر هذه الإمكانات بالنسبة للغة العربية.

ثانيا: قلة الوقت المرصود لتدريس العربية، وفضلا عن قلة الوقت المرصود للغة العربية في الخطة التعليمية- فإن هذا الوقت يأتي عادة في آخر الأسبوع، وفي آخر اليوم الدراسي، عندما يكون الملل قد بلغ من الطالب غايته؛ مما يحملهم على الانصراف عن تلقي أي مادة مهما بلغت رغبتهم فيها.

ثالثا: التخصص، نظرا لعدم وجود معايير وأدوات لاختيار المعلمين في المدارس الإسلامية الإفريقية، فكثيرا ما يتولى المعلم غير المتخصص التدريس، فقد يتولى خريج اللغة العربية تدريس العلوم الشرعية، أو خريج الكليات الشرعية تدريس اللغة العربية، بل في بعض المدارس يتولى تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية خريجو القانون والزراعة والإدارة، وغيرها من التخصصات.

رابعا: ضعف الإعداد اللغوي، حيث تجد معلم اللغة العربية في المدارس الإسلامية لا يجيد التحدث باللغة العربية أو التعبير عن نفسه بصورة مفهومة، أو ليس لديه قدرة على فهم المتحدث باللغة العربية، أو قراءة نص لم يسبق أن درسه على يد شيخ أو معلم".

 خامسا: مشكلة تتعلق بطريقة التدريس. وفي هذا المجال قام داود عبد القادر إيليغا بدراسة ميدانية لمعرفة طبيعة المناهج وطرق التدريس التي تدرس بها اللغة العربية في الجامعات النيجيرية، حيث عبر ٧٦ طالبا ونسبتهم ٨٩٪ من جملة الطلاب المفحوصين وعددهم ٨٥ طالبا، بأن معظم الأساتذة في تعليم اللغة العربية يتبعون طريقة القواعد والترجمة... وقد قدم بيانا وافيا حول الملاحظات الموجهة نحو هذه الطريقة، والتي في النهاية تعلن عن عدم مناسبتها في تعليم اللغات الأجنبية.

وطريقة القواعد والترجمة، المشار إليها، واحدة من الطرائق التقليدية في تعليم اللغات الأجنبية أو الثانية التي لم تعد تستخدم لعجزها، مقارنة بالطرائق الحديثة الأخرى، في تسهيل عملية تعليم اللغات.

أوضاع اللغة العربية في الدول الأربع المختارة:

وقع الاختيار على أربع دول إفريقية لتناول المشكلات التي تواجه تعليم اللغة العربية فيها، وهي على التوالي: جمهورية إثيوبيا الفيدرالية، وجمهورية تشاد، وجمهورية السنغال، وجمهورية يوغندا. ولعله من محاسن الصدف أن تلك الدول تعرضت سابقا لتجارب استعمارية مختلفة، فرنسية وإنجليزية وإيطاليا. ولقد رأينا ابتداء أنه يتحتم علينا تقديم نبذة مختصرة جدا عن الوضع اللغوي، إضافة إلى الإشارة إلى وضع اللغة العربية في كل دولة منها. وذلك على الترتيب التالي: إثيوبيا، ثم تشاد، ثم السنغال، ثم يوغندا.

يتحدث في إثيوبيا أكثر من ثمانين لغة، غير أن للغة الأمهرية التي تنتمي للغات السامية- حضورا بارزا في مفاصل الدولة، وتمثل حاليا لغة الحكومة الاتحادية. أما اللغة العربية فلحضورها تراكم تاريخي، حتى أصبحت لها استخدامات عديدة، منها:

١- أنها لغة أم لعدد من الإثيوبيين يصعب حصرهم.

٢- أنها وسيلة للتفاهم بين أفراد الشعب الذين يتكلمون لغات مختلفة.

٣- أنها لغة تجارة، إذ يتعامل بها في الأسواق، لأن معظم الأسواق تقع في المناطق التي ينتشر فيها المسلمون.

٤- أنها تمثل لغة الدين الإسلامي، فهي بالنسبة للمواطن الإثيوبي الذي يعتنق الإسلام لغة شعائر دينية لا يمكن الاستغناء عنها لتأدية تلك الشعائر الدينية، ولدراسة القرآن الكريم، والسنة النبوية، ولمعرفة أصول الحضارة الإسلامية.

على الرغم من الانحسار الذي تتعرض له اللغة العربية في إثيوبيا بفعل تأثير السياسات اللغوية التي ظلت تتبعها الدولة، وبفعل تأثير اللغات الأوربية، بالإضافة إلى تأثير فعل الوضع الحضاري والثقافي المتردي للمسلمين في إثيوبيا- فإن اللغة العربية ما تزال تحتفظ بوضع ومكانة متميزة. فاللغة العربية له حضور في الإعلام الإثيوبي فالإذاعة، مثلا، تبث ساعة في اليوم بالعربية. كما تصدر صحف عديدة باللغة العربية، ومن هذه الصحف صحيفة "العَلم"، ويزيد عمر هذه الصحيفة عن نصف قرن، وهي حكومية تصدر عن وزارة الإعلام الإثيوبية... وضمن ذلك تأتي مجلة "بلال"، وهي مجلة إسلامية شهرية تعكس وجهة النظر الإسلامية والمجتمع المسلم في إثيوبيا وغير ذلك.

وخلاصة القول فإن اللغة العربية في إثيوبيا، تعترض مشكلات، فهي ما تزال حاضرة بصورة غير متناسبة مع الحضور المسلم بالبلاد، وهي غير موجودة في التعليم الحكومي بمختلف مراحله، وإنما فـي المدارس القرآنية التقليدية، وفي المدارس الإسلامية الخاصة، كما لها حضور رمزي في الإعلام، ويبدو أن اللغة العربية حاليا تحاول أن تستفيد من دستور ٨ ديسمبر ١٩٩٤م، الذي أتاح "فدرالية لغوية" في البلاد؛ مما يتيح للغة العربية فرصة للانتشار من جديد. ويعزز هذا الانتشار افتتاح قسم للغة العربية في جامعة أديس أببا وأقسام لها في عدد من جامعات الأقاليم الإثيوبية.

أما فيما يخص تشاد فقد حاولنا في عمل سابق لنا حمل عنوان: "مستقبل اللغة العربية في جمهورية تشاد في ضوء التحديات والفرص المتاحة"، تناول ماضي اللغة العربية في تشاد وحاضرها ومستقبلها. وقد خلصنا إلى أن للغة العربية رحلة طويلة في هذا البلد الإفريقي، الذي تتحدث في دياره نحو ١٢٠ لغة، وقد عاشت أوضاعا مختلفة عبر مسيرتها التي استمرت قرونا. فتاريخها يشير إلى أنها ومنذ وقت مبكر إبان الممالك الإسلامية، التي قامت في منطقة حوض بحيرة تشاد كانت لغة التخاطب والتعليم والإدارات والقضاء ولغة البيع والشراء، وظلت على هذا الحال حتى قدوم الاستعمار الفرنسي، الذي حاربها حربا لا هوادة فيها، كما حارب الثقافة المرتبطة بها، وأتاح الفرص للغة الفرنسية التي جعلها لغة رسمية وحيدة، وتحت الضغوط المستمرة ظهرت الثنائية اللغوية بين الفرنسية والعربية، ولكنها في بداية الأمر، كانت ثنائية بلا آلية تطبق نصوصها. ومن ثم تحسّن وضع اللغة العربية بعد الاستقلال، ولكنه تحسّن بطء جدا لم يكن مرضيا عنه، وقد كان هذا البطء نتيجة حتمية لصراع المتفرنسين التشاديين، ومثقفي العربية. وبمجيء العقدين الأخيرين تحسن وضع اللغة العربية بالتدريج المرضي عنه، وصارت اللغة العربية وتمكينها من أداء أدوارها في المجتمع التشادي أمرا حكوميا، يقف عليه رئيس الدولة وكبار مسؤوليها.

كما خلصنا، في العمل المشار إليه، إلى أن مستقبل اللغة العربية في تشاد في ضوء تحديات متناقصة- تتمثل في تحديات ترجع إلى الفترة الاستعمارية، وتحديات ترجع إلى تناول قضية الثقافة العربية في دول جنوب الصحراء الإفريقية، وتحديات تنبع من الواقع السياسي والثقافي، وتحديات ترجع لمثقفي اللغة العربية، إضافة إلى تحديات تخص كتابة اللغات الوطنية بالحرف اللاتيني، والدعوة إلى العامية، وبعض المشكلات التي تواجه التعليم العربي- وفي ضوء فرص متاحة متزايدة تتمثل في دستورية اللغة العربية، وثنائية لغوية(كانت منحازة تطبيقا للغة الفرنسية)، وازدياد مساحة التعليم العربي والحكومي، وانفتاح موسع على العالم العربي والإسلامي، وإعلام بوسائطه المختلفة، واهتمام الدولة ممثلة في رئيسها وكبار مسؤوليها، إضافة إلى الحراك الذي تقوم به منظمة الإيسيسكو، وفي ظل سياسة لغوية داعمة للعربية عمليا- يكاد يتحقق ازدهار هذه اللغة في المنظور القريب.

وأما فيما يخص السنغال فإنها دولة متعددة اللغات، تتحدث في أراضيها نحو  ٣٦لغة، من أهمها: اللغة الفرنسية، وهي اللغة الرسمية. وقد جاءت مع الاحتلال الفرنسي، ولا تزال مستعملة من قبل الإدارة السنغالية. ومنها لغة الولوف، وهي اللغة المحلية الأكثر استخداما في السنغال، إلا إن لغة الإدارة في السنغال لا تزال هي الفرنسية. وتعد اللغة العربية في السنغال من أهم مكونات التراث الثقافي السنغالي. والسكان بلغاتهم المختلفة من ولوف وسيرير وبولار وغيرها، يستخدمون الكثير من المصطلحات العربية في لغاتهم.

والسنغال، كغيرها من دول غرب إفريقيا، لا وجود للغة العربية في مناهج التعليم الحكومي بها، كما أن الطالب فيها يخيّر بين العربية واللاتينية، فضلا عن قلة الوقت المرصود لها في الخطة التعليمية- فإن هذا الوقت عادة ما يكون في آخر الأسبوع، وفي آخر اليوم الدراسي، عندما يكون الملل قد بلغ من الطالب غايته، مما يحملهم على الانصراف عن تلقي أي مادة مهما بلغت رغبتهم فيها.

أما يوغندا فدولة متعددة اللغات، حيث يوجد بها ٤٥ لغة، تندرج تحت ثلاث مجموعات لغوية رئيسة، هي: البانتوية، والنيلية، والسودانوية الوسطى. واللغة الرسمية ليوغندا هي الإنجليزية. ومن أشهر لغاتها المحلية، لغة اللوغاندا، التي تستخدم في الأسواق والمواصلات والمسارح والمكاتب والأدب، وفي كثير من برامج الإذاعة والتلفزيون، كما تصدر بهذه اللغة صحف عديدة ومجلات. وتستخدم اللغة السواحيلية بصورة واسعة في القطر.

يوجد في يوغندا لغات عديدة، منها: الروكيغا، واللانجي والأتشولي، والكاكوا، واللكغبارا، والمادي، والإك. وعدد من هذه اللغات تشارك فيها يوغندا لغات جمهورية جنوب السودان.

وأما فيما يخص اللغة العربية في يوغندا- فإنها تدرس في المدارس الحكومية، ولكنها دراسة لا تسمن ولا تغني من جوع. كما تدرس في المدارس الخاصة الإسلامية، وفي المراكز الإسلامية، حيث تدرس باستفاضة. وهناك بعض المراكز الإسلامية يكون التعامل منذ دخول المدرسة حتى التخرج منها باللغة العربية. ومن أشهرها مركز نكالوكي الإسلامي.

ومن ناحية أخرى لا وجود للغة العربية في وسائل الإعلام تقريبا، باستثناء إذاعة إسلامية تقوم عليها هيئة التدريس بكلية الدراسات الإسلامية، واللغة العربية، وبعض الدعاة، والوعاظ. وليس في يوغندا صحف تصدر باللغة العربية... كما لا وجود للغة العربية في تعامل الناس في الحياة اليومية... وكثير ممن يتحدثون العربية في يوغندا هم ممن تلقوا تعليمهم بالجامعات السعودية والسودانية. إضافة إلى الجامعات المصرية، على قلة الطلاب الذين درسوا من اليوغنديين في الجامعات المصرية. وفي الوقت الحاضر يتم تدريس اللغة العربية في جامعة مكراري، والجامعة الإسلامية في أمبالي، التي توجد في تخصصات عديدة تستخدم اللغة العربية في تدريسها. 

التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية في الدول الأربع:

في البدء لا بد من الإشارة مرة أخرى إلى أن التحديات المعنيين بها هنا هي عبارة عن تحديات مأخوذة مباشرة من عدد من الأطروحات العلمية، التي قدمت للحصول بها على درجة الدكتوراة في المناهج وطرق التدريس في كلية التربية بجامعة إفريقيا العالمية في الخرطوم. وعدد هذه الأطروحات أربع، كل واحدة منها أعدها طالب من الدول الأربع المختارة: إثيوبيا، وتشاد، والسنغال، ويوغندا.

فيما يلي يتم ذكر الدولة، فصاحب الأطروحة، فعنوان الأطروحة، ثم تتبع ذلك أهم النتائج، ومن ثمّ نبيّن، المشترك من التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية بين الدولة مجتمعة، وما تفردت به كل دولة على حدة، فيما تم إيراده من نتائج مهمة لتلك الأطروحات:

أولا: إثيوبيا: محمد كمال آدم النحوي (٢٠٠٩): تعليم اللغة العربية في الإقليم الثالث من إثيوبيا، مشكلاته ومقترحات الحل، أطروحة دكتوراة، مناهج وطرق تدريس، كلية التربية، جامعة إفريقيا العالمية، غير منشورة.

وفقا لأهم نتائج هذه الأطروحة- فإن أهم التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية، في إثيوبيا- تتمثل في:

١- لا يجد المعلمون دورات تدريبية علمية مؤهلة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.

٢- لا تهتم الدولة باللغة العربية، حيث لا تدرجها رسميا مع المقررات الدراسية في مؤسساتها التعليمية.

٣- أن وضع مدرسي اللغة العربية وظروفهم الاقتصادية المتدنية أثر في العملية التعليمية عامة، وفي متابعة الطلاب بقصد رفع مستواهم اللغوي بصفة خاصة.

٤- رغبة الطلاب متدنية جدا في دراسة اللغة العربية.

٥- عدد حصص مادة اللغة العربية قليل، بالمقارنة مع عدد الحصص للمواد الأخرى.

٦- لا يوجد منهج دراسي موحد شامل للغة العربية في المدارس.

٧- مناهج اللغة العربية متعددة ووافدة من عدة دول عربية وإسلامية.

٨- لا يستخدم المعلمون الوسائل التعليمية الحديثة، ولا يتبعون طرائق تعليم اللغات الحديثة عند تعليم اللغة العربية، كما يستخدمون اللغة الوسيطة، ويعتمدون على طريقة القواعد والترجمة عند تدريس اللغة العربية في المدارس، مما جعل التركيز على القواعد وحفظ المفردات القاموسية، أكثر منه على الممارسات الوظيفية للغة (الاتصال).

٩- ساهم العامل الديني في عدم الاعتراف الدولة باللغة العربية مادة إجبارية في مؤسساتها.

١٠- أدى أسلوب تجزئة اللغة العربية إلى فروع متعددة، بحيث يدرس كل فرع منها منعزلا عن الفروع الأخرى، جعل الطالب يشعر بصعوبة اللغة العربية لكثرة فروعها، كما ساعد في تشتيت تصوره عن اللغة المتعلمة لعدم إدراكه صورتها التكاملية. وهو من العوامل التي أدت إلى عدم تفاعل بعض الطلاب مع حصص اللغة العربية في تلك المؤسسات التعليمة، وعدم تمكنه من توظيفها اتصاليا في أغراض الحياة المتعددة.

ثانيا: تشاد: إسماعيل أحمد محمد (٢٠٠٥): المشكلات التربوية التي تواجه تعليم اللغة العربية في المدارس الابتدائية العربية الأهلية في تشاد، أطروحة دكتوراة، مناهج وطرق تدريس، كلية التربية، جامعة إفريقيا العالمية، غير منشورة.

 وفقا لأهم نتائج هذه الأطروحة فإن أهم التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية، في تشاد- تتمثل في:

١- لا يوجد منهج وطني، يعبر عن البيئة التشادية، ولا كتب مدرسية تعبر عن منهج اللغة العربية المعمول به حتى الآن.

٢- تعدد مقررات اللغة العربية بالمدارس الأهلية على مستوى المرحلة الدراسية الواحدة، والصف الدراسي الواحد، والمادة الدراسية الواحدة.

٣- تجهل مقررات اللغة العربية الوافدة طبيعة المتعلم بالمدارس الأهلية وحاجاته وخصائص نموه وقدراته ورغباته وميوله واتجاهاته.

٤- يعاني معلم المرحلة الابتدائية من صعوبات تقف عقبة في أداء دوره التربوي في المواقف التعليمية مهنيا وفنيا.

٥- لا يساعد دور الأسرة ومجالس الآباء والمعلمين وبعض خلاوى القرآن الكريم التلاميذ على تعلم اللغة العربية.

٦- لا تساعد البيئة المدرسية التلاميذ في تعليم اللغة العربية.

٧- تترك الإدارة المدرسية الحرية للمعلم بتدريس أي من مقررات اللغة العربية يقع على يده.

٨- لا يوجد تنسيق بين المدارس الأهلية في توحيد مناهج اللغة العربية.

٩- يفقد المعلم المرشد الذي يعينه في تدريس مقررات اللغة العربية بالمدارس الأهلية.

١٠- لا تتوافر مقررات اللغة العربية في أيدي التلاميذ بالمدارس الأهلية.

ثالثا: السنغال: شيخ صمب (٢٠٠٠): مشكلات تعليم اللغة العربية في المدارس العربية الأهلية بالسنغال، دراسة ميدانية، أطروحة دكتوراة، مناهج وطرق تدريس، كلية التربية والدراسات الإسلامية، جامعة إفريقيا العالمية، غير منشورة.

وفقا لأهم نتائج هذه الأطروحة- فإن أهم التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية، في السنغال- تتمثل في:

١- إن مناهج اللغة العربية لا تناسب الدارس السنغالي.

٢- إن غالبية المدارس العربية لا تهتم بالنشاط الصيفي.

٣- إن غالبية المدرسين في تلك المدارس في حاجة ملحة إلى التكوين التربوي.

٤- غياب الوسائل التعليمية الحديثة، بجانب التجهيزات المدرسية.

٥- إن أساليب القياس والتقويم ليست واضحة في أذهان كثير من أصحاب المدارس، وبالتالي ليست مطبقة بطريقة علمية.

٦- إن العامل الديني ساهم في عدم اعتراف الدولة باللغة العربية.

٧- إن الإشراف التربوي في المدارس العربية الخاصة ليس له جدوى.

رابعا: أوغندا: مبارك خميس ويسوا (٢٠١١): مشكلات تعليم اللغة العربية وتعلمها في المعاهد والمدارس الإسلامية الثانوية في يوغندا، دراسة وصفية تحليلية في الفترة من ١٩٩٦- ٢٠٠٦، أطروحة دكتوراة، مناهج وطرق تدريس، كلية التربية، جامعة إفريقيا العالمية، غير منشورة.

وفقا لأهم نتائج هذه الأطروحة- فإن أهم التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية، في يوغندا- تتمثل في:

١- أهداف تعليم اللغة العربية غير مشتقة من بيئة الدارس.

٢- الزمن المخصص لتدريس اللغة العربية في المعاهد والمدارس الإسلامية الثانوية الأهلية غير كاف.

٣- إن معظم المعلمين يعانون من ضعف المرتبات لقلة الإمكانات المادية في المعاهد والمدارس الإسلامية الثانوية الأهلية. ولذلك من بينهم من هم غير راضين عن مهنة التدريس.

٤- أن أكثر المعلمين لا يستخدمون الوسائل التعليمية، ولا طرائق تدريس أخرى غير طريقة الترجمة والقواعد.

٥- أنه لا يوجد للمناهج كتب مدرسية كافية، ولذلك تضيف إليها المدارس كتبا وافدة من دول عربية مختلفة.

٦- حاجة المناهج التعليمية في المعاهد والمدارس إلى التقويم والتطوير والدعم من قبل الدول العربية.

٧- مباني بعض المعاهد غير كافية لعدد الدارسين، عليه تقام بعض الفصول الدراسية تحت ظلال الأشجار.

٨- تدرس جميع المعاهد بجانب اللغة العربية، المنهج الحكومي.

قراءة للتحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية في الدول الإفريقية الأربع:

يتضح من الوقوف المتأني على التحديات، التي أوردناها قُبيل قليل لكل دولة من الدول الأربع على حدة- أن هناك تحديات مشتركة تتركز بوضوح في محورين أساسيين، هما:

١- المنهج.

٢- المعلم.

ويبدو أن هناك شبه اتفاق في أن هذين المحورين- يمثلان أهم التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية في الأقطار الأربعة.

إن معلم اللغة العربية في إثيوبيا غير مدرب، ووضعه الاقتصادي صعب، ولا يستخدم وسائل حديثة، ولا طرائق تعليمية حديثة. والمعلم نفسه في تشاد غير مدرب، يعاني صعوبات تقف عقبة في دوره التربوي في المواقف التعليمية مهنيا وفنيا. وهو له الحرية في تدريس أي منهج يقع في يديه، حتى لو لم يكن مدربا عليه، كما أنه يفتقد المرشد الذي يعينه في تدريس مقررات اللغة العربية. أما في السنغال فإن معلم اللغة العربية يحتاج إلى التكوين التربوي، ويجهل أساليب القياس والتقويم، وذلك على يبدو أنه لم يدرب على ذلك، كما أن المعلم لا يستخدم الوسائل التعليمية الحديثة. وفي يوغندا يعاني معلم اللغة العربية من ضعف المرتبات، وأن عددا معتبرا من المعلمين غير راض بمهنة التدريس. إضافة إلى أنه لا يستخدم الوسائل التعليمية الحديثة، ولا يستخدم كذلك طرائق التدريس الحديثة.

أما فيما يخص محور مناهج اللغة العربية- باعتبارها من أهم التحديات التي تواجه تعليمها، فتشير لنا أهم النتائج التي تم استعراضها من قبل بأن تلك المناهج المستخدمة في إثيوبيا تتصف بأنها متعددة ووافدة من دول عربية وإسلامية مختلفة. كما أنه لا يوجد منهج دراسي شامل للغة العربية. أما في تشاد فتتصف المناهج بأنها وافدة لا يوجد ضمنها منهج وطني، كما أن مناهج اللغة العربية تعدد في المرحلة الواحدة، وفي المدرسة الواحدة، وفي الفصل الواحد، وأنه لا يوجد تنسيق بين المدارس الأهلية في توحيد مناهج اللغة العربية، علاوة ذلك أنها غير متوافرة. وأما مناهج اللغة العربية في السنغال- فيمكن وصفها بأنها لا تناسب الدارس السنغال، لأنها، فيما يبدو، وافدة من الخارج. وأما مناهج اللغة العربية في يوغندا فوافدة من دول عربية عديدة مختلفة، وغير كافية، كما أنها تحتاج إلى التقويم والتطوير، وإلى الدعم من الدول العربية، إضافة إلى ذلك فإن أهدافها غير مشتقة من بيئة الدارس اليوغندي.

هناك تحدّ مهم يواجه تعليم اللغة العربية- يتمثل في دولتين فقط، برز لنا في إثيوبيا والسنغال، ويتمثل ذلك التحدي المهم في أن إثيوبيا لا تعير اهتماما للغة العربية، ترتب على ذلك أنها لا تدرجها في المدارس الرسمية، وعدم اعتراف الدولة باللغة العربية، الذي لم يجعل منها مادة إجبارية مردّه إلى العامل الديني، الذي أوضحته نتيجة في الأطروحة الخاصة بإثيوبيا. والعامل الديني نفسه، أسهم بشكل مباشر في عدم اعتراف الدولة في السنغال باللغة العربية، وبالتالي لم تدرج في المدارس الرسمية. كما أن هناك تحدّيا مهما آخر يتمثل في دولتين، هما: إثيوبيا ويوغندا. ويتمثل هذا التحدي في أن عدد حصص اللغة العربية، في إثيوبيا، مقارنة بالمواد الدراسية الأخرى قليل. أما في يوغندا فالزمن المخصص لتدريس اللغة العربية غير كاف.

هناك عدد من التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية انفردت بها كل دولة من الدول الأربع: ففي إثيوبيا تمت الإشارة إلى أن تجزئة اللغة العربية إلى فروع متعددة، يدرس كل فرع فيها منعزلا، صعّب تدريس اللغة العربية، كما تمت الإشارة إلى أن رغبة بعض الطلاب متدنية جدا في دراسة اللغة العربية، ولم يتم تحديد السبب الذي يقف وراء ذلك. أما فيما يخص تشاد فقد ذكر أن الأسرة ومجالس الآباء والمعلمين وبعض خلاوى القرآن الكريم لا تساعد على تعليم اللغة العربية. كما أن البيئة المدرسية نفسها لا تساعد في ذلك. وأما في السنغال فهناك تحديان انفردت بهما، وهما: عدم الاهتمام بالنشاط الصيفي، وأن الإشراف التربوي على تدريس اللغة العربية لا يتم بالصورة المطلوبة. وفي يوغندا يبرز لنا تحديان، هما: أن الفصول غير كافية لتدريس العربية، مما يستدعى انعقاد تدريس اللغة العربية تحت ظلال الأشجار. وأن جميع المعاهد الإسلامية، تدرس بجانب اللغة العربية المنهج الحكومي، والذي، فيما يبدو، تكون العربية ضحية له، لأن تدريس المنهج الحكومي يكون، عادة، على حساب الزمن المخصص للغة العربية.

مقترحات وحلول:

على الرغم من أن التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية كبيرة، بعضها يشبه الأمراض المزمنة، وبعضها يمكن إرجاعه للكلفة المالية العالية- لكن يضحى أمر مجابتها حتميا. وفي هذا المجال نقترح التالي، لمجابهة أهم تلك التحديات:

١- السعي لاستبدال كتب تعليم العربية (أو مناهجها) التي تستعمل في الدول الأربع، وهي كتب صممت لتعليم العربية للناطقين بها، بكتاب (أو منهج) لكل دولة على حدة، يراعى في تصميمه التعليمي، الظروف البيئية المحلية للدولة المعنية. ثم يتم توزيعه، مرفقا بمرشده أو مراشده لتلك المدارس والمؤسسات التي تتولى تعليم اللغة العربية لتنفيذه.

٢- تدريب المعلمين من الدول الأربع المختارة، والشبيهة بوضعها، في معاهد متخصصة في إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى، مثل: معهد الخرطوم الدولي للغة العربية في الخرطوم، الذي يتبع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (جامعة الدول العربية)، ومعهد تعليم اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في المملكة العربية السعودية.

٣- استقطاب الدعم من الدول والمنظمات والمؤسسات الخيرية التطوعية العاملة في مجال التعليم، بهدف تهيئة البيئة التعليمية للمدارس، ومدها بوسائل التدريس الحديثة، وتحفيز معلمي اللغة العربية لأداء دورهم بكفاية عالية.