أحمد لطفي السيد ... أول رئيس لجامعة القاهرة

أحمد لطفي السيد ... أول رئيس لجامعة القاهرة

وُلد أحمد لطفي السيد في الخامس عشر من يناير العام١٨٧٢ م، بقرية "برقين" التابعة لمحافظة الدقهلية بمصر، ونشأ في أسرة على جانب من الثراء؛ فعُني أبوه عمدة القرية آنذاك بتعليمه، فألحقه بكُتاب القرية، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة المنصورة الابتدائية عام ١٨٨٢م،  ارتحل أحمد إلى القاهرة ليدرس بمدرسة الحقوق الخديوية التي كانت آنئذ مدرسة لتفريخ الخطباء والمحامين والقادة السياسيين، وكانت بطبيعة الحال محط أنظار الأعيان المصريين لضمان مستقبل مرموق لأبنائهم،  وفي أثناء دراسته تعرّف على سعد زغلول والشيخ على يوسف وحفني ناصف،  وهكذا بدأ السيد يشق طريقه في الاتجاه الذى أصبح فيه بالتدريج شخصية مصرية مرموقة. 
شارك لطفي في تأسيس جمعية سرية مهمتها النضال لتحرير مصر من الاحتلال البريطاني مع عدد من أصدقائه، من ضمنهم عبد العزيز فهمي. ثم التقى في القاهرة بمصطفى كامل بعد تشكيل تلك الجمعية. فقال له مصطفى كامل: «الخديو عباس يعلم كل شيء عن جمعيتكم السرية وعن أغراضها. وأظن أنه لا تنافس فيها بين أن نشترك معا في تأليف حزب وطني تحت رئاسة الخديو». فوافق السيّد على الاقتراح. فأرسله مصطفى كامل إلى الخديو عباس الذي طلب منه أن يسافر إلى سويسرا لاستكمال معارفه وللحصول على الجنسية السويسرية لأغراض تتصل بالعمل الثوري في مصر في شروط أفضل في ظلّ الاحتلال البريطاني. ذهب السيّد إلى سويسرا وأقام في جنيف فترة من الزمن. ثمّ عاد إلى مصر ليتابع ما كان قد بدأه في العمل الوطني لتحرير مصر من الاحتلال البريطاني. وكان أول ما قام به بعد عودته من جنيف لقاءه مع مصطفى كامل والذهاب برفقته إلى منزل محمد فريد للمشاركة في تأسيس الحزب الوطني كجمعية سرية يرأسها الخديوى عباس وعدد أعضائها تسعة. وكانت للمشاركين في التأسيس أسماء سرية، أذكر منها اسم الخديو «الشيخ» واسم مصطفى كامل «أبو الفداء» واسم أحمد لطفي السيد «أبو سليم».
وأثناء زيارته لچنيف تعرف على الشيخ محمد عبده الذي شجعه؛ وعلى أثر هذا التشجيع قام أحمد لطفي السيد وجماعة من نابغي مدرسة الحقوق بإنشاء مجلة «التشريع»، كما التقى بجمال الدين الأفغاني أثناء زيارته لإسطنبول سنة ١٨٩٣م وتأثر بأفكاره.
ومن أبرز الأشياء التي حدثت لـ«أحمد لطفى السيد» في مدرسة الحقوق، هو إجابته عن سؤال جاءه في امتحان مادة العلوم العربية للسنة الثالثة، حيث طلب من الطلاب أن يكتبوا في موضوع حق الحكومة في معاقبة الجاني، فتناول الموضوع من جوانبه كلها، وتحدث عن المذاهب الأربعة التي أنشأها علماء الجنايات في شروحهم على قانون العقوبات، ثم نقض كل مذهب على حدة، وخلص في نهاية كلامه إلى نتيجة كان يمكن لو ان الدنيا وقتها لم تكن سهلة، أن تهدد مستقبل حياته كله، حيث قال: إن الحكومة ليس من حقها معاقبة الجاني، لأن الحكومة عندنا نشأت بالقوة، والقوة لا تعطى الحق وإنما الذى يعطيه هو العقد فقط، وليس هناك أي عقد بين الحكومة وبين الأمة.

من حسن حظ «أحمد لطفي السيد» أن رئيس لجنة الامتحان في ذلك، كان هو الشيخ «محمد عبده»، الذي ما إن رآه واقفا أمامه في الامتحان الشفهي، حتى بادره بقوله: إني أهنئك على ما كتبته، وقد أعطيناك الدرجة العليا. كانت هذه الكلمات من الشيخ «محمد عبده» هي التي منحته الثقة فيما بعد، فكان قويا في الحق لا يخشى لوم اللوام.
أتم لطفي دراسة الحقوق عام ١٨٩٤ م؛ ليقضى بعدها عدة سنوات من عمره في وظائف الحكومة، بدأها كاتباً في النيابة العمومية، ثم أصبح سكرتيرا للأفوكاتو العمومي، فمعاوناً للنيابة في بنى سويف، ثم وكيلاً للنيابة عام ١٨٩٦م، وظل في وظيفته الأخيرة حتى استقال منها عام ١٩٠٥م لخلافه في بعض المسائل القانونية مع النائب العمومي الإنجليزي آنذاك. واشتغل لطفي بعد ذلك بالمحاماة بعضاً من الشهور عام ١٩٠٦م، تفرغ بعدها للاشتغال بالصحافة والسياسة.
وفى العام ١٩٠٧م، شارك تأسيس حزب الأمة وتولى هو سكرتارية الحزب، ورأس صحيفته المعروفة باسم "الجريدة"، وقد استمرت رئاسته للجريدة سبع سنوات وبضعة أشهر توقفت بعدها تماماً؛ وكانت سياسة الجريدة تقوم على الدعوة إلى فكرة "مصر للمصريين"، ومهاجمة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها السلطان عبد الحميد الثاني. وكان وراء حملة التبرعات الخاصة بإنشاء أول جامعة أهلية في مصر العام ١٩٠٨م "الجامعة المصرية".


بعد إغلاق الجريدة عُين أحمد لطفي السيد مديراً لدار الكتب خلفاً لمديرها الألماني الجنسية، وكان أول مدير مصري لها، فانفسح الوقت له، فترجم بعض أعمال أرسطو، ودعا إلى ترجمة الكتب الأخرى، وندب من وثق بهم للاضطلاع بنقل الثقافة الغربية إلى العربية، ويُذكر له أنه في أثناء عمله بدار الكتب أنشأ مجمعاً لغوياً عُرف باسم "مجمع دار الكتب"، غير أن هذا المجمع الوليد لم تطل به الحياة، فانطوت صفحته بعد عام من إنشائه، كما ألف كتابين " تأملات" و "قصة حياتي".

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى العام ١٩١٨م، استقال أحمد لطفي السيد من دار الكتب، واشترك مع سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلى شعراوي وغيرهم في تأليف وفد للمطالبة بالاستقلال، وكان من شأن المطالبة أن نُفي سعد زغلول ورفيقاه إلى خارج البلاد، وظل أحمد لطفي السيد في القاهرة يحرر بيانات الوفد ومذكراته، وتطور الأمر إلى رضوخ بريطانيا للتفاوض، وتشكلت وزارة حسين باشا؛ فأفرجت عن الزعماء المنفيين، وسافر لطفي السيد مع الوفد المصري إلى باريس، لعرض مطالب مصر على مؤتمر السلام المنعقد في فرساي.

اعتزل أحمد لطفي السيد العمل السياسي.. عقب اشتعال الخلاف بين رئيس الوزراء آنذاك مع سعد زغلول على رئاسة المفاوضات، فعاد إلى العمل بدار الكتب مديراً لها حتى مارس من العام ١٩٢٥م، انتقل بعدها للعمل أستاذًاَ بالجامعة المصرية، بعد أن أنشأتها وزارة المعارف وضمت إليها ما تبقى من الجامعة المصرية الأهلية، وفي عهده اتسعت الجامعة؛ كما قبلت الجامعة العام ١٩٢٩م أول مجموعة من الفتيات للالتحاق بها، وكان ذلك مأثرة له في سبيل النهوض بالمرأة، والمحافظة على حقها في التعليم، واستكمالاً لمسيرته  أصبح وزيراً للمعارف العمومية في وزارة محمد محمود باشا الأولى – وزارة اليد القوية – ( ١٩٢٨ – ١٩٢٩م )، كما شاركه أيضًاً في وزارتيه الثانية والثالثة ( ١٩٣٨ – ١٩٣٩م) وزيراً للدولة ثم للداخلية.
 صادف خلال وجوده في الوزارة أن أقصى عميد الأدب العربي طه حسين من الجامعة بسبب كتابه «الشعر الجاهلي» فقدّم السيّد استقالته من الوزارة احتجاجا على ذلك القرار، عاد بعدها ثانية مديراً للجامعة المصرية. وطالب باستقلال الجامعة، وحين اقتحمت الشرطة حرم الجامعة تقدم لطفي باستقالته عن رئاسة الجامعة العام ١٩٤١م.
 وهو صاحب المقولة الشهيرة: «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.» كما نادى بتحديد مفهوم للشخصية المصرية.
 وفى العام ١٩٤٥م، تولى أحمد لطفي السيد رئاسة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وظل يشغله حتى وفاته، كما كان عضواً في كثير من المجامع العلمية، مثل المجمع العلمي العراقي، والمجمع العلمي المصري، والجمعية الجغرافية المصرية. 
عين لطفي في وزارة إسماعيل صدقي العام ١٩٤٦م، وزيراً للخارجية وعضواً في هيئة المفاوضات بين مصر وبريطانيا، غير أنها فشلت، فخرج لطفي السيد من الوزارة، ولم يشترك بعد ذلك في أعمال سياسية أخرى.
تلك هي شذرات من سيرة بطل من أبطال مصر في حمل راية التثقيف والتنوير في مصر في القرن العشرين، وقد ظل أستاذًا لجيله الرائد الذي لقبه بـ أستاذ الجيل وأبو الليبرالية المصرية إلى أن غادر دنيانا في الخامس من مارس العام ١٩٦٣م بالقاهرة.
كرمته الدولة؛ فنال جائزتها التقديرية في العلوم الاجتماعية العام ١٩٥٨م، ومنحته قلادة النيل في الأول أغسطس عام ١٩٥٩م.  كما أصبح التاسع من مارس من كل عام، عيدا لاستقلال الجامعات المصرية إشادة بموقف أحمد لطفي، الذي قدم فيه استقالته من الجامعة، احتجاجا على قرار وزير المعارف "التعليم" بنقل الدكتور طه حسين من الجامعة دون موافقته أو أخذ رأى الجامعة.
وتعلق صورة كبيرة في قاعة كبيرة بجامعة القاهرة، حتى الآن، يناقش فيها الندوات والمؤتمرات التي تنادي بحرية الفكر والتعبير، التي طالما ندا بها، تحت اسم مؤسسها أحمد لطفي السيد.


المصادر
كتاب "قصة حياتي"، أحمد لطفي السيد.
موقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
جريدة الأهرام المصرية.
موقع رئاسة جمهورية مصر العربية.
.