(١) ناصر ورئاسة الوحدة الإفريقية
تاريخياً، هذه هي الرئاسة الرابعة لمصر للاتحاد الإفريقي- منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً-، فطالما حرصت حكومات مصر عبر التاريخ بأن يكون لها دورٌ فعالٌ ومميز مضطلع بمسؤلياتٍ تتناسب مع مؤهلات مصر ومتسق مع روابطها الطبيعية بقارتنا الإفريقية، مما جعلها فاعلاً إقليمياً مؤثراً في موازين القوى.
جاءت رئاسة مصر الأولى لمنظمة الوحدة الإفريقية عام ١٩٦٤م، أي بعد سنة من نشأة المنظمة وكنتيجة لجهود مصر المتواصلة تجاة إفريقيا خلال تلك الفترة، فالرئيس جمال عبد الناصر كان المُخطط والمُنظم والمشرف العام على السياسة الخارجية المصرية تجاه إفريقيا حينها، وساعده في ذلك الأجهزة الرئاسية المتمثلة في مكتب الشؤون الإفريقية لرئاسة الجمهورية بما فيه من كوادر رجال الدولة كـ"حلمي شعرواي" و "محمد فايق"، هذا وبالإضافة للجنة العليا للشؤون الإفريقية، وبعض الأجهزة التنفيذية الأخرى كالإدارة الإفريقية بوزارة الخارجية المصرية، والمحطات الإذاعية والأجهزة الشعبية كاللجنة المصرية للتعاون الأفرو-أسيوي.
لعبت مصر في تلك الفترة دور محوري في كافة ملفات القارة، و كان لها السبق في مواجهة الاستعمار التقليدي الذي جاء بعد ذلك على رأس أجندة منظمة الوحدة والتى أنشأت له "لجنة التنسيق لتحرير إفريقيا"، واستأنفت مصر دورها في دعم حركات التحرير عبر ذلك الإطار التنظيمي الإفريقي الجديد، وكانت ميزانية مصرالأكبر في المنظمة والتى قدرت وقتها حسب المادة ٢٣ من الميثاق التأسيسي بحوالي ١٠٠٫٠٠٠ جنية إسترليني.
وكان قبل ذلك لمصر السبق في دعم حركات التحرر في إفريقيا قبل إنشاء المنظمة وذلك لأنَّ "ناصر" رأى وقتها أنَّ الأمن القومي المصري مرتبط بأمن واستقلال باقي دول القارة، وبذلك فتحرير مصر من الاستعمار مرتبطًا بتحرير باقي دول القارة؛ مما آله لاستقبال عددٍ من قيادات إفريقيا في القاهرة، حيث قدم لهم الحماية وفتح مكاتب لممثلي حركات التحرر سواء من كينيا أو نيجيريا أو أوغندا أو الصومال، ثم إمداد حركات التحرر الوطنى بالمساعدات العسكرية – على سبيل المثال حركات التحرر الوطني في الجزائر- متحملاً نتيجة ذلك من اشتراك فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر، ولم يكتفِ بذلك فقط بل أسس الرابطة الإفريقية في القاهرة بغرض التنسيق بين مكاتب حركات التحرر ونشاطاتها في إطار السياسة المصرية، وقد بلغ عدد المكاتب نحو ٢٢ مكتباً وهيئة في بداية الستينات وأصدرت الرابطة عددًا من الدوريات الهامة مثل "نهضة إفريقيا" و"رسالة إفريقيا".
كما قام بتوفير التدريب لكوادر الحركات في المعاهد المصرية ومدرسة الصاعقة والكلية الحربية، وكل ذلك ساهم في إتمام "لجنة التنسيق لتحرير إفريقيا" التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية لهدفها وتحررت القارة بأكملها من الاستعمار، فقامت اللجنة بتصفية حسابها في البنوك بعد أن أتمَّت عملها بالكامل.
كما تصدرت مصر مواجهة قضايا التمييز العنصري، فرفضت "البانتوستانات"، وكانت على اتصالٍ دائمٍ مع الشعوب الإفريقية وحركات التحرر، خاصة في جنوب إفريقيا، من خلال كوادرها في القاهرة عبر البرامج الإذاعية الموجهة باللغة الانجليزية ولغة الزولو واللغة السواحيلية، ودعمها لحزب المؤتمر الوطني الافريقي (ANC)، كما قامت بتقديم الدعم لحركات ZANU التي كانت تحارب الأقلية البيضاء في رودسيا – زيمبابوي- حاليًا.
كان هذا عرضًا للظروف التي آلت بمصر رئيساً للاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الإفريقية سابقًا) في عهد عبد الناصر، فتغيرت السياسات بتغير الرؤساء ولكنها اتفقت جميعًا في خدمة قارتنا الإفريقية، فما هي الظروف التي صاحبت عودة مصر لرئاسة الاتحاد في عهد السيسي؟