مصرالأفريقية عبد الناصر وقيادة القارة نحو التحرر

مصرالأفريقية عبد الناصر وقيادة القارة نحو التحرر

 بقلم دكتور/ شريف حسن

ساهمت "مصر" بقيادة الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" بدورٍ محوري في دعم كفاح حركات التحرّر الوطني في الدول الأفريقية لنيْل استقلالها، وكان عام 1960 هو بمثابة عام التحرُر الأفريقي حيث حصلت 17 دولة أفريقية على استقلالها في ذلك العام، وهو نفس العام الذي قطعت فيه "مصر" علاقاتها الرسمية مع "اتحاد جنوب أفريقيا" في 30 مايو 1960، استجابة لمطالب ممثلي "حركة التحرير في جنوب أفريقيا" بقطع العلاقات مع النظام العنصري، ودعم إقامة دولة "جنوب أفريقيا" الديمقراطية التي يحكمها مواطنوها من الأغلبية أصحاب البشرة السمراء.

مانديلا فى مصر

استضافت "مصر" في عام 1961 الزعيم الجنوب أفريقي الراحل "نيسلون مانديلا"، الذي جاء إلى "القاهرة" وتم استضافته في المبنى رقم 5 في شارع "أحمد حشمت" في منطقة "الزمالك" في "القاهرة"، وهو مقر "الجمعية الأفريقية" التي أطلق عليها الدبلوماسيون والطلبة الأفارقة في "مصر" اسم "بيت أفريقيا، جاء "مانديلا" إلى مصر بعد رحلة شاقة، إذ جاء إليها سيراً على الأقدام من "جنوب أفريقيا"، مُتبعاً خطى المناضلين الذين سبقوه، حيث كان ثورياً ومُدرجاً اسمه على قوائم المطلوبين في المطارات والمعابر، فسار على قدميه إلى "جنوب السودان" في رحلة استغرقت قرابة الشهرين، ومنها استقل طائرة إلى "مصر"، حيث استقبله السفير "محمد عبد الغفار"، السفير فوق العادة لدى منظمة حركة التحرير الأفريقي لدول شمال أفريقيا والعالم العربي.

لقد كانت الزيارة سرية بالتنسيق مع الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر"، والسيد "محمد فايق" وزير الإرشاد القومي (الإعلام) في ذلك الوقت، والذي كان له دور بارز في التعامل السياسي والنضالي والإعلامي مع دول أفريقيا وحركات التحرر الأفريقية، وأمضى الرئيس الراحل "نيسلون مانديلا"، في "مصر" ما يقرب من عام كامل في نفس المبنى في منطقة "الزمالك".

لقد حازت "مصر" على جانب من سيرة "مانديلا" التي كتبها في فترة تواجده بالسجن واستكملها بعد خروجه، وقال فيها عن "مصر" إنها قد تملكت خياله باعتبارها مهداً للحضارة الأفريقية، وكنزاً لجمال الفن والتصميم، وأنه دائماً ما تطلع لزيارة الأهرامات وأبو الهول وعبور نهر النيل الذي وصفه بأنه أعظم أنهار أفريقيا، كما ذكر أنه ذهب برفقة زميليه في النضال «أوليفر تامبو» و"روبرت ريشا" من "أديس أبابا" إلى "القاهرة"، وأنه قضى يومه الأول في المتحف المصري يتفحص القطع الفنية ويدون الملاحظات، ويجمع المعلومات عن نمط الرجال الذين أسسوا حضارة وادى النيل القديمة، وأن اهتمامه كان كهاوٍ للآثار لأن من الضروري أن يتسلح الأفارقة بالبرهان والدليل الذي يدحض ادعاءات البيض بأن الأفارقة لم تكن لهم في الماضي حضارة تواكب حضارة الغرب، وقال مانديلا: اكتشفت في يوم واحد أن المصريين كانوا يُبدعون أعمالاً فنية عظيمة بينما كان الغربيون في الكهوف.

مصر وجنوب أفريقيا بعد التحرر من النظام العنصري

بعد الإفراج عن المُناضل "مانديلا" في فبراير 1990 قرر أن تكون "مصر" أول بلد يزورها، لتزدحم الشوارع بكل مؤيديه من المصريين والأفارقة من كل الفئات العمرية، وقد استقبلته "مصر" كرمز للنضال والكفاح من أجل الحرية.

وعقب اﻻنتخابات العامة في "جنوب أفريقيا" في أبريل ١٩٩٤، أعلنت الحكومتان المصرية والجنوب أفريقية عن رفع مستوى مكاتب التمثيل الخاصة بهما إلى مستوى "السفارات"، وهو نفس العام الذي شارك فيه وزير الخارجية المصرية في ذلك الوقت السيد "عمرو موسى" بحفل تنصيب أول رئيس منتخب في "جنوب أفريقيا" بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، الرئيس الراحل "نيلسون مانديلا"".

وشهد عام 1995، إنشاء لجنة مشتركة للتعاون بين الدولتين وتم عقد دورتها الأولى في أبريل 1996 في "القاهرة"، وتم خلالها الاتفاق على دفع العلاقات بين البلدين في جميع المجالات، وخاصة المجال التجاري بفتح أسواق "جنوب أفريقيا" أمام المنتجات المصرية وتوسيع نطاق مشاركة العديد من الشركات المصرية في المعارض السنوية التي تقام في "جنوب أفريقيا".

غير الموقف الإقليمي للزعيم جمال عبد الناصر بشكل غير متوقع عندما أطاح الضباط اليمنيون بقيادة عبد الله السلال -المؤيد لناصر- بالإمام بدر في شمال اليمن في 27 أيلول 1962. بدأ البدر وأنصاره من القبائل يتلقون المزيد من الدعم من المملكة العربية السعودية لمساعدتهم في إعادة المملكة، بينما قبل ناصر في وقت لاحق -بناء على طلب من السلال- مساعدة الحكومة الجديدة عسكريا يوم 30 سبتمبر. ونتيجة لذلك، أصبحت مصر متورطة على نحو متزايد في الحرب الأهلية المطولة في اليمن حتى سحبت قواتها في سنة 1967. معظم زملاء ناصر القدماء تساءلوا عن الحكمة من استمرار الحرب، ولكن عامر طمأن ناصر بقرب انتصارهم. قال ناصر في وقت لاحق -في سنة 1968- أن التدخل في اليمن كان «سوء تقدير».

في تموز سنة 1962، استقلت الجزائر عن فرنسا. وكمؤيد سياسي ومالي قوي لحركة الاستقلال الجزائرية، اعتبر ناصر استقلال البلاد نصرا شخصيا له. ووسط هذه التطورات، لجأت العصبة المؤيدة لناصر في العائلة المالكة السعودية بقيادة الأمير طلال إلى مصر، جنبا إلى جنب مع كبير الموظفين الأردنيين، في أوائل سنة 1963.

ناصر أمام الحشود اليمنية عند وصوله إلى صنعاء، أبريل 1964. أمام ناصر الرئيس اليمني عبد الله السلال.

في 8 شباط 1963، أطاح انقلاب عسكري في العراق بقيادة تحالف بعثي-ناصري بقاسم (الذي قتل في وقت لاحق). اختير عبد السلام عارف -الناصري- ليكون الرئيس الجديد. أطاح تحالف مماثل بالحكومة السورية يوم 8 مارس. وفي 14 مارس أرسلت الحكومتان الجديدتان العراقية والسورية الوفود لناصر للضغط عليه من أجل عمل اتحاد عربي جديد. وخلال الاجتماع، انتقد ناصر البعثيين «لتسهيلهم» خروج سوريا من الجمهورية العربية المتحدة، وأكد أنه كان «زعيم العرب». تم الاتفاق على عمل وحدة انتقالية تنص على نظام فيدرالي، ووقع الطرفان على الاتفاق في 17 أبريل، وكان من المقرر إنشاء الاتحاد الجديد في مايو 1965. ولكن تم صرف النظر عن الاتفاق في وقت لاحق عندما تخلى البعثيون في سوريا عن أنصار عبد الناصر من الضباط. وفشل بعد ذلك انقلاب مضاد قام به عقيد ناصري، وصف ناصر البعثيين بـ«الفاشيين».

في يناير 1964، دعا ناصر لعقد قمة الجامعة العربية في القاهرة، لعمل استجابة عربية موحدة ضد خطط إسرائيل لاستخدام مياه نهر الأردن لأغراض اقتصادية، والتي اعتبرتها سوريا والأردن عملا من أعمال الحرب. ألقى ناصر باللوم على الانقسامات العربية، ووصف الوضع بأنه «كارثي». شجع ناصر سوريا والفدائيين الفلسطينيين ضد استفزازات الإسرائيليين، وأعلن أنه لا يخطط لحرب مع إسرائيل. وخلال القمة، بدأ ناصر علاقات ودية مع الملك حسين، وأصلح العلاقات مع حكام المملكة العربية السعودية وسوريا والمغرب. وفي مايو، بدأ ناصر يشارك رسميا بدوره القيادي في قضية فلسطين، قبل الشروع في إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية. وقد استخدمها ناصر ليسيطر على الفدائيين الفلسطينيين. وكان رئيسها (ومرشح عبد الناصر الشخصي) هو أحمد الشقيري.

بعد سنوات من التنسيق في السياسة الخارجية وتطوير العلاقات، قام ناصر، الرئيس الإندونيسي سوكارنو، الرئيس اليوغسلافي تيتو، والرئيس الهندي نهرو بتأسيس حركة عدم الانحياز (NAM) في سنة 1961. وكان هدفها المعلن هو ترسيخ عدم الانحياز وتعزيز السلام العالمي في ظل الحرب الباردة، القضاء على الاستعمار، وزيادة التعاون الاقتصادي فيما بين البلدان النامية. وفي سنة 1964، أصبح ناصر رئيسا لحركة عدم الانحياز وعقد المؤتمر الثاني للمنظمة في القاهرة.

لعب ناصر دورا هاما في تعزيز التضامن الأفريقي في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وخلال هذه الفترة، جعل ناصر مصر ملجأ للقادة المناهضين للاستعمار، وسمح للعديد من البلدان الأفريقية ببث الدعاية المناهضة للاستعمار من القاهرة. ابتداءً من سنة 1958، لعب ناصر دورا رئيسيا في المناقشات بين القادة الأفارقة التي أدت إلى إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية في سنة 1963.