لجنة السيسا في الخرطوم..استراتيجية البحث عن حلول جديدة لمواجهة ظاهرة الإرهاب في إفريقيا

لجنة السيسا في الخرطوم..استراتيجية البحث عن حلول جديدة لمواجهة ظاهرة الإرهاب في إفريقيا
بقلم الأستاذ الدكتور/ كمال محمد جاه الله الخضر
يسعى هذا المقال إلى تقديم قراءة راصدة لجزء مختصر من مسيرة لجنة "السيسا" (لجنة أجهزة الأمن والمخابرات الإفريقية) التي امتدت لنحو عقدين من الزمن، وذلك من خلال، تحليل البيئة السودانية والإقليمية له، والبيئة الإفريقية عموما، التي ساهمت في انعقاد ورشة بعنوان: "دور التحصين والمعالجة الفكرية في مكافحة الإرهاب"، نظّمها جهاز المخابرات العامة في السودان، بالتنسيق مع أجهزة الأمن والمخابرات الإفريقي "السيسا"، يومي ٨ و٩أغسطس ٢٠٢٢، بالخرطوم. وطرحت فيها للنقاش والتداول، تجربة السودان في مكافحة ظاهرة الإرهاب بحلول جديدة، تتمثل في التحصين والمعالجة الفكرية.
لجنة "السيسا": نبذة عن مسيرة مليئة بالفعاليات:
أنشئت لجنة أجهزة الأمن والمخابرات الإفريقية، التي تعرف اختصارا بـ"السيسا" CISSA في ٢٦ أغسطس ٢٠٠٤، في مدينة أبوجا النيجيرية، من قبل رؤساء وأجهزة الأمن والمخابرات الإفريقية في إحدى الفعاليات الأمنية، بمقترح من السودان، وتمّ إقرارها بعد نحو خمسة أشهر بواسطة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية في قمة الاتحاد الإفريقي يناير ٢٠٠٥، بوصفها ذراعا أمنية للاتحاد الإفريقي. وبعد مضي نحو ١٨ عاما من التأسيس تضم اللجنة حاليا رؤساء أجهزة الأمن والمخابرات ينتمون إلى ٥٤ دولة إفريقية، انضموا إليها تدريجيا.
تهدف لجنة "السيسا" في الأساس إلى مساعدة الاتحاد الإفريقي، وجميع مؤسساته في التصدي بفاعلية للتحديات الأمنية المستعصية، التي تواجه القارة، ولتكون آلية للحوار والدراسة والتحليل والتشاور، لاعتماد استراتيجيات مشتركة، تواجه تحديات الأمن في القارة الإفريقية. كما تهدف أيضا إلى تزويد مجلس السلم والأمن الإفريقي بالمعلومات اللازمة لحفظ السلام، وفض النزاعات، إضافة إلى التعاون بين أجهزة الأمن والمخابرات في إفريقيا، وبحث المشكلات الأمنية بالقارة وإيجاد حلول بها.
يتمحور الدور الأساسي للجنة "السيسا" في تزويد القيادة بكل ما يتعلق بمسائل الأمن والمخابرات في إفريقيا؛ لترسيخ السلم والأمن والاستقرار في القارة، إضافة إلى تنسيق الاستراتيجيات بين أجهزة الأمن والمخابرات، ووضع تدابير بناء الثقة بين أجهزة الأمن والمخابرات، المنتمية إلى هذه اللجنة.
خلال مسيرة لجنة "السيسا" التي امتدت لنحو ١٨ عاما (٢٠٠٤- ٢٠٢٣)- استطاعات أن تتعاطى بمهنية واحترافية مع القضايا الكبرى، التي تواجه دول القارة الإفريقية ومجتمعاتها من المنظور الأمني، وقد حققت نجاحات معتبرة في هذا المضمار. وعلى سبيل المثال لا الحصر- أقامت "السيسا" ورشة إقليمية في الخرطوم في نوفمبر ٢٠١٣- نوقش فيها الدور السالب للحركات والمجموعات المسلحة، بمشاركة أكثر ٢٥ دولة إفريقية. وقد جاءت تلك الورشة بعد أن عقدت "السيسا" مؤتمرا لها في زيمبابوي في مايو من العام نفسه.
هدفت الورشة المشار إليها إلى التوصل لمحددات، تضع خارطة طريق، تعالج الدور السالب للحركات المسلحة، والاتفاق على أساليب وآليات عمل بين الأعضاء المشاركين من رؤساء وأجهزة الأمن والمخابرات الإفريقية، عن طريق استعراض العديد من الأوراق العلمية.
شارك في تلك الورشة، بالإضافة إلى ٢٥ دولة إفريقية، كما تمت الإشارة، عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، وكذلك ممثلو مفوضية السلم والأمن الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والسكرتير التنفيذي لمنظمة البحيرات العظمى، بالإضافة إلى الأمين التنفيذي للسيسا، فضلا عن عدد من مراكز الأبحاث.
كما عقدت لجنة "السيسا" اجتماعا مهما لها عام ٢٠١٧، يعدّ الاجتماع رقم ١٤ في مسيرتها- أعلنت فيه عن "استراتيجية وقف النزاعات في إفريقيا، بحلول عام ٢٠٢٠". وقد سعى هذا الاجتماع لتعزيز الاستقرار السياسي في إفريقيا. وتم الإجماع فيه على أن الحركات المسلحة، تمثل أكبر تهديد للأمن والسلم في القارة الإفريقية.
ومن جهة أخرى أبان المشاركون في هذا الاجتماع الذي ضم ٤٠ من قادة أجهزة أمن خبراء مختصين، بحثوا الشراكة الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار السياسي- أبانوا بأن "السيسا" تراقب أنشطة تنظيم داعش في إفريقيا، وتقيّم المعلومات التي حصلت عليها، لتقديمها إلى مفوضية الأمن والسلم التابعة للاتحاد الإفريقي.
وهكذا استمرت مسيرة لجنة "السيسا" في البحث عن حلول مشتركة لمجابهة المشكلات الأمنية، التي تهدد كيان الدول الإفريقية، وذلك عبر اللقاءات والورشات والاجتماعات الدورية وغير الدورية، ولم تدخر وسعا في البحث عن السبل المناط بها حل تلك المشكلات، حتى جاء اليوم الذي قادتها خطاها إلى حلول جديدة مبتكرة، بعد أن تأكد لها عن طريق التجربة المتواصلة أن الحلول الأمنية والقانونية لم تعد كافية وحدها، لمجابهة ظواهر معقدة مثل الإرهاب والتطرف العنيف.
ورشة "دور التحصين والمعالجة الفكرية في مكافحة الإرهاب" والبحث عن حلول جديدة:
بعد نحو عقدين من العمل الأمني والاستخباراتي المشترك، وتجريب الحلول الأمنية والقانونية في إيجاد حلول للقضايا الأمنية، التي توجه دول قارة إفريقيا، والتي أثبتت التجربة، كما تمت الإشارة، أنها غير كافية لوحدها لمكافحة تلك القضايا الأمنية المعقدة- قررت لجنة "السيسا" البحث عن وسائل جديدة مبتكرة من خارج الصندوق، لمواجهة تلك القضايا، يأتي في مقدمتها: التحصين والمعالجة الفكرية، بوصفهما حلولا، لا تنتظر القضايا حتى تتنامى وتكبر وتستشري، وإنما تسعى إلى القضاء عليها في مهدها، وفي جذورها الأولى، بل وفي الحيلولة دون إيجاد حواضن لها في المجتمعات الإفريقية، لا سيما وسط الشباب.
في هذا السياق جاء انعقاد ورشة "دور التحصين والمعالجة الفكرية في مكافحة الإرهاب"، التي نظمها جهاز المخابرات العامة في السودان، بالتنسيق مع أجهزة الأمن والمخابرات الإفريقي "السيسا"، يومي ٨ و٩ أغسطس ٢٠٢٢، بالخرطوم بفندق كورنثيا (برج الفاتح سابقا)، للتعبير عن الحلول الجديدة التي تدفع بها "السيسا" لمواجهة المشكلات الأمنية، التي تواجه دول القارة الإفريقية. مع ملاحظة أن هذه الورشة ليست الأولى للآلية الأمنية، التي تنعقد بالخرطوم لمناقشة القضايا الأمنية الملحة والمستعصية في إفريقيا، بل سبقتها اجتماعات وورشات عمل، شارك فيها قادة الأجهزة الأمنية الإفريقية.
الدلالة "الزمكانية" لانعقاد ورشة التحصين والمعالجة الفكرية:
في البدء لا بد من الإشارة إلى أن هناك دلالة زمانية ومكانية (زمكانية) لانعقاد هذه الورشة، سودانياً وإفريقياً. أما سودانياً، فقد جرت العادة وصف السودان، في حقل الدراسات الإفريقية، بأنه "مُصغّر إفريقيا" أو "إفريقيا المصغرة"، كناية عن أنه يعكس قارة إفريقيا بكل تنوعها الإثني واللغوي والثقافي والديني، إضافة إلى أنه يعكس ما تمرّ القارة بكل تنوعات المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وقد بدأ، على سبيل، التحارب بين مكوناته بين الحكومة والحركات المناوئة لها منذ ما قبل الاستقلال إلى يوم الناس هذا. إضافة إلى حروب ونزاعات بين المزارعين والرعاة، وحروب على الموارد الطبيعة، التي تعاني، مؤخرا، من التصحر والزحف الصحراوي والجفاف، وغير ذلك.
وسودانياً أيضا، وبسبب موقعه الجيواستراتيجي- لعب السودان ويلعب، في هذه الفترة، دورا رائدا من أجل القارة الإفريقية عبر تصديه لظاهرة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وكافة أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود، لأنه ظل يواجه التطرف العنيف والإرهاب، ويبذل جهودا كبيرة في مواجتها. مما أكسبه خبرة معتبرة في هذا المجال.
وتأكيدا على أن البيئة السودانية متناغمة مع هذا الحدث- يجيء اختيار السودان مقرا لانعقاد هذه الورشة النوعية، وفي رأي بعض المسؤولين السودانيين، هو مؤشر لنجاحها، لا سيما أن اختياره في هذا التوقيت ينبني على استباقية دقيقة، لما يجري حول العالم من تحولات وتوقعات، حملتها تحليلات منشورة- ترشح بأن قارة إفريقيا ستكون الوجه القادم لتوطين المنظمات الإرهابية، مما يؤكد على ثقة "السيسا" ومتابعتها وتحوطاتها لظاهرة الإرهاب بتدابير استباقية، يبدأ الاستعداد لتلك التدابير والتحوطات من الخرطوم، حيث اكتملت فيما يبدو الجاهزية لتقديم حلول غير تقليدية لظاهرة الإرهاب، تودّ الخرطوم عرضها ومناقشتها، للوصول عبرها لاتفاق يقضي على ظاهرة الإرهاب في إفريقيا من جذورها.
وأخيرا، وهو الأهم، تريد الخرطوم من خلال هذه الورشة تقديم تجربة السودان في التحصين والمعالجة الفكرية، التي جرّبتها خلال الفترة الماضية، كإحدى الطرق لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، حيث إن التجربة السودانية في التحصين، والمعالجة الفكرية- تجربة، حسب وصف أحد المسؤولين بمفوضية الشؤون السياسية والأمن بالاتحاد الإفريقي، متفردة، أثبتت نجاحها. وهي تتوافق مع المواثيق الدولية والإقليمية، فيما يتعلق بإقرار حقوق الإنسان في السلم والحرب، وهي إضافة حقيقية لتعزيز التنمية والاستقرار في القارة الإفريقية.
وأما من حيث دلالة "الزمكانية" الإفريقية- فتنعقد ورشة "دور التحصين والمعالجة الفكرية في مكافحة الإرهاب"، حسب رأي ممثل "السيسا"، المشارك في هذه الورشة- في ظل تحديات تشهدها القارة الإفريقية، وكافة مناطق العالم، وفي مقدمتها المخاطر المرتبطة بالإرهاب العابر للحدود متعدد الأوجه، والأذرع، والذي يعمل على تفتيت المجتمعات، وهدم مفاهيم الدولة الوطنية لصالح ترويج أفكار متطرفة، تدعو لكراهية الآخر، وتعرقل كل ما من شأنه دفع الإنسانية للأمام، وتربك خطى الدول الإفريقية تجاه تحقيق تنميتها ورخائها.
كذلك فإنه في هذه الفترة تواجه القارة الإفريقية تحديات خطيرة، اتصالا بالأزمة الروسية الأوكرانية، المستمرة حاليا، التي حملت البشرية أعباء كبيرة، لا سيما المتعلقة بالغذاء والطاقة، وأصبحت تمثل تهديدا للأمن والاستقرار في كل الدول الإفريقية. إضافة إلى متغيرات سياسية كبيرة قد طرأت في هذه الفترة على الساحة الإفريقية، كان لها انعكاساتها السالبة في الأوضاع الأمنية، بما يمكن أن يهدد الأمن والسلم الإقليمي ودول المنطقة، بل إن القارة في هذه الفترة أصبحت تواجه تهديدا مباشرا من أنشطة التطرف العنيف وتداعياتها، على كافة المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
ومن جانب آخر، تحمل التقارير الإعلامية، في هذه الفترة، وفقا لوصف بعض المسؤولين الأمنيين الإقليميين، بما مفاده أن المنظمات الإرهابية في إفريقيا لا تزال تحتفظ بالقدرة على التأثير، حيث يتجلى ذلك في قدرتها على شنّ هجمات وإلحاق الضرر بقوات الأمن والمدنيين وتدمير الممتلكات. كما يوجد بإفريقيا حاليا بعض من أكثر الجماعات الإرهابية خطورة في العالم، حيث تشهد انتشارا وتوسعا غير مسبوق في إفريقيا.
وفي ذات السياق، يأتي انعقاد هذه الورشة، في أعقاب جائحة كرونا التي دمرت اقتصادات الدول، في وقت تشهد فيه القارة الإفريقية تحديات كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية. كما يأتي انعقادها في ظل أعمال إرهابية، حسب رأي أحد المسؤولين الأمنيين الإقليميين، من مجموعة شباب الدولة الإسلامية في جمهورية الكنغو وموزمبيق. وكذلك تصاعد التعصب والتطرف في القارة الإفريقية بسبب عوامل، تشمل الفقر والبطالة والتهميش ومسألة تقديم الخدمات وعدم المساواة والافتقار للفرص الاقتصادية والصراعات الدينية.
يفهم من خلال تحليل البيئة الإفريقية الداخلية، التي استدعت قيام الورشة، أنه لا يوجد أمام الدول الإفريقية، وفقا لأحد المسؤولين الأمنيين- سبيل سوى الاستمرار في بذل أقصى الجهد للحفاظ على أمن ووحدة القارة الإفريقية؛ لتحقيق حلم وتطلعات شعوب القارة الإفريقية في الاستقرار والازدهار، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن نجاح منظومة العمل الأمني متعدد الأطراف تحت مظلة "السيسا"- سيسهم بشكل مباشر في خدمة أهداف الأمن الإقليمي والدولي. وعلى أهل الاختصاص مداومة الجهد لتطوير أدوات العمل، التي من شأنها أن تخلق تكاملا يستجيب للتحديات العديدة الناشئة وغير التقليدية؛ مما يعني تغيير أساليب الحل التي تم اختبارها لسنوات، بأساليب وحلول جديدة، لم يتم استخدامها من قبل.
الحق أن البيئة الداخلية للسودان، والبيئة الإقليمية المرتبطة به، والبيئة الإفريقية عموما- هيأت الجوّ لانعقاد ورشة "دور التحصين والمعالجة الفكرية في مكافحة الإرهاب"، بالخرطوم، والتي يطرح عنوانها حلولا جديدة غير تقليدية لأحد التحديات الأمنية المستعصية، التي تواجه الحكومات والمجتمعات الإفريقية. كما أن عنوان الورشة يريد أن يقول إن الحلول الأمنية والقانونية، التي جربت مرارا وتكرارا، وحدها لا تكفي لمحاربة هذه الظاهرة المتنامية المعقدة، وذلك أن التحصين يحول دون اكتساب الإرهاب حواضن جديدة، وأن المعالجة الفكرية تقضي على تلك الظاهرة في مهدها وجذورها، إضافة إلى أن الوسائل الفكرية تقف حاجزا دون تقبل العقول لما يطرح من قبل من يتبنون هذه الظاهرة.
مهما يكن الأمر، فقد أقيمت الورشة يومي 8 و9 أغسطس 2022، وشارك فيها 25 جهاز استخبارات، وأمن عضو في لجنة "السيسا"، أبرزهم مديرو مخابرات إثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا، بجانب خمسة مراكز متخصصة. كما شهد اللقاء مشاركة رئيس المخابرات العامة السعودية، وكذلك مندوبون رفيعو المستوى من أجهزة مخابرات: فرنسا وقطر وتركيا والإمارت، باعتبارهم مراقبين، وشرف الجلسة الافتتاحية للورشة رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
قدمت في الورشة ثلاث أوراق عمل بحثية من طرف جهاز المخابارت العامة السوداني، لم نتمكن من الحصول على عناوين تلك الأوراق على وجه التحديد، ولكن من خلال طبيعة عنوان الورشة، ومخرجاتها المتمثلة في التوصيات، التي أعقبت التداول في محتوى تلك الأوراق- نتوقع أن يكون محتواها قد ركز على تقديم تجربة السودان في محاربة ظاهرة الإرهاب، ومواجهته لهذه الظاهرة عن طريق التحصين والمعالجة الفكرية، عبر فتح النقاش حولها تقويما وتطويرا، تمهيدا للاستفادة منها على مستوى القارة الإفريقية، وباعتبار أن تلك التجربة تنقل عملية مكافحة الإرهاب من الحلول التقليدية المجربة إلى حلول مبتكرة جديدة، خارج الصندوق.
وانطلاقا من ذلك يمكن القول إن هذه الورشة، التي يعتقد أنها وضعت الأسس الراسخة لتحصين الدول والمجتمعات الإفريقية من مخاطر الإرهاب- طرحت موضوع الإرهاب، باعتباره من أهم التحديات الأمنية المستعصية، التي تواجه الدول الإفريقية، ولا يستثني من ذلك دولة، لا سيما بعد القضاء عليه إلى حد كبير في مناطق أخرى من العالم. كما أنها طرحت أيضا حلولا من وحي تجربة السودان العملية في هذا المجال، والتي تريد أن تقول من خلالها إن الحلول الأمنية والقانونية التي جربت لفترات طويلة في مكافحة الإرهاب، لم تعد وحدها كافية لمجاربة هذه الظاهرة المعقدة. وإنه من الأفضل القضاء على هذه الظاهرة في مهدها وجذورها عبر التحصين والمعالجة الفكرية.
المهم، أنه بعد العرض والنقاش والتداول ليومين كاملين- أوصى المشاركون في الورشة بتوصيتين أساسيين، هما: إنشاء مركز قاري للتحصين والمعالجة الفكرية ضد الإرهاب. والاستفادة من الخبرة السودانية في هذا المجال.
كما أوصى المشاركون، أيضا، بسلسلة من التوصيات، التي من شأنها أن تدعم التوصيتين الأساسيتين، المشار إليهما، لعل أهمها:
١- ضرورة تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الأجهزة الأعضاء في لجنة "السيسا".
٢- القيام بنشاطات وعمليات مشتركة بينهم.
٣- على مفوضية الاتحاد الإفريقي ولجنة الاستخبارات الإفريقية (السيسا) والآليات الإقليمية- تقديم المساعدات للدول، التي ظهرت فيها مؤخرا تهديدات أمنية إرهابية في المنطقة.
٤- على الدول الأعضاء التي لم تسلم قوائمها الخاصة بالأفراد والكيانات الإرهابية تسليمها.
٥- على الدول الأعضاء تبني استراتيجيات، تكون مبنية في الأساس على إدماج الشباب والمرأة في المجتمع.
نتائج واستنتاجات:
نخلص مما تم استعراضه في هذا المقال من محاور- إلى التالي:
أولا: إن فكرة لجنة "السيسا" في حدّ ذاتها فكرة موفقة في عالم يوجب التحالفات والتجمعات والاتحادات، وبغير ذلك يصعب على الدولة المفردة الحصول على أي منجز، يحقق لها الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي.
ثانيا: إن لجنة "السيسا" شهدت في بداية ميلادها عدم إجماع على أهدافها، وبالتالي بدأ الانضمام إليها من قبل عدد من الدول الإفريقية بصورة تدريجيا، بعد أن تأكد لتلك الدول أن بإمكان هذه اللجنة القيام بجملة من الأدوار السياسية والأمنية المهمة.
ثالثا: إن القضايا والمشكلات التي تواجهها لجنة "السيسا" في الإطار الإفريقي ليس بالإمكان التصدي لها من قبل أية دولة إفريقية منفردة، أو حتى من قبل دول إقليم منفرد، وإنما يتوجب التصدي لها بصورة جماعية، تشترك فيها الدول الإفريقية كلها.
رابعا: إن مستقبل عمل لجنة "السيسا"، وما سوف تحققه من منجزات على كافة الأصعدة، يرتبط ارتباطا عضويا ببناء الثقة بين مكونات اللجنة، وبالتنسيق الجماعي، وبالتبادل للمعلومات والبيانات، التي تخص القضايا محل المواجهة، بشفافية تامة، إضافة إلى الجدية في المواجهة لتلك القضايا، مع عدم تصنيف تلك القضايا إلى مرجعية إثنية أو ثقافية أو دينية.