وليد محمود يكتب: المرأة في القبائل الأفريقية

وليد محمود يكتب: المرأة في القبائل الأفريقية

                                    كتب: وليد محمود 

في الدراسات الانثربولوجية التقليدية القديمة والتي اتسم غالبيتها بالمنهج الاثنوجرافي وبعض السطحية في النظرة للترابط بين الانساق المختلفة للمجتمعات الأفريقية، كان وصف المرأه غالباً ما يتسم بالضعف وتهميش دورها الإجتماعي لان معظم الباحثين كانوا من الرجال الذين نظروا الي القوي المعلنة دون النظر للقوي المستترة وإدارتها لكثير من الامور من خلف الستار، فكما قال العالم نيلسون أن المرأة في المجتمعات  الأفريقية ليست بذلك الضعف الذي صورته لنا الكتابات الأنثروبولوجية التقليدية فواقع هذه المجتمعات يؤكد مدي قصور الباحثين في إدارك مفهوم القوي والسلطة، ومن ثم تفهمهم لوضع المرأة الحقيقي في هذه المجتمعات.

وظل تأثير جنس الباحثين يلقي بظلاله علي معظم الدراسات الانثربولوجية وساعد علي ذلك طبيعة وعادات الشعوب التي كانت تقيد حرية المرأة في التنقل والعمل التي أثرت علي جودة وتنوع مواضيع البحوث الانثربولوجية لحين انتهاء الحرب العالمية الثانية وما تبعها من ظهور الحركة النسوية التي نادت موجتها الأولي  بالمساواة بين الجنسين سياسياً وإقتصادياً من خلال منظور العداله الإجتماعية مما ساعد علي ظهور فرع جديد للأنثربولوجيا يطلق علية أنثربولوجيا المرأة لسد النقص الموجود في تحليل الأدوار الظاهرة والخفية للمرأه داخل المجتمعات البسيطه بقارة افريقيا. 

وأثر ذلك بشكل مباشر علي ثقافة كثير من الباحثين كما اشار ايفانز بريتشارد في مقالته الشهيرة التي قارن فيها بين وضع المرأة في الغرب و"المرأة البدائية" حسب وصفة والتي توصل فيها أنه من الصعب إن لم يكن مستحيلاً أن يخضع تقويم وضع أي مرأة في المجتمعات البسيطة للموضوعية لأن أي تقويم أو حكم إنما يصدر من خلال نظرتنا المتشبعه بثقافتنا وأرائنا وممارستنا مما يجعل الحكم سطحياً لانه اعتمد علي رؤيتنا لتلك الوقائع إنها غريبة ولم يعتمد علي علي دراسة الوقائع الإجتماعية الخفية التي توجد وراء تلك الممارسات والوقائع.

وبزيادة عدد الدراسات الميدانية المقدمة عن المجتمعات التقليدية في أفريقيا أتفق علماء الأنثروبوجيا الإجتماعية والسياسية المهتمون بالمجتمعات القبلية علي وجود مجالين داخل المجتمع الواحد، مجال عام ومجال اخر خاص كما اتفقوا علي وجود درجات تباعد وتقارب بين المجالين ويختلف تاُثيرهما من مجتمع لأخر مما يعطي خصوصية ثقافية لكل مجتمع واعتبروا أن المجال العام هو مجال الرجل وما يتعلق به من انشطة اقتصادية وسياسية ودينية أما المجال الخاص فهو خاص بالمرأة في دائرة الاعمال المنزلية وما يرتبط بة من تربية للأطفال وبعض الاعمال البسيطة مثل الرعي وحلب الأبقار وخلافه، مع اعتبار المجال الخاص مساو ومكمل للمجال العام وليس أدني أو أقل منه وإن كانت تختلف درجاته من مجتمع لأخر طبقاً للثقافة السائدة داخل المجتمع بذاته.

فمجال الأسرة النووية والاعمال منزلية هما اصغر وحدات البناء القبلي ونظروا لدور المرأه ككل مركب حيث ان كل دور من ادوارها هو مصدر خفي لسلطتها الإقتصادية والسياسية لذلك فمن الصعب أن يتم حصر ادوار المرأة فالمجال الخاص فقط ولا يصح تجاهل تلك الأدوار وتأثيرها الذي يمتد للمجال العام ويؤثر فيه أو يتأثر به مما جعل المرأة تطوع تلك الأدوار لخدمة مصالحها وخاصة ان المجتمعات القبلية تنظر للمرأة بنظرة احترام وتقدير وتري فيها مقوم مهم من مقومات استمرار وبقاء المجتمع نفسه. 

والدور الأساسي للمرأة في المجتمعات القبلية الافريقية هو إعداد الطعام والرعاية المنزلية فضلاً عن توفير الإمداد الغذائي للمنزل طوال العام الذي يعتمد في الغالب علي الألبان والذرة والسمسم والبقول كما عليها القيام باعمال النظافة وتربية الأطفال والعمل علي تطويعهم اجتماعياً وثقافياً وتزويدهم بقيم وعادات مجتمعهم وسرد حكاوي وبطولات والاسلاف لإعطاء أطفالهم المثل والقدوة وذكر الأساطير التي ترتبط كثير منها بالخصوبة والامومة وارتباط المرأة في اساطيرهم بالانهار رمز الخصوبة والعطاء لذلك نجد معظم اسماء الانهار والقمر اسماء مؤنثة عند القبائل الأفريقية ليصبحوا أعضاء فعالين بالايجاب في مجتمعهم الي أخر الاعمال المنوطة بها المرأة والتي يطلق عليها عادةً الأعمال غير مدفوعة الأجر. 

فالظروف الطبيعية التي تعيش بها المرأة في المجتمعات القبلية الافريقية وما يتبعه من جفاف وامطار  يتطلب منها تطبيق  نظام الإقتصاد المعيشي والتكيف  علي عدة انظمة اقتصادية وليس نظام واحد لتكفل حد ادني للمعيشة الامنه للأسرة ومن ثم المجتمع المحيط بها، وقيامها ببعض الأعمال مثل الزراعة البدائية والصيد ورعاية الابقار يجعلها تحتك بحدود المجال العام الحاص بالرجل و تبرز اكثر امكانية الموازنة والمرونه بين المجالين خصوصاً في اوقات الأزمات والحروب.

وفي اطار قيام المرأة بتنشئة الاطفال في قبائل مثل قبائل الدينكا تظل بجانب طفلها لمدة سنتين أو ثلاثة وعندما يتم فطامة يرسل إلي أهل أمه لتجديد العلاقات والروابط  وخلال تلك الفترة تمنع المرأة تماماً من القيام بأي اعمال او اي ممارسة جنسية ويعتبر القيام بذلك من المحرمات لديهم. 

وتلك التنشئة ينطبق عليها أيضاً نظام مراحل العمر للذكور والإناث علي حد سواء فلكل مرحلة عمرية واجبات ومسئوليات يقوم بها الفرد تجاه مجتمعه فالإناث في مرحلة المراهقة يتوجب عليهم رعاية الاطفال خلال غياب الأبوين وبعض الأعمال المنزلية البسيطة ثم في مرحلة أعلي يتوجب عليهم القيام بالزراعه البدائية البسيطة ورعاية الماشية ثم بعد ذلك تحمل مسئولية البيت وعند زواجها تكون مصدر اقتصادي للاسرة لما يجلبة مهرها من خير وزيادة عدد الابقار المملوكة للأسرة والفرق هنا أن معظم هذة المراحل تمر دون احتفالات عكس الذكور الذين ينتمون لطبقة المحاربين ثم يكون افضلهم من حكماء القبيلة او حتي حاكمها ..

والمرأة أثناء مرحلة الزواج في القبائل الأفريقية تلقي عظيم الإحترام عكس المتعارف عليه في الثقافة السائدة للبيض فبالنظر لخصوصية ثقافتهم نجد أن المرأة اثناء اختيار العريس لها يوسط أصدقائه ومعارفة من الذكور والإناث وحتي صديقاتها لأخذ رأيها في تلك الزيجة ولا يمكن ان تتم دون رضاها، وحتي في مسالة تعدد الزوجات ينظر لها نساء القبائل الأفريقية بنظرة مختلفة تماماً فهم ينظرون إلي الزوجة الاخري بمنطلق انها ستساعد في الأعمال الموكلة الي النساء وتزيد من قوة الاسرة الاسرة النووية الواحده وتزيدها ثراء وقوة، ولهذا يتوجب علينا دائماً النظرة بطريقة مختلفة عند الحديث عن تلك المجتمعات ومعرفة ثقافتهم الداخلية الخاصة قبل أخذ أي إنطباع مسبق.