الإمام محمد عبده.. مجدد الإسلام ورائد الإصلاح والتنوير

الإمام محمد عبده.. مجدد الإسلام ورائد الإصلاح والتنوير

 

هو محمد عبده حسن خير الله، ولد في العام ١٨٤٩م، بقرية صغيرة تسمى "محلة نصر" والتي تقع على بعد ١٥٠ كيلو متر شمال غرب مصر وتتبع لمركز ومدينة شبراخيت بمحافظة البحيرة، من أم مصرية وأب كردي، تعلم القراءة والكتابة في منزل أبيه، وبعد أن جاوز العاشرة من عمره قام والده بإرساله إلى كتاب القرية حيث تلقى دروسه الأولى، وفي سن الخامسة عشر تقريباً، التحق "بالجامع الأحمدي"- جامع السيد البدوي بطنطا- حيث تلقى علوم الفقه واللغة العربية كما حفظ القرآن وجوده. ثم التحق بالجامع الأزهر في العام ١٨٦٦م، فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية، استمر في الدراسة في الأزهر حتى حصل على الشهادة العالمية في العام ١٨٧٧م.

ثم عين بعدها مدرسًا بدار العلوم عام ١٨٧٨م، ومدرسة الألسن، وتتلمذ على كبار العلماء المشهود لهم بسعة العلم والمعرفة مثل الشيخ «درويش خضر» والشيخ «حسن الطويل» والشيخ «جمال الدين الأفغاني» الذي رافقه في رحلاته وشاركه في جهاده وتأثر به، ونشر آراءه من بعده.  ألف كتاب في علم الاجتماع والعمران، كما قام بكتابة عدد من المقالات في عدد من الجرائد منها جريدة الأهرام.

قام رياض باشا- رئيس النظار في عهد الخديوي توفيق- بتعيين الإمام محمد عبده في جريدة الوقائع المصرية، وهي الجريدة التي قام رياض باشا بإجراء بعض الإصلاحات عليها وضم بها عدد من الشخصيات البارزة للعمل فيها مثل سعد زغلول، ومحمد خليل، والشيخ محمد عبده، حيث قام محمد عبده بمهمة التحرير والكتابة في القسم الخاص بالمقالات الإصلاحية الأدبية والاجتماعية، لقب بـ "زعيم الإصلاح الفكري والديني"، حتى أصبح رئيسا للتحرير بها عام١٨٨٠م، عُيِّن عضوًا في المجلس الأعلى للمعارف العمومية عام ١٨٨١م.

 كان الإمام محمد عبده ينتمي في تيار حركة الإصلاح إلى المحافظين الذين يرون أن الإصلاح يكون من خلال نشر التعليم بين أفراد الشعب والتدرج في الحكم النيابي. وكان سعد زغلول أيضًا من مؤيدي هذا التيار، وهو عكس التيار الذي يدعو للحرية الشخصية والسياسية مثل المنهج الذي تتبعه الدول الأوروبية، وكان من مؤيدي هذا التيار "أديب إسحاق" ومجموعة من المثقفين الذين تلقوا علومهم في الدول الأوروبية.

وفي عام م،١٨٨١ انهمك الإمام محمد عبده في الثورة العرابية ضد الإنجليز لكنها فشلت وحكم عليه بالسجن ثم بالنفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات مكث بها قرابة العام ثم رحل إلى سوريا عام ١٨٨٣م، ثم لحق بأستاذه جمال الدين الأفغاني في باريس أواخر ذات العام، وأصدرا معًا صحيفة العروة الوثقى، ثم غادر باريس إلى بيروت عام ١٨٨٥م  حيث قام بتأليف عدد من الكتب، والتدريس في بعض مساجدها، ثم انتقل للتدريس في "المدرسة السلطانية "في بيروت وعمل على الارتقاء بها وتطويرها، كما شارك بكتابة بعض المقالات في جريدة "ثمرات الفنون"، وقام بشرح "نهج البلاغة"، و"مقامات بديع الزمان الهمذاني"، وفي بيروت تزوج من زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى.

وفي عام ١٨٨٨م، عاد الإمام محمد عبده إلى مصر فعين قاضيًا بالمحاكم الشرعية عام ١٨٨٩م، بدأها بمحكمة بنها، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق، ثم محكمة عابدين، وأثناء هذه الفترة تعلم اللغة الفرنسية حتى تمكَّن منها، فاطلع على القوانين الفرنسية وترجم كتاب سبنسر في التربية من الفرنسية.

ثم عين عضوًا في مجلس شورى القوانين في الخامس والعشرين من يونيو العام ١٨٩٠م، ثم تولى منصب مستشار في محكمة الاستئناف عام ١٨٩١م، ثم عضوًا بمجلس إدارة الأزهر في الثاني من يناير العام ١٨٩٥م، وفي الثالث من يونيه العام ١٨٩٩م، صدر مرسوم خديوي وقعه الخديوي عباس حلمي بتعيين الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية، وجدير بالذكر أن منصب الإفتاء كان يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر في السابق وبهذا المرسوم استقل منصب الإفتاء عن منصب مشيخة الجامع الأزهر، وصار الشيخ محمد عبده أول مفت مستقل لمصر معين من قبل الخديوي عباس حلمي، وتبعاً لذلك أصبح عضواً في مجلس الأوقاف الأعلى.

 بلغ عدد فتاوي الإمام محمد عبده ٩٤٤ فتوى استغرقت المجلد الثاني من سجلات مضبطة دار الإفتاء بأكمله وصفحاته ١٩٨، كما استغرقت ١٥٩ صفحة من صفحات المجلد الثالث، ظل الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية ست سنوات كاملة حتى وفاته عام ١٩٠٥م.

كانت له مواقف وفتاوى تمثل فكرا إسلاميا ملائما لروح الوطن وكان يحذر من الغلو والتطرف في الدين وآمن بأن الإصلاح الأخلاقي يجب أن يسبق الإصلاح السياسي وقد فتح باب الاجتهاد لمعالجة العديد من القضايا المعاصرة.

 وفي الخامس والعشرين من يونيه العام ١٨٩٩م، عين الإمام عضوا بمجلس شوري القوانين، وكان حريصا علي قصر الاهتمام علي الأمور الوطنية الكبرى، فأسس جمعية إحياء العلوم العربية لنشر المخطوطات و انتخب رئيسا لها في عام ١٩٠٠م، كما أن له دور في إنشاء الجامعة المصرية.

كان إماما واعيا مطلعا حر الفكر، واسع الأفق، كان له أصدقاء عديدون، شرقيون وغربيون، وكان بينه وبين بعضهم مراسلات مثل: جوستاف لوبون، هربرت سبنسر، تولستوي، هانوتو، بلنت، وغيرهم. وصفه الكاتب الكبير محمود عباس العقاد "بعبقري التنوير،" ووصفه الكاتب السيد يوسف "برائد الاجتهاد والتجديد للفكر الديني،" ووصفه آخرون بباعث الدولة المدنية وإمام المجددين، وقال عنه الكاتب والمفكر محمد عمارة إنه مجدد الدنيا بتجديد الدين.

مؤلفــاته وتحقيقاته:

  • "رسالة الواردات" القاهرة ١٨٧٤م.
  • "حاشية على شرح الدواني" لكتاب «العقائد العضدية» للإيجي، القاهرة ١٨٧٦م.
  • "العقيدة المحمدية" القاهرة ١٨٧٧م.
  • "العروة الوثقى" باريس ١٨٨٤م. مجموعة مقالات كتبها محمد عبده تحت إشراف جمال الدين الأفغاني.
  • "شرح كتاب نهج البلاغة " بيروت ١٨٨٥م. وقد طبع الشرح مرات عديدة في القاهرة.
  • الترجمة العربية لرسالة «الرد على الدهريين» للسيد جمال الدين الأفغاني، مع مقدمة بقلم محمد عبده عن جمال الدين، الطبعة الأولى، بيروت سنة ١٨٨٦م. وقد أعيد طبع هذه الرسالة مرات كثيرة.
  • " شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني "، بيروت ١٨٨٩م.
  • "رسالة التوحيد " الطبعة الأولى، بالمطبعة الأميرية ببولاق ١٨٩٧م.
  • شرح كتاب «البصائر النصيرية» في المنطق لعمر بن سهلان الساوي، القاهرة ١٨٩٨م.
  • " المخصص " لابن سيده، كتاب لغوي ضخم يقع في ١٧ مجلدًا، حققه الشيخ محمد عبده والشيخ الشنقيطي، وطبع ابتداء من ١٨٩٨م.
  • " في إصلاح المحاكم الشرعية " القاهرة ١٩٠٠م.
  • "أسرار البلاغة " لعبد القاهر الجرجاني، صححه الشيخ محمد عبده. القاهرة ١٩٠٢م.
  • "دلائل الإعجاز" لعبد القاهر الجرجاني، صححه الشيخ محمد عبده والشيخ الشنقيطي، القاهرة ١٩٠٣م
  • " تفسير سورة العصر " طبع أولا في مجلة «المنار»، ثم ظهر في طبعات مستقلة.
  • " تفسير جزء عم " تم تأليفه في جنيف (سويسرا) في أغسطس ١٩٠٣م.
  • "تفسير سورة الفاتحة " (ويليه ثلاث مقالات مهمة عن حرية الأفعال الإنسانية وقصة الغرانيق، ومسألة زينب) القاهرة ١٩٠٥م.
  • "تفسير القرآن الحكيم " المعروف باسم «تفسير المنار» بدأه الأستاذ الإمام، وبوفاته وقف التفسير عند الآية ١٢٥ من سورة «النساء»، وأتمه رشيد رضا.
  • " تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده " الجزء الثاني (المنشآت) جمعه السيد رشيد رضا، وهو مجموعة فصول وأحاديث ومقالات أنشأها الإمام محمد عبده في مختلف الموضوعات الإصلاحية وظهرت في الصحف والمجلات العربية، القاهرة ١٩٢٦م.
  • "رسائل سياسية إلى بلنت " أرسلها الإمام إلى صديقه الكاتب الشاعر الإنجليزي «ولفرد بلنت» في صيف سنة ١٩٠٤م عن آرائه في النظام السياسي المقترح لمصر. نشرت هذه الرسائل مترجمة إلى الإنجليزية في كتاب بلنت: «التاريخ السري للاحتلال الإنجليزي لمصر» لندن١٩٠٧م
  • حديث سياسي مع مندوب "جريدة بال مال جازيت" لندن عدد ١٧أغسطس ١٨٨٤م. الحديث منشور كذلك في كتاب بلنت: «غوردون في السودان» لندن ١٩١١م.
  • " الإسلام والرد على منتقديه ". مجموعة مقالات لمحمد عبده ردًّا على مقالات «هانوتو» المنشورة في «جورنال دو باري». وقد ترجم طلعت حرب (بك) هذه المقالات إلى الفرنسية ونشرها بعنوان: «أوروبا والإسلام» القاهرة١٩٠٥م.
  • " الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية " مجموعة مقالات ردًّا على مقالات فرح أنطوان.
  • "حديث فلسفي مع هربرت سبنسر" عن الله والحق والقوة... (وقع الحديث في صيف عام ١٩٠٣ في برايتون بإنجلترا). وسجل الحديث بلنت في كتابه «مذكراتي» المجلد الثاني ص .٦٩.
  • "فتوى اجتماعية" في مسألة العمال وأصحاب الأعمال. نشرها فرح أنطوان، في مجلة «الجامعة» التي كان يحررها، ونشرها ضمن مجموعة مقالات بعنوان: «فلسفة أبي جعفر بن طفيل» الإسكندرية ١٩٠٤م، ص (١٢–١٦).
  • "وصية سياسية" خواطر أملاها الأستاذ الإمام بالفرنسية عن التعليم والإدارة والقضاء في مصر، ونشرها «دو جرفيل» في كتابه «مصر الجديدة» باريس ١٩٠٥م (ص ٢٠١–٢٠٨).

 

إصلاحاتــه:

    يرجع الفضل إليه في إصلاح الأزهر، وتجديد مناهج دراسته، وطرق التدريس فيه، وأساليب الامتحان وغيرها، وكذلك إصلاح المحاكم الشرعية، والقضاء الشرعي، والأوقاف، وإنهاض الجمعيات الخيرية ومدارسها، فضلا عن الجهاد السياسي والديني والأخلاقي، وتربية الأمة لتنهض من كبوتها.

 

وفــاته:

    انتقل إلى رحمة الله تعالى بالإسكندرية في الساعة الخامسة مساء يوم التاسع من جمادى الأولى عام ١٣٢٣هـ الموافق الحادي عشر من يوليو العام ١٩٠٥م عن سبع وخمسين سنة، ودفن بالقاهرة ورثاه العديد من الشعراء، كما قام العديد من الكتاب والصحفيين بتناول شخصية محمد عبده وآرائه الإصلاحية من خلال كتبهم ومقالاتهم المختلفة منها: كتاب" محمد عبده " تأليف محمود عباس العقاد، وكتاب "رائد الفكر المصري.. الإمام محمد عبده " من تأليف عثمان أمين، وكتاب" الإمام محمد عبده في أخباره وآثاره " تأليف رحاب عكاوي، وغيرها العديد من الكتب.

المصادر

موقع دار الإفناء المصرية

موقع مكتبة الإسكندرية