التغير المناخي وتداعياته على مستقبل الأمن المائي والغذائي لدى منطقة الشرق الأوسط

التغير المناخي وتداعياته على مستقبل الأمن المائي والغذائي لدى منطقة الشرق الأوسط

بقلم / نورهان أبوالليل

 

نبذة عن المقال:

لا شك أن ظاهرة التغير المناخي شغلت حيزا كبيراً من القضايا محل الاهتمام بالآونة الأخيرة من قبل مؤسسات الدولة و صانعي القرار فضلاً عن تداعيات هذه الظاهرة التي تدلي بآثارها على جميع أنحاء الكرة الأرضية ؛ فعلى الرغم من أن الدول الأكثر تقدماً هي الدول ذات النصيب الأكبر في الإسهام بإحداث هذه التغيرات المناخية و ارتفاع نسب الغازات الضارة بها إلا أن منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر تأثرا بتداعيات هذه التغيرات مما يؤثر سلباً على الموارد ذات الأهمية الاستراتيجية لدى منطقة الشرق الأوسط و هي الموارد المائية و الغذائية ، فضلا عن علاقة التأثير و التأثر بين كلا من الأمن المائي والغذائي ؛ فالارتفاع بمعدلات الاحتباس الحراري يؤدي لحدوث جفاف و ندرة بالموارد المائية مما يؤدي لتآكل التربة و انخفاض الإنتاج الزراعي مما يشكل خطراً في الحفاظ على هذه الموارد.

أولا: التغير المناخي والتهديدات المصاحبة له ومستقبل الأمن المائي بمنطقة الشرق الأوسط:

يعد الأمن المائي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي لدى منطقة الشرق الأوسط ،فهو يعني العمل على سد الاحتياجات البشرية من الموارد المائية ،فحظى على اهتماما كبيرا من قبل حكومات و دول المنطقة نظرا لندرة هذه الموارد بالمنطقة، فيعاني حوالي أكثر من نصف سكان المنطقة من الجفاف و انخفاض مستوى سطح المياه، وكان لعوامل التغير المناخي أثرا كبيرا على أمن هذه الموارد ؛ حيث أدى الاختلال في درجات الحرارة إلى ارتفاع حرارة المحيطات و انخفاض كميات الأمطار المتساقطة و ارتفاع معدلات تبخر المياه مما أدى لنقص كمية المياه اللازمة لإنتاج الموارد الغذائية ، أيضاً كان للتغير المناخي أثر في ارتفاع مستوى سطح البحر مما أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة بمياه الأنهار و فقدان المياه الجوفية عذوبتها بمنطقة الشرق الأوسط ، فتعتبر العراق و المغرب و الأردن و لبنان من أكثر دول المنطقة التي تعاني من ارتفاع معدلات غمر المياه و خلل شديد بمواردها المائية ، ومن المخاطر التي تتعرض إليها دول المنطقة من جراء التغيرات المناخية ؛ انتشار الجفاف و استمرار حدوث ظاهرة الفيضانات بالمنطقة و تعتبر الشرائح المهمشة هي الأكثر تأثرا بتداعيات هذه الظاهرة نظراً لأن معظم هذه الفئات تعمل بالنشاط الزراعي القائم على استهلاك الموارد المائية بكثرة ، حيث أن تفاقمت نسبة حدوث الفيضانات بالمنطقة إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه بين عامي ١٩٧٩-٢٠٠٩ و أيضاً انتشار الجفاف نظراً لاضطراب الأوضاع المناخية بالفترة الحالية.

 

فكان للتغير المناخي أثر كبيراً على سريان دورة المياه في شكلها الطبيعي، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة بنحو يزيد بنصف درجة مئوية عن المعدل الطبيعي و ارتفاع نسب الغازات الدفيئة بالغلاف الجوي إلى حدوث عملية تكثف بمياه الأمطار و تقلبات بظاهرة المد والجزر و يصاحب ذلك حدوث بعض الظواهر الطبيعية كالجفاف و الفيضانات و ذلك ما تشهده منطقة الشرق الأوسط نظراً لتأثرها الشديد بهذه التغيرات و اعتمادها بشكل كبير على الموارد المائية بمعظم أنشطتها خاصة النشاط الزراعي بنسبة تصل إلى ٨٠٪ المتزامن مع النمو السكاني المتزايد بها و الزحف نحو المناطق الحضرية ومع تضافر هذه العوامل من ارتفاع درجة الحرارة و نسب التبخر و انحسار كمية مياه الأمطار؛ من الممكن أن يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه المتدفقة إلى نسبة تقع بين ٢٠-٤٠٪  مما يهدد الأمن المائي الخاص بكل دولة من دول المنطقة المتزامن مع النمو السكاني الذي من المتوقع أن يحدث بحلول عام ٢٠٥٠ مما يشكل ضغطا على القطاعات الاقتصادية، حيث أنه من الممكن أن يتعرض ما بين ٧٥-٢٠٠ مليون شخص للفقر المائي الناتج عن هذه التغيرات مما يؤدي لتعرض بعض المحاصيل الزراعية للتآكل بنسبة تصل إلى ٥٠٪ نظراً لاعتمادها الرئيسي على مياه الأمطار، كما أن ارتفاع معدلات الاحتباس الحراري أدى إلى لتعرض بعض دول منطقة الشرق الأوسط و منها فلسطين و قطر إلى خسائر اقتصادية بنسبة ١٤٪ من الناتج المحلي الإجمالي تأثرا بانخفاض حجم الموارد المائية بها ،فضلا عن تعرض المنطقة لنفاذ مصادر المياه الصالحة للشرب و ذلك وفقا لتصنيف CSRGULF و يأتي على رأس ذلك التصنيف دولتي فلسطين و قطر.

فأغلب دول منطقة الشرق الأوسط تقع تحت خط الفقر المائي ، حيث أن متوسط نصيب الفرد من المياه يقل عن المعدل المخصص له البالغ ١٠٠٠ متر مكعب سنوياً مما يشير إلى وجود أزمة بالموارد المائية لديهم ؛ فضلا عن سوء وضع شبكات المياه بها مما يقود إلى إهدار العديد من الموارد المائية لا سيما المياه الصالحة للشرب التي تعتبر حق من الحقوق الأساسية للإنسان و صعوبة الوصول إليه يؤثر على صحة الإنسان سلبا و انتشار بعض الأوبئة و الامراض ،فضلا عن انخفاض حوالي ٤٥٪ من تصريف المياه السطحية الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة ؛ نتيجة لذلك اتجهت معظم دول الشرق الأوسط و الوطن العربي إلى توفير محطات لتحلية المياه رغم ارتفاع تكلفتها المالية نظرا لارتفاع معدل الاستهلاك المائي و للحفاظ على مخزون المياه الجوفية ؛ فقد ورد بالتقرير الصادر عن منظمة EcoMENA المعنية بتطوير بيئة مستدامة بمنطقة الشرق الأوسط إن ارتفاع معدلات تبخر المياه ناتج عن درجات الحرارة المرتفعة التي أدت لانكماش فترة سريان مياه الأمطار المصحوب بانتشار ظاهرة التصحر وانخفاض نسبة رطوبة التربة و معدلات المياه الجوفية ، و ذكر التقرير أيضا كيفية تأثر مياه البحار سلبا من تداعيات التغيرات المناخية ؛ حيث أن ذوبان الجليد و ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى سريان المياه الزائدة إلى المياه الجوفية مما يجعلها تفقد عذوبتها و صدر بالتقرير أنه من المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر ما يقارب من ١٩ إلى ٥٨ سم بنهاية القرن الحالي، مما يؤثر على ١٢ دولة من دول منطقة الشرق الأوسط بنتائج وخيمة ومنها سلطنة عمان التي تآثرت بهذه  التغيرات و ذلك يعود إلى ارتفاع عدد الايام التي ترتفع بها درجات الحرارة من ٤ أيام بالعام إلى ٦٢ يوماً وأيضاً هو ما تشهده دول شمال إفريقيا ( ليبيا- المغرب- مصر- تونس) بالفترة الحالية.

 ومن الآثار المترتبة على حدوث هذه التغيرات المناخية و أزمة المياه التي تشهدها دول الشرق الأوسط ؛ هي ارتفاع معدلات الهجرة و النزوح بها نظراً لأهمية المياه الاستراتيجية لدى الأفراد و انتشار الكتل الجليدية بصحاري المملكة العربية السعودية و ارتفاع درجات الحرارة لتصل إلى ٥٤ درجة مئوية بدولة الكويت و انتشار الجفاف بمنطقة المغرب العربي ،لا سيما أن انخفاض منسوب المياه عن المعدل الثابت لدى كل دول من دول المنطقة يؤدي لإشعال التوتر بينهم وذلك ما نشهده بالفترة الحالية من خلال التوتر المائي القائم بين كلا من مصر و السودان و إثيوبيا نظراً لوجود ما يسمي بالفقر المائي بهذه المنطقة ومن الاثار السلبية التي لحقت بالدولة المصرية من جراء ارتفاع سطح البحر و تعرض بعض المناطق الساحلية للغمر ، هلاك بعض الشعب المرجانية و ذلك بسبب ارتفاع درجة حموضة المحيطات مما يهدد القطاع السياحي المصري.

 

ثانيا: قضايا المناخ وآثارها على أمن واستدامة المورد الغذائي بمنطقة الشرق الأوسط:

 

فتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق تنوعا بأنشطتها الاقتصادية و يأتي النشاط الزراعي على رأس هذه الأنشطة من حيث درجة الأهمية و الضرورة لدى دول المنطقة ؛ فتلجأ دائما دول المنطقة للاعتماد على الواردات الغذائية لكي تغطى معدل الاستهلاك الغذائي لديها ، فتستهلك دول المنطقة حوالي ٥٠٪ من القمح و الشعير ،٤٠٪ من الأرز و ٧٠٪ من الذرة الشامية التي يتم تغطيتها من خلال الاستيراد و بذات الوقت تتأثر بالتغيرات المناخية مما يهدد الأمن الغذائي لدول المنطقة نظراً لارتفاع نسبة الواردات لا سيما أن ذلك يهدد الإنتاج الزراعي المحلى و العمالة  ، ومع ارتفاع درجة الحرارة بمعدل ٢ درجة مئوية سيؤدي إلى انخفاض نسبة تصريف مياه الأنهار بمعدل ١٥٪ مما يؤدي لتعرض ثلث أراضي المنطقة للجفاف ثم انخفاض غلة المحاصيل الزراعية و الحبوب الغذائية مما يقود لارتفاع أسعارها ،كارتفاع أسعار القمح و الخبز بمصر عام ٢٠٠٨ ،أيضا مما يكون له أثر بانتشار الفقر الغذائي ببعض دول المنطقة كاليمن؛ فضلاً عن تأثر كلا من دولة المغرب و الأردن و العراق و شبة الجزيرة العربية بسلسلة هذه التغيرات المناخية السابق ذكرها ، و ترتكز زراعة المحاصيل بمنطقة الشرق الأوسط بالأراضي ذات المناخ الجاف مما يجعلها أكثر عرضة لآثار التغير المناخي نظرا لعدم تلاءم بيئة زراعة هذه المحاصيل مع درجات الحرارة المرتفعة مما يتسبب في انخفاض غلة هذه المحاصيل و فقدان التنوع البيولوجي بنسبة تصل إلى ٣٠٪ بدولة الأردن و ليبيا و مصر بينما قد تصل إلى ٦٠٪ بسوريا و خاصة محصول القمح و الذرة و بعض المحاصيل الخضراء، أيضا من الآثار المترتبة على ندرة الموارد المائية كمياه الري و ارتفاع معدلات التبخر قلة الإنتاج الزراعي او انكماش مساحات الأراضي الخضراء مما تسبب في تسريح العمالة الريفية الفقيرة مما يعرضهم للجوع الشديد و تهديد الأمن الغذائي لديهم.

فقد أدى ارتفاع معدلات الاحتباس الحراري المصحوب بإجهاد الموارد المائية و تضاءل كمية المياه الجوفية إلى انكماش مواسم حصاد الغلات الزراعية و زيادة نسبة ملوحة التربة وارتفاع مستوى قحط و جفاف الأراضي و انكماش مساحة الأراضي المروية ذلك ما شهدته الدولة السورية حينما عم الجفاف بجميع أراضيها بعام ٢٠١١ مما أدى لحدوث أزمة بمواردها الغذائية و ارتفاع معدل الهجرة من المناطق الريفية إلى الحضرية و فقدان العديد من المزارعين لوظائفهم ، و من ناحية أخرى ؛ فقد أدى الاستهلاك المفرط لكمية المياه الجوفية المتوفرة بدول المنطقة ،فضلا عن تأثرها بمعدلات درجات الحرارة المرتفعة مما يؤدي إلى انخفاض مستوى التغذية و مخزون المياه و تهديد دخول بعض المزارعين ،حيث أنه تواجه دول المنطقة العديد من التحديات في توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية لمواطنيها و يعود ذلك إلى ارتفاع معدل الفاقد من الغذاء ، إذ أنه تصل نسبة ذلك الفاقد بإقليم الشرق الأوسط إلى نحو ٢٥٠كم للفرد الواحد سنوياً المتمثل في ثلث كمية الموارد الغذائية المتوفرة و قد تضافرت العديد من الأسباب التي أدت لارتفاع ذلك المعدل ، و منها : اتباع بعض السياسات التوزيعية الغير منظمة للموارد الغذائية و عدم تطويرها بالإضافة إلى عدم التعاون بين الجهات الفاعلة و المزارعين على رفع سلاسل إمداد الموارد الغذائية و تحسين جودتها.

ومن مخاطر التغير المناخي التي تهدد أمن الموارد الغذائية المتمثلة بالثروة الحيوانية و الإنتاجية السمكية ، ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي و نسبة الغازات السامه التي تؤثر على نقاء المياه و نظافتها فضلاً عن تلوث المياه الناتج عن العامل البشري مما يهدد أمن الموارد السمكية و يعرضها للفناء و على الجانب الآخر ،فقد تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من انخفاض نسبة الأعلاف بها التي تعد المصدر الغذائي اللازم لبقاء الثروة الحيوانية بالأراضي الرعوية التي من الممكن أن تنتشر النظم الرعوية بأراضي المنطقة نظراً لما تشهده من انخفاض بمعدل خصوبة التربة الزراعية الراجع إلى الفقر المائي التي تعاني منه المنطقة.

 

ثالثا: آليات التصدي للتغير المناخي للحفاظ على الأمن المائي والغذائي و جهود دول المنطقة:

 

فتعي دول منطقة الشرق الأوسط التحديات الواقعة عليها من جراء هذه التغيرات المناخية مما أدى لاتخاذ كل دولة من دول المنطقة السياسات اللازمة للتكيف مع الوضع المناخي الراهن التي تهدد أمن العديد من القطاعات المختلفة بدول المنطقة ،فضلا عن الجهود الدولية المبذولة لمساعدة منطقة الشرق الأوسط ، حيث تم توقيع اتفاقية باريس التي حثت على تخفيض نسبة انبعاث الغازات الضارة و قام البنك الدولي بتقديم تمويل مالي لمنطقة الشرق الأوسط بمقدار ١,٥ مليار دولار سنويا لتنفيذ مخططه الذي يهدف لحماية أمنها المائي و الغذائي من خلال تعزيز مصادر الطاقة المتجددة و التوجه لاستغلال مساحات الغابات بزراعتها ،ايضا ارتفعت نسبة القروض التي يقدمها البنك إلى ٣٠٪ المخصصة لحماية التربة و الممارسات الزراعية و التعاون مع القطاع الخاص للاستثمار بمصادر الطاقة المتجددة و تطوير محطات تحلية المياه و دعم استخدام آلية الري بالتنقيط و الحفاظ على مخزون المياه الجوفية ، فتم إنشاء مشروع تحسين إمدادات المياه و جودتها بعام ٢٠١٧ بدولتي العراق و فلسطين ، كما تم إنشاء أنظمة للإنذار المبكر للوقاية من الفيضانات و السيول بالمغرب و التوسع نحو استخدام آلية النقل الجماعي ببيروت للحد من تلوث الهواء.

وعلى الصعيد الداخلي ؛ قامت الحكومة العراقية بوضع خطط الخروج من الأزمة المائية التي تعاني منها و بالأخص من التغيرات المناخية المتمثلة في ارتفاع نسبة الشح المائي نظراً لقلة سقوط الأمطار و جفاف الأنهار الراجع إلى عامل أساسي و هو ارتفاع درجات الحرارة مما أدى لتنبؤ مؤشر الإجهاد المائي أنه بحلول عام ٢٠٤٠ ؛ سيعم أرض العراق الجفاف مما يهدد أمنها الغذائي و يرتفع معدل الفقر ، فتم وضع استراتيجية لحل هذه الأزمة و التي تتمثل في : استحداث اليات جديده لعملية ري الأراضي و إعادة توزيع كمية المياه و إنشاء محطات لإنتاج المياه للتحلية و إنشاء خزانات للمياه الجوفية ، وعلى الصعيد الأردني ؛ فقد تم العمل على التوجه نحو استغلال موارد المياه أخرى لا تتأثر بالتغير المناخي و منها: إعادة تدوير المياه الرمادية المستصلحة و التي ستزيد من معدل المياه العذبة بنسبة تصل إلى ٧٠٪ و أيضاً استخدام أساليب ري مستحدثة لرفع مخزون المياه بالوطن العربي إلى ٥٠ مليار متر مكعب و من جهود الدولة القطرية و دول الخليج لمواجهة معدل المياه العذبة المنخفض بها ، إنشاء محطات تحلية المياه عالية الكفاءة ذات تكلفة مالية مرتفعة و لكن من ناحية أخرى لا تستطيع معظم دول المنطقة اللجوء لذلك الحل لارتفاع تكلفتها المادية ،فتنشأ العديد من النزاعات على الموارد المائية بينهم .

أيضا من ضمن آليات؛ اللجوء إلى استخدام الطاقة الشمسية ،فيرتفع معدل الحصاد المائي و يتم اتباع سياسه توزيعية عادلة للموارد المائية القاطنة بالدولة و على الرغم من المسئولية الكبرى التي تقع على عاتق رؤساء و حكومات الدول في تفعيل السياسات اللازمة للتصدي لهذه التغيرات إلا أنه لا يخلو ذلك من دور الأفراد بها . حيث تم توعية المزارعين بضرورة العمل على تنفيذ آليات التصدي لأثار هذه الظاهرة و وضع خطط بديلة لتفادي مخاطرها ، ومنها التحول من زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه و هي الحبوب الغذائية إلى محاصيل ذات طبيعة ملاءمة للأراضي الجافة و تستهلك كميات مياه أقل و هي الخضراوات والفواكه و ترشيد التكلفة الاقتصادية للمياه و تعزيز الثروة الحيوانية كمصدر هام للغذاء و على جانب أخر فقد قدمت منظمة الفاو العديد من المبادرات لتقليل حجم الفاقد من الموارد الغذائية بالمنطقة و ترشيد الطلب على المحاصيل الزراعية و الحفاظ على استدامة الإنتاج الزراعي المحلي و عدم الاعتماد بشكل كبير على الواردات الغذائية واستحداث سلالات جديدة من المحاصيل الغذائية بما يتوافق مع تنفيذ الهدف الثاني من أهداف  التنمية المستدامة المعني بالقضاء على الجوع و من ضمن آليات التصدي التي تم اتخاذها على الصعيد الإقليمي ؛ إطلاق مبادرة ترابط مخاطر المناخ من قبل مجلس وزراء البيئة العرب و مجلس المياه العربي بعام ٢٠١٥ و تحث على حماية الأمن الغذائي و المائي و العناية بالفئات أكثر تضرراً من حدوث أى اختلال بأين من الأمنين ، أيضا تم وضع الاستراتيجية العربية للأمن المائي والتي تهدف للحفاظ على استدامة الموارد المائية الخاصة بالمنطقة العربية ، حيث أن التنسيق بين جهود دول المنطقة تدعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة و بالأخص تطبيق آليات الحماية من التغيرات المناخية التي نشهدها المتمثلة في تطوير أساليب إدارة الموارد المائية و البنية التحتية الخاصة بها ، تعزيز الزراعة المستدامة للحفاظ على الأمن الغذائي و سد الفجوة الغذائية بجميع دول المنطقة ، فهذه القضايا هي التي تتمحور حولها المبادرات التي أطلقتها دول منطقة الشرق الأوسط و الوطن العربي.

 

رابعا: التغير المناخي والجهود المصرية في مواجهته في ضوء حماية المورد المائي والغذائي بمنطقة الشرق الأوسط:

تعد مصر من أكثر دول المنطقة تعرضا لآثار التغير المناخي في حين أن مياه نهر النيل تعد مصدر هام لاستخدامات المياه المتعددة  لا سيما التي يقوم عليها النشاط الزراعي ،لذلك فعندما تحدث اضطراب بالأحوال المناخية بمصر يؤدي لتعرض ساحل نهر النيل و السواحل البحرية للتآكل المصحوب بحدوث انحسار بدلتا نهر النيل بمعدل ٣-٥ ملم سنوياً مما يؤدي لانخفاض كمية المياه  وارتفاع معدل تبخر مياه خزان أسوان إلى ١٠٪ مما يهدد أمنها المائي ، فضلاً عن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار ٠,٢٥ م الذي من شأنه أن يمحي بعض المدن الساحلية مما يؤثر سلباً على الاقتصاد المصري و باقي القطاعات المختلفة لا سيما ارتفاع معدلات الهجرة بمصر ، أيضا درجات الحرارة المرتفعة التي شهدتها مصر و هبوب الرياح المحملة بالأتربة أدى لتلف بعض المحاصيل الزراعية ،أيضا كان لانخفاض منسوب المياه أثرا على انخفاض إنتاجية محصولي القمح و الذرة بمعدل يصل إلى ٢٠٪ بحلول عام ٢٠٦٠، فضلاً عن احتمال تهديد حياة بعض المواطنين نتيجة لأخطار الفيضانات ،فكان لكل هذه العوامل أثرا في توجه الحكومة المصرية لوضع استراتيجيات فعاله للتصدي لمخاطر هذه الظاهرة ؛ فكانت من أولى دول المنطقة التي وقعت اتفاقية تغير المناخ عام ١٩٩٤ و أيضاً وقعت على برتوكول كيوتو المعني بتقليل نسبة انبعاث الغازات الضارة و استخدام مصادر الطاقة النظيفة ، كما قامت بإنشاء المجلس الوطني للتغيرات المناخية المختص بدراسة قضايا المناخ و العمل على وضع حلول لها ، و من الآليات أخري التي تم اتخاذها لحماية أمنها الغذائي ، اللجوء إلى زراعة محاصيل مقاومة للجفاف و الملوحة و من ناحية أخرى قامت بإعادة تطوير شبكات المياه الخاصة بها و وضع خطط لحسن استغلال مياه الأمطار التي تقدر بنحو ١.٥ مليار من خلال بناء خزانات ذات سعة تخزينية عالية و من أبرز الجهود التي تقوم بها الدولة المصرية بالأونة الأخيرة في إطار التصدي لتداعيات ظاهرة التغيرات المناخية ؛ استضافة مصر الدورة القادمة للقمة العالمية للمناخ بمدينة شرم الشيخ cop27والتي ستقام تحت رئاستها بشهر نوفمبر المقبل و ستستعرض موضوعات المناخ و القضايا المرتبطة بها و آليات التكيف معها ، مما جعل دول المنطقة تشيد بأهمية هذه القمة التي سيتم النظر بها بوضع الموارد المائية و الغذائية بها و وضع حلول فعالة للحفاظ على استدامتها ؛ فمن الموضوعات المقترحة على جدول أعمال القمة ، كيفية العمل على الحد من نسبة الانبعاثات و استخدام تكنولوجيا جديدة للتحول الأخضر بدعم من صندوق المناخ الأخضر المؤسس من قبل مشاركة بعض دول القارة الأفريقية و على رأسها مصر ، أيضاً حث الدول الصناعية على تبني ذلك الاتجاه و تنسيق التعاون المشترك بين كلا من القطاع العام و الخاص بدعم من جهات الاستثمار المختلفة ولاسيما المؤسسات الدولية بهدف تمويل المشروعات الخضراء و مكافحة التصحر الذي يهدد الأمن الإنساني في ضوء تنفيذ أهداف التنمية المستدامة تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فضلاً عن الحملات التوعوية التي يتم إطلاقها على المستوى الوطني للتحول نحو الاقتصاد الأخضر و منها " حملة اتحضر للأخضر" و إطلاق منظومة النقل الذكية بهدف تعزيز النمو الاقتصادي و خلق بيئة خضراء مستدامه .