زكي نجيب محمود .. أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء

زكي نجيب محمود .. أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء
«من الضروري والحتمي أن أحافظ علي هويتي العربية، وهويتي المصرية قبلها لتكون أساساً لها»
«زكي نجيب محمود» أحد أبرز رواد التجديد في الفكر العربي والإنساني، استطاع أن يُنتج فكراً وتحليلاً ونقاشاً بين قارئ مستفيد بقراءته، ومؤيد يجدها أفكاراً مواتية لما في عقله ونفسه، بل ومعارض يحاور ويجادل، فقد عمل على نهضة فكرية ويقظة عقلية لدى المثقفين العرب، وذلك من خلال المناقشة، والنقد والتمحيص، فإن كانت الإيجابيات تُجدي، فالسلبيات أيضاً تثري النقاش وتثري الفكر علي حدٍ سواء.
عُرف زكي نجيب محمود بغزارة مادته ونقاء إسلوبه، ثراء أفكاره، يصفه شيخ المفكرين توفيق الحكيم أن ما «صنعه زكى نجيب محمود فى عمره ليس بالقليل، لقد قرأ حتى ضعف بصره، وحمل على كتفيه قضية هى أجلّ وأخطر قضية فى حياتنا الفكرية، قضية تجديد الفكر العربى»
ولايزال فيلسوف الوضعية المنطقية حياً بيننا، بسيرته ومسيرته، متخذاً منها منهجا يأخذ بأيدي المجتمعات العربية حتى تتقدم وتنهض، كان من بين اسهاماته مقالة «هبة الروح» في عام ١٩٣٤، داعياً من خلالها المثقفين إلى الهجرة بين الأفكار حتى يقفوا على أفضل ما قدموه، إلي جانب العديد من الكتابات في الفلسفة والمنطق، من بينها «نظرية المعرفة»، وكتاب «المنطق الوضعي»، و«خرافة الميتافيزيقا» (الطبعة الأولى) والذي أعيد تسميته في الطبعات اللاحقة إلى «موقف من الميتافيزيقا»، وكتابه «نحو فلسفة علمية»، ورائعته «حياة الفكر في العالم الجديد»، و«الشرق الفنان».
هذا فضلا عن إسهاماته، وكتاباته عن الحياة الفكرية والثقافية والتي من بينها، كتابه «قشور ولباب»، وكتاب «تجديد الفكر العربي»، إلي جانب كتابه «المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري»، وكتاب «ثقافتنا في مواجهة العصر»، و«مجتمع جديد أو الكارثة» و«رؤية إسلامية»، و«في تحديث الثقافة العربية»ورائعته «قيم من التراث».
وفي بحثه المتاخر والدؤوب في التراث العربي يلفت فليسوفنا القراء قائلاً: «متى يعيش الإنسان ثقافته، ومتى يكون له كيان مستقل بذاته قائم برأسه، ولا شأن له بحياة الإنسان كما يحياها كل يوم؟»، وهنا يلفت الدكتور زكي الانتباه إلى أهمية أن يكون العربي المعاصر على فهمٍ بموروثه، الذي لا يتعارض مع ثقافة عصره: (وإنه ليسهل على المتسرع بالإجابة أن يجيب في حرارة المؤمن، بأنه لا تعارض بين أن يكون الرجل مترعاً بالثقافة العربية القديمة، وبما ينبث فيها من قيم ومعايير وطرائق عيش وسلوك وأهداف ووسائل».
ولد المفكر المصرى «زكي نجيب محمود»، فى الأول من فبراير ١٩٠٥ في قرية ميت الخولي، مركز الزرقا، بمحافظة دمياط، وحصل على ليسانس الآداب، ثم حصل علي درجة الماجيستير، إلتحق بعدها بالدكتوراة في الفلسفة من لندن، وكانت اطروحته بعنوان «الجبران الذاتي»، وعمل بهيئة التدريس بكلية الآداب جامعة القاهرة حتي عام ١٩٤٣م،
وحصل «زكي نجيب محمود» علي العديد من الجوائز الوطنية والدولية، من بينها، جائزة التفوق الأدبي ١٩٣٩م، وحصل علي جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة ١٩٦٠، إلي جانب فوزه بوسام الفنون والآداب من الطبقة الأولى في نفس العام ١٩٦٠م، وفي ١٩٧٥ فاز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب، كما حاز وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام ١٩٧٥، جائزة الثقافة العربية من جامعة الدول العربية ١٩٨٤، فضلا عن حصوله علي جائزة سلطان بن علي العويس ١٩٩١م.
وفي ٨ سبتمبر ١٩٩٣ غاب فيلسوفنا بجسده عن عالمنا، ولكنه باقٍ كقمة مُتوهجة شامخة علماً هو «زكي مجيب محمود» أحد أهم الأساتذة والمفكرين العرب، والمؤثرين في مجالات الفكرة والثقافة، تاركاً زخماً من الاسهامات في العلم والثقافة والأدب، لمسيرة مُلهمة استمر لأكثر من خمسون عاماً من التجديد والابداع، ومازالت تُنير دروبنا بما تحويه من ثراء وأفكار ورصانة.