المترجم فوكوزاوا يوكيتشي.. أحد مؤسسي نهضة اليابان الحديثة

المترجم فوكوزاوا يوكيتشي.. أحد مؤسسي نهضة اليابان الحديثة

” يُقال إن السماء لا تخلق أشخاصا فوق الأشخاص الآخرين، ولا تخلق أشخاصا تحت الأشخاص الآخرين “.

ولد فوكوزاوايوكيتشي في مدينة أوساكا التابعة لمقاطعة ناكاتسو بولاية بوزين في عام ١٨٣٥م، وهو الابن الثاني لعائلة ساموراي، والتي كانت تعمل في مخزن للمحاصيل الزراعية، تلقى فوكوزاوا تعليم الكونفوشيوسية أثناء فترة اطفولتهفي مقاطعة ناكاتسو. وفي عام ١٨٥٤م، أنهى أساسيات دراسات العلوم الغربية بالإضافة إلى إجادة اللغة الهولندية في مدينة ناغازاكي الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي لجزيرة كيوشو الياباني والتي كانت تحت سيطرة الاستعمار الهولندي في ذلك الوقت، وفي العام ١٨٥٥م، عاد يوكيتيشي إلى مسقط رأسه " أوساكا"، ليلتحق بمدرسة العلوم الغربية والتي كان يرأسها آنذاك الطبيب والمعلم أوغاتا كوآن طبيب الطب الغربي.

وفي عام ١٨٥٥م، انتقل يوكيتيشي إلى مدينة إيدو (العاصمة طوكيو حاليا) وأصبح مدرسا في مدرسة العلوم الغربية (كيئو غيجوكو لاحقا) التابعة لمقاطعة ناكاتسو. وكانت اليابان قد افتتحت ثلاث موانئ للسفن الأمريكية والأوروبية على خليج طوكيو فذهب يوكيتشي إلى مدينة كاناغاوا لمقابلة الأجانب إلا أنه صدم عندما اكتشف أن التجارالأوروبيون يتكلمون الإنكليزية وليس الهولندية. فعزم فوكوزاوا على تعلم الإنجليزية بالرغم من قلة المعاجم، وندرة مترجموا اللغة الإنجليزية اليابانية في ذلك الوقت.

وعندما قرر الشوغون " الحاكم العسكري لليابان" إرسال مبعوث إلى الولايات المتحدة، تتطوع فوكوزاوا في خدمة المبعوث علي متن سفينة كانرينمارو الحربية والتي كانت تمتلكها حكومة إيدو. وعندما وصلت البعثة إلى مدينة سان فرانسيسكو عام ١٨٦٠م، مكثت هناك مدة شهر تمكن أثنائها يوكيتشي من الحصول على معجم وبستر وبدأ به دراسة اللغة الإنجليزية بشكل جدي.  وبعد عودته إلى اليابان تغير منصبه ليصبح مترجما في خدمة الترجمة الأجنبية. وبعد فترة وجيزة أخرج أول كتبه للطبع؛ القاموس الياباني الإنجليزي تحت عنوان" كايه تسوغو" ترجمه من قاموس صيني إنجليزي.

وفي عام ١٨٦٢م، زار يوكيتشي بعض الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا وروسيا تحدث عنها في مذكراته قائلا: "من خلال ملاحظاتي في كل من الحضارة الغربية والشرقية، فاني أجد كل حضارة لها نقاط قوة ونقاط ضعف، تدرجها معاً في تعاليمها الأخلاقية، ونظريتها العلمية، ولكني عندما أقارن الحضارتين الغربية والشرقية، بطريقة عامة، فيما يتعلق بالثراء والقوة وتوفير أعظم سعادة لأكبر قدر من الناس، فإنني يتعين على أن أضع الشرق في أدنى مرتبة من الغرب".

ولم يكن يوكيتشي، أثناء زيارته لأوروبا منجذبا نحو المعلومات المتعلقة بالعلوم والهندسة والكهرباء...، وعبر عن ذلك قائلا: ولذا فان اهتمامي الرئيس في أوربا انصب على أمور أكثر إثارة للاهتمام بصورة فورية. وعلى سبيل المثال لدى مشاهدتي لمستشفى أردت أن أعرف كيف يدار ومن الذي يدفع النفقات الجارية. ولدى زيارتي مصرفا، رغبت في معرفة كيف تودع النقود وكيف تدفع؛ ومن خلال استفسارا مباشرة مماثلة أحرز بعض المعرفة بالنظام البريدي والتجنيد الذي كان معمولا به آنذاك في فرنسا".

أدرك يوكيتشي العلاقة الوطيدة بين طبيعة النظام السياسي /الإداري القائم على الاستبداد وحظر تعليم المرأة. وأكد في مجمل كتاباته على ضرورة تحرير الفرد الياباني من القيود الي حدت، في نظره، من إمكانية الانطلاق التنموي والحضاري؛ وهو إدراك نما وترعرع إثر الاطلاع على تجارب الغرب الفلسفية والاجتماعية والتنظيمية.

أسس صحيفة "جيجي شينبو" وغيرها من الصحف اليابانية الأخرى، وهو أول ياباني يدعو للإصلاح التعليمي والعلمي والمعرفي مخاطبا الحكومة بهيكلة المؤسسات الاجتماعية، وكانت لأفكاره حول الحكم والسياسة تأثير كبير على تطور وتقدم اليابان.

ويعد فوكوزاوا يوكيتشي هو مؤسس جامعة كيئو أول وأقدم جامعة يابانية وهي أيضا واحد ة من أرقى الجامعات في اليابان أسسها فوكوزاوا يوكيتشي كمدرسة للدراسات الأجنبية في إيدو عام ١٨٥٨م. وأثناء افتتاحها قال كلمته الشهيرة: " إنني اعتبر الدراسة فنا عمليا، فبمجرد خروجكم احتفظوا داخل عقولكم بما تعلمتموه، واتجهوا إلى ممارسة أعمالكم في المجتمع. انغمسوا بين حشود الناس واختلطوا بهم، فان ذلك سوف يغير من أفكارهم وبذلك تتاح لكم فرصة توسيع نطاق التعليم".

واجه فوكوزاوا العديد من الصعوبات بسبب التقاليد التي كانت تقيد إمكانات وفرص تعليم النساء؛ حتى أنه اضطر إلى تعليم بناته في المنزل على يد معلمين خصوصيين، عندما انحسر الإقبال على مدرسة البنات الخاصة.

وفي عام ١٨٦٦م، نشر كتابه” أوضاع الغرب“ الذي شرح فيه البنية السياسية والاقتصادية لكل دولة من تلك الدول مستندا إلى المعرفة التي حصل عليها هناك. وسافر إلى الولايات المتحدة مرة أخرى في عام ١٨٧٦م، وزار العاصمة واشنطن ومدينة نيويورك.

سعي فوكوزاوا إلى نشر الشروط الستة للسياسة الحضارية المدرجة في بداية الجزء الأول من كتابه "أوضاع الغرب" في اليابان والدول الآسيوية. وتلك الشروط هي:

  1. احترام الحرية الفردية وعدم جعل القانون يقيد المواطنين.
  2. ضمان الحرية الدينية.
  3. دعم تطوير العلوم والتكنولوجيا.
  4. تعزيز التعليم المدرسي.
  5. تطوير الصناعة من خلال سياسة مستقرة تستند إلى قوانين مناسبة.
  6. العمل دائما على تحسين رفاهية المواطنين.

 

رحل فوكوزاوا يوكيتشي بسبب إصابته بالسكتة الدماغية في الثالث من فبراير عام ١٩٠١م، عن عمر ناهز السادسة والستين. و تخليدا لذكراه، وضعت اليابان صورته على فئة الـ ١٠٠٠٠ ين يابانيا .