اللغة الهوية أم المظهر الاجتماعي

اللغة الهوية أم المظهر الاجتماعي

اللغة... الهُوية أم المظهر الاجتماعي؟

كتبت/ أروة حاتم 

    عند طرح مناقشة تخص اللغة العربية القياسية نجد القلة يهمها الأمر، والأقل يمكنهم مجاراة النقاش. وقبل البدء وانصراف الكثيرين، تفهم من معالم وجوههم ولهجتهم المختلطة بمزيج من اللغات المختلفة، كما لو أن هذا الحوار "سفسطة القلة"، وفي نفس الوقت نلحظ التهافت على من يتحدث عن، أو بلغة أجنبية، إما بالإعجاب أو النقد لسوء لكنته مثلًا. على العكس ربما لا يُكتشف ولا يُنتقد وجود خطأ ما بدر من متحدثٍ باللغة العربية الفصحى، أو حتى العامية، في جزئية تتصل بالجذر القياسي. مراكز القوى العالمية الثقافية والاقتصادية تتبدل باستمرار، ولكن الحاصل حاليًا مواكبة للثقافة على حساب لغة الهُوية؟ أم محافظة على مظهر اجتماعي معين يستند إلى قوة عالمية ما؟

        الاندماج مع لغة ثقافة العصر والتأثر بها لم يكن اختراع هذا الزمان، بل كان موجودًا في مصر منذ الاحتلال الروماني، فكانت اليونانية هي لغة الثقافة والعلم واللغة الرسمية للدولة، المنشورات حينئذ تَصدُر باللغة اليونانية من جهة السلطة الرومانية رغم كون اللغة الأساسية لمصر هي القبطية. كما ظهرت كلمات وأحرف يونانية على اللغة القبطية بين الشعب. (1)

التطور اللُغوي (إما بانحدار لغة عن لغة، أو بإحلال لغة من أصل مختلف عن اللغة الأساسية، أو حتى دخول كلمات من لغة أخرى على معجم اللغة) أمر شائع وطبيعي عرفته المجتمعات البشرية على مر التاريخ، فأصبح ثمة ما يسمى باللغات الحية والأخرى الميتة. وبموت لغة الدولة (على صعيد الوثائق والتعاملات الحكومية، أو الصعيد الشعبي) ترى لغة أخرى النور على أرضها.

عند الحديث عن الهُوية نجد أن تعريفاتها تختلف باختلاف المقام الذي نحن بصدده، ولجمع هذه التعريفات معًا يمكننا أن نقول أنها "مجموع الصفات والخصائص التي تميز الفرد أو المجتمع عن غيره". والهُوية كما نجد منها ما يمكننا تقريره بأنفسنا، فهي تحمل جزءًا كبيرًا وراثيًا طبيعيًا لا يمكننا التلاعب فيه كالنسب، واللون، والعرق على سبيل المثال. ومن الجديد الطارئ علينا أن بعض المكونات الثابتة لهذه الهُوية أصبح من السهل على الفرد تغييرها انسياقًا خلف فكرة ما.

      لا ريب أن مواكبة لغات العلم والثقافة والتواصل، من متطلبات كل عصر، ومن فروض استمرار الإنسان كبناء ديناميكي يؤثر فيه الزمن، ولكن هل يسوغ لنا التخلي عن أو إهمال الهُوية اللُغوية باعتبارها من الجزء المتغير أو الجزء الثابت الذي يتغير وفق المصلحة لحساب لغات مراكز القوى الحالية؟ على سبيل المثال، حضور اللغة القبطية القديمة لازال قائمًا في الكنيسة المصرية حتى الآن. هل يعتمد تحديدنا لأهمية اللغة والاعتناء بها على الثقل الاقتصادي والثقافي الذي تسهله اللُغة أمام المتحدث بها أم هو الاعتزاز بها كموروث عاطفي؟ الاختيار أوسع من حصره، ولكن هل إبدال جزء أصيل في تكوين الذاكرة المعرفية والعاطفية للفرد يعني له ميلاد هُوية جديدة أمام الناس و في أعماق نفسه؟