لست من المؤمنين بدعوة الناس إلى تحديد النسل بالأوامر أو الدعاية إن التعليم وحده هو الذى يحل المشكلة

لست من المؤمنين بدعوة الناس إلى تحديد النسل بالأوامر أو الدعاية  إن التعليم وحده هو الذى يحل المشكلة

سؤال من المحاور: بمناسبة الضجة القائمة فى الأمم المتحدة حول مشكلة منع السفن الإسرائيلية من المرور فى قناة السويس، وبمناسبة ما قاله الدكتور محمود فوزى - وزير خارجية الجمهورية العربية المتحدة - من أن هذه المشكلة  إنما هى جزء من مشكلة فلسطين كلها، فإننا نريد أن نسألكم ما هى الظروف التى يمكن أن يتحقق فيها إيجاد حل للمشكلة حتى يخف التوتر الذى يسود منطقة الشرق الأوسط الآن؟

إن إسرائيل تقول إن سبب هذا التوتر الحالى ومبعثه هو إصراركم على منع سفنها من المرور فى قناة السويس رغم أن هناك قراراً صادراً من مجلس الأمن سنة ١٩٥١ يلزمكم صراحةً السماح لسفنها بالمرور، ولكنكم - كما تقول الحكومة الإسرائيلية - تصرون على رفض تنفيذ هذا القرار، فما هو رأيكم؟

الرئيس ناصر: فيما يتعلق بالتوتر الحاد الذى يسود المنطقة الآن فإنه بصرف النظر عن أسبابه ودواعيه؛ فهو فى جزء منه يعتبر توتراً صناعياً تريد إسرائيل أن تخلقه حتى تستطيع أن تجمع أكبر كمية ممكنة من الأموال.

وفيما يتصل بالضجة القائمة فى الأمم المتحدة حول منع السفن الإسرائيلية من استعمال قناة السويس؛ فإنى أعتقد أنه ليس من الطبيعى أن ننفذ قرارات الأمم المتحدة فى حين ترفض إسرائيل هذه القرارات جملة، خصوصاً القرارات المتعلقة بحقوق عرب فلسطين، بل إن إسرائيل رفضت حتى أن تقيد نفسها بلجنة التوفيق التى أُلفت سنة ١٩٤٩؛ وهى مكونة من الولايات المتحدة، وفرنسا، وتركيا بغية دراسة الوسائل التى يمكن أن توضع بها قرارات الأمم المتحدة موضع تنفيذ. لقد حضرت إسرائيل من اجتماعات هذه اللجنة اجتماعاً أو اجتماعين، ثم اتضح أن هدفها من حضورهما هو أن تبدو بمظهر المطيع لقرارات الأمم المتحدة، وذلك حتى تتمكن من دخول هذه المنظمة الدولية، وفى اليوم الذى حققت إسرائيل ذلك تكشف أن كل اهتمامها باللجنة وبقرارات الأمم المتحدة قد انتهى، ثم تحولت كل تصرفاتها بعد ذلك إلى ميدان الدعاية وحده.

ومن ذلك تكرار طلبها للمفاوضات مع العرب، والمسألة لا تحتاج إلى مفاوضات ولا إلى البحث عن حلول؛ فإن الحلول موجودة فى قرارات الأمم المتحدة، والوسيلة لتنفيذها كانت موجودة فى شكل لجنة ألفتها الأمم المتحدة ووافق العرب ووافقت عليها إسرائيل لتنفيذ القرارات، ولكن إسرائيل لم تقيد نفسها لا بالقرارات، ولا باللجنة التى كانت مكلفة بوضعها موضع تنفيذ. وإذن فإن إسرائيل لا تريد حل المشكلة، ولا تريد إنهاء حالة التوتر؛ وإنما تريد الدعاية، وتريد جمع التبرعات.

أما من الناحية العربية فإنه من الواضح أن ثمة أسباباً متعددة للقلق، فضلاً عما حدث لفلسطين وشعب فلسطين، وفضلاً عن تنكر إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة، فإن إسرائيل اتبعت دائماً تجاه العرب سياسة عدوانية. لقد كان العدوان هو سياستها دائماً، ولعلنا لا ننسى أحداث سنة ١٩٥٦ التى لم تكن مجرد عدوان؛ وإنما كانت غزواً، ولعلنا لم ننس أن إسرائيل أعلنت أن جزءاً من الأراضى المصرية التى انسحب منها الجيش المصرى ليواجه جيوش بريطانيا وفرنسا التى نزلت فى قناة السويس قد ضُمت إلى إسرائيل، لولا أن أُرغمت إرغاماً بعد انسحاب بريطانيا وفرنسا على الانسحاب بدورها.

سؤال من المحاور: هل يمكن أن تضع الجمهورية العربية اقتراحات محددة توضح موقفها أمام الرأى العام، وتضع إسرائيل أمام الأمر الواقع؟

الرئيس ناصر: قلت صراحةً يوم ٢٢ يوليو إننا على استعداد أن نقبل قرارات الأمم المتحدة إذا احترمت إسرائيل قرارات الأمم المتحدة ونفذتها فعلاً.

سؤال من المحاور: تقصدون سيادتكم كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين؟

الرئيس ناصر: بالطبع، إن القرارات الخاصة بفلسطين كلٌ لا يتجزأ؛ حق اللاجئين فى العودة، والحق فى الممتلكات والتعويض عنها، وحق الأرض الفلسطينية. إن المسألة واضحة وسهلة، نحن نطلب حقوق شعب فلسطين، وإسرائيل ترفض، ونحن نطلب وضع قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين موضع التنفيذ، وإسرائيل تعصى الأمم المتحدة.

ثم تطالب إسرائيل بحق المرور فى قناة السويس متجاهلة حقوق العرب، ثم تصر على مطلبها وتثير الضجة فى الأمم المتحدة، فهل يمكن أن تكون قرارات الأمم المتحدة واجبة التنفيذ على فريق وغير ملزمة لفريق آخر؟! ولو أننا قبلنا مرور سفن إسرائيل فى قناة السويس، فمعنى ذلك أننا قبلنا أن تحصل إسرائيل على كل مطالبها، وأن يخسر العرب كل حقوقهم. ثم إننا نمنع سفن إسرائيل تطبيقاً لحقوقنا المكفولة بالاتفاقيات الدولية وفى مقدمتها اتفاقية القسطنطينية ١٨٨٨، وهذه الاتفاقية تعطينا هذا الحق فى حالة الحرب توفيراً لأمن الإقليم الذى تمر القناة فى أراضيه.

وفيما يتعلق بحالة الحرب، فإنه مما أدهشنى أن "سلوين لويد" - وزير الخارجية البريطانية - حينما فشل العدوان على مصر ١٩٥٦، وأرغمت قوات الغزو على أن تنسحب مدحورة؛ طلب منى عن طريق "المستر داج همرشولد" - السكرتير العام للأمم المتحدة - خطاباً نتعهد فيه بألا نطبق على السفن البريطانية ما نطبقه على سفن إسرائيل. وكانت وجهة نظر "سلوين لويد" فى هذه الحالة تتضمن الاعتراف الصريح بوجود حالة الحرب بيننا وبين إسرائيل، كما تتضمن طلبه لإعفاء السفن البريطانية من تطبيق ظروف حالة الحرب عليها باعتبار أن بريطانيا قد سحبت قوات العدوان من أرضنا. ولقد حدث هذا فعلاً؛ فلما تحققنا من انسحاب قوات العدوان البريطانى والفرنسى، سلمنا هذا الخطاب إلى السكرتير العام للأمم المتحدة ليبعث به إلى الحكومة البريطانية.

وأما فيما يتعلق بإسرائيل فمن الواضح أن حالة الحرب مازالت مستمرة، وستبقى ما دام عدوانها على أراضينا العربية باقياً. وإنه لمن الغريب أن "المستر سلوين لويد" نسى هذا كله وهو واقف يتكلم عن مشكلة منع مرور السفن الإسرائيلية من قناة السويس منذ بضعة أيام فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.

سؤال من المحاور: إن قرار مجلس الأمن سنة ١٩٥١ وجد أن الهدنة أنهت حالة الحرب.

الرئيس ناصر: إن الهدنة فى رأينا لم تنه حالة الحرب؛ فالعدوان الإسرائيلى على الأرض العربية فى فلسطين مازال قائماً، ونوايا إسرائيل العدوانية مازالت قائمة، وأعود مرة أخرى فأذكر بعدوان سنة ١٩٥٦ حتى لا ينسى هؤلاء الذين يتصورون أن الهدنة أنهت حالة الحرب.

سؤال من المحاور: أليست هناك طريقة عملية لإيجاد نقطة بداية لحل هذه المشكلة؟

الرئيس ناصر: نقطة البداية الوحيدة هى أن توضع جميع قرارات الأمم المتحدة موضع التنفيذ، ولا يمكن أن تفرض علينا وحدنا طاعة قرارات الأمم المتحدة بينما يقبل من غيرنا أن يضرب بها عرض الحائط، ولقد كانت كل مشاكلنا مع إسرائيل راجعة إلى قبولنا تنفيذ قرارات الأمم المتحدة. ودعنى أذكرك بما رأيته شخصياً حينما كنت ضابطاً فى فلسطين؛ إن القوات الإسرائيلية لم تتمكن من احتلال كل ما احتلته من الأراضى العربية، إلا أن الدول العربية قبلت وحدها أن تتقيد بقرارات وقف القتال الصادرة من الأمم المتحدة، فى حين لم تكن هذه القرارات بالنسبة لإسرائيل إلا فرصة آمنة لمواصلة العدوان، ولقد أضعف مركزنا وقتها أننا وضعنا ثقتنا فى الأمم المتحدة، وتصورنا فيها القدرة على رد المعتدين، وعلى تنفيذ قراراتها. فنحن - كما قلت لك - على استعداد لتنفيذ كل قرارات الأمم المتحدة بشرط أن تلقى الاحترام من غيرنا كما تلقاه منا.

إن الأمم المتحدة الآن أقوى مما كانت سنة ١٩٤٨، وهيبتها أوسع احتراماً، ونحن على استعداد أن نقدم كل عون للأمم المتحدة لكى تضع قراراتها موضع التنفيذ، ولو شاءت الأمم المتحدة أن تؤلف لجنة أو هيئة تكون مهمتها وضع قرارات الأمم المتحدة موضع التنفيذ، فإننا نرحب بالتعاون مع هذه اللجنة أو الهيئة.

سؤال من المحاور: إن هذا يوضح الموقف فى فلسطين، فهل تأذنون أن ننتقل إلى موضوع آخر؟ إننا نريد أن نسأل عن الأزمة مع الصين، فهل تتصورون سيادتكم أن هذه الأزمة ستؤدى إلى قطع العلاقات مع حكومة بكين؟

الرئيس ناصر: إن إعطاء الفرصة لواحد من الشيوعيين الذين يعملون ضد وطنهم ليخطب فى احتفال رسمى كاحتفال العيد العاشر للثورة الصينية فى حضور رجال سفارتنا هناك؛ لم يكن عملاً ودياً، ولقد ترجمنا هذا التصرف من جانب حكومة الصين بأنها توافق على ما قاله خالد بكداش؛ لأنه ليس من المتصور أن تصل حكومة فى العلاقات مع حكومة غيرها الى هذا الحد، إلا إذا كانت هناك الرغبة فى التحدى والإصرار عليها.

ولقد طلبنا من القائم بالأعمال فى بكين أن يحتج، ثم طلبنا استدعاءه إلى القاهرة لنستوضح تفاصيل الموقف، ونحن ندرس ما يمكن أن نتخذه من إجراءات، وموقفنا واضح أننا لا نقبل الإهانات من أحد، ونحن نعتبر ما حدث فى الصين إهانة. ونحن لا نقبل التدخل من أحد، ونحن نعتبر ما حدث فى الصين تدخلاً فى شئوننا الداخلية.

سؤال من المحاور: هل يصل الأمر إلى حد قطع العلاقات؟

الرئيس ناصر: لا أظنه يصل إلى هذا الحد.

سؤال من المحاور: هل هناك أدلة تشير إلى أن الصينيين - عن طريق سفارتهم أو مؤسساتهم الدبلوماسية - قد ساعدوا أية عناصر هدامة فى الجمهورية العربية المتحدة؟

الرئيس ناصر: لم يصل إلى علمنا شىء من ذلك، ولو اكتشفناه لما سكتنا عليه.

سؤال من المحاور: فى حديث أخير لسيادتكم ذكرتم فيه أسباب اعترافكم بالصين، وقلتم إنكم اعترفتم بحكومة بكين لأنها حكومة الصين.

الرئيس ناصر: هذه مسألة جغرافية واقعية.

سؤال من المحاور: هل تندمون على هذا الاعتراف؟

الرئيس ناصر: بالطبع لا، لم نندم على اعترافنا بالصين، ومازال ذلك هو رأينا، وذلك حكم الطبيعة. إن الحكومة التى تحكم فى الصين هى فى رأينا حكومة الصين، ولا يمكن تجاهلها أو إهمالها، لذلك لم يكن رأينا تجاه الاستفزاز الذى وقع ضدنا فى الصين هو شعور الندم على الماضى، وإنما كان شعور الأسف؛ لأنه بينما كنا نحاول بطاقتنا تنمية صداقتنا مع الصين، فوجئنا بعمل غير ودى تجلى فى تأييدهم للشيوعيين المحليين.

سؤال من المحاور: هل يؤثر ذلك على موقفكم من الصين فى الأمم المتحدة؟

الرئيس ناصر: لا، مازال رأينا أنه ينبغى أن تدخل الصين عضواً فى الأمم المتحدة من ناحية جغرافية واقعية؛ إذ لا يمكن تجاهل الواقع، ومن ناحية سياسية ثانية حتى تشعر بمسؤليتها أمام العالم. هذه بالنسبة لنا مسألة مبدأ، أما تصرفات الصين تجاهنا أو تجاه غيرنا فمسألة أخرى، ومهما يكن فإنه بالرغم من الموقف العدائى الذى يتخذه منا راديو بكين؛ فإن وفدنا فى الأمم المتحدة صوت فى صالح قبول الصين عضواً فى الأمم المتحدة منذ عشرة أيام فقط.

سؤال من المحاور: كانت هناك أخبار تقول إن الجمهورية العربية المتحدة تتشاور مع الدول الآسيوية ـ الإفريقية بشأن موقف الصين منها.

الرئيس ناصر: ذلك شىء لم يحدث.

سؤال من المحاور: عندما كنت فى العراق أحسست أن الصينيين هناك يؤيدون الحزب الشيوعى العراقى فى اتخاذ سياسة عنيفة بقصد الاستيلاء على الحكم، وهذا يواجه العالم العربى بمشكلة أخطر من مجرد السماح لخالد بكداش بإلقاء خطاب فى بكين.

الرئيس ناصر: فى الواقع أن السبب الرئيسى للتوتر القائم بين الجمهورية العربية المتحدة وبين حكومة العراق هو نشاط وحملات ومؤامرات الحزب الشيوعى العراقى بالتعاون مع الحزب الشيوعى السورى. إن عدداً من أفراد الحزب الشيوعى السورى ذهبوا إلى العراق ومعهم عدد من أفراد الحزب الشيوعى العراقى الذين كانوا لاجئين فى سوريا، ثم بدءوا من أول دقيقه بعد ثورة العراق فى العمل ضد الجمهورية العربية المتحدة. ولو أن أحداً رجع إلى صحف العراق  وإذاعته فى مثل هذا الوقت تماماً من العام الماضى وقبله بشهر أو شهرين، لوجد حملة مسمومة تجرى بطريق التلميح ضد الجمهورية العربية المتحدة، تستهدف الإساءة لنا أمام الشعب العراقى وأمام الرأى العام العربى، ثم تحولت الحملة بعد ذلك إلى هجوم علنى لا يستتر، ولا يتورع عن الدس والاختلاق والتحريض والتآمر المكشوف. ولقد كان هذا هو الذى حفزنا بعد ذلك فى ٢٣ ديسمبر سنة ١٩٥٨ إلى أن نلفت النظر إلى النشاط غير العربى الذى تقوم به الأحزاب الشيوعية فى العراق، وتحاول أن تمده إلى سوريا بقصد ضرب حركة القومية العربية كلها والتأثير فيها.

ولقد كان يتعين علينا أن نسلط الأنوار عليهم، وأن نكشف محاولاتهم حتى يراها الرأى العام العربى على حقيقتها؛ فإن الرأى العام العربى هو القوة الحقيقية لحركة القومية العربية، ومتابعته الواعية للتطورات هو الضمان الأكيد لسلامة هذه الحركة وقدرتها على الإقناع. ولقد استطاع الرأى العام العربى أن يكشف الشيوعيين فى العراق فعلاً كعملاء يكرسون وجودهم للعمل ضد بلادهم وضد القومية العربية.

ولقد قال أحد الشيوعيين فى العراق إن العراق هو آخر قاعدة فى العالم العربى، وإنه إذا لم تستطع الأحزاب الشيوعية تقويتها وتدعيم فرص العمل فيها؛ فإن مجال النشاط الشيوعى فى البلاد العربية يفقد قدرته على الحركة، ويصبح لا قاعدة له. وذلك فعلاً ما تعمل له الأحزاب الشيوعية فى البلاد العربية، فهى الآن تتخذ العراق قاعدة للتسلل إلى العالم العربى، وسوريا فى المقدمة.

سؤال من المحاور: كيف يمكن مقاومة الشيوعية من هذه الناحية؛ أعنى فى العالم العربى؟

الرئيس ناصر: إن الشيوعية عقيدة، والعقائد لا تواجه إلا بالعقائد، ولقد أوقفت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ فى مصر تقدم المنظمات الشيوعية حين أبرزت للشعب المصرى عقيدة مستوحاة من ظروفه الخاصة، ومن مبادئه، ومن تاريخه، ومن طاقته الخلاقة. قبل الثورة كان الشيوعيون - ولو أنهم قله فى العدد - يسيطرون على الجماهير باستغلال الأهداف الوطنية التى كانت مُضَيَّعة قبل الثورة، ولكن الكفاح من أجل الاستقلال والنصر الذى تحقق فيه، والكفاح من أجل عدم الانحياز والنصر الذى تحقق فيه، والكفاح من أجل القومية العربية والنصر الذى تحقق فيه، ووضع الخطط لمجتمع ديمقراطى اشتراكى تعاونى والجهود التى تكرس له؛ كل هذا أدى إلى مواجهة عقيدة الشيوعية بعقيدة أخرى أصيلة ذات جذور حقيقية فى حياتنا، ومن ثم انتهى الأمر بعزل الشيوعيين تماماً. وكما قلت إن خطر الشيوعيين هو فى تسلطهم على الجماهير، وفى المجتمعات التى يسيطر عليها الإقطاع، وتسيطر عليها الرجعية، والاستغلال، وجيوش الاحتلال؛ فإن المجال أمام الشيوعيين يصبح واسعاً وفسيحاً. أقول هذا لأوضح أننا عندما نحارب الشيوعية لا يمكن أن نشجع أو نسمح بقيام عناصر رجعية، ولا يمكن أن نسمح بقيام مناطق نفوذ، ولا يمكن أن نسمح باستغلال، ولا بسيطرة من الداخل أو من الخارج.

سؤال من المحاور: لقد اتخذت ثورتكم طريقاً غير دموى، فهل ترون أن ذلك عرضها للخطر؟

الرئيس ناصر: بالعكس، إننى أعتبر أن التسامح الذى طبع ثورتنا كان من أكبر عوامل نجاحها، لقد كان هدفنا هو تحقيق وحدة الشعب، ولا يمكن للإرهاب أن يحقق وحدة شعب، ولا يمكن لسفك الدماء أن يؤمن سلامة الوطن وتكتيل جهود أبنائه لبناء مستقبله. إن العنف دائماً يفرق ولا يوحد، لقد ورثنا من الماضى مشاكل كثيرة، وبينها أوضاع موروثة مكنت لها الظروف، ولو واجهنا ذلك كله بسفك الدماء لضاعت منا إلى الأبد وحدة الوطن وتضامن أبنائه.

وأنا أعتبر أن الأسرة هى وحدة مجتمعنا، وأكاد أعتبر أن القرية هى أسرة بأكملها، وفى قريتى مثلاً - بنى مر- فإن تعدادنا ٤ آلاف، ومع ذلك هناك صلات عائلية تكاد تشد القرية كلها إلى بعضها، ولو ضربنا بالعنف أفراداً فى هذه القرى، لكان رد الفعل عاماً فيها. ولقد واجهنا المؤامرات من الداخل فى بداية الثورة، وكنا نتخذ الإجراءات ضدها، ولكن هذه الإجراءات لم تكن للإرهاب، ولا كان الانتقام غايتها؛ وإنما كان القصد أن تشرح الحقائق كلها للناس، لذلك كنا نحاكم المتآمرين، كنا نكشف الحقيقة كلها أمام الناس، ثم كانت تصدر الأحكام عليهم، وكنا فى معظم الظروف نطلق سراح هؤلاء الذين صدرت ضدهم الأحكام. إن الأمر فى رأينا لم يكن أمر انتقام؛ وإنما كان بث الوعى كاملاً فى نفوس الشعب، وكانت النتيجة فعلاً أن عناصر التآمر تم عزلها من الشعب، وبذلك انتهى خطرها.

سؤال من المحاور: يبدو أن علاقات الجمهورية العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت تقوم على أساس جديد، لقد اعترفنا بحيادكم، وأنتم أيضاً فيما أتصور تجدون الآن التعاون بيننا وبينكم ممكن؟

الرئيس ناصر: إننا كبلد صغير ننشد العلاقات الودية مع كل بلاد العالم خصوصاً دوله الكبرى، وليس من رأينا ولا من سياستنا أن نكون على علاقة سيئة بأحد، وفيما يتعلق بعلاقتنا بالولايات المتحدة فلقد كنا دائماً فى موقف الدفاع عن معتقداتنا، وبانتهاء الضغط علينا، فإننا نرحب بعودة العلاقات طبيعية.

سؤال من المحاور: هل تشعرون أن العلاقات قد تحسنت؟

الرئيس ناصر: ليس من الممكن فى مجال العلاقات الدولية أن تنتقل العلاقات السيئة إلى علاقات طيبة بجرة قلم، وإنما المؤكد أنه بانتهاء الضغط تعود المسائل تدريجياً إلى أوضاعها الطبيعية.

سؤال من المحاور: هل هناك دلائل على أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتهج ضدكم سياسة عدائية؟

الرئيس ناصر: نعم، فى كل ما يتعلق بمشاكلنا مع إسرائيل، كل وجهة  نظر لإسرائيل لديكم تأخذ أهمية كبرى، وكل وجهة نظر للعرب لا تلقى غير الإهمال. ولقد أصبح إحساسنا الذى أيدته تجارب كثيرة أن مصالح إسرائيل لديكم فى المحل الأول، ودليلى ما قاله وزير الخارجية الأمريكية من أيام قليلة بشأن مشكلة سفن إسرائيل من المرور فى قناة السويس، لقد تكلم وزير خارجيتكم عما أسماه حق إسرائيل فى استعمال القناة، فهل تذكر يقول كلمة عن حقوق العرب فى فلسطين؟ إن الحق المدعى لإسرائيل فى استعمال قناة السويس أمر لا أظنه يمكن أن يقارن بحقوق العرب المشروعة فى وطنهم وأرضهم وبيوتهم.

سؤال من المحاور: ما هى الخطوة القادمة فى البناء السياسى الداخلى للجمهورية العربية المتحدة؟

الرئيس ناصر: إن الفرصة وصلت إلى مراحلها الأخيرة، وفى الأسبوعين القادمين سوف نعلن الصورة الكاملة لتشكيلات الاتحاد القومى الذى هو هيكل البناء السياسى الداخلى فى الجمهورية العربية المتحدة، ولسوف يجتمع مجلس الأمة الذى يمثل الجمهورية العربية المتحدة فى فبراير القادم كما أعلنت.

سؤال من المحاور: هل هذا البرلمان الذى سيضع الدستور الدائم للجمهورية العربية؟

الرئيس ناصر: نعم.

سؤال من المحاور: ما هى آخر تطورات مشروع الوادى الجديد، لقد أعلن عنه ثم توقفت الكتابة فيه؟

*الرئيس ناصر: إن العمل فى هذا المشروع يسير فى طريقه، والقوات المسلحة تقوم فى الوقت الحاضر بالجهد الأكبر فيه عن طريق سلاح المهندسين. ولقد طلبت أن نوقف كل دعاية للمشروع حتى تنتهى التجارب التى تجرى الآن، ويتم تقدير دقيق للإمكانيات فيه. ومن التقارير التى قدمت لى فإن هناك الآن مليون فدان مستعدة للزراعة، والشىء الوحيد الذى نريد التأكد منه هو وجود ماء بطريقة دائمة وكافية قبل أن توجه الأموال للاستغلال الفعلى. ونحن الآن نحفر هناك ثلاثين بئراً فى مناطق مختلفة، وتجرى الآن تجارب قياس تدفق المياه منها، ولسوف تتم هذا العام زراعة من عشرة إلى عشرين ألف فدان. ولكن هذه الأرض لن تزرع كما قلت إلا بعد انتهاء التجارب الدقيقة والكاملة على استمرار تدفق المياه وكفايتها، والاحتمالات هناك تصل إلى وجود أرض صالحة للزراعة ومياه كافية لها فى هذه  المنطقة تقدر بثلاثة ملايين فدان، والتاريخ ينبئنا أن هذه المنطقة كانت عامرة فى وقت من الأوقات بالسكان، وقبل الغزو الفارسى كان تعداد سكانها ثمانية ملايين، وكانت هناك حضارة متقدمة، وكتب التاريخ فى رواية رحلة الإسكندر الأكبر إلى هذه المنطقة ترسم صورة واضحة لهذه الحضارة. وعلى أى حال فإن هذا العام هو عام التجارب، وفى نهاية هذا العام - وعلى ضوء نتائج التجارب - سوف تبدأ الخطط لزراعة مليون فدان.

سؤال من المحاور: هل هناك فكرة لتحديد النسل وتخفيف وطأة زيادة السكان؟

الرئيس ناصر: لست من المؤمنين بدعوة الناس إلى تحديد النسل بالأوامر أو الدعاية، إن التعليم وحده هو الذى يحل المشكلة، وبدلاً من أن نعلم الناس كيف يحددون النسل؛ فإنى أفضل أن نعلمهم كيف يزيد إنتاجهم ويرفعون مستواهم، ولسوف يكون كل منهم - فى ذلك الوقت - قادراً على تخطيط أوضاع  أسرته.

وفى رأيى بدلاً من أن نركز جهودنا على تحديد النسل، فإنه من الأولى أن نحاول التركيز على استخدام مواردنا. إننا نعيش ونستعمل ما مساحته 4٪  من أرضنا، والباقى كله مهمل ومهجور، ولو أننا بدلاً من التفكير فى تقليل عدد السكان وجهنا الجهد إلى توسيع مساحة الرقعة التى نعيش عليها من أرضنا؛ لوجدنا الحل لمشاكلنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حديث مع مدير مكتب وكالة "الأسوشيتد برس" فى القاهرة ومراسل جريدة "الكريستيان ساينس مونيتور"

بتاريخ التاسع من أكتوبر العام ١٩٥٩م.