قناة السويس نبض مصر والعالم

قناة السويس نبض مصر والعالم

 

سجل التاريخ أن مصر أول دولة شقت قناة صناعية عبر أراضيها لتربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر عن طريق النيل وفروعه، من المعلوم – كما تبين كتب التاريخ – أن أول من فكر في ربط البحرين الأبيض والأحمر، بطريق غير مباشر، عن طريق النيل وفروعه هو الفرعون سنوسرت الثالث، من الأسرة الثانية عشرة، وذلك بهدف توطيد التجارة وتيسير المواصلات بين الشرق والغرب. حيث كانت السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط تسير في النيل حتى الزقازيق ومنها إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة التي كانت متصلة به في ذلك الوقت. وما زالت آثار هذه القناة موجودة حتى اليوم في جنيفة بالقرب من السويس.

وفي عام ٦١٠ قبل الميلاد امتلأت هذه القناة بالأتربة وتكون سد أرضي عزل البحيرات المرة عن البحر الأحمر لافتقارها إلى الصيانة فترة طويلة من الزمان، فبذل الفرعون نخاو الثاني المعروف باسم نيقوس، غاية جهده لإعادة شق القناة، فوفق إلى وصل النيل بالبحيرات المرة، ولكنه فشل في وصلها بالبحر الأحمر.

وفى. عام ٥١٠ قبل الميلاد اهتم دارا الأول ملك الفرس بالقناة، فأعاد ربط النيل بالبحيرات المرة، غير أنه لم ينجح كسلفه في وصل البحيرات المرة بالبحر الأحمر إلا بواسطة قنوات صغيرة لم تكن صالحة للملاحة، إلا في موسم فيضان النيل فقط.

وتغلب بطاليموس الثاني في ٢٨٥ قبل الميلاد على كل الصعوبات التي اعترضت سبيل سابقيه، فتمكن من إعادة الملاحة إلى القناة بأكملها، بعد أن نجح في حفر الجزء الواقع بين البحيرات المرة والبحر الأحمر، ليحل محل القنوات الصغيرة.

ورأى الرومان إعادة استخدام القناة للملاحة لضرورات التجارة، فحفر الإمبراطور تراجان الروماني قناة جديدة (٩٨ ميلادية)، تبدأ من القاهرة عند فم الخليج، وتنتهي في العباسية، حيث تتصل بالفرع القديم عند الزقازيق.

وفي عهد البيزنطيين (٤٠٠ ميلادية) دب الإهمال من جديد في القناة، فتراكم التراب فيها، حتى أصبحت غير صالحة للملاحة على الإطلاق.

وفى عام ٦٤١ ميلادية أعاد عمرو بن العاص الملاحة الى القناة، وأطلق عليها اسم قناة أمير المؤمنين، وقد خطر له أن يشق قناة مباشرة بين البحرين الأبيض والأحمر، ولكن الخليفة عمر بن الخطاب أثناه عن عزمه، اعتقادا منه بأن شق مثل هذا البرزخ قد يعرض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر.

وفى عام ٧٦٠ ميلادية ردم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور القناة، حتى لا تستخدم في نقل المؤن إلى أهل مكة والمدينة الثائرين على حكمه، وبذلك تعطلت الملاحة بين البحرين، أحد عشر قرنا تقريبا، استخدمت خلالها الطرق البرية في نقل تجاره مصر. وفى عام ١٨٢٠م، أمر محمد علي بإصلاح جزء من القناة لري المنطقة الواقعة بين العباسة والقصاصين.

 

وفي ٣٠ نوفمبر ١٨٥٤م، صدر فرمان الامتياز الأول الذي منح فرديناند ديلسبس حق إنشاء شركة لشق قناة السويس وينص هذا الفرمان في مادته الأولى على أن ديلسبس يجب أن ينشئ شركة ويشرف عليها، وفى مادته الثانية أن مدير الشركة يتم تعيينه بمعرفة الحكومة المصرية وفى مادته الثالثة أن مدة الامتياز تسع وتسعون سنة تبدأ من تاريخ فتح القناة. وفى مادته الخامسة أن الحكومة المصرية تحصل سنوياً على ١٥ ٪ من صافي أرباح الشركة. وينص هذا الفرمان أيضاً على أن رسم المرور في القناة يتم الاتفاق عليه بين الخديوي والشركة، وأن تتساوى فيه كل الدول دون تفرقة أو امتياز، وأنه عند انتهاء امتياز هذه الشركة تحل الحكومة المصرية محلها، وتستولى على القناة وعلى كل المنشآت التابعة لها.

صدر فرمان الامتياز الثاني في ٥ يناير ١٨٥٦م، وهو يتضمن ٢٣ مادة توضح ما تضمنه الفرمان الأول من أحكام. غير أنه يلاحظ أن المواد ١٤ و١٥ من الفرمان الثاني تؤكد بصورة واضحة حياد القناة. فقد جاء في المادة ١٤ " القناة البحرية الكبرى من السويس إلى الطينة والمرافئ التابعة لها مفتوحة على الدوام بوصفها ممراً محايداً لكل سفينة تجارية ".

تأسست الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (١٥ ديسمبر ١٨٥٨م) برأس مال قدره ٢٠٠ مليون فرنك (٨ ملايين جنيه) ، مقسم على  ٤٠٠٫٠٠٠سهم قيمة كل منها ٥٠٠ فرنك، خصصت الشركة لكل دولة من الدول عددا معينا منها وكان نصيب مصر ٩٢١٣٦سهما ونصيب انجلترا والولايات المتحدة والنمسا وروسيا ٨٥٥٠٦ أسهم غير أن هذه الدول رفضت رفضا باتا الاشتراك في الاكتتاب ، فاضطرت مصر إزاء رفضها ، إلى استدانة ٢٨ مليون فرنك (١١٢٠٠٠٠جنيه ) بفائدة باهظة لشراء نصيبها بناء على إلحاح دليسبس، ورغبة منها في تعضيد المشروع وإنجاحه ، وبذلك أصبح مجموع ما تملكه مصر من الأسهم ١٧٧٦٤٢سهما قيمتها ٨٩ مليون فرنك تقريبا (٣٥٦٠٠٠٠جنيه) أي ما يقرب من نصف رأس مال الشركة.

 

في ٢٥ أبريل ١٨٥٩م، بدأ العمل في حفر قناة السويس رغم اعتراضات انجلترا والباب العالي. وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط في بحيرة التمساح (١٨ نوفمبر ١٨٦٢م)، وكانت وقتئذ عبارة عن منخفض من الأرض، تحف به الكثبان الرملية ويقع في منتصف المسافة بين بورسعيد والسويس.

وتلاقت مياه البحرين الأبيض والأحمر (١٨ اغسطس ١٨٦٩م)، فتألف منها ذلك الشريان الحيوي للملاحة العالمية، وبذا انتهت أعمال هذا المشروع الضخم الذي استغرق تنفيذه عشر سنوات، بعد استخراج ٧٤ مليون متر مكعب من الأتربة، وقد بلغت تكاليفه ٤٣٣مليون فرانك (١٧٣٢٠٠٠٠جنيه)، أي ضعف المبلغ الذي كان مقدرا لإنجازه.

تلاقت مياه البحرين الأحمر والمتوسط في ١٨ اغسطس ١٨٦٩م، لتظهر إلى النور قناة السويس " شريان الخير لمصر والعالم " التي وصفها عالم الجغرافيا الراحل الدكتور جمال حمدان بأنها " نبض مصر".

وقناة السويس هي ممر مائي صناعي بمستوى البحر يمتد في مصر من الشمال إلى الجنوب عبر برزخ السويس ليصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وهي تفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا وتعد أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي وهي أكثر القنوات الملاحية كثافة من حيث الاستخدام.

وتستخدمها السفن الحديثة بكثرة عددية كبيرة لأنها الأسرع والأقصر للمرور من المحيط الأطلنطي إلى المحيط الهندي، وتمثل الرسوم التي تدفعها السفن نظير عبور القناة مصدرا هاماً للدخل في مصر.

تجرى قناة السويس بين ميناء بورسعيد وخليج السويس وفى ارض تختلف طبيعتها من منطقة إلى أخرى فطبقات الأرض في بور سعيد والمنطقة المحيطة بها عبارة عن تربة رسوبية ناتجة عن تراكم طمي النيل القادم من فرع دمياط وتمتد التربة بهذه الطبيعة حتى القنطرة أي إلي مسافة أربعين كيلومترا جنوب بور سعيد وبعدها يختلط الطمي بالرمل الناعم حيث تتكون المنطقة الوسطى من القناة ما بين القنطرة وكبريت ومعظم أجزاء هذه المنطقة من الرمال آما المنطقة الجنوبية فتربتها متماسكة تتخللها عروق صخرية في بعض الأماكن بعضها من صخور رملية هشة وبعضها من أحجار الكالسيوم وتختلف الميول الجانبية للقطاع المائي للقناة طبقا لطبيعة التربة فهي ٤: ١ في القطاع الشمالي ٣: ١ في القطاع الجنوبي .

وتتميز قناة السويس بأنها ذات مستوى واحد ويختلف ارتفاع متوسط منسوب المياه في حدود ضيقة واقصى ارتفاع للمد في الشمال حوالي ٦٥ سم وفى الجنوب حوالي ١٫٩متر.

وتقوم بحماية ضفاف القناة من الانهيار نتيجة التيارات والأمواج الناجمة عن مرور السفن تكسيان حجرية وستائر حديدية يختلف تصميمها حسب طبيعة التربة في كل منطقة وعلى جانبي القناة توجد شمعات للرباط على مسافات متساوية كل ١٢٥ مترا لربط السفن في حالات الطوارئ وكذا علامات كيلو مترية، ويمتد موازيا للقناة من جهة الغرب خط للسكك الحديدية وترعة للمياه العذبة.

ويحدد الطريق الملاحي علامات للإرشاد (شمندورات) منها المضيئة والعاكسة التي تحدد طريق السفن أثناء الليل.

يوجد على الضفة الغربية للقناة ١٥ محطة إرشاد تقع على مسافات متساوية تقريبا ( حوالي ١٠ كم ) وذلك لمتابعة حركة السفن بالقناة وتقديم خدمات في حالات الطوارئ ، كما يوجد في كل من بور سعيد والسويس والإسماعيلية مكاتب حركة تعمل على تنظيم حركة الملاحة في القناة وترتبط مكاتب الحركة بعضها ببعض وبالمحطات البحرية وكذلك بالسفن العابرة من خلال شبكة اتصالات سلكية ولاسلكية يجرى تطويرها بأحدث شبكات الاتصال باستخدام كوابل الألياف الضوئية كما تم تطوير وسائل الاتصالات بالسفن عن طريق وحدة اتصال عبر الأقمار الصناعية وكذلك استكمال التغطية الرادارية لتشمل منطقة قناة السويس وهذا يساعد على التعرف على السفن أوتوماتيكيا بمجرد دخولها منطقة الرادار على مسافة ٣٥ كم من بور سعيد والسويس وكذلك متابعة السفن أثناء عبورها مع إمكانية تسجيل واسترجاع صور وتوقيتات عبور السفن .

افتتحت القناة في حفل أسطوري (١٧ نوفمبر ١٨٦٩م) بحضور ستة آلاف مدعو في مقدمتهم الإمبراطورة اوجينى زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، وإمبراطور النمسا، وملك المجر، وولى عهد بروسيا، وشقيق ملك هولندا، وسفير بريطانيا العظمى في الآستانة، والأمير عبد القادر الجزائري، والأمير توفيق ولى عهد مصر، والكاتب النرويجي الأشهر هنريك إبسن، والأمير طوسون نجل الخديوي الراحل سعيد باشا، ونوبار باشا، وغيرهم.

وعبرت القناة في ذلك اليوم (١٧ نوفمبر ١٨٦٩) السفينة "ايغيل" وعلى متنها كبار المدعوين تتبعها ٧٧ سفينة منها ٥٠سفينة حربية... وأقيمت بهذه المناسبة احتفالات ومهرجانات تفوق الوصف، أنفق فيها الخديوي اسماعيل نحو مليون ونصف مليون جنيه.

وفي الخامس عشر من فبراير العام ١٨٧٥م، اشترى دزرائيلى رئيس الوزراء البريطاني من الخديوي اسماعيل ١٧٦٦٠٢ سهماً مقابل مبلغ ٣٫٩٧٦٫٥٨٠جنيه إنجليزي وهذه الأسهم المصرية المباعة كانت تمثل ٤٤٪ من مجموع الأسهم وكان تعطي مصر حق الحصول على ٣١٪ من مجموع ربح الشركة.

وتنازلت الحكومة في ١٧ أبريل ١٨٨٠م، للبنك العقاري الفرنسي عن حقها في الحصول على ١٥٪ من ربح الشركة مقابل ٢٢ مليون فرنك. وبذلك أصبحت الشركة تحت السيطرة المالية لفرنسا وانجلترا للأولى ٥٦ ٪ من الأسهم وللثانية ٤٤٪.

وفيما بين مايو وسبتمبر ١٨٨٢م، تم احتلال الانجليز لمصر في أعقاب الثورة الأعرابية واستولى الجيش البريطاني على مرافق الشركة، وأوقف المرور بالقناة مدة مؤقتة.

وصدر تصريح من لورد جرانفيلد في ٣ يناير ١٨٨٣م، إلى الدول الكبرى أعلن فيه أن الحكومة الانجليزية ترغب في سحب جيشها من مصر في أقرب فرصة تسمح فيها حالة البلاد بذلك. ويقترح تنظيم وضع قناة السويس بموجب اتفاقية تبرم بين الدول الكبرى.

ومن ثم اجتمعت في ٣٠ مارس ١٨٨٥م، في باريس لجنة دولية لوضع وثيقة بضمان حرية الملاحة في القناة في كافة الأوقات ولكافة الدول، ولكن لم يتم الاتفاق على وضع هذه الوثيقة.

أبرم في القسطنطينية اتفاق بين كل من فرنسا والنمسا والمجر واسبانيا وانجلترا وايطاليا وهولندا وروسيا وتركيا بمقتضاه تم وضع نظام نهائي لضمان حرية الملاحة في قناة السويس.

وارتباطا بمسألة احترام مصر لاتفاقية القسطنطينية بعثت في ١٧ يوليه ١٩٥٧م برسالة إلى محكمة العدل الدولية. يبلغها أن مصر قد قبلت الولاية الجبرية للمحكمة طبقاً لأحكام المادة ٣٦ من القانون الأساسي لهذه المحكمة بالنسبة لكافة المنازعات التي تتعلق بالمرور في قناة السويس.

وفي خطابه التاريخي في مدينة الإسكندرية بتاريخ السادس والعشرين من يوليو ١٩٥٦م، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس. ونصت المادة الأولى من القرار على " تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية) وتنقل إلى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل الهيئات واللجان القائمة حالياً على إدارتها.  ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكون من أسهم وحصص بقيمتها مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية في باريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة.

وتدير القناة- التي يتولى تأمين محورها الملاحي الجيش الثالث الميداني- هيئة قناة السويس، وهي هيئة عامة مستقلة، تتبع رئيس مجلس الوزراء، وتتولى القيام على شؤون مرفق قناة السويس وإدارته واستغلاله وصيانته وتحسينه، وتختص دون غيرها بإصدار اللوائح المتعلقة بالملاحة في قناة السويس، وغير ذلك من اللوائح التي يقتضيها حسن سير المرفق، وتقوم على تنفيذها.

وبالفعل أوفت الدولة المصرية بكافة التزاماتها، فمع حلول الأول من يناير العام ١٩٦٣م، كانت قد سددت التعويضات التي أعلنت عن عزمها على دفعها لمساهميها تعويضا لهم عما يملكونه من أسهم وحصص تأسيس بقيمتها مقدرة وفقا لسعر الإقفال، في اليوم السابق للتأميم في بورصة الأوراق المالية بباريس. وبلغت جملة التعويضات ٢٨٣٠٠٠٠٠جنيه قيمة ٨٠٠٠٠٠ سهم سددت جميعها بالعملة الصعبة، قبل تاريخ استحقاقها بسنة كاملة.

وإذا كان قرار التأميم قد جاء ردا مباشرا على مواقف الدول الكبرى والبنك الدولي من مسألة تمويل السد العالي، إلا أن القرار في حقيقة الأمر كان كاشفاً وليس منشئا للحقوق المصرية وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بالسيادة المصرية على كامل التراب الوطني بعد ثورة ٢٣ يوليو المجيدة.

ولقد قامت مصر بتفنيد كافة الأسانيد التي تدحض وتشكك في قرار التأميم، وكان ذلك في الخطاب الشهير الذي ألقاه وزير خارجية مصر الدكتور محمود فوزي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٨ أكتوبر ١٩٥٦م وكان خطابا مطولا من بين ما جاء فيه: إن لكل دولة مستقلة الحق في تأميم أية هيئة تخضع لسيادتها. وقد أكدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بقرارها رقم ١٢٦٢٦ بتاريخ ٢١ ديسمبر ١٩٥٢ أن لكل دولة الحق في استغلال موارد ثروتها لرفاهية شعبها، طبقا لسيادتها ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وما تصرف مصر في تأميم شركة القناة إلا تنفيذ لهذا القرار.

وأضاف: إن شركة القناة شركة مصرية منحت امتياز تكوينها من الحكومة المصرية، وذلك لمدى ٩٩ عاما. والمادة ١٦ من الاتفاق الذي عقد بين الحكومة المصرية وبين شركة القناة في ٢٢ فبراير سنة ١٨٦٦م، تنص على " أن الشركة العالمية لقناة السويس البحرية هي شركة مساهمة مصرية تخضع لقوانين البلاد وعرفها. وقد اعترفت الحكومة البريطانية نفسها بهذه الحقيقة ودافعت عنها أمام المحاكم المختلطة بتاريخ ١٢ أبريل ١٩٣٩م، في قضية الوفاء بالذهب. كما أعلن تمسك مصر بحق سيادتها على أرضها، واحترامها لاتفاقية ١٨٨٨ مع استعدادها للمفاوضات في سبيل الوصول إلى حل لمشكلة القناة بالوسائل السلمية.

وبعد قرار التأميم تعرضت مصر لهجمة استعمارية شرسة بدأت بمحاولة خنق الاقتصاد المصري عندما انسحب المرشدون والفنيون الأجانب الذين يعملون في القناة لتعطيل الملاحة وعرقلة دولاب العمل ومن ثم إحراج الدولة المصرية بعدم قدرة أبنائها على إدارة القناة.

بيد أن روح التحدي التي تحلى بها المصريون دوما في أحلك الأوقات ساعدت على تجاوز الأزمة حيث نجح المرشدون المصريون بمعاونة بعض المرشدين من الدول الصديقة في تسيير الملاحة بانتظام بعد يومين فقط من انسحاب المرشدين الأجانب حيث عبرت القناة في ١٦ سبتمبر (٣٦) سفينة، وفى ١٧ سبتمبر (٣٥) سفينة، وفى يوم ١٨ سبتمبر (٣٢) سفينة، وفى ١٩ سبتمبر (٣٤) سفينة.

ووقتذاك، وعلى وجه التحديد في يوم الثلاثاء ١٨ سبتمبر ١٩٥٦م، استقبلت الإسماعيلية خمسين من المراسلين الأجانب كانت مصلحة الاستعلامات قد أعدت لهم رحلة إلى منطقة القناة ليقفوا بأنفسهم على دقة نظام الملاحة في القناة. وفى اليوم التالي (١٩ سبتمبر ١٩٥٦م) كان العنوان الرئيسي لصحيفة الأهرام معبرا عن واقع الحال حيث جاء كالتالي: إعجاب الصحفيين الأجانب بنظام الملاحة في القناة ...بعد أن شاهدوا قوافل السفن تمر في سلام.  وكتب عدد غير قليل من الصحف والمجلات الأجنبية عن نجاح الإدارة المصرية في تنظيم حركة الملاحة في القناة ومن بينها مجلة تايم الأمريكية حيث نشرت في عددها الصادر في الأول من أكتوبر ١٩٥٦م؛ مقالا بعنوان " تحت ظل الإدارة الجديدة " من أبرز ما جاء فيه " ...بعد ثمانية أسابيع من تأميم القناة وبعد أسبوع واحد من انسحاب ثلثي مرشديها يبدو أن ناصر بر بما كان يفخر به، فقد مرت منذ التأميم ٢٤٣٢ سفينة بسلام وأمان منها ٣٠١ عقب الانسحاب الجماعي للمرشدين الأجانب.

وتوالت الأحداث بعد ذلك والتي انتهت بشن العدوان الثلاثي على مصر والذي استمر من ٣١ اكتوبر إلى ٢٢ ديسمبر ١٩٥٦م.

وإذا كان العدوان الثلاثي قد تسبب في غلق القناة إلا أن ضفاف القناة ومصر كلها خاضت في ذلك الوقت معركة مجيدة تكللت ليس فقط بانتصار ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦م، لكن معركة السويس المجيدة – كما يسميها المؤرخون - دفنت الاستعمار وعصر الاستعمار ودشنت بلا جدال عصر التحرير في العالم وافتتحت موجة الاستقلال في العالم الثالث بأسره.

وبنفس روح التحدي استؤنفت الملاحة في القناة (٢٩ مارس ١٩٥٧م) بعد انتشال السفن الغارقة فيها وتطهيرها.

وبدأت الهيئة اعتباراً من أول يناير ١٩٥٨م، في تنفيذ المرحلة الأولى من " مشروع ناصر" بهدف زيادة القطاع المائي لها من ١٢٥٠ متراً مربعاً إلى ١٨٠٠ متر مربع، وزيادة الغاطس المسموح به للسفن العابرة من ٣٥ قدماً إلى ٣٧ قدماً. وشهد عام ١٩٥٨م، وصول أسطول الكراكات الذي ضم الكراكة الماصة "١٥ سبتمبر" وشقيقتها "٢٦يوليو".

وتسارعت عملية التطوير في عام ١٩٦١م، الذي شهد انتهاء المرحلة الأولى من مشروع ناصر في ٣٠ ابريل ١٩٦١م، والثانية في أول سبتمبر ١٩٦١م. وفى ديسمبر من نفس العام تم وضع حجر الأساس لترسانة هيئة قناة السويس البحرية.

وفي ١٣ مارس عام ١٩٦٢م، عبرت أضخم ناقلة بترول في العالم والتي تعد من أضخم السفن التي عبرت القناة منذ إنشائها، ووهي ناقلة البترول "مانهاتان"؛ أمريكية الجنسية حمولتها القصوى ١٠٦٥٠٠طن وطولها ٢٨٦٫٧مترا وعرضها ٤٠٫٢ مترا وغاطسها الأقصى ١٥٫٠٥ من الأمتار، وتضارع في ارتفاعها عمارة ذات عشرة طوابق.

ومن السفن الضخمة أيضا التي عبرت القناة منذ التأميم ناقلات البترول التالية:

الناقلة الانجليزية " بريتش أدميرال “وحمولتها القصوى ١١٢٧٤طناً وعبرتها في ٨ مايو ١٩٦٦م.

الناقلة الانجليزية " بريتش أرجوزى " وحمولتها القصوى ١١٢٧٨٦طناً وعبرتها في ١٧ يوليه ١٩٦٦م.

الناقلة السويدية " سى سبريت " وحمولتها القصوى ١١٩٤٠٠طن وعبرتها في ٢٧ يوليه ١٩٦٦م.

الناقلة السويدية " سى سبراى " وحمولتها القصوى ١١٦٢٥٠طناً وعبرتها في ٢٦ نوفمبر ١٩٦٦م.

وفي ٨ أكتوبر ١٩٦٢م، احتفلت هيئة القناة بعبور السفينة "المائة ألف" في قناة السويس منذ أن أممها الرئيس جمال عبد الناصر في ٢٦ يوليه ١٩٥٦ والسفينة "المائة ألف" المحتفى بها هي ناقلة البترول النرويجية "برج هس" التي تم بناؤها في ميناء ستافنجر بالنرويج سنة ١٩٥٥م، ويبلغ طولها ١٩٤ مترا وعرضها ٢٦ مترا وعمقها ١٤ مترا وحمولتها الكلية ٢٠٩٩٠طنا.

وفى ١٤ أبريل ١٩٦٤م، انضمت إلى اسطول كراكات الهيئة الكراكة الجديدة "خوفو" وبنيت هذه الكراكة لحساب هيئة القناة، في اسكتلندا وهي شبيهة بشقيقاتها "٢٦يوليه" و"١٥ سبتمبر" و"تحتمس" وهي من الطراز الماص الطارد ذات حفار، غير أنها أكبر منهم حجما وأعظمها قدرة ، إذ تبلغ قوة آلاتها ٨٥٠٠ حصان ويمكنها تفتيت الصخور حتى عمق ٢١ مترا وامتصاصها وطردها إلى مسافة ثلاثة كيلو مترات ونصف ويبلغ ثمنها مليون ونصف مليون جنيه.

في ٢٧ اكتوبر ١٩٦٦م، عبرت ناقلة البترول النرويجية " برجهافن " القناة وتبلغ حمولتها القصوى ١٥٣٥١١ طناً وطولها ٢٧٨٫٩متراً وعرضها ٤٤٤٫٢متراً وهي أضخم سفينة عبرت القناة منذ إنشائها وقد سمحت الهيئة بعبورها بعد إجراء عدة تجارب، في حوض القناة بمعمل الأبحاث بالإسماعيلية على نموذج مصغر لها كما قامت الهيئة بإجراء تجارب مماثلة على الناقلة أثناء عبورها وقد جاءت نتائج الدراسات والتجارب المعملية مطابقة للنتائج على الطبيعة.

 

توقفت الملاحة في القناة بسبب العدوان الإسرائيلي في ٥ يونية ١٩٦٧م، واستمر الوضع كذلك حتى أعلن الرئيس أنور السادات في خطابه التاريخي في مجلس الشعب (٢٩ مارس ١٩٧٥م) إعادة فتح قناة السويس وقال “.. إنني لا أريد لشعوب العالم التي تهتم بالقناة معبراً لتجارتها أن تتصور بأن شعب مصر يريد عقابها لذنب لم تقترفه، إنهم جميعاً أيدونا ونحن نريد قناتنا كما يريدونها طريقاً لازدهارنا، سوف نفتح قناة السويس ونحن قادرون على حمايتها نفس قدرتنا على حماية مدن القناة التي قمنا ونقوم بتعميرها، فلقد مضي ذلك العهد الذي كانت فيه المسافات حائلاً دون العدوان.

وفى ٥ يونيو ١٩٧٥م، أعيد افتتاح القناة للملاحة العالمية، وقال السادات في خطاب تاريخي أعلن لابن هذه الأرض الطيبة الذي شق القناة بعرقه ودموعه، همزة للوصل بين القارات والحضارات، وعبرها بأرواح شهدائه الأبرار لينشر السلام والأمان على ضفافها، يعيد فتحها اليوم للملاحة من جديد، رافداً للسلام وشريانا للازدهار والتعاون بين البشر.

ثم صعد الرئيس أنور السادات علي ظهر المدمرة " ٦ أكتوبر " ليبدأ بها أول رحلة، عبر قناة السويس، في قافلة تبدأ بكاسحتي ألغام، ثم المدمرة " ٦ أكتوبر " فاليخت الحرية "، وسفينة القيادة بالأسطول السادس " ليتل روك " والسفينتين المصريتين سوريا وعايدة، ثم لنشين عسكريين والقاطرة " مارد " وفي نهاية القافلة، ثلاث سفن حربية والسفينة القطرية " غزل " وعند وصول القافلة إلى الاسماعيلية، توجه الرئيس إلى مبني الإرشاد لإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية بمدخل المبني.

 

وفى ٣١ أكتوبر ١٩٧٦م، عبرت قناة السويس ناقلة البترول العملاقة الليبيرية " اسوسكانديا “، وتبلغ حمولتها القصوي ٢٥٤ ألف طن، وطولها ٣٤٨٫٥متراً، وعرضها ٥١٫٩٠ متراً، وغاطسها ٦٥٫٦٠ قدماً، وعبرت القناة فارغة بغاطس ٢٨ قدماً، وتعد أكبر سفينة اجتازت مياه القناة، منذ حفرها في ١٨٦٩م.

 

وشهد عام ١٩٧٩م، بداية حفر تفريعة التمساح (٢٢ فبراير) والتي تبدأ من الكيلو متر ٧٦٫٦إلى الكيلو متر ٨١٫٧ بطول ٥٫١كيلو متر. وتم افتتاحها عام ١٩٨٠م، لتحقق – وقتذاك - مع التفريعات الأخرى ازدواج المجرى الملاحي في مسافة ٦٨ كيلو متراً من طول المجرى البالغ ١٧٩ كيلو مترا من بورسعيد حتى بور توفيق في السويس.

 

وفى ١٩ مارس ١٩٨٠م، تم الاحتفال باتصال تفريعة بورسعيد بمياه البحر المتوسط. وهى التفريعة التي تبدأ من الكيلو متر ١٧ لتلتقى بالمجرى القديم للقناة ببوغاز بورسعيد عند الكيلو متر ٩٥، ثم تمتد حتى الكيلو متر ١٩٥ ليصل طولها النهائي إلى ٣٦٫٥ كيلو متراً، وتحقق هذه التفريعة دخول وخروج السفن والناقلات الضخمة من وإلى القناة دون إعاقة الحركة بميناء بورسعيد..

 

عند افتتاح القناة للملاحة في السابع عشر من نوفمبر عام ١٨٦٩م، كان طولها ١٦٤ كيلو مترا، وعرضها عند مستوى سطح المياه ٥٢ مترا وعمقها ٧ أمتار ونصف متر... وكان غاطس السفن المسموح به للعبور لا يزيد عن ٢٢,٥ قدما وكانت الملاحة لا تتم في القناة إلا نهارا فقط...

واستمرت الملاحة نهارا في قناة السويس طوال ١٨ عاما متصلة... حتى أدخلت شركة القناة نظام الملاحة الليلية في اليوم الأول من مارس ١٨٨٧م.

وطوال الفترة ما بين فتح القناة الأولى وقيام مصر بتأميمها في عام ١٩٥٦م قامت شركة القناة المؤممة بتنفيذ العديد من برامج تحسين وتطوير قناة السويس... وكان من نتائج هذه المشروعات... زيادة عمق القناة إلى ١٣مترا ونصف المتر... وزيادة عرضها عند القاع من ٢٢ مترا إلى ٤٢ مترا... وزيادة القطاع المائي من ٣٠٤ أمتار مربعة إلى ١٢٥٠ مترا مربعا... والغاطس المسموح به من قدمين وربع إلى ٣٥ قدما... وبلغت جملة تكاليف هذه التحسينات ٢٠ مليون و٥٠٠ ألف جنيه مصري.

 

ومع استمرار تطور صناعة السفن وبناء سفن أكبر في الحجم والحمولة، ظهر الاحتياج إلى تطوير قناة السويس، وقد تم ذلك بمعرفة الشركة العالمية لقناة السويس البحرية حتى وصل غاطس السفن إلى ٣٥ قدمًا، ومساحة القطاع المائي للقناة إلى ١٢٠٠ متر مربع قبل تأميم القناة في ٢٦ يوليو ١٩٥٦م.

وتواصل تطوير القناة، حيث زاد الغاطس إلى ٣٨ قدمًا ومساحة القطاع المائي للقناة إلى ١٨٠٠ متر مربع، وانتهت هذه المرحلة في مايو ١٩٦٢م. ثم أعلنت إدارة القناة في يونيو ١٩٦٦م، عن خطة طموحة لتطوير القناة على مرحلتين لتصل بالغاطس إلى ٤٨ ثم ٥٨ قدمًا على التوالي.

 

ثم توقف التطوير بالقناة نتيجة لحرب يونيو ١٩٦٧م، وأعيد فتح القناة للملاحة الدولية في يونيو ١٩٧٥م، بعد تطهيرها من مخلفات الحروب ورفع السفن الغارقة بين حربي ١٩٦٧م و ١٩٧٣م، ولتظل القناة بنفس العمق والقطاع المائي لها قبل الإغلاق.

واستمرت الإدارة المصرية بعد ذلك في مشروعات التطوير حتى بلغت حمولة السفينة المسموح بعبورها ٢١٠ ألف طن بكامل حمولتها، ووصل الغاطس إلى ٦٢ قدمًا ومساحة القطاع المائي إلى ٤٨٠٠ متر مربع وطول القناة إلى ١٩١٫٨٠كم في عام ٢٠٠١م. وتم أيضا في هذا المشروع إعادة تصميم المسارات المنحنية في القناة ليصل نصف قطر كل منها إلى ٥٠٠٠ متر على الأقل. كما تم حفر تفريعة جديدة تبدأ من الكم ١٧ جنوب بورسعيد شمالا حتى البحر الأبيض المتوسط شرق مدينة بور فؤاد لتسمح للسفن المحملة والمتجهة شمالا للوصول إلى البحر بدون الدخول إلى ميناء بورسعيد.

 

ووصل غاطس السفن المسموح لها عبور القناة إلى ٦٦ قدما في عام ٢٠١٠م، ليستوعب جميع سفن الحاويات حتى حمولة ١٧٠٠٠حاوية تقريبا فضلا عن عبور جميع سفن الصب من جميع أنحاء العالم.

وفي العام ٢٠١٥م، أجرت الحكومة المصرية عملية توسيع للقناة عمقت الممر المائي الرئيسي، كما أنشأت قناة موازية بطول٣٥  كيلو متراً، لتسمح القناة، من خلال ذلك بالعبور المباشر لمتوسط ٤٩ سفينة في الاتجاهين، وقل زمن عبور السفن إلى ١١ ساعة بدلاً من ١٨ ساعة.

وبناء على أهمية القناة ومركزها الاستراتيجي العالمي، تبنت الدولة المصرية استراتيجية تحويل القناة من معبر تجاري إلى مركز لوجستي عالمي. وذلك عبر الهيئة العامة لتنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي تأسست في ٢٠١٥ كهيئة حكومية، تتولى إدارة وتنفيذ مشروع محور قناة السويس بصفة منفصلة عن هيئة قناة السويس، تمتلك صلاحيات وسلطات كاملة على محور قناة السويس في كل ما يتعلق بكل الأنشطة والمشروعات المقامة داخل الإطار الجغرافي للمشروع دون تدخل من المحافظات، التي تقع في نطاقها تلك المشروعات.

وفي مارس من العام ٢٠٢١م، أكدت قناة السويس على كونها نبض العالم كله وليس مصر فقط، حيث كانت سفينة الحاويات البنمية العملاقة «إيفرجرين» البالغ طولها ٤٠٠ متر وعرضها ٥٩ مترًا وتبلغ حمولتها ٢٢٤ ألف طن، في طريقها ضمن قافلة الجنوب بقناة السويس تستكمل رحلتها من الصين إلى روتردام، إلا أنَّه عند عبورها قناة السويس وتحديدا بالكيلومتر ١٥١ ترقيم القناة، تعرضت لرياح قوية أدت لجنوحها ما أدى إلى توقف حركة الشحن في أقصر طريق للشحن البحري بين أوروبا وآسيا.

وفور وقوع الحادث، تشكلت لجنة إدارة الأزمات بقيادة رئيس هيئة قناة السويس وبدأت عمليات الإنقاذ من خلال إدارة التحركات بالهيئة وبواسطة ٨ قاطرات أبرزهم القاطرة «بركة ١» بقوة شد ١٦٠ طنًا، حيث يتم الدفع من جانبي السفينة وتخفيف حمولة مياه الاتزان لتعويم السفينة واستئناف حركة الملاحة بالقناة، وتم استخدام الحفارات الأرضية لرفع الآثار الناجمة عن الحادث على جوانب وستائر القناة والتي تضررت بشكل كبير بالإضافة إلى إزاحة الصخور مقدمة السفينة تمهيدا للبدء في إجراءات تعويمها.

أعلنت هيئة قناة السويس، تعليق حركة الملاحة مؤقتا مع مواصلة أعمال تعويم السفينة الجانحة بقناة السويس، وتسبب في وقف الملاحة قيام الهيئة بتحريك ١٣ سفينة من بورسعيد ضمن قافلة الشمال كان من المستهدف إكمال مسيرتها في القناة وفقاً للتوقعات الخاصة بانتهاء إجراءات تعويم السفينة الجانحة، إلا أنَّه مع تواصل أعمال تعويم السفينة كان لابد من التحرك وفق السيناريو البديل بالانتظار بمنطقة البحيرات الكبرى لحين استئناف حركة الملاحة بشكل كامل بعد تعويم السفينة.

استعانت الشركة المالكة للسفينة بشركة انقاذ هولندية للمساعدة في عملية التعويم، وهي شركة «SMIT» التي تعد واحدة من أكبر الشركات العالمية المتخصصة في مجال الإنقاذ البحري، وعقدت الشركة الهولندية اجتماعا مع لجنة إدارة الأزمات بالهيئة لمناقشة سبل تعويم السفينة، وطرح السيناريوهات المقترحة بما في ذلك إمكانية القيام بأعمال التكريك بمحيط السفينة من خلال كراكات الهيئة، وقامت الشركة في تلك الفترة بتقديم الاستشارات الفنية للهيئة الخاصة بإجراءات تعويم السفينة على أن يتم التعامل من خلال الوحدات البحرية الخاصة بهيئة قناة السويس.

وبدأت أعمال التكريك بمحيط السفينة بواسطة كراكتين من كراكات الهيئة وهما الكراكة مشهور والكراكة العاشر من رمضان، فضلا عن جهود تسهيل عملية التعويم بإزالة الرمال المحتجزة عند مقدمة سفينة من خلال أربعة حفارات أرضية، كما شملت جهود التعويم، القيام بأعمال الشد والدفع للسفينة بواسطة ٩ قاطرات عملاقة في مقدمتهم القاطرتين «بركة ١» وعزت عادل بقوة شد ١٦٠ طنًا لكل منهما.

وكانت تهدف أعمال التكريرك في البداية إلى إزالة الرمال المحيطة بمقدمة السفينة بكميات تكريك تتراوح من ١٥ إلى ٢٠ ألف متر مكعب من الرمال يتم طردها عبر خطوط طرد خارجية خاصة بالكراكة، للوصول للغاطس الملائم لتعويمها والذي يتراوح من ١٢ إلى ١٦ مترًا.

وعرضت عدة دول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، المساهمة في جهود تعويم السفينة الجانحة، مع استمرار أعمال التكريك.

وبعد يومين من جنوح السفينة بدء مناورات القطر للسفينة الجانحة من خلال ٩ قاطرات عملاقة في مقدمتهم القاطرة «بركة ١٥ والقاطرة «عزت عادل» وذلك بعد انتهاء أعمال التكريك بمنطقة مقدمة السفينة بواسطة الكراكة «مشهور»، وهي المناورات التي تتطلب توافر عدة عوامل مساعدة أبرزها اتجاه الرياح والمد والجذر مما يجعلها عملية فنية معقدة لها تقديراتها وإجراءاتها ومحاولاتها المتعددة وفقا لمواضع واختبارات الشد.

ولم تنجح تلك الجهود وعقد رئيس هيئة قناة السويس مؤتمرا صحفيا، للتعليق على تطورات جهود تعويم سفينة الحاويات البنمية EVER GIVEN الجانحة بالقناة، مشيرا إلى أن إجمالي عدد السفن المنتظرة في مناطق الانتظار حتى الآن بلغ ٣٢١ سفينة يتم تقديم لهم كل الخدمات اللوجستية، وأن استراتيجية الهيئة لعملية التعويم اعتمدت على ثلاثة مراحل أساسية هى استخدام القاطرات لأعمال الشد، ثم التكريك باستخدام كراكات الهيئة والعودة مجددا لمناورات الشد، وأخيرا اللجوء إلى تخفيف الحمولة، حيث يصعب تنفيذه عمليا ويحتاج لوقت طويل.

استمرت جهود تعويم سفينة الحاويات البنمية العملاقة EVER GIVEN من خلال القيام بأعمال التكريك نهارا، وعمل مناورات الشد بالقاطرات في أوقات تتلائم مع ظروف المد والجزر، وبلغت أعمال التكريك بواسطة الكراكة مشهور إحدى كراكات الهيئة في هذا اليوم ٢٧ ألف متر مكعب من الرمال، على عمق وصل إلى ١٨مترا، مع مراعاة حدوث انهيارات ترابية من أسفل السفينة للمناطق التي يتم تكريكها، وذلك جنبا إلى جنب مع القيام بمناورات الشد بواسطة قاطرات الهيئة في توقيتات تتلائم مع المد والجزر واتجاه الرياح.

وتم زيادة عدد قاطرات مناورات الشد إلى ١٢ قاطرة تقوم بالعمل من ثلاث اتجاهات مختلفة، حيث تعمل القاطرتان «بركة ١» وعزت عادل على شد مقدمة السفينة، فيما تقوم ٦ قاطرات بدفع مؤخر السفينة جنوبا، وتقوم أربع قاطرات أخرى بشد مؤخر السفينة جنوبا.

وتمّ بعد ذلك الدفع بالقاطرتين الجديدتين القاطرة «عبدالحميد يوسف» والقاطرة «مصطفى محمود» للمشاركة في مناورات الشد بعد اكتمال بنائهما بترسانة بورسعيد البحرية بقوة شد ٧٠ طنًا وانتهاء  تجارب البحر وتجارب التشغيل، بما يحقق الاستفادة من إمكانياتهم وقدراتهم التي تواكب أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا صناعة الوحدات البحرية المعاونة، والقاطرتين الجديدتين تتماثلان في المواصفات الفنية، يبلغ طول كل قاطرة ٣٥٫٨٧ متر، وعرضها ١٢٫٥متر، بغاطس كلي  ٥٫٧٥ متر، وسرعتها ١٣ عقدة، كما تمتاز برفاصات ذات قدرة وكفاءة عالية مصنوعة من قبل شركة Voith الألمانية، وماكينات من شركة DAIHATSU اليابانية.

وفي فجر اليوم السابع منذ بدء الأزمة، بدأت مناورات الشد لتعويم سفينة الحاويات البنمية الجانحة EVER GIVEN بواسطة ١٠ قاطرات عملاقة تقوم بالعمل من أربع اتجاهات مختلفة، واشتركت لأول مرة في المناورات القاطرة الهولندية APL GUARD بقوة شد ٢٨٥ طن، وهي القاطرة التي وصلت مساء أمس الأحد، ضمن فريق عمل شركة SMIT الهولندية للمشاركة في جهود تعويم سفينة الحاويات البنمية الجانحة.

وصباح اليوم ذاته، أعلن رئيس هيئة قناة السويس، بدء تعويم السفينة بنجاح بعد استجابة السفينة لمناورات الشد والقطر حيث تم تعديل مسار السفينة بشكل ملحوظ بنسبة ٨٠ ٪ وابتعاد مؤخر السفينة عن الشط بمسافة ١٠٢ متر بدلًا من ٤ أمتار.

وتمّ استئناف المناورات مرة أخرى مع ارتفاع منسوب المياه إلى أقصى ارتفاع له في الفترة من الحادية عشرة والنصف صباحا ليصل إلى ٢ متر بما يسمح بتعديل مسار السفينة بشكل كامل لتصبح بمنتصف المجرى الملاحي.

ووجه رئيس هيئة القناة رسالة طمأنة للمجتمع الملاحي الدولي باستئناف حركة الملاحة مرة أخرى في القناة بمجرد الانتهاء من تعويم السفينة بشكل كامل قريبا وتوجيهها للانتظار بمنطقة البحيرات لفحصها الفني.

وأشاد رئيس الهيئة برجال هيئة قناة السويس الأبطال الذين قاموا بهذا العمل العظيم، مثمنا جهودهم خلال الفترة الماضية وقيامهم بأداء واجبهم الوطني على أكمل وجه، مع ثقته الكاملة بإنجاز العمل بنسبة ١٠٠ ٪.

 

وعلق الرئيس عبدالفتاح السيسي على ذلك بتدوينة على فيس بوك، قائلا: «لقد نجح المصريون اليوم في إنهاء أزمة السفينة الجانحة بقناة السويس رغم التعقيد الفني الهائل الذي أحاط بهذه العملية من كل جانب، وبإعادة الأمور لمسارها الطبيعي، بأيد مصرية، يطمئن العالم أجمع على مسار بضائعه واحتياجاته التي يمررها هذا الشريان الملاحي المحوري، وإنني أتوجه بالشكر لكل مصري مخلص ساهم فنيا وعمليا في إنهاء هذه الأزمة»، مضيفًا «لقد أثبت المصريون اليوم أنهم على قدر المسؤولية دوما، وأن القناة التي حفروها بأجساد أجدادهم ودافعوا عن حق مصر فيها بأرواح آبائهم ستظل شاهدا أن الإرادة المصرية ستمضي إلى حيث يقرر المصريون، وسلاما يا بلادي».

وعبرت سفينة الحاويات العملاقة EVER ART أحدث وأكبر سفينة حاويات في العالم، في أولى رحلاتها البحرية عبر قناة السويس الجديدة ضمن قافلة الجنوب في رحلتها القادمة من ماليزيا والمتجهة إلى ميناء روتردام بهولندا في ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م.

 

المصادر

موقع هيئة قناة السويس.

موقع الهيئة العامة للاستعلامات.

جورج حليم كيرلس، قناة السويس والقنوات البحرية العالمية (القاهرة: دار الفكر العربي، ١٩٦٤)، صـ ٦٤ وما بعدها.

راجع نص فرمان الامتياز الأول صـ من هذا الكتاب.

محمد الشافعي، محمد يوسف، قناة السويس: ملحمة شعب.. تاريخ أمة (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، ٢٠٠٦) صـ ٨٥ -٩٣.

فتحي رزق قناة السويس: الموقع والتاريخ (القاهرة: دار النصر للطباعة الإسلامية، ١٩٨٣)، صـ ١٣٨وما بعدها.

محمود يونس، قناة السويس: ماضيها وحاضرها ومستقبلها (القاهرة: دار ابوالمجد للطباعة بالهرم، ٢٠٠٦)، صـ ٢٧٥ وما بعدها.

د. جمال حمدان، قناة السويس نبض مصر (القاهرة: عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، ١٩٧٥) صـ ٢٦-٢٧.

ذاكرة مصر المعاصرة.