مجلس النواب المصري

مجلسُ النُّوَّابِ المِصْرِيِّ
مجلسُ النُّوَّابِ هو السُّلْطَةُ التَّشْرِيعِيَّةُ بِجُمْهُورِيَّةِ مِصْرَ العَرَبِيَّةِ، وَيَتَوَلَّى اخْتِصَاصَاتٍ مُخْتَلِفَةً وَرَدَ النَّصُّ عَلَيْهَا فِي دُسْتُورِ ٢٠١٤، فَوْفْقًا لِلْمَادَّةِ ١٠١ بِالفَصْلِ الأَوَّلِ مِنَ البَابِ الخَامِسِ، يَتَوَلَّى مَجْلِسُ النُّوَّابِ سُلْطَةَ التَّشْرِيعِ، وَإِقْرَارَ السِّيَاسَةِ العَامَّةِ لِلدَّوْلَةِ، وَالخُطَّةِ العَامَّةِ لِلتَّنْمِيَةِ.
أَقْدَمُ التَّشْرِيعَاتِ فِي تَارِيخِ الإِنْسَانِيَّةِ
قَدَّمَتْ مِصْرُ لِلْإِنْسَانِيَّةِ أَقْدَمَ النُّظُمِ التَّشْرِيعِيَّةِ وَالإِدَارِيَّةِ، فَعَلَى ضِفَافِ نِيلِهَا نَشَأَتْ أَقْدَمُ حُكُومَةٍ مُنَظَّمَةٍ شَيَّدَتِ الحَضَارَاتِ الإِنْسَانِيَّةَ العُظْمَى، وَعَلَى مَدَى العُصُورِ تَعَاقَبَتِ الحَضَارَاتُ المِصْرِيَّةُ الشَّامِخَةُ وَازْدَهَرَتِ اسْتِنَادًا إِلَى أُسُسٍ قَوِيَّةٍ وَرَاسِخَةٍ فِي نُظُمِ وَفُنُونِ الحُكْمِ وَالإِدَارَةِ.
فَقَبْلَ نَحْوِ ٥٢٠٠ عَامٍ، اسْتَطَاعَ المَلِكُ مِينَا مُؤَسِّسُ الأُسْرَةِ الفِرْعُونِيَّةِ الأُولَى تَوْحِيدَ الوَجْهَيْنِ القِبْلِيِّ وَالبَحْرِيِّ (الجَنُوبِ وَالشَّمَالِ) فِي مِصْرَ فِي دَوْلَةٍ مُوَحَّدَةٍ، وَوَضَعَ أَقْدَمَ النُّظُمِ التَّشْرِيعِيَّةِ فِي التَّارِيخِ الإِنْسَانِيِّ، عِنْدَمَا جَعَلَ مِنْ قَانُونِ "تُحُوتَ"، إِلَهِ الحِكْمَةِ، القَانُونَ المُوَحَّدَ السَّائِدَ فِي مِصْرَ بِكَامِلِهَا، وَاتَّخَذَ مِنْ مَدِينَةِ مَنْفَ عَاصِمَةً وَمَرْكَزًا إِدَارِيًّا لِأَوَّلِ دَوْلَةٍ مَرْكَزِيَّةٍ مُوَحَّدَةٍ فِي التَّارِيخِ، تَمْتَلِكُ جِهَازًا مُنَظَّمًا فِي الحُكْمِ وَالإِدَارَةِ وَالقَضَاءِ وَالتَّعْلِيمِ، وَالشُّرْطَةِ، وَالجَيْشِ، وَغَيْرِهَا.
وَتَدُلُّ آثَارُ الحَضَارَةِ الفِرْعُونِيَّةِ عَلَى مَدَى مَا بَلَغَهُ المِصْرِيُّونَ مِنْ تَقَدُّمٍ فِي نُظُمِ الحُكْمِ وَالإِدَارَةِ، فَكَانَ المَلِكُ (الفِرْعُونُ) عَلَى رَأْسِ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ يُعَيِّنُ الخَازِنَ الأَعْظَمَ أَوْ جَابِيَ الضَّرَائِبِ، وَكَانَ يُوجَدُ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ المُوَظَّفِينَ يُعَيَّنُونَ بِمَرْسُومٍ مَلَكِيٍّ وَيَتَدَرَّجُونَ فِي وَظَائِفِهِمْ، كَمَا طُبِّقَتْ مِصْرُ مُنْذُ عَصْرِ الدَّوْلَةِ القَدِيمَةِ نِظَامًا نَاجِحًا لِلْحُكْمِ المَحَلِّيِّ.
وَمُنْذُ الأُسْرَتَيْنِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنَ الدَّوْلَةِ المِصْرِيَّةِ القَدِيمَةِ ظَهَرَتِ المَرَاسِيمُ وَالتَّشْرِيعَاتُ المُخْتَلِفَةُ، مِثْلَ التَّشْرِيعِ الَّذِي حَدَّدَ أَوْقَاتَ عَمَلِ الفَلَّاحِ، وَمِثْلَ تَشْرِيعِ المَلِكِ مَنْكَاُورَعَ الَّذِي اسْتَهْدَفَ مُحَارَبَةَ السُّخْرَةِ.
وَنَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَبَيَّنَ مَدَى التَّقَدُّمِ وَالتَّنَوُّعِ فِي المَهَامِّ الَّتِي تُؤَدِّيها الدَّوْلَةُ مِنْ مُطَالَعَةِ نُقُوشِ مَقْبَرَةِ رَخْمِي رَعَ، رَئِيسِ وُزَرَاءِ وَرَئِيسِ قُضَاةِ المَلِكِ تَحْتَمُسَ الثَّالِثِ، عَلَى جُدْرَانِ مَقْبَرَتِهِ فِي طِيبَةَ، إِذْ تَحْتَوِي عَلَى تَسْجِيلٍ كَامِلٍ لِلتَّشْرِيعَاتِ الخَاصَّةِ بِشَرْحِ أَعْمَالِ الوَزِيرِ وَوَظَائِفِهِ.
وَفِي عَصْرِ الدَّوْلَةِ الفِرْعُونِيَّةِ الحَدِيثَةِ بَرَزَ دَوْرُ المَلِكِ "حُور مُحِبٍ" الَّذِي يُعَدُّ مِنْ أَهَمِّ المُشَرِّعِينَ فِي تَارِيخِ الإِنْسَانِيَّةِ، إِذْ تَمَيَّزَتْ تَشْرِيعَاتُهُ بِالطَّابِعِ المَدَنِيِّ بَعِيدًا عَنِ الاعْتِبَارَاتِ الدِّينِيَّةِ، كَمَا اهْتَمَّ بِإِصْدَارِ العَدِيدِ مِنَ القَوَانِينِ الَّتِي تُنَظِّمُ العَلَاقَةَ بَيْنَ الفَرْدِ وَالسُّلْطَةِ الحَاكِمَةِ، وَكَانَ لِتَشْرِيعَاتِهِ فَضْلُ السَّبْقِ فِي تَرْسِيخِ فِكْرَةِ الحُرِّيَّاتِ وَالحُقُوقِ العَامَّةِ، مِثْلَ حُرْمَةِ المَسْكَنِ وَحُرْمَةِ الطَّرِيقِ، كَمَا أَكَّدَ فِكْرَةَ أَنَّ الوَظِيفَةَ العَامَّةَ هِيَ خِدْمَةٌ لِلشَّعْبِ وَلَيْسَتْ وَسِيلَةً لِلتَّسَلُّطِ عَلَيْهِ.
وأنَّ الموظَّفَ العامَّ خادمٌ للشعبِ وليسَ سيِّدًا عليه.
وقدْ تركتِ الحضارةُ الفرعونيةُ العديدَ مِنْ آثارٍ وشواهدَ هذا التَّطوُّرِ الإداريِّ والتَّشريعيِّ، مِنْ بينها النَّصُّ الذي وُجِدَ في مقبرةِ الأميرةِ أَيْدُوتَ بمنطقةِ سَقَّارةَ، والذي يُعَدُّ أقدمَ تشريعٍ ضَرائبيٍّ في التَّاريخِ.
وكثيرًا ما سَجَّلَ المصريُّونَ القُدَماءُ على معابدِهِمْ ومقابِرِهِمْ صورَ الملكِ وهو يُقَدِّمُ "مَاعَتْ"، رمزَ العدالةِ والقانونِ، إلى الآلهةِ، في إشارةٍ واضحةٍ إلى تَقْديسِ مَفاهيمِ وقِيَمِ العدلِ وسيادةِ القانونِ.
وعقبَ دخولِ الإسكندرِ الأكبرِ مصرَ عامَ ٣٣٠ قبلَ الميلادِ، بدأ الحُكْمُ اليونانيُّ لمصرَ، وبعدَ وفاةِ الإسكندرِ جاءتْ فترةُ الحُكْمِ البَطْلَمِيِّ، ثمَّ الرُّومانيِّ... ورغمَ قسوةِ الحُكْمِ الرُّومانيِّ، فقد استطاعَ المصريُّونَ الحِفاظَ على مُعظَمِ تقاليدِهِمْ ونُظُمِهِمْ وعاداتِهِمْ، حتى دَخَلَتِ المسيحيَّةُ مصرَ في النِّصفِ الأوَّلِ مِنَ القرنِ الأوَّلِ الميلاديِّ، حيث أسهمتِ الكنيسةُ المصريَّةُ في تَرْسيخِ العديدِ مِنَ الأنظمةِ والتَّقاليدِ.
وفي العصرِ الإسلاميِّ، استُمِدَّتْ نُظُمُ الحُكْمِ والتَّشريعِ مِنَ القرآنِ الكريمِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ الشَّريفةِ، استنادًا إلى مبدأ الشُّورى، الذي يُعَدُّ أحدَ المبادئِ الأساسيَّةِ في نُظُمِ الحُكْمِ في الإسلامِ.
وعندما أصبحتْ مصرُ عاصمةً للخِلافةِ الفاطِميَّةِ (٩٦٩ ـ ١١٧١م)، تَطَوَّرَتْ نُظُمُ الحُكْمِ والتَّشريعِ، كما تمَّ تخطيطُ مدينةِ القاهرةِ كعاصمةٍ لمصرَ وللخِلافةِ الإسلاميَّةِ.
وفي عصرِ الدَّولةِ الأيُّوبيَّةِ (١١٧١ ـ ١٢٥٠م)، أصبحتِ القلعةُ مَقَرًّا للحُكْمِ ومركزًا للسُّلطةِ، وتنوَّعَتِ المجالسُ التَّشريعيَّةُ والقضائيَّةُ، فأُقيمَ مجلسٌ للعَدْلِ ومجلسٌ للنَّظَرِ في المَظَالِمِ وغيرُهما.. وقد تضمَّنَتْ أعمالُ هذه المجالسِ إصدارَ التَّشريعاتِ والقوانينِ وعَقْدَ المعاهداتِ مع الدُّوَلِ الأجنبيَّةِ.
وفي عصرِ المماليكِ (١٢٥٠ ـ ١٥١٧م)، شَيَّدَ السُّلطانُ الظَّاهرُ بَيْبَرْسُ "دارَ العَدْلِ" بقلعةِ صلاحِ الدِّينِ الأيُّوبيِّ لتكونَ مَقَرًّا للحُكْمِ.. وكانتِ اختصاصاتُ مجلسِ الحُكْمِ في ذلكَ العهدِ تَشْمَلُ إصدارَ التَّشريعاتِ، وتنفيذَها، وفَضَّ المنازعاتِ، علاوةً على عَقْدِ المُفاوضاتِ مع الدُّوَلِ المُجاوِرةِ.
وفي العصرِ العثمانيِّ (١٥١٧ ـ ١٨٠٥م)، كانتِ المحاكمُ الشَّرعيَّةُ هي النِّظامَ المُطَبَّقَ في مصرَ، وكانَ القُضاةُ يُطَبِّقونَ الأحكامَ مِنَ الشَّريعةِ مُباشرةً على كُلِّ المنازعاتِ المدنيَّةِ والجِنائيَّةِ والأحوالِ الشَّرعيَّةِ، وظَلَّ هذا الأمرُ قائمًا حتى نهايةِ القرنِ الثَّامنِ عشرَ.
وقد شَهِدَتْ مصرُ في السَّنواتِ الأخيرةِ مِنَ القرنِ الثَّامنِ عشرَ تَطَوُّراتٍ سياسيَّةً واجتماعيَّةً هامَّةً على مستوى الفِكرِ والمُمارسةِ. ففي عامِ ١٧٩٥م، وبعدَ أقلَّ مِنْ ستِّ سنواتٍ مِنَ الثَّورةِ الفرنسيَّةِ، شَهِدَتِ القاهرةُ انتفاضةً اجتماعيَّةً سياسيَّةً كُبرى مِنْ أجلِ الحُقوقِ والحُريَّاتِ وسيادةِ القانونِ، بَرَزَتْ فيها بصورةٍ قاطعةٍ مواقفُ القُوَى الوطنيَّةِ والقِياداتُ الشَّعبيَّةُ مِنْ قضايا الشَّعبِ، وتَبَنَّتْ فيها طَلائعُ هذه القُوَى المَطالِبَ الوطنيَّةَ في العَدالةِ والمُساواةِ والحُريَّةِ.
وفي إطارِ تَصاعُدِ المُقاوَمةِ الشَّعبيَّةِ ضِدَّ الوالي العُثمانيِّ والمماليكِ، كانتْ مصرُ على شَفا ثَوْرةٍ شَعبيَّةٍ هائلةٍ أفضتْ إلى انتزاعِ العُلماءِ والزَّعاماتِ الشَّعبيَّةِ حُجَّةً مكتوبةً مِنَ الوالي العُثمانيِّ والمماليكِ. وكانتْ هذه الحُجَّةُ بِمَثابةِ "مَاجْنَاكَارْتَا" مصرَ الأُولى، حيث تَطَلَّعَتْ إلى وَضْعِ ضَوابِطَ واضحةٍ للعَلاقةِ بينَ الفَرْدِ والسُّلطةِ بشأنِ عَدَمِ فَرْضِ مَغارِمَ أو ضَرائبَ بغيرِ مُوافَقةِ عُلَماءِ الأزهرِ بوَصْفِهِمْ مُمَثِّلي الشَّعبِ.
ٱلْمَجْلِسُ ٱلْعَالِي
فِي مَايُو مِنَ ٱلْعَامِ ١٨٠٥م، شَهِدَتْ مِصْرُ أَوَّلَ ثَوْرَةٍ دِيمُقْرَاطِيَّةٍ نَاضِجَةٍ فِي ٱلْعَصْرِ ٱلْحَدِيثِ... وَهِيَ ٱلثَّوْرَةُ ٱلَّتِي قَادَهَا عُلَمَاءُ ٱلْأَزْهَرِ وَٱشْتَرَكَتْ فِيهَا كُلُّ فِئَاتِ ٱلشَّعْبِ... وَقَامَ قَادَةُ هَذِهِ ٱلثَّوْرَةِ بِتَنْصِيبِ مُحَمَّدٍ عَلِي بَاشَا وَالِيًا عَلَىٰ مِصْرَ بِٱسْمِ ٱلشَّعْبِ دُونَ ٱنْتِظَارٍ لِقِيَامِ ٱلسُّلْطَانِ ٱلْعُثْمَانِيِّ بِإِرْسَالِ وَالٍ مِنْ قِبَلِهِ.
وَتَمَّتْ مُبَايَعَةُ مُحَمَّدٍ عَلِي حَاكِمًا بِشُرُوطِ ٱلشَّعْبِ ٱلَّتِي تَتَضَمَّنُ ٱلْفِكْرَةَ ٱلْقَائِلَةَ بِأَنَّ ٱلْأُمَّةَ هِيَ مَصْدَرُ ٱلسُّلُطَاتِ... حَيْثُ نَصَّتْ هَذِهِ ٱلشُّرُوطُ عَلَىٰ أَنَّهُ تَمَّ ٱلْأَمْرُ بَعْدَ ٱلْمُعَاهَدَةِ وَٱلْمُعَاقَدَةِ عَلَىٰ سَيْرِهِ بِٱلْعَدْلِ وَإِقَامَةِ ٱلْأَحْكَامِ وَٱلشَّرَائِعِ وَٱلْإِقْلَاعِ عَنِ ٱلْمَظَالِمِ وَأَلَّا يَفْعَلَ أَمْرًا إِلَّا بِمَشُورَةِ ٱلْعُلَمَاءِ. وَأَنَّهُ مَتَىٰ خَالَفَ ٱلشُّرُوطَ عَزَلُوهُ. وَعَقِبَ ٱسْتِقْلَالِهِ بِحُكْمِ مِصْرَ... بَدَأَ مُحَمَّدٌ عَلِي ثَوْرَةً إِدَارِيَّةً شَامِلَةً لِإِقَامَةِ مُؤَسَّسَاتِ حُكْمٍ حَدِيثَةٍ، بِمَا فِيهَا إِقَامَةُ مَجْلِسٍ نِيَابِيٍّ تَمْثِيلِيٍّ حَدِيثٍ.
فَفِي عَامِ ١٨٢٤م، تَمَّ تَكْوِينُ ٱلْمَجْلِسِ ٱلْعَالِي ٱلَّذِي يُعَدُّ ٱلْبِدَايَةَ ٱلْحَقِيقِيَّةَ لِأَوَّلِ مَجْلِسٍ نِيَابِيٍّ يُتَمُّ ٱخْتِيَارُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ بِٱلِٱنْتِخَابِ وَيُرَاعَىٰ فِيهِ تَمْثِيلُ فِئَاتِ ٱلشَّعْبِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ، حَيْثُ تَكَوَّنَ مِنْ ٢٤ عُضْوًا فِي ٱلْبِدَايَةِ، ثُمَّ صَارَ عَدَدُهُمْ ٤٨ عُضْوًا بَعْدَ إِضَافَةِ ٢٤ شَيْخًا وَعَالِمًا إِلَيْهِ. وَبِذَلِكَ أَصْبَحَ يَتَأَلَّفُ مِنْ نُظَّارِ ٱلدَّوَاوِينِ، وَرُؤَسَاءِ ٱلْمَصَالِحِ، وَٱثْنَيْنِ مِنَ ٱلْعُلَمَاءِ يَخْتَارُهُمَا شَيْخُ ٱلْأَزْهَرِ، وَٱثْنَيْنِ مِنَ ٱلتُّجَّارِ يَخْتَارُهُمَا كَبِيرُ تُجَّارِ ٱلْعَاصِمَةِ، وَٱثْنَيْنِ مِنْ ذَوِي ٱلْمَعْرِفَةِ بِٱلْحِسَابَاتِ، وَٱثْنَيْنِ مِنَ ٱلْأَعْيَانِ عَنْ كُلِّ مُدِيرِيَّةٍ مِنْ مُدِيرِيَّاتِ ٱلْقُطْرِ ٱلْمِصْرِيِّ يَنْتَخِبُهُمَا ٱلْأَهَالِي.
وَفِي يَنَايِرَ مِنَ ٱلْعَامِ ١٨٢٥م، صَدَرَتِ ٱللَّائِحَةُ ٱلْأَسَاسِيَّةُ لِلْمَجْلِسِ ٱلْعَالِي وَحَدَّدَتِ ٱخْتِصَاصَاتِهِ بِأَنَّهَا مُنَاقَشَةُ مَا يَرَاهُ أَوْ يَقْتَرِحُهُ مُحَمَّدٌ عَلِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِسِيَاسَتِهِ ٱلدَّاخِلِيَّةِ... وَقَدْ تَضَمَّنَتِ ٱللَّائِحَةُ ٱلْأَسَاسِيَّةُ كَذَلِكَ مَوَاعِيدَ ٱنْعِقَادِ ٱلْمَجْلِسِ وَأُسْلُوبَ ٱلْعَمَلِ فِيهِ.
مَجْلِسُ ٱلْمَشُورَةِ
أَدَّىٰ نَجَاحُ ٱلْمَجْلِسِ ٱلْعَالِي إِلَىٰ إِنْشَاءِ مَجْلِسٍ آخَرَ فِي عَامِ ١٨٢٩م، وَهُوَ مَجْلِسُ ٱلْمَشُورَةِ ٱلَّذِي يُعَدُّ نَوَاةً مُهِمَّةً لِنِظَامِ ٱلشُّورَىٰ، حَيْثُ تَأَلَّفَ هَذَا ٱلْمَجْلِسُ مِنْ كِبَارِ مُوَظَّفِي ٱلْحُكُومَةِ وَٱلْعُلَمَاءِ وَٱلْأَعْيَانِ بِرِئَاسَةِ إِبْرَاهِيمَ بَاشَا (ٱبْنِ مُحَمَّدٍ عَلِيٍّ)، وَجَاءَ هَذَا ٱلْمَجْلِسُ فِي عَدَدِ أَعْضَائِهِ وَتَمْثِيلِهِمْ لِمُخْتَلِفِ فِئَاتِ ٱلشَّعْبِ أَشْبَهَ بِجَمْعِيَّةٍ عُمُومِيَّةٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنْ ١٥٦ عُضْوًا: مِنْهُمْ ٣٣ عُضْوًا مِنْ كِبَارِ ٱلْمُوَظَّفِينَ وَٱلْعُلَمَاءِ، وَ٢٤ عُضْوًا مِنْ مَأْمُورِي ٱلْأَقَالِيمِ، وَ٩٩ عُضْوًا مِنْ كِبارُ أَعيانِ القُطرِ المِصريِّ يُتَمُّ اختيارُهُم عَنْ طَريقِ الانتِخابِ، وَكانَ مَجلِسُ المُشاوَرَةِ يَنعَقِدُ لِاستِشارَتِهِ في مَسائِلِ التَّعليمِ وَالإدارَةِ وَالأَشغالِ العُمومِيَّةِ. وَقَدْ صَدَرَتْ لِهَذا المَجلِسِ في عامِ ١٨٣٠م مَجمُوعَةٌ مِنَ التَّعلِيماتِ الَّتيِ اشتَمَلَتْ عَلى أُسُسٍ وَأَساليبِ عَمَلِهِ. وَفي عامِ ١٨٣٣م، سَنَّ مَجلِسُ المُشاوَرَةِ قَانونًا خاصًّا بِهِ كانَ بِمَثابَةِ تَكمِلَةٍ لِلتَّعلِيماتِ السَّابِقَةِ، وَتَناوَلَ تَنظِيمَ فَتَراتِ انعِقادِهِ، وَإِجراءَاتِ ما يُجرى بِهِ مِنْ مُداوَلاتٍ، وَما يَصدُرُ عَنهُ مِنْ قَراراتٍ.
وَفي عامِ ١٨٣٧م، أَصدَرَ مُحَمَّدٌ عَلِي القَانونَ الأَسَاسِيَّ لِلدَّولَةِ "السِّيَاسَتْنَامَةُ" الَّذِي أَلغَى مَجلِسَ المُشاوَرَةِ وَأَحَلَّ مَكانَهُ مَجلِسَينِ هُمَا: "المَجلِسُ الخُصُوصِيُّ لِسَنِّ القَوانِينِ وَالمَجلِسُ العُمُومِيُّ" لِبَحثِ مَا تُحِيلُهُ إِلَيهِ الحُكُومَةُ مِنْ أُمُورٍ. وَتَمَّ تَنظِيمُ الحُكُومَةِ فِي شَكْلِ سَبْعَةِ دَوَاوِينٍ أَسَاسِيَّةٍ.
مَجلِسُ شُورَى النُّوَّابِ
شَهِدَ العَامُ ١٨٦٦م، الخُطوَةَ الأَهَمَّ فِي تَطَوُّرِ الحَيَاةِ النِّيَابِيَّةِ فِي مِصرَ بِإِنشَاءِ "مَجلِسِ شُورَى النُّوَّابِ" فِي عَهدِ الخَدِيوي إِسمَاعِيلَ. فَهَذَا المَجلِسُ يُعَدُّ أَوَّلَ بَرلَمَانٍ يَمتَلِكُ اختِصَاصَاتٍ نِيَابِيَّةً، وَلَيسَ مُجَرَّدَ مَجلِسٍ استِشَارِيٍّ تَغلِبُ عَلَيهِ الصِّفَةُ الإِدَارِيَّةُ. وَقَدْ صَدَرَ المَرسُومُ الخَدِيويُّ بِإِنشَاءِ المَجلِسِ فِي شَهرِ نُوفَمبِرَ ١٨٦٦م، مُتَضَمِّنًا اللَّائِحَةَ الأَسَاسِيَّةَ وَاللَّائِحَةَ النِّظَامِيَّةَ لِلمَجلِسِ.
وَتَضَمَّنَتِ اللَّائِحَةُ الأَسَاسِيَّةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مَادَّةً: اشتَمَلَتْ عَلَى نِظَامِ الانتِخَابِ، وَالشُّرُوطِ القَانُونِيَّةِ الوَاجِبَةِ لِلِيَاقَةِ العُضُو المُرَشَّحِ، وَفَتَرَاتِ انعِقَادِ المَجلِسِ.
وَتَضَمَّنَتْ سُلطَاتُ المَجلِسِ "التَّدَاوُلَ فِي الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَرَفعَ نَصَائِحَ إِلَى الخَدِيويِّ"، وَتَأَثَّرَتْ لَوَائِحُ المَجلِسِ بِشِدَّةٍ بِالنُّظُمِ البَرلَمَانِيَّةِ الَّتِي كَانَ مَعمُولًا بِهَا فِي أُورُوبَّا فِي ذَلِكَ الوَقتِ، خَاصَّةً الهَيئَةَ التَّشْرِيعِيَّةَ الفِرنْسِيَّةَ.
وَتَكَوَّنَ مَجلِسُ شُورَى النُّوَّابِ مِنْ ٧٥ عُضوًا مُنتَخَبًا مِنْ قِبَلِ الأَعيَانِ: فِي القَاهِرَةِ، وَالإِسكَندَرِيَّةِ، وَدِمْيَاطَ، وَعُمَدِ البِلَادِ وَمَشَايِخِهَا فِي بَاقِي المُدِيرِيَّاتِ الَّذِينَ أَصبَحُوا بِدَورِهِم مُنتَخَبِينَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي عَهدِ الخَدِيوي إِسمَاعِيلَ،
إِضَافَةً إِلَى رَئِيسِ المَجلِسِ الَّذِي كَانَ يُعَيَّنُ بِأَمرٍ مِنْ الخَدِيوي. وَكَانَتْ مُدَّةُ المَجلِسِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ يَنعَقِدُ خِلَالَ كُلِّ سَنَةٍ مِنْهَا لِمُدَّةِ شَهرَينِ، وَقَدْ انعَقَدَ مَجلِسُ شُورَى النُّوَّابِ فِي تِسعَةِ أَدوَارِ انعِقَادٍ عَلَى مَدَى ثَلَاثِ هَيئَاتٍ نِيَابِيَّةٍ، وَذَلِكَ فِي الفَترَةِ مِنْ ٢٥ مِنْ نُوفَمبِرَ ١٨٦٦م حَتَّى ٦ مِنْ يُولِيُو عَامَ ١٨٧٩م.
وَمَعَ مُرُورِ الوَقتِ اتَّسَعَتْ صَلَاحِيَّاتُ المَجلِسِ شَيئًا فَشَيئًا، وَبَدَأَتْ تَظهَرُ نَوَاةُ الاتِّجَاهَاتِ المُعَارِضَةِ. وَقَدْ سَاعَدَ عَلَى هَذَا التَّطَوُّرِ انتِشَارُ أَفكَارِ التَّنْوِيرِ عَلَى يَدِ مَجمُوعَةٍ مِنْ كِبَارِ المُفَكِّرِينَ وَالكُتَّابِ،
إِضَافَةً إِلَى ظُهُورِ الصُّحُفِ فِي ذَلِكَ الوَقتِ مِمَّا عَزَّزَ المُطَالَبَةَ الشَّعْبِيَّةَ بِإِنشَاءِ مَجلِسٍ نِيَابِيٍّ لَهُ صَلَاحِيَّاتٌ تَشرِيعِيَّةٌ وَرَقَابِيَّةٌ أَوسَعُ. وَانعَكَسَتْ هَذِهِ المُطَالَبَةُ فِي عَامِ ١٨٧٨م، عِندَمَا أُنشِئَ أَوَّلُ مَجلِسِ وُزَرَاءِ فِي مِصرَ (مَجلِسُ النُّظَّارِ).
وَأُعِيدَ تَشكِيلُ البَرلَمَانِ، وَمُنِحَ المَزِيدُ مِنَ الصَّلَاحِيَّاتِ، وَإِنْ ظَلَّتْ بَعضُ الأُمُورِ خَارِجَةً عَنْ اختِصَاصِ المَجلِسِ، مِثلَ: بَعضِ الشُّؤُونِ المَالِيَّةِ. وَفِي يُونِيُو مِنَ العَامِ ١٨٧٩م، أُعِدَّتِ اللَّائِحَةُ الأَسَاسِيَّةُ الجَدِيدَةُ لِمَجلِسِ شُورَى النُّوَّابِ تَمهِيدًا لِعَرضِهَا عَلَى الخَدِيوي لِإِصدَارِهَا، وَهِيَ اللَّائِحَةُ الَّتِي جَعَلَتْ عَدَدَ النُّوَّابِ ١٢٠ نَائِبًا عَنْ مِصرَ وَالسُّودَانِ.
وَكَانَ أَهَمُّ مَا تَضَمَّنَتْهُ اللَّائِحَةُ: تَقرِيرُ "المَسْؤُولِيَّةِ الوِزَارِيَّةِ"، وَمَنحُ سُلطَاتٍ أَكبَرَ لِلمَجلِسِ فِي النَّوَاحِي المَالِيَّةِ.
غَيرَ أَنَّ الخَدِيوي تُوفِيقَ الَّذِي عُيِّنَ فِي السَّادِسِ وَالعِشرِينَ مِنْ يُونِيُو العَامِ ١٨٧٩م، رَفَضَ اللَّائِحَةَ وَأَصدَرَ أَمرًا بِفَضِّ المَجلِسِ.. وَلَكِنَّ المَجلِسَ ظَلَّ ـ رُغمَ ذَلِكَ ـ يَعقِدُ جَلسَاتِهِ حَتَّى يُولِيُو ١٨٧٩م.
مجلس النواب المصري
وفي التّاسعِ مِنْ سِبْتَمْبَرَ العَامِ ١٨٨١م، انْدَلَعَتِ الثّوْرَةُ العُرابِيَّةُ، وَكَانَ مِنْ بَيْنِ مَطَالِبِهَا تَشْكِيلُ مَجْلِسٍ لِلنُّوَّابِ. وَبِالفِعْلِ أُجْرِيَتِ الِانْتِخَابَاتُ لِمَجْلِسِ شُورَى النُّوَّابِ طِبْقًا لِأَحْكَامِ لَائِحَةِ المَجْلِسِ الصَّادِرَةِ فِي سَنَةِ ١٨٨٦م، انْتِظَارًا لِقِيَامِ الحُكُومَةِ بِإِعْدَادِ مَشْرُوعِ قَانُونٍ أَسَاسِيٍّ جَدِيدٍ يُعْرَضُ عَلَى المَجْلِسِ لِإِقْرَارِهِ. وَقَدِ افْتُتِحَ المَجْلِسُ الجَدِيدُ الَّذِي سُمِّيَ "مَجْلِسُ النُّوَّابِ المِصْرِيِّ" فِي السَّادِسِ وَالعِشْرِينَ مِنْ دِيسِمْبَرَ العَامِ ١٨٨١م، وَقَدَّمَتِ الحُكُومَةُ مَشْرُوعَ القَانُونِ الأَسَاسِيِّ، وَصَدَرَ الأَمْرُ العَالِي بِهِ فِي السَّابِعِ مِنْ فِبْرَايِرَ العَامِ ١٨٨٢م.
وَجَعَلَ هَذَا القَانُونُ الوِزَارَةَ مَسْؤُولَةً أَمَامَ المَجْلِسِ النِّيَابِيِّ المُنْتَخَبِ مِنَ الشَّعْبِ، وَالَّذِي كَانَتْ لَهُ أَيْضًا سُلْطَةُ التَّشْرِيعِ، وَحَقُّ سُؤَالِ الوُزَرَاءِ وَاسْتِجْوَابِهِمْ.
وَأَصْبَحَتْ مُدَّةُ مَجْلِسِ النُّوَّابِ المِصْرِيِّ خَمْسَ سَنَوَاتٍ، وَدَوْرُ الِانْعِقَادِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ.
وَهَكَذَا أُرْسِيَتْ قَوَاعِدُ المُمارَسَةِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ البَرْلَمَانِيَّةِ فِي مِصْرَ عَلَى نَحْوٍ تَدْرِيجِيٍّ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَدُمْ طَوِيلًا، حَيْثُ انْعَقَدَ مَجْلِسُ النُّوَّابِ المِصْرِيِّ انْعِقَادًا عَادِيًّا وَاحِدًا مُنْذُ ٢٦ مِنْ دِيسِمْبَرَ ١٨٨١م إِلَى ٢٦ مِنْ مَارِسَ ١٨٨٢م، ثُمَّ قَامَتْ بَرِيطَانْيَا بِاحْتِلَالِ مِصْرَ عَامَ ١٨٨٢م، وَأَلْغَتِ القَانُونَ الأَسَاسِيَّ، وَصَدَرَ فِي عَامِ ١٨٨٣م مَا سُمِّيَ بِالقَانُونِ النِّظَامِيِّ الَّذِي كَانَ انْتِكَاسَةً لِلْحَيَاةِ النِّيَابِيَّةِ فِي مِصْرَ.
الجَمْعِيَّةُ التَّشْرِيعِيَّةُ
فِي يُولْيُو العَامِ ١٩١٣م، تَمَّ إِلْغَاءُ مَجْلِسِ شُورَى القَوَانِينِ وَالجَمْعِيَّةِ العُمُومِيَّةِ. وَتَمَّ إِنْشَاءُ الجَمْعِيَّةِ التَّشْرِيعِيَّةِ الَّتِي تَكَوَّنَتْ مِنْ ٨٣ عُضْوًا: مِنْهُمْ ٦٦ عُضْوًا مُنْتَخَبًا، وَ١٧ عُضْوًا مُعَيَّنًا. وَنَصَّ القَانُونُ النِّظَامِيُّ الصَّادِرُ فِي أَوَّلِ يُولْيُو مِنْ ذَاتِ العَامِ عَلَى أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الجَمْعِيَّةِ التَّشْرِيعِيَّةِ سِتَّ سَنَوَاتٍ... وَقَدِ اسْتَمَرَّتِ الجَمْعِيَّةُ فِي الفَتْرَةِ مِنْ ٢٢ يَنَايِرَ ١٩١٤م إِلَى ١٧ يُونْيُو ١٩١٤م، حَيْثُ نَشِبَتِ الحَرْبُ العَالَمِيَّةُ الأُولَى وَأُعْلِنَتِ الأَحْكَامُ العُرْفِيَّةُ فِي مِصْرَ. ثُمَّ فِي دِيسِمْبَرَ مِنَ العَامِ ١٩١٤م، أَعْلَنَتْ بَرِيطَانْيَا الحِمَايَةَ عَلَى مِصْرَ، وَتَمَّ تَأْجِيلُ انْعِقَادِ الجَمْعِيَّةِ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمَّى.
وَفِي العَامِ ١٩١٥م، أُوْقِفَ العَمَلُ بِأَحْكَامِ القَانُونِ النِّظَامِيِّ إِلَى أَنْ أُلْغِيَتِ الجَمْعِيَّةُ التَّشْرِيعِيَّةُ فِي أَبْرِيلَ مِنَ العَامِ ١٩٢٣م.
مَجْلِسُ شُورَى القَوَانِينِ
فَتَضَمَّنَ القَانُونُ النِّظَامِيُّ الصَّادِرُ عَامَ ١٨٨٣م تَكْوِينُ البَرْلَمَانِ المِصْرِيِّ مِنْ مَجْلِسَيْنِ هُمَا: "مَجْلِسُ شُورَى القَوَانِينِ" وَ"الجَمْعِيَّةُ العُمُومِيَّةُ". كَمَا أَنْشَأَ هَذَا القَانُونُ مَجَالِسَ المُدِيرِيَّاتِ الَّتِي كَانَتْ وَظِيفَتُهَا إِدَارِيَّةً لَا تَشْرِيعِيَّةً، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَخْتَصُّ بِانْتِخَابِ أَعْضَاءِ مَجْلِسِ شُورَى القَوَانِينِ.
وَقَدْ تَكَوَّنَ مَجْلِسُ شُورَى القَوَانِينِ مِنْ ٣٠ عُضْوًا: مِنْهُمْ ١٤ عُضْوًا مُعَيَّنًا، مِنْ بَيْنِهِمْ رَئِيسُ المَجْلِسِ وَأَحَدُ الوُكَلَاءِ، وَ١٦ عُضْوًا مُنْتَخَبًا مِنْهُمُ الوَكِيلُ الثَّانِي لِلْمَجْلِسِ. وَكَانَتْ مُدَّتُهُ ٦ سَنَوَاتٍ.
الجَمْعِيَّةُ العُمُومِيَّةُ
أَمَّا الجَمْعِيَّةُ العُمُومِيَّةُ فَكَانَتْ تَتَأَلَّفُ مِنْ ٨٣ عُضْوًا: مِنْهُمْ ٤٦ عُضْوًا مُنْتَخَبًا، وَالبَاقِي أَعْضَاءٌ بِحُكْمِ مَنَاصِبِهِمْ، وَهُمْ أَعْضَاءُ مَجْلِسِ شُورَى القَوَانِينِ، وَسَبْعَةُ وُزَرَاءِ. وَيَرْأَسُ الجَمْعِيَّةَ العُمُومِيَّةَ رَئِيسُ مَجْلِسِ شُورَى القَوَانِينِ.
وَقَدِ انْعَقَدَ مَجْلِسُ شُورَى القَوَانِينِ وَالجَمْعِيَّةُ العُمُومِيَّةُ فِي الفَتْرَةِ مِنْ عَامِ ١٨٨٣م حَتَّى عَامِ ١٩١٣م، فِي ٣١ دَوْرَةَ انْعِقَادٍ عَلَى مَدَى خَمْسِ هَيْئَاتٍ نِيَابِيَّةٍ.
دُسْتُورُ ١٩٢٣م
عَقِبَ انْتِهَاءِ الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الأُولَى، انْدَلَعَتِ الثَّوْرَةُ المِصْرِيَّةُ فِي عَامِ ١٩١٩م، مُطَالِبَةً بِالحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ لِمِصْرَ، وَإِقَامَةِ حَيَاةٍ نِيَابِيَّةٍ وَدِيمُقْرَاطِيَّةٍ كَامِلَةٍ.
وَأَسْفَرَتْ هَذِهِ الثَّوْرَةُ عَنْ صُدُورِ تَصْرِيحِ ٢٨ فِبْرَايِرَ ١٩٢٢م، الَّذِي اعْتَرَفَ بِمِصْرَ دَوْلَةً مُسْتَقِلَّةً ذَاتَ سِيَادَةٍ (مَعَ وُجُودِ تَحَفُّظَاتٍ أَرْبَعَةٍ)، كَمَا تَضَمَّنَ إِنْهَاءَ الحِمَايَةِ البَرِيطَانِيَّةِ عَلَى مِصْرَ.
وَاسْتِنَادًا إِلَى هَذَا الوَاقِعِ الجَدِيدِ، تَمَّ وَضْعُ دُسْتُورٍ جَدِيدٍ لِلْبِلَادِ، صَدَرَ فِي أَبْرِيلَ عَامَ ١٩٢٣م، وَوَضَعَتْهُ لَجْنَةٌ مُكَوَّنَةٌ مِنْ ثَلَاثِينَ عُضْوًا، ضَمَّتْ مُمَثِّلِينَ لِلْأَحْزَابِ السِّيَاسِيَّةِ، وَالزَّعَامَاتِ الشَّعْبِيَّةِ، وَقَادَةِ الحَرَكَةِ الوَطَنِيَّةِ.
وَقَدْ أَخَذَ دُسْتُورُ عَامِ ١٩٢٣م بِالنِّظَامِ النِّيَابِيِّ البَرْلَمَانِيِّ القَائِمِ عَلَى أَسَاسِ الفَصْلِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ السُّلْطَاتِ، وَنُظِّمَتِ العَلَاقَةُ بَيْنَ السُّلْطَتَيْنِ التَّشْرِيعِيَّةِ وَالتَّنْفِيذِيَّةِ عَلَى أَسَاسِ مَبْدَإِ الرِّقَابَةِ وَالتَّوَازُنِ، فَجَعَلَ الوِزَارَةَ مَسْؤُولَةً أَمَامَ البَرْلَمَانِ الَّذِي يَمْلِكُ حَقَّ طَرْحِ الثِّقَةِ فِيهَا، بَيْنَمَا جَعَلَ مِنْ حَقِّ المَلِكِ حَلَّ البَرْلَمَانِ وَدَعْوَتَهُ إِلَى الِانْعِقَادِ، وَلَكِنَّهُ أَعْطَى لِلْبَرْلَمَانِ حَقَّ الِاجْتِمَاعِ بِحُكْمِ الدُّسْتُورِ إِذَا لَمْ يُدْعَ فِي المَوْعِدِ المُحَدَّدِ.
كما أخذ دستور عام ١٩٢٣م بنظام المجلسين، وهما: مجلسُ الشُّيوخِ ومجلسُ النُّوابِ. وبالنِّسبةِ لمجلسِ النُّوابِ، نصَّ الدُّستورُ على أنَّ جميعَ أعضائِه مُنتخبون، ومُدَّةُ عُضوِيَّةِ المجلسِ خمسُ سنواتٍ.
أمَّا مجلسُ الشُّيوخِ، فكانَ ثلاثةُ أخماسِ أعضائِه مُنتخبين، وكانَ الخُمسَانِ مُعيَّنينِ. وأخذَ الدُّستورُ بمبدأ المُساواةِ في الاختصاصِ بينَ المجلسينِ كأصلٍ عامٍّ، مع بعضِ الاستثناءاتِ.
وقد تزايدَ عددُ أعضاءِ المجلسينِ من فترةٍ لأخرى، حيثُ كانَ الدُّستورُ يأخذُ بمبدأِ تحديدِ عددِ أعضاءِ المجلسينِ بنسبةٍ مُعيَّنةٍ من عددِ السُّكَّانِ. فكانَ عددُ أعضاءِ مجلسِ النُّوابِ في ظلِّ دستورِ سنةِ ١٩٢٣م هو ٢١٤ عضوًا، واستمرَّ كذلكَ في الفترةِ من عامِ ١٩٢٤م إلى عامِ ١٩٣٠م، ثمَّ زادَ إلى ٢٣٥ عضوًا، ثمَّ نَقَصَ العددُ في ظلِّ دستورِ سنةِ ١٩٣٠م، الذي استمرَّ العملُ بهِ في الفترةِ من ١٩٣١م إلى ١٩٣٤م، إلى ١٥٠ عضوًا، ثمَّ زادَ العددُ مرَّةً أخرى في ظلِّ عودةِ دستورِ ١٩٢٣م، الذي استمرَّ العملُ بهِ في الفترةِ من ١٩٣٦م إلى ١٩٥٢م، ليُصبحَ ٢٣٢ عضوًا في الفترةِ من ١٩٣٦م إلى ١٩٣٨م، ثمَّ أصبحَ العددُ ٢٦٤ عضوًا في الفترةِ من ١٩٣٨م إلى ١٩٤٩م، ثمَّ زادَ بعدَ ذلكَ عامَ ١٩٥٠م إلى ٣١٩ عضوًا، وظلَّ كذلكَ حتى قيامِ ثورةِ يوليو عامَ ١٩٥٢م.
وكانَ البرلمانُ الذي نصَّ عليهِ الدُّستورُ المصريُّ الصادرُ عامَ ١٩٢٣م خُطوةً مُتقدِّمةً في طريقِ الحياةِ البرلمانيةِ والنِّيابيةِ في مصرَ، إلَّا أنَّ المُمارسةَ على أرضِ الواقعِ جاءت مشوبةً بالعديدِ من السَّلبيَّاتِ، فتراوحتِ الحياةُ السِّياسيةُ خلالَ الفترةِ من ١٩٢٣م إلى ١٩٥٢م ما بينَ فتراتِ مدٍّ ديمقراطيٍّ وشعبيٍّ محدودةٍ، وفتراتِ انحسارٍ نجمت عن تدخلِ سلطاتِ الاحتلالِ والقصرِ، شغلت مُعظمَ هذه الفترةِ، الأمرُ الذي أسفرَ عن حَلِّ البرلمانِ نحوَ عشرِ مرَّاتٍ. فوقَ ذلكَ، شهدَ عامَ ١٩٣٠م صدورَ دستورٍ جديدٍ للبلادِ، استمرَّ العملُ بهِ لمُدَّةِ خمسِ سنواتٍ، كانتْ بمثابةِ نكسةٍ للحياةِ الدِّيمقراطيةِ، إلى أنْ عادتِ البلادُ مرَّةً أخرى إلى دستورِ عامِ ١٩٢٣م وذلكَ في عامِ ١٩٣٥م.
وهكذا تردَّتِ الأوضاعُ الدُّستوريَّةُ؛ لأسبابٍ داخليَّةٍ وخارجيَّةٍ، لتصلَ إلى الحالةِ التي كانتْ عليها البلادُ قبيلَ ثورةِ ١٩٥٢م، والتي اتَّصفتْ بقدرٍ كبيرٍ من عدمِ الاستقرارِ السِّياسيِّ والحكوميِّ، لدرجةِ أنَّ مصرَ تعاقبَ عليها ٤٠ وزارةً وتعديلٌ وزاريٌّ، خلالَ الفترةِ من ١٩٢٣م إلى ١٩٥٢م.
الحياةُ النِّيابيةُ في مصرَ بعدَ ثورةِ ١٩٥٢م
إنَّ من بينِ المبادئِ الأساسيَّةِ لثورةِ ٢٣ يوليو ١٩٥٢م في مصرَ، مبدأَ "إقامةِ حياةٍ ديمقراطيَّةٍ سليمةٍ"، وذلكَ بعدَ أنْ قامتِ الثورةُ بإلغاءِ الدُّستورِ السَّابقِ، وإعلانِ الجُمهوريَّةِ، وحلِّ الأحزابِ.
وفي العامِ ١٩٥٦م، صدرَ الدُّستورُ الجديدُ، وتمَّ بمُقتضاهُ تشكيلُ مجلسِ الأُمَّةِ في ٢٢ من يوليو ١٩٥٧م، من ٣٥٠ عضوًا مُنتخبًا، وقد فَضَّ هذا المجلسُ دورَ انعقادهِ العاديَّ الأوَّلَ في ١٠ فبراير سنةَ ١٩٥٨م.
وفي فبرايرِ العامِ ١٩٥٨م، ونظرًا لقيامِ الوحدةِ بينَ مصرَ وسوريا، أُلغيَ دستورُ ١٩٥٦، وصدرَ دستورٌ مؤقتٌ للجمهوريةِ العربيةِ المتحدةِ في مارسَ من العامِ ١٩٥٨م، شُكِّلَ على أساسِهِ مجلسُ أُمَّةٍ مشتركٌ منَ المعيَّنينَ (٤٠٠ عضوٍ من مصرَ ـ ٢٠٠ عضوٍ من سوريا)، وعُقدَ أوَّلُ اجتماعٍ في ٢١ من يوليو عامَ ١٩٦٠م، واستمرَّ حتى ٢٢ يونيو عامَ ١٩٦١م، ثمَّ وقعَ الانفصالُ بينَ مصرَ وسوريا في ٢٨ سبتمبر عامَ ١٩٦١م.
وفي مارسَ العامِ ١٩٦٤م، صدرَ دستورٌ مؤقتٌ آخرُ في مصرَ، تمَّ على أساسِهِ إنشاءُ مجلسِ الأُمَّةِ من ٣٥٠ عضوًا منتخبًا، نصفُهُم على الأقلِّ منَ العمَّالِ والفلاحينَ، انعكاسًا لصدورِ قوانينِ يوليو ١٩٦١ الاشتراكيةِ، إضافةً إلى عشرةِ نوَّابٍ يُعينُهُم رئيسُ الجمهوريةِ.
واستمرَّ هذا المجلسُ في الفترةِ من ٢٦ مارسَ ١٩٦٤م، إلى ١٢ نوفمبرَ ١٩٦٨م، وأُجريت انتخاباتُ المجلسِ الجديدِ في ٢٠ من ينايرَ ١٩٦٦م، والذي ظلَّ قائمًا بدورِهِ حتى ٣٠ أغسطسَ ١٩٧١م، حيثُ مارسَ مجلسُ الأُمَّةِ طوالَ هذهِ الدوراتِ سلطاتِهِ الدستوريةَ.
ثمَّ صدرَ دستورٌ جديدٌ للبلادِ في الحادي عشرَ من سبتمبرَ العامِ ١٩٧١م، وظلَّ ساريًا إلى أن صدرَ إعلانٌ دستوريٌّ في الثالثَ عشرَ من فبرايرَ العامِ ٢٠١١م، عقبَ ثورةِ الخامسِ والعشرينَ من ينايرَ، يتضمَّنُ قرارًا بتعطيلِ العملِ بأحكامِهِ.
وفي العامِ ١٩٧٦م، أُجريت الانتخاباتُ التشريعيةُ على أساسِ تعدُّدِ المنابرِ داخلَ الاتحادِ الاشتراكيِّ العربيِّ، وهو التنظيمُ السياسيُّ الوحيدُ الذي كانَ قائمًا في ذلكَ الوقتِ.
وفي العامِ ١٩٧٩م، أُجريت أوَّلُ انتخاباتٍ تشريعيةٍ في مصرَ على أساسٍ حزبيٍّ، وذلكَ لأوَّلِ مرَّةٍ منذَ إلغاءِ الأحزابِ السياسيةِ في مصرَ عقبَ ثورةِ يوليو ١٩٥٢م، شاركت فيها عدَّةُ أحزابٍ سياسيةٍ تكوَّنت بعدَ صدورِ قانونِ الأحزابِ السياسيةِ في عامِ ١٩٧٧م.
وفي العامِ ١٩٨٠م، تمَّ إنشاءُ مجلسِ الشورى، وذلكَ بهدفِ توسيعِ دائرةِ المشاركةِ السياسيةِ والديمقراطيةِ. غيرَ أنَّهُ تمت العودةُ إلى نظامِ الانتخابِ الفرديِّ. وفي عامِ ١٩٩٠م، صدرَ قرارٌ بقانونٍ بالعودةِ إلى ذلكَ النظامِ، وقُسِّمَت الجمهوريةُ إلى ٢٢٢ دائرةً انتخابيةً، انتُخبَ عن كلٍّ منها عضوانِ، يكونُ أحدُهُما على الأقلِّ منَ العمَّالِ والفلاحينَ.
وأصبحَ عددُ أعضاءِ مجلسِ الشعبِ ٤٥٤ عضوًا، منهم عشرةُ أعضاءٍ يُعينُهُم رئيسُ الجمهوريةِ. وعقبَ ثورةِ الخامسِ والعشرينَ من ينايرَ، جرى تعديلُ قانونِ انتخابِ مجلسِ الشعبِ والشورى رقمَ ٣٨ لسنةِ ١٩٧٢م، ليصبحَ انتخابُ ثُلُثَي أعضاءِ مجلسِ الشعبِ بنظامِ القوائمِ الحزبيةِ المغلقةِ، والثُّلُثُ الآخرُ بالنظامِ الفرديِّ، كما أصبحَ عددُ أعضاءِ المجلسِ وفقًا لتلكَ التعديلاتِ ٤٩٨ عضوًا يُختارونَ بطريقِ الانتخابِ المباشرِ السِّرِّيِّ العامِّ، على أن يكونَ نصفُهُم على الأقلِّ منَ العمَّالِ والفلاحينَ، فضلًا عن ١٠ نوَّابٍ على الأكثرِ يجوزُ لرئيسِ الجمهوريةِ تعيينُهُم.
وشهدتِ الحياةُ السياسيةُ المصريةُ طَفْرَةً منَ الحِراكِ الشعبيِّ باندلاعِ ثورتَيْ ٢٥ ينايرَ و٣٠ يونيو، أعقبَها عدَّةُ انتخاباتٍ تشريعيةٍ تمخَّضت عن نشأةِ البرلمانِ الحاليِّ بموجبِ دستورِ ٢٠١٤، والَّذي استُفتيَ عليهِ الشعبُ في ١٨ ينايرَ العامِ ٢٠١٤م، الَّذي أعادَ نظامَ المجلسِ ذي الغرفةِ الواحدةِ ليصبحَ البرلمانُ المصريُّ تحتَ مسمَّى مجلسِ النوابِ عامَ ٢٠١٦.
ويُعدُّ المجلسُ الحاليُّ طَفْرَةً غيرَ مسبوقةٍ في تاريخِ الحياةِ النيابيةِ في مصرَ، سواءٌ من حيثُ الاختصاصاتِ التي أُنيطَتْ بهِ بموجبِ دستورِ ٢٠١٤، أو من حيثُ تَشْكِيلُهُ الفريدُ، والَّذي يضمُّ لأوَّلِ مرَّةٍ (٩٠) سيدةً بنسبةِ (١٥٪) من إجماليِّ أعضائِهِ، بالإضافةِ إلى تمثيلِ ذوي الإعاقةِ بـ (٩) أعضاءٍ، والمصريينَ في الخارجِ بـ (٨) أعضاءٍ، فضلًا عن نسبةِ الشبابِ تحتَ ٣٥ عامًا، والتي تصلُ إلى ما يَرْبُو عن رُبْعِ أعضاءِ البرلمانِ، ليصبحَ برلمانُ ٢٠١٦ علامةً فارقةً في تاريخِ الحياةِ النيابيةِ في مصرَ، تُسطَّرُ بحروفٍ منْ نورٍ فصلًا جديدًا في سجلِّ تاريخِها النيابيِّ العريقِ، الَّذي يُعدُّ ملحمةً وطنيةً متفرِّدةً، يشهدُ فيها التاريخُ على عُمقِ وعراقةِ التجربةِ البرلمانيةِ المصريةِ بينَ برلماناتِ العالمِ.
نظام مجلس النواب
وبحسبِ المادَّةِ ١٠٢، يُشَكَّلُ مجلسُ النوابِ من عددٍ لا يقلُّ عن أربعمائةٍ وخمسينَ عضوًا، يُنتخبونَ بالاقتراعِ السِّرِّيِّ المباشرِ، على أن يُراعى في شروطِ الترشيحِ ونظامِ الانتخابِ، وتقسيمِ الدوائرِ الانتخابيةِ، التمثيلُ العادلُ للسكانِ والمحافظاتِ، والتمثيلُ المتكافئُ للناخبينَ. كما أجازتِ المادَّةُ ذاتُها الأخذَ بالنظامِ الانتخابيِّ الفرديِّ أو القائِمةِ أو الجَمْعِ بأيِّ نسبةٍ بينَهُما. كذلكَ أجازتِ المادَّةُ لرئيسِ الجمهوريةِ تعيينَ عددٍ منَ الأعضاءِ لا يزيدُ على ٥٪، على أن يُحدِّدَ القانونُ كيفيةَ ترشيحِهِم.
وبموجبِ المادَّةِ ١٠٦ منَ الدستورِ، فإنَّ مدَّةَ عضويةِ مجلسِ النوابِ خمسُ سنواتٍ ميلاديَّةٌ، تبدأُ منْ تاريخِ أوَّلِ اجتماعٍ له.
وبحسبِ المادَّةِ ١٠٧، انعقدَ الاختصاصُ بالفصلِ في صحَّةِ عضويَّةِ أعضاءِ المجلسِ لمحكمةِ النقضِ، وتُقدَّمُ إليها الطعونُ خلالَ مدَّةٍ لا تتجاوزُ ثلاثينَ يومًا منْ تاريخِ إعلانِ النتيجةِ النهائيَّةِ للانتخاباتِ، وتَفْصِلُ في الطعنِ خلالَ ستينَ يومًا منْ تاريخِ وُرُودِهِ إليها، وتُعتبرُ العضويَّةُ باطلةً – متى قضتِ المحكمةُ بذلكَ – منْ تاريخِ إبلاغِ المجلسِ بالحكمِ.
ولا يجوزُ إسقاطُ عضويَّةِ أحدِ الأعضاءِ إلَّا إذا فَقَدَ الثقةَ والاعتبارَ، أو فَقَدَ أحدَ شروطِ العضويَّةِ التي انتُخبَ على أساسِها، أو أَخَلَّ بواجباتِها، ويكونُ قرارُ إسقاطِ العضويَّةِ بأغلبيَّةِ ثُلُثَيْ أعضاءِ مجلسِ النوابِ (مادَّةُ ١١٠).
ولا يجوزُ، في غيرِ حالةِ التلبُّسِ بالجريمةِ، اتخاذُ أيِّ إجراءٍ جنائيٍّ ضدَّ العضوِ في موادِّ الجناياتِ والجُنَحِ إلَّا بإذنٍ سابقٍ منَ المجلسِ، وفي غيرِ دورِ الانعقادِ، يَتعيَّنُ أخذُ إذنِ مكتبِ المجلسِ، ويُخطرُ المجلسُ عندَ أوَّلِ انعقادٍ بما اتُّخذَ منْ إجراءٍ.
مبنى البرلمان
يحملُ مبنى البرلمانِ المصريِّ في قلبِ القاهرةِ قيمةً تاريخيَّةً ومعماريَّةً شامخةً، ويُعدُّ رمزًا لقيمٍ ومبادئَ كافحَ منْ أجلِها الشعبُ المصريُّ سنينَ طويلةً.
فقدْ شهدَ هذا المبنى، الذي يضمُّ مجلسَ النوابِ والشورى حاليًّا، أحداثًا هامَّةً في تاريخِ مصرَ الحديثِ ومسيرةِ العملِ الوطنيِّ بها، منذُ افتتاحِهِ في عامِ ١٩٢٤م، ليستقبلَ أوَّلَ برلمانٍ مصريٍّ حديثٍ بعدَ صدورِ دستورِ عامِ ١٩٢٣م. وعُقدتْ بداخلِ هذا المبنى الجلسةُ الأولى لمجلسي الشيوخِ والنوابِ يومَ السبتِ ١٥ مارسَ عامَ ١٩٢٤م.
وهذا المبنى شاهدٌ حيٌّ على وقائعِ أكثرَ منْ سبعينَ عامًا منَ الحياةِ السياسيَّةِ والنيابيَّةِ في مصرَ.
ويحملُ المبنى قيمةً فنيَّةً ومعماريَّةً عامَّةً، فقدْ شُيِّدَ على طرازٍ جَمَعَ بينَ الأساليبِ المعماريَّةِ الأوروبيَّةِ في أواخرِ القرنِ التاسعِ عشرَ وأوائلِ القرنِ العشرينَ، وبينَ التأثيراتِ الإسلاميَّةِ في العمارةِ والفنونِ.
ويتكوَّنُ التصميمُ المعماريُّ للمبنى منْ قاعةٍ رئيسةٍ مُسْتَدِيرَةٍ يبلُغُ قُطْرُها ٢٢ مترًا، وارتفاعُها ٣٠ مترًا، تَعْلُوها قُبَّةٌ يَتَوَسَّطُها جزءٌ مُسْتَدِيرٌ مُغَطًّى بالزُّجاجِ... وهذا الجزءُ تَعْلُوهُ شَخْشِيخَةٌ عليها قُبَّةٌ صغيرةٌ مُنْخَفِضَةٌ. والشَّخْشِيخَةُ بها أربعةُ شَبابِيكَ، وعلى القُبَّةِ من الخارجِ أشرطةٌ بارزةٌ تُمَثِّلُ وَحْدَاتٍ زَخْرَفِيَّةً بارزةً مُتَكَرِّرَةً.
أمَّا مركزُ الدائرةِ من الداخلِ، فتُحِيطُ بهِ زَخَارِفُ نَبَاتِيَّةٌ تُمَثِّلُ الطِّرَازَ الَّذِي سَادَ في العِشْرِينَاتِ وَقْتَ البِنَاءِ...
والقاعةُ تتكوَّنُ منْ طابِقَيْنِ، بِكُلٍّ منهما شُرْفَةٌ... أمَّا صَدْرُ القاعةِ، فَنَجِدُ في وسطِها شِعَارَ الجُمْهُورِيَّةِ، ثمَّ مِنَصَّةَ الرِّئَاسَةِ...
ويَلْحَقُ بالقَاعَةِ عِدَّةُ أَجْنِحَةٍ، مِنْهَا: البَهْوُ الفِرْعُونِيُّ، وَاسْتِرَاحَةُ رَئِيسِ الجُمْهُورِيَّةِ، وَرَئِيسِ الوُزَرَاءِ.
وقدْ دَخَلَ ضِمْنَ مَبْنَى البَرْلَمَانِ في السَّنَوَاتِ الأَخِيرَةِ مَبْنًى تَارِيخِيٌّ آخَرُ، كَانَ تَشْغَلُهُ وِزَارَةُ الرَّيِّ وَالأَشْغَالِ العَامَّةِ، وهو مَبْنًى يَحْمِلُ نَفْسَ الطِّرَازِ المِعْمَارِيِّ لمبنى البَرْلَمَانِ.
وتَجْرِي أَعْمَالُ الصِّيَانَةِ وَالتَّرْمِيمِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ للحِفَاظِ على هَذِهِ القِيمَةِ المِعْمَارِيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ الهَامَّةِ.
المصادر:
موقعُ مجلسِ النوابِ المصريِّ.