الدكتورة حكمت أبو زيد.. أول وزيرة مصرية

الدكتورة حكمت أبو زيد.. أول وزيرة مصرية

وُلدت حكمت أبو زيد عام ١٩١٦م، يقرية الشيخ داوود بالقوصية بمحافظة أسيوط، حيث كانت الابنة الثالثة بين أشقائها، ولم يكن هناك مدارس لتتلقى فيها التعليم، وكان والدها ناظر سكة حديد؛ مما ساعدها ووفر لها امكانية السفر يوميًا من قريتها إلى بندر ديروط؛ لتتلقى التعليم بالمدارس الابتدائية والإعدادية حتى جاءت المرحلة الثانوية، فتغربت الدكتورة حكمت أبو زيد عن أسرتها لتكمل مسيرتها التعليمية بمدرسة حلوان الثانوية، ولم يكن بحلوان في هذه الفترة مُدن جامعية، فأقامت بجمعية بنات الأشراف التي اسستها الراحلة نبوية موسى.

كان والدها يمتلك في مسكنه مكتبة تضم خطب الزعيم الشهير مصطفى كامل، وأعمال المناضلة الفرنسية جولييت آدم، ومؤلفات مصطفى صادق الرافعي أحد أقطاب الأدب العربي الحديث. وخلال دراستها - كانت تموج التظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي وضد دستور ١٩٣٥ الديكتاتوري- الذى دفع آلاف الشباب في الجامعة والمدارس للتظاهر والاحتجاج ضده وضد رئيس الحكومة وقتها إسماعيل صدقي. فتزعمت حكمت ثورة الطالبات داخل المدرسة، وهو الأمر الذي أغضب السلطات وقتها ففصلوها، واضطرت لاستكمال تعليمها بمدرسة الأميرة فايزة في الإسكندرية.

التحقت أبو زيد بكلية الآداب قسم تاريخ بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا ) عام ١٩٤٠م، وكان عميد الكلية وقتها الدكتور طه حسين، والذى تنبأ لها بمكانة رفيعة في المستقبل؛ نظرا لقدرتها العالية على المناقشة الواعية، ورغم محاولته اقناعها على الالتحاق بقسم اللغة الفرنسية لتفوقها في هذا المجال ولكونها خريجة مدارس أجنبية إلا أنها فضلت دراسة التاريخ، ولم تكتفى بهذا القدر من التعليم فحصلت على دبلوم معهد التربية العالية عام ١٩٤٢م، ثم التحقت بعد التخرج بالعمل مدرّسة في مدرسة حلوان الثانوية؛ وهي مدرستها السابقة التي فصلت منها.

سافرت حكمت إلى اسكتلندا لتكمل دراساتها وتحصل على درجة الماجستير من جامعة سانت أندروز عام ١٩٥٠م، ونالت درجة الدكتوراه في علم النفس من جامعة لندن عام ١٩٥٥م، ثم عادت إلى مصر في نفس العام.

وعُينت في كلية البنات بجامعة عين شمس، وفى نفس العام انضمت إلى فرق المقاومة الشعبية، مع قيام العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦م، بدأت حكمت بالتدرب عسكريًا مع الطالبات، وسافرت الى بور سعيد مع سيزا نبراوى وأنجى أفلاطون، وكُن يشاركن في كل شيء بدءاً من الإسعافات الأولية حتى الاشتراك بالمعارك العسكرية.

وقالت أبو زيد -عن تلك الفترة- خلال أحد تصريحاتها الإعلامية: "كنا نشارك في المقاومة الشعبية، وكانت جزءا من تكويننا، فبعض الفتيات يقمن بالتمريض والبعض يحمل البنادق ويتعلم استخدامها استعدادا للمعرك، والمرأة وقتها دؤوبة متميزة ومتحمسة ووطنية تحب العلم والعمل وكن يعملن جميعا لخدمة المجتمع".

 

و في عام ١٩٦٢م، كانت على موعد مع تعيينها في "لجنة المئة" لتحضير المؤتمر القومي ومناقشة الميثاق الوطني ولفتت أفكارها أنظار كل المشاركين، وطُلب منها كلمة في الجلسة التحضيرية التي سيحضرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فانتقدت الحضور الضعيف للمرأة في الميثاق، واختلافها مع الكثيرين حول مفهوم العمل الثوري، وكان الحوار يبث تلفزيونيا ومنقولا على الهواء مباشرة، وهنا خطفت اهتمام وإعجاب الرئيس نفسه، فاختارها في الخامس والعشرين من سبتمبر عام ١٩٦٢م، وزيرة للشئون الاجتماعية، لتكن أول امرأة عربية تتولى منصب الوزارة، ثم عملت أبوزيد باللجنة المركزية مشرفة على لجنة الآداب والثقافة والعلوم الاجتماعية.

ونجحت أبو زيد في نقل اهتمامات الوزارة وأنشطتها لكافة القرى والنجوع بالجمهورية بإنشاء فروع لها، وأقامت عدة مشروعات مهمة منها مشروع الأسر المنتجة، ومشروع الرائدات الريفيات ومشروع النهوض بالمرأة الريفية وساهمت بوضع قانون ١٩٦٤، وهو أول قانون ينظم الجمعيات الأهلية، وكذلك تطوير العمل الاجتماعي والرعاية الأسرية من خلال توليها منصب الوزارة، كما ضمت لمهام الوزارة رعاية مؤسسة الأحداث؛ مما يعد خطوة حاسمة وفعاله في العناية بهؤلاء الأحداث. أطلق عليها الصحفيون لقب "الوزير الشبح" لنشاطها الدؤوب.

وبعد هزيمة ١٩٦٧م، أخذت على عاتقها مهمة التخفيف على اسر ضحايا النكسة ورفع روحهم المعنوية.

وأثناء زيارة عبد الناصر للجبهة وخلال حواره مع أحد الجنود شعر بضيقه فسأله عن السبب فقال إن والدته مريضة وهو يشعر بالقلق عليها. فسجل ناصر بيانات والدة الجندي وأرسلها لأبو زيد لمتابعة حالتها، فقالت لن أتابع هذه الحالة فقط وكونت لجنة أسر المقاتلين، وتم جمع تبرعات ضخمة من كل الجهات لدعم أسر الجنود حتى يتفرغوا مطمئنين للقتال، وكانت تذهب إلى الجبهة كثيرا لتطمئنهم وتنقل لهم الدعم والرسائل، وأثناء أحد زياراتها أُطلق صاروخ عليها هي وزملائها وهم في سيارة جيب كانت تحملهم فقررت الاحتفاظ بجسمه المعدني الفارغ على سبيل الذكرى.

وفي عام ١٩٦٩م، قامت الوزيرة حكمت أبوزيد بالإشراف على توطين أهالي النوبة، وبدأت تؤسس قرى كاملة لأهالي النوبة في المنطقة ما بين كوم امبو وأسوان؛ ولذلك لقبها الرئيس جمال عبدالناصر بـ"قلب الثورة الرحيم". كما ترأست الجمعية المصرية للتكافل الثقافي بالقاهرة عام ١٩٦٧م.

وبعد رحيل جمال عبدالناصر، عادت دكتورة حكمت أبو زيد إلى الحرم الجامعي لتدريس الاجتماع الريفي، و عضوة بمجلس إدارة جمعية الأمم المتحدة بالقاهرة (١٩٧٢ – ١٩٧٥م).

وعضوة بالمجالس القومية المتخصصة للخدمات والشئون الاجتماعية في الفترة (١٩٧٤ – ١٩٧٥م)، وعضوة بالمجلس التنفيذي للاتحاد العالمي للمشتغلين بالمهن العلمية على مستوى العالم بباريس عام ١٩٧٣م، وعضوة بلجنة الدراسات الاجتماعية بالمجلس الأعلى للثقافة.

اختلفت الدكتورة حكمت مع الرئيس السادات بشأن مبادرة السلام مع إسرائيل، وشككت في النوايا الصهيونية تجاه العالم العربي؛ مما أغضب النظام، وتم نفيها إلى ليبيا والحجز على ممتلكاتها، وظلت تعمل بالتدريس الجامعي هناك أستاذة بجامعة الفاتح وحصلت علي نوط الفاتح العظيم، وكانت تزور مصر لمناقشة رسائل الماجستير والدكتوراة حتى عودتها بعد أن أصدرت المحكمة العليا قرارها بإلغاء الحراسة عن ممتلكاتها وحقها في حمل جواز السفر المصري، حيث كانت تستخدم جوار سفر ليبي في تحركاتها، وعندما علمت بذلك عادت فورًا إلى أرض الوطن في الثاني من مارس عام ١٩٩٢م، وفُتحت لها قاعة كبار الزوار، وخرجت منها متوجهة إلى ضريح الزعيم جمال عبد الناصر ليكون أول شيء تراه بعد العودة إلى مصر .

وفى يوم الثلاثين من يوليو العام ٢٠١١م، قابلت الدكتورة حكمت وجه ربها الكريم نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية، وكانت آخر تصريحاتها في أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ التي أبدت إعجابها بها وما أحدثته من تغيرات سياسية واجتماعية.

المصادر

كتاب "صنايعية مصر" للكاتب الصحفي عمر طاهر.

موقع المجلس القومي للمرأة.

جريدة الأهرام.