رجال حول الرئيس عبدالناصر (٩).. المهندس سيد مرعي وزير الإصلاح الزراعي

رجال حول الرئيس عبدالناصر (٩).. المهندس سيد مرعي وزير الإصلاح الزراعي

 

ولد المهندس سيد مرعي في السادس والعشرين من أغسطس عام ١٩١٣م، بقرية العزيزية التابعة لمديرية الشرقية حيث مزارع أسرته، ويرجع أصل عائلته إلى القبائل العربية التي نزحت إلى شرق مصر، وهو من قبيلة الحويطات بالحجاز ومن بطن الفحيماني، وهي من أكبر القبائل العربية المعروفة، وكانت لهم سطوة كبيرة، وكان المهندس سيد مرعي يعتز بهذا النسب، وكان يفاخر دائمًا بأن جده الأكبر كان من نجد.. وهذا الجد هو نصر إبراهيم نصر، ثم استقر المقام بالأسرة في مصر، أما شقيق هذا الجد الأكبر فهو «مرعي إبراهيم نصر» الذي ولد أثناء غزو نابليون لمصر، ومات في ثورة عرابي، وكان مرعي يمتلك (٣٥٠) فدانًا، واختير عمدة للعزيزية بالشرقية خلفًا لشقيقه الأكبر، أما أحمد مرعي والد سيد مرعي فهو الابن الأصغر لمرعي إبراهيم نصر، وهو الذي انتقل بالأسرة إلى القاهرة في عام ١٩١٩م، واستقر في حي العباسية واحتفظ بأطيانه في العزيزية وقد رواه له والده في اعتزاز، ورواه المهندس سيد في كتابه «أوراق سياسية».

انتقل المهندس سيد مرعي مع أسرته إلى القاهرة حيث كان يقضي فترة الدراسة ثم يعود إلي الريف في الصيف، وقد تلقي تعليمه العام في مدرسة السيدة نفيسة الأولية بحي العباسية، ثم في مدرسة الحسينية الابتدائية، ثم في مدرسة فؤاد الأول الثانوية فالحسينية الثانوية، والتحق بكلية الزراعة عن رغبة طبيعية تعززها مكانته الاجتماعية، وتخرج منها عام ١٩٣٧م، وثم عاد إلى مزرعة والده، يطبق ما تعلمه بالكلية على الأرض وفي الإنتاج الحيواني، وكان يعرف عنه أنه يتابع أوزان الثروة الحيوانية يوما بيوم.

انغمس في السياسة مبكرا، كان والده كان قد فاز في انتخابات البرلمان المصري عام ١٩٢٤م على منافسه وكان هذا المنافس هو رئيس الوزراء يحيي باشا إبراهيم الذي أجري الانتخابات ولم يفز فيها (لأول وآخر مرة في تاريخ الانتخابات المصرية !!) وكان والده يومئذ وفديا من أنصار سعد زغلول، وفي عام ١٩٤٢م، انتخب المهندس سيد مرعي عضوا في البرلمان وأصبح أصغر أعضائه، ولمع في الهيئة السعدية تحت قيادتي أحمد ماهر والنقراشي.. وتمضي به الأيام قبل الثورة على النحو الذي يبشر له بالوزارة واللمعان، فقد كان سيد مرعي قد بدأ يلعب بعض الأدوار السياسية المتميزة فيما قبل الثورة، فها هو كمال حسن علي يروي في مذكراته "مشاوير العمر" أن النقراشي باشا كلف سيد مرعي بالسفر إلى فلسطين وكتابة تقرير عن المستوطنات الإسرائيلية فيها قبل حرب ١٩٤٨م.

كتب عنه الكاتب السياسي لطفي الخولي: "وقال إنه وهو نائب قبل الثورة نسج خطابة البرلماني بمفردات عن تحديد القيمة الإيجارية وتحديد الملكية والإصلاح الزراعي. ولما قامت الثورة كان لسيد مرعي علاقة قربى ببعض قادتها وتطالب الثورة الأحزاب بإعادة تنظيم صفوفها، وتطهيرها من الذين أفسدوا الحياة السياسية، ويترك إبراهيم عبد الهادي رئاسة الهيئة السعدية، ويترك بعض رجال الصف الأول مواقعهم المتقدمة كذلك، ويدفعون بالجيل الجديد ومنه سيد مرعي إلى المقدمة، ويذهب سيد مرعي مع من ذهبوا إلى اللواء محمد نجيب ينقلون إليه ما تم في الهيئة السعدية، فيشكرهم، ويعلن لهم عن ترحيب الثورة بهم، وما هي إلا أسابيع قليلة، وتبدأ الثورة في الإصلاح الزراعي، ويُختار سيد مرعي عضوا منتدبا في اللجنة العليا للإصلاح الزراعي في سبتمبر ١٩٥٢م."

وقد تمكن المهندس سيد مرعي من فرض وجوده في الحياة التنفيذية تدريجيا من خلال علاقات مباشرة بجمال سالم، ثم بجمال عبد الناصر نفسه. فقاد سيد مرعي وشارك غيره قيادة عملية الإصلاح والاستيلاء على الأرض المملوكة للإقطاعيين، ونجح في ذلك. وفي نوفمبر ١٩٥٥م، تولي رئاسة بنك التسليف الزراعي.

اختاره الرئيس جمال عبدالناصر وزيرا للإصلاح الزراعي في يونيو ١٩٥٧م، وفيما بين يونيو ١٩٥٧ ومارس ١٩٥٨ (حين أعلنت الوحدة بين نصر وسوريا) ظل المهندس سيد مرعي  يشغل منصب وزير الدولة للإصلاح الزراعي ، وفي نوفمبر ١٩٥٧م، تولي منصب وزير الزراعة بالإضافة إلي الإصلاح الزراعي، حتي إذا ما تمت الوحدة وشُكلت وزارتها الأولي اختير المهندس سيد مرعي  وزيرا للزراعة بالإقليم المصري في أولي وزارات الوحدة في الفترة (مارس ١٩٥٨ – أكتوبر ١٩٥٨) ثم عندما شكلت وزارة الوحدة الثانية في أكتوبر ١٩٥٨م، أصبح وزيرا مركزيا للزراعة والإصلاح الزراعي، وبقي كذلك في وزارتي الوحدة الثالثة (سبتمبر ١٩٦٠م)، والرابعة (أغسطس ١٩٦١م)، وقد عين الدكتور المحروقي وزيرا تنفيذيا للزراعة في الإقليم المصري ولكن العلاقات بين الرجلين لم تسر في الاتجاه الودي الذي كان المهندس سيد مرعي  يؤمله.

مثل المهندس سيد مرعي مصر في مؤتمر الأغذية والزراعة الإقليمي الذي انعقد في ديسمبر ١٩٥٨ فانتخب رئيسا للمؤتمر، وفي السنة التالية انتخب نائبا لرئيس المؤتمر فأعطاه هذا بعدا دوليا أضيف إلى أبعاده، ووقع عليه الاختيار ليعين عضوا منتدبا لمجلس إدارة بنك مصر في مارس ١٩٦٣م، و جُدد له هذا التعيين في عام ١٩٦٦م أيضا.

وفي إبريل ١٩٦٤م، اختير المهندس سيد مرعي وكيلا لمجلس الأمة، ومن خلالها خرج سيد مرعي مرة أخرى إلى العالم، فنجح أن يكون نائبا من نواب رئيس المؤتمر البرلماني الدولي خلال دورتي ١٩٦٤ و١٩٦٥. كما شارك في الاتحاد الاشتراكي، وتولى أمانة شئون الرأسمالية في نهاية عام ١٩٦٤م.

يذكر التاريخ للمهندس سيد مرعي دوره البطولي (الذي لا يمكن وصفه بأقل من هذا اللفظ) في انقاذ الحصان المصري ودعم مؤسسته، ومن الجدير بالذكر ان المهندس سيد مرعى نفسه كان صاحب إنتاج مميز جدا، وورث الهواية عن أبيه أحمد بك مرعي.  وقد كان هو صاحب الفضل الأول والأخير في الحفاظ على الخيول المصرية بعد ثورة يوليو، بعد ان قوي اتجاه الحكومة للاستغناء عن الخيول، واستبدال محطة الزهراء بمزرعة للمواشي أو الدواجن، تطبيقا لفكر محاسبي عقيم. وقد تولى إدارة منظومة الخيل في مصر بفكر اقتصادي مبتكر حقق للدولة ما كانت تريده، مع الحفاظ على الحصان، حيث نجح في إقناع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بالحفاظ على ذلك التراث، وأن تكون الخيل ثروة قومية لمصر، فترك له عبد الناصر الأمور في ذلك المجال. ونجح في استصدار قرار جمهوري بنقل لجنة تحسين نتاج الخيل التابعة للحكومة “صاحبة السلطة التنفيذية”، من مصلحة الطب البيطري إلي الهيئة الزراعية المصرية. وتم تدشين سجلات لأصائل الخيول بالقطر المصري، وتولى تسويق الخيول المصرية إلى الخارج بشكل جيد، وشهدت مصر انطلاقة عالمية للخيول. ولولا سيد مرعى لاندثرت محطة الزهراء.

وبعد نكسة ١٩٦٧ عاد المهندس مرعي وزيرا للزراعة والإصلاح الزراعي بالإضافة إلى شئون وزارة استصلاح الأراضي في الفترة (من أغسطس ١٩٦٧وحتى مارس ١٩٦٨)، وبقي في منصبه وزيرا للزراعة حتى أكتوبر ١٩٧٠م. حتى إذا عدلت الوزارة في أول عهد السادات فأصبح المهندس سيد مرعي واحدا من أربعة نواب لرئيس الوزراء هم وزراء الداخلية والخارجية والزراعة والصناعة وأصبح مسمي منصبه: نائب رئيس الوزراء للزراعة والري ووزيرا للزراعة والإصلاح الزراعي)، وظل اسم منصبه هكذا حتى يناير من العام ١٩٧٢م. ومنذ مايو ١٩٧١ وحتى يناير ١٩٧٢ أُضيفت إليه شئون وزارة استصلاح الأراضي.

وفي يناير ١٩٧٢م، شكل الدكتور عزيز صدقي الوزارة، وكان طبيعيا أن يترك الوزارة صنوه سيد مرعي، وقد تولي منصب الأمين الأول للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، وفي مارس ١٩٧٣م، عهد الرئيس السادات إلى نفسه بتشكيل الوزارة، وأقيلت وزارة عزيز صدقي، ترك سيد مرعي كذلك الاتحاد الاشتراكي وأصبحا (هو وعزيز صدقي) مساعدين للرئيس الجمهورية.

كلف سيد مرعي بمهمة الاتصال بالعرب من أجل حرب البترول أثناء حرب السادس من أكتوبر٧٣، وسافر معه في هذه المهمة الدكتور مصطفى خليل بناء على رغبة سيد مرعي نفسه حسب روايته في مذكراته "أوراق سياسية."

وبعد أن أعلن الرئيس السادات عن إنشاء المنابر، وبلغ عدد الذين تقدموا بإنشاء المنابر أكثر من ثلاثين، اختير سيد مرعي ليرأس لجنة لرسم مستقبل العمل السياسي، وهي اللجنة التي أوصت بنشأة منابر أو تنظيمات؛ وقد كان المهندس سيد مرعي رئيسا لمجلس الشعب الذي ضم هذه المنابر أو التنظيمات جميعا في الفترة من ١٩٧٤م وحتى ١٩٧٨م، وحين افتتح الرئيس هذا المجلس أعلن عن تحويل هذه المنابر أو التنظيمات إلى أحزاب.

وفي أكتوبر ١٩٧٨م، عين المهندس سيد مرعي للمرة الثانية مساعدا لرئيس الجمهورية. ثم عهد إليه الرئيس السادات بتكوين هيئة مستشاري رئيس الجمهورية في سبتمبر ١٩٨٠م.

شارك المهندس سيد مرعي في منظمة التضامن الأفرو-آسيوية فقد كان أحد أعضائها عند إنشائها برئاسة أنور السادات في الخمسينات، وتولى رئاسة اللجنة المصرية للتضامن بعد اغتيال يوسف السباعي، واستقال من التضامن في ١٨ مايو ١٩٨١م، بعدما نجح الاتحاد السوفيتي في تعديل ميثاق التضامن بما يمكنه من فرض سيطرته عليه.

وفي اكتوبر ١٩٨١م، أصيب مرعي في حادث المنصة الذي اغتيل فيه الرئيس السادات، وقضى وقتا طويلا في العلاج حتى إذا ما تحسنت صحته وأصبح قادرا على الحركة استقبله الرئيس حسني مبارك وطلب سيد مرعي إعفاءه من منصب مساعد رئيس الجمهورية، وبعدها عهد إليه الرئيس حسني مبارك في نوفمبر من العام ١٩٨٢م، بالقيام بزيارات تفقدية لمشروع الصالحية.

نال المهندس سيد مرعي كثيراً من التكريم المحلي والعربي والعالمي منها:

  • في الثاني من فبراير عام ١٩٥٨م، منحه الرئيس جمال عبد الناصر وشاح النيل.
  • منح وساماً سورياً رفيعاً ١٩٥٨م.
  • منح درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة واشنطن عام ١٩٦٠م.
  • ومنح وسام قلادة الصليب الأكبر من اليونان، كما كرمته نقابة الزراعيين في أول احتفالاتها.

نشر المهندس سيد مرعي مذكراته «أوراق سياسية» عام ١٩٧٨م، في ثلاثة أجزاء. وفي يوليو من العام ١٩٩٢م، أصابته جلطة في المخ عولج منها في مستشفى الفيروز، ولم يعش بعدها إلا قليلا.

المصادر

موقع وزارة الزراعة المصرية.

موقع مكتبة الإسكندرية.