التراث والهوية

التراث والهوية

هناك علاقة تأثير وتأثر بين كلًا من التراث والهوية، فالتراث يشير إلى الموروثات الثقافية والطبيعية التي تنتقل من جيل إلى جيل وتشكل جزءًا من هوية مجتمع معين، بينما  الهوية تشير إلى مجموعة من الصفات والخصائص التي تميز فردًا أو جماعة معينة عن الآخرين. الهوية تتكون من مجموعة من العوامل المختلفة التي تتفاعل مع بعضها البعض لتشكل مفهومًا متكاملاً يعكس من يكون الشخص أو المجموعة وما يمثلونه، ومن تلك العوامل التراث.

ومن هنا فإن التراث الأفريقي زاخر ومتنوع فيوجد التراث التاريخي مثل أهرامات الجيزة بمصر، والمعماري مثل المنازل الطينية بمالي. لا يمكن إغفال الرقصات الشعبية الأفريقية فهي جزء لا يتجزأ من التراث والفن الأفريقي مثل رقصة جوما التي تعود لقبيلة واجيتا التي تعيش في منطقةموانزا، ورقصة الكيدو التي تعود إلى قبيلة الواههي التي تسكن في منطقة إيرينغا في جنوب وسط تنزانيا. وبها أيضا المحميات الطبيعية: مثل محمية سيرينجيتي في تنزانيا ومحمية كروجر الوطنية في جنوب أفريقيا.والمواقع الجيولوجية: مثل جبل كليمنجارو في تنزانيا وشلالات فيكتوريا بين زامبيا وزيمبابوي.

فكل هذا وأكثر بكثير ساهم بقوة في تكوين الهوية الأفريقية المتميزة والمتفردة. فنجد في القارة الأفريقية وجدها أكثر من 2000 لغة حية ما يدل على التنوع الثقافي الغزير من جهة، وعلى الانتماء للقبيلة من جهة أخرى -فكل قبيلة لها لغتها الخاصة- وهذا يبرز الخصوصية العالية التي يحظى بها كل مجتمع في أفريقيا والقيم التي يتركز عليها كل مجتمع خاصة والقارة عامة.

جاء الاستعمار محاولًا تغير هذا النمط العتيق في القارة الأفريقية واذابة الفوارق والمميزات التي تمييز كل مجتمع، وإعادة تقسيم القارة بما يخدم مصالح معينة وهذا ما يدل عليه التقسيم نفسه فقد قطع الصلات بين أبناء القبيلة الواحدة أو الاثن الواحد.

ومع النجاح النسبي للاستعمار في هدفه إلا أن الهوية الأفريقية كانت بالقوة الكافية لتتصدى لهذا الزحف الأوروبي الاستعماري الجارف، فنجد مثلًا في تنزانيا أن اللغة الرسمية هي اللغة السواحيلية كما هي ولم ينجح الاستعمار في استبدالها، ونجد في كينيا أنها اللغة الثانية -لم تذهب بعيدًا-. وحتى الدول التي استبدل الاستعمار فيها لغتها الرسمية باللغة المستعمر نفسه تشهد الان استفاقة ثقافية وتوعوية فريدة من نوعها، فنشهد في السنغال مثلا تقهقر اللغة الفرنسية أمام اللغة العربية.

في النهاية، التراث والهوية هو ما يميز المجتمعات ويبرز الفوارق بينها وهذه الاختلافات هي التي تدفعنا لتعرف على ذواتنا أكثر قبل التعرف على الأ خر حتى. التراث الأفريقي متجذر في قلب التاريخ يبرز مدى تفرد وتميز واختلاف تلك القارة المتجملة بسمارها.