الأوبرا المصرية.. أقدم أوبرا في أفريقيا والشرق الأوسط
الموسيقي غذاء الروح، والثقافة منارة العقل، وفن الأوبرا ليس فنا بعيدا عن تذوق الشرقيين أو المصريين خاصة، فالتاريخ المصري القديم مملوء بالنماذج الموسيقية المصاحبة بالأداء الدرامي والشعر، وعلى جدران المعابد نقشت تسجيلات رائعة للعديد من الأحتفالات المصرية القديمة والتي يظهر فيها مدى الأهتمام بفن الموسيقى والغناء والرقص، حتى إنهم اخترعوا العديد من الآلات الموسيقية عشقا للموسيقى، فنجد آلة الهارب الشهيرة التي أجريت عليها تطورات مختلفة حتى وصلت حاليا إلى آلة العود الشرقي.
فعلى ضفاف نهر النيل العظيم، وأمام «كوبري قصر النيل»، أحد أقدم المعالم المصرية، والذي تتربع على ناصيتيه أربعة سباع شهيرة، تحرس تاريخًا فنيًا وثقافيًا وإنسانيًا يضرب في جذور مصر. و وكانت تسمي بالأوبرا الخديوية نظرًا لارتباطها بقصة إقامة حفلات إفتتاح قناة السويس المصرية في عهد الخديوي إسماعيل. وأقيمت في أحد أهم أحياء القاهرة ذاك الحين، حيث سمي الميدان الواقع أمامها باسم ميدان "التياترو" ثم ميدان إبراهيم باشا، وفي سبتمبر من العام ١٩٥٤م، سمي باسم ميدان الأوبرا، وما زال يحمل اسمها حتى الآن.
استغرق بناءها ستة أشهر، بتكلفة بلغت مليونا وستمائة ألف جنيه مصري، علما بأن الجنيه آنذاك كان يعادل سبعة ونصف جرام من الذهب، أي أن الجنيه القديم يعادل نحو ٧٥٥٠ جنيها من العملة الحالية.
وفي الأول من نوفمبر عام ١٨٦٩م، افتتاحها الخديوي إسماعيل وكان فى صحبته الإمبراطورة أوجيني، زوجة الإمبراطور نابليون الثالث، والإمبراطور فرانسوا جوزيف عاهل النمسا، وولي عهد بروسيا بالإضافة إلى أقطاب الفن والسياسة من مختلف أنحاء العالم، وعزفت الأوركسترا موسيقي "فيردي"، وقدم الفنانون عرض "ريجوليتو" بجواهر حقيقية احتراما للشخصيات الهامة الحاضرة، و كانت تضم مسرحًا من أوسع مسارح العالم رقعة وفخامة، حيث كان يتسع لـ٨٥٠ شخصًا.
وبمناسبة إفتتاح الأوبرا الخديوية طلب عالم المصريات الفرنسي،"مارييت باشا" من الخديوي إسماعيل اختيار قصة من صفحات التاريخ المصري القديم لتكون نواة لمسرحية شعرية تفتتح بها الأوبرا، فظهر للنور عرض الأوبرا الأسطوري "عايدة" التي كتب نصها الغنائي جيسلا نزوني، ووضع موسيقاها الرفيعة الموسيقار الإيطالي الأسطوري "فيردي"، الذي كافأه الخديوي إسماعيل بـ١٥٠ ألفًا من الفرنكات الذهبية، ورغم ذلك حالت الظروف دون تقديمها في موعد الإفتتاح، ومثلت بعد الإفتتاح بعامين في ٢٤ ديسمبر ١٨٧١م.
ولمدة قاربت القرن ظلت دار الأوبرا الخديوية واجهة مشرفة لمصر حتى فجر الثامن والعشرين من أكتوبر العام ١٩٧١م عندما اندلع حريق في دار الأوبرا الخديوية وانهارت أمام بصر آلاف المصريين، حيث التهمت النيران المبنى الخشبي ذا الطراز المعماري المميز بوسط العاصمة، بما فيه من ملابس وديكورات وإكسسوارات العروض التي تمت على مسرحه والكثير من التحف النادرة.
وبعد أن دُمِّرت دار “الأوبرا الخديوية” بمظهرها الأنيق ونقوشها المميزة وتماثيلها وتحفها، بقيت القاهرة بدون دار أوبرا لحوالي عقدين كاملين، حتى تم بناء دار أوبرا القاهرة الحالية بالجزيرة حيث قامت هيئة التعاون العالمية اليابانية (JICA) بالتنسيق مع وزارة الثقافة المصرية وتم الاتفاق على تصميم ينسجم مع ما يحيط بالدار من مبان واتسم التصميم بالطابع المعماري الإسلامي الحديث .وفي ٣١ مارس١٩٨٥م وضع الرئيس الراحل محمد حسني مبارك حجر الأساس لدار الأوبرا بأرض الجزيرة، وفى مايو من نفس العام بدأت شركة كاجيما اليابانية في البناء وتنفيذ التصميمات، وقد تم الانتهاء من أعمال التشييد والبناء تمامًا في اليوم الأخير من شهر مارس العام ١٩٨٨م، أي بعد أربعة وثلاثون شهرًا من بدء العمل، وشارك في تنفيذ المشروع حوالى ثلاثون مهندسًا وإداريًا يابانيًا مع حوالى خمسمائة عامل مصري، باستثناء ستة مهندسين.
وافتتحت دار الأوبرا الجديدة في العاشر من أكتوبر سنة ١٩٨٨مم بحضور الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، والأمير الياباني توموهيتو أوف ميكاسا، الشقيق الأصغر لإمبراطور اليابان، والملك سلمان بن عبد العزيز، وكان وقتئذ أميرًا لمدينة الرياض.
وشهدت القاهرة تلك الليلة احتفالاً رسميًا وثقافياً وفنيًا كبيرًا، وانتشرت مجموعات من عازفي الإيقاع وفرق الخيالة الذين حملوا الأعلام الملونة في تشكيلات، بدءً من أول كوبري قصر النيل من ناحية ميدان التحرير وحتى نهايته، كما أحاط طلبة الشرطة قاعة تمثال سعد زغلول المطل على الأوبرا وأضيئت الشموع والشمعدانات داخل الساحة الداخلية للأوبرا.
ووسط هذه المواكب، تقدم مبارك لقص الشريط وإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية وقد التف حوله كبار الموسيقيين والفنانين والمثقفين والمبدعين المصريين والعالميين، إلى جانب ضيوف الاحتفال من وزراء وأمراء وسفراء وشخصيات سياسية.
اعتبرت الأوبرا القديمة هي الأولى في قارة أفريقيا، واعتبر مسرحها واحدا من أوسع مسارح العالم رقعة واستعدادا وفخامة.
وتضم الأوبرا عدة مسارح منها:
المسرح الكبير:
هو مسرح مخصص لأكبر العروض والباليه المصري والعالمي، وقد تم تجهيزه أمنيا ضد الحرائق ويسع ١٢٠٠ مقعد.
المسرح الصغير:
ويخصص للعروض الصغيرة والأمسيات الثقافية والندوات، ويسع حوالي ٥٠٠ مقعد٠
المسرح المكشوف:
خصص هذا المسرح للعروض الصيفية والشبابية، وتيلغ سعته حوالى٦٠٠ مقعد، ويقام عليه عروض محلية وعالمية عديدة.
قاعة الفنون التشكيلية:
تختص بإقامة المعارض الفنية الجماعية والفردية للعديد من الفنانين التشكيلين المصريين والعالميين، بهدف نشر حركة الفن التشكيلي والذوق العام ومواكبة الحركة الفنية العالمية.
متحف دار الأوبرا المصرية:
أقبم المتحف ليكون بمثابة موسوعة فنية مرئية يدون بها تاريخ دار الأوبرا والأعمال الفنية وأبطال هذه الأعمال منذ إنشائها حتى الآن. وقد خصص بهذا المتحف جناحان أحدهما لفترة الأوبرا الخديوية القديمة وحتى حريقها، والثاني لدار الأوبرا الجديدة ويتم تزويده أولا بأول وهو مزار للسائحين والمهتمين بالثقافة و الفن.
مكتبة الأوبرا:
تحتوي على كتب عربية وأجنبية في مجالات مختلفة، كما تحتوي على معظم الاعمال المقدمة أوبراليا، تحتوى أيضا على العديد من المؤلفات الموسيقية لمؤلفين مصريين وأجانب و تفتح المكتبة محتوياتها للباحثين و الدارسين.