السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين

السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين
السد العالي.. أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين

حلم ناصر القومي، وقصة كفاح شعب واجه طغيان الاستعمار لتحقيق حلمه مرددا نغمات النصر: "قلنا هانبني وادينا بانينا السد العالي".

 

أراض غرقى وصحراء عطشى، ومياه كثيرة لا يمكن الاستفادة منها، كلها مشكلات شغلت ذهن الحكومة المصرية عقب ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، فصدر قرار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بإقامة سد ضخم يحجز فيضان النيل ويخزين مياهه، ويوليد الطاقة الكهربائية منه داخل حدود الدولة المصرية، ليكون تحت سيطرة مصرية كاملة.

بدأت دراسات الإنشاء في الثامن عشر من أكتوبر العام ١٩٥٢م، بعدما تقدم المهندس "أدريان دانينوس"- المصري اليوناني الأصل- إلى قيادة ثورة ١٩٥٢م، بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان؛ لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه، وفي أوائل عام ١٩٥٤م، عرضت شركتان ألمانيتان تصميمًا للمشروع، وأقرت لجنة دولية هذا التصميم في ديسمبر من العام ذاته بعد مراجعته.

سعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى تحويل فكرة إنشاء السد إلى "حلم قومي"، يستحق تجنيد كل الطاقات والخبرات لوضعه حيز التنفيذ، حلم لا يراد له أن يتحول لكابوس مزعج، يتمنى المصريون تحقيقه لتقويض عنفوان تلك المياه التي تغرق أراضيهم، وتسخيرها لتوليد الكهرباء، والتوسع في الرقعة الزراعية، واستخدام شريان الحياة ذلك ليكون مصدرًا للرخاء، لا مصدرًا للتعاسة، هذه الأحلام التي أمسكت بتلابيب الزعيم، ليبدأ البحث عن مصادر لتمويل إنشاء السد. فحضر "السد العالي" مع الرئيس الراحل دائمًا على جدول أعماله وفي مناقشاته واجتماعاته مع المسئولين العرب والأجانب.

عُرض المشروع على البنك الدولي للإنشاء والتعمير، لتمويله فأصدر البنك تقريرًا، نشره في يونيو ١٩٥٥م، أكد فيه سلامة مشروع بناء السد، وجاء بالتقرير، اعتماد ثمانية ملايين دولار لمصر؛ لتنفيذ بعض الأعمال التحضيرية للمشروع، تشمل إنشاء خطوط للسكك الحديدية، ومساكن للعاملين في الموقع.

وفي السادس عشر من ديسمبر عام ١٩٥٥م، بدأ الدكتور عبد المنعم القيسوني وزير المالية والتجارة المصري آنذاك، جولة من الزيارات الخارجية، أجرى خلالها العديد من المفاوضات، أسفرت عن اتفاق - من حيث المبدأ- أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية وقتها، بأن يتولى كل من (البنك الدولي، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا)، تمويل مشروع السد العالي بتكلفة ١٫٣ مليار دولار.

وأعلنت الولايات المتحدة، أن تمويل السد لن يتم دفعة واحدة، ولكن على مراحل ثلاث، الأولى: تقدم الولايات المتحدة مبلغ ٥٦ مليون دولار، وتقدم بريطانيا مبلغ ١٤ مليون دولار، ثم تُقدم في المرحلة الثانية قروضًا بقيمة ٢٠٠ مليون دولار من البنك الدولي، بالإضافة إلى ١٣٠ مليون دولار كقرض من الولايات المتحدة الأمريكية، و٨٠ مليون دولار قرضًا من بريطانيا، على أن يتم سداد هذه القروض كأقساط سنوية بفائدة ٥ ٪ على مدى ٤٠ عامًا.
وكان الشرط الأمريكي الثالث، أن تتحمل مصر في المرحلة الثالثة باقي المبلغ بالعملة المحلية، على أن يضاف في هذه المرحلة منحتان، الأولى، من الولايات المتحدة بقيمة ٢٠ مليون جنيه، والثانية من بريطانيا بقيمة ٥٫٥ ملايين جنيه.

العرض (الأمريكي – الإنجليزي) لتمويل بناء السد لم يكن سلسًا كإعلانه، بل فرضت الدولتان مزيدًا من السلاسل لتقييد تنفيذ المشروع، كانت الحلقة الأولى من سلاسل التقييد، هو تحويل مصر ثُلث دخلها القومي لمدة عشرة أعوام لبناء السد العالي، وتبعتها حلقات السلسلة في فرض الرقابة على المشروعات الاقتصادية الأخرى، وثم حلقات أخرى بوضع ضوابط للحد من زيادة التضخم والإنفاق الحكومي.

اكتملت أولى سلاسل تقييد الطموح المصري، وبدأ تلاحم حلقات الشروط التالية، لتقييد القرار المصري بالنمو والازدهار، حيث اشترطت أمريكا وبريطانيا أيضًا، فرض رقابة على مصروفات الحكومة المصرية، وعلى الاتفاقيات الأجنبية أو الديون الخارجية، وألا تقبل مصر قروضًا أخرى أو تعقد اتفاقيات في هذا الشأن إلا بعد موافقة البنك الدولي، وكان آخر الاشتراطات، الاحتفاظ بحق إعادة النظر في سياسة التمويل تجاه المشروع المصري في حالات الضرورة.

الشروط (الأنجلو - أمريكية)، لم تثر غضب عبدالناصر وحده، ولكنها أثارت حفيظة المصريين، وأعادت إلى أذهانهم أسلوب المراقبة، الذي فرضته أمريكا وبريطانيا على مصر، في عهد الخديوي إسماعيل، عند إنشاء قناة السويس، إلا أنه رغم الغضب استقبل عبد الناصر "يوجين بلاك" رئيس البنك الدولي في مصر.

ووافق عبد الناصر - بعد مفاوضات- على أن يكون للبنك الدولي حقوق "معقولة" في تفقد الإجراءات التي ستتخذها مصر للحد من التضخم، وعُقد على إثر ذلك اتفاق تم إعلانه في الثامن من فبراير ١٩٥٦م، يقدم البنك بموجبه قرضًا قيمته ٢٠٠ مليون دولار، ويتوقف تنفيذه على التوصل إلى اتفاق آخر مع لندن وواشنطن حول شروطهما التي أعلناها لتقديم المساعدة.

وبعد خمسة أشهر من إعلان الاتفاق، وفي ظهر يوم التاسع عشر من يوليو ١٩٥٦م، أصدر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية "لينكولن وايت"، بيانًا أعلن فيه سحب العرض الأمريكي لتمويل مشروع السد العالي، وأبلغ الرئيس الأمريكي -آنذاك- "جون فوستر دالاس"، السفير المصري بالولايات المتحدة، أحمد حسين، خلال إذاعة البيان، أن الولايات المتحدة لن تساعد في بناء السد العالي، وأن بلاده قررت سحب عرضها لأن اقتصاد مصر لن يستطيع تحمل هذا المشروع.

وقال الرئيس الأمريكي أيضًا، إن الولايات المتحدة تعتقد أن من يبني السد العالي سيكسب كراهية الشعب المصري؛ لأن الأعباء المترتبة عليه ستكون مدمرة وساحقة، وأنه ليس في وسع الشعب المصري أن يتحمل عبء تنفيذ هذا المشروع الضخم.

وبعد أيام قلائل، وفي اليوم السادس والعشرين من ذات الشهر، أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، شركة مساهمة مصرية ردًا على قرار الانسحاب الأمريكي من تمويل إنشاء السد العالي، ومع الضغط الغربي المستمر، والشروط المجحفة التي وضعتها تلك الدول لتمويل بناء السد، ومع استمرار الرفض المصري للتدخلات الأجنبية في شأنها الداخلي، واصلت مصر بهدوء خططها التنموية، وقبلت التحدي، وواصلت خططها في البناء والنمو والتنمية، بالاعتماد على مواردها، وعلى ثقلها الدولي والإقليمي.

ولت مصر وجهتها نحو المعسكر الشرقي، ووقعت في السابع والعشرين من ديسمبر ١٩٥٨م، اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي؛ لإقراضها ٤٠٠ مليون روبل؛ لتنفيذ المرحلة الأولى من السد، وبعد عام من توقيع الاتفاقية، وقعت مصر في ديسمبر ١٩٥٩م، اتفاقية توزيع مياه خزان السد بين مصر والسودان.

وفى صبيحة التاسع من يناير ١٩٦٠م، أرسى الرئيس جمال عبد الناصر الحجر الأساسي لمشروع السد العالي ببدء العمل فيه وبدء تنفيذ المرحلة الأولى من بناء السد حتى منسوب ١٣٠ متراً، وحفر قناة تحويل أمامية للسد بطول ١٩٥٠ متر لتغيير مجري نهر النيل، وحفر ستة أنفاق رئيسية بطول ٢٨٢ متراً وقطر ١٥ متراً للنفق الواحد وتبطينها بالخرسانة المسلحة، وصب أساسات محطة الكهرباء.

 آلاف من البشر لم تنم ليلة التدشين؛ للاحتفال العظيم بانتهاء المرحلة الأولى من إنشاء السد العالي، مئات المهندسين والعمال باتوا يحفرون ست فتحات عميقة تشبه الأنفاق في الجبل القريب من منطقة جبلية اسمها "خور كوندى" ويملؤونها بحوالي تسعة أطنان من الديناميت قبل تفجيرها للجبل العملاق، بخلاف الكثيرين الذين يعملون في ساحة موقع الاحتفال وترتيب الأماكن المخصصة لمختلف الوفود الأجنبية بالسرادق الكبير الذي أُقيم بالمنطقة، وكذلك أماكن الهيئات الشعبية التي تمثل جميع محافظات مصر.

وعجت الشوارع الممتدة من مدينة أسوان إلى مكان الاحتفال والتي يزيد طولها عن ثمانية كيلو مترات طوال الليل بعشرات الألوف من الناس الذين رفعوا الأعلام ورددوا الهتافات.

وفي الثانية إلا الثلث ظهر يوم الخامس عشر من مايو ١٩٦٤م، قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع نيكيتا خروشوف رئيس الاتحاد السوفيتي، وعبدالله السلال رئيس دولة اليمن والرئيس العراقي عبدالسلام عارف، والملك محمد الخامس ملك المغرب، والرئيس السوداني إبراهيم عبود، بالضغط علي الزر الخاص بتفجير السد الرملي،  إيذانا منهم بافتتاح العمل في السد، وبدء الحفارات والبولدوزرات واللوريات الضخمة التي وردت من الاتحاد السوفيتي في نقل حطام الجبل المنسوف الذى سيصبح فيما بعد القناة الأمامية التي سيحول اليها ماء نهر النيل بعد قفل النهر بالسد العالي، وانتهاء المرحلة الأولى من إنشاء السد العالي. وقبل التفجير قام الرئيس جمال عبد الناصر بوضع صندوق خشبي في حجر الأساس، احتوى على مصحف شريف للبركة، ولائحة هيئة بناء السد، والصحف العربية الصادرة في نفس اليوم، إلى جانب عملات مصرية كانت في جيب عبد الناصر، وهي عبارة عن ٣٩ جنيها و٣٤ قرشا، وعملة مغربية وسورية وضعها جلالة الملك محمد الخامس والرئيس شكري القوتلي.

 وفي السابع والعشرين من أغسطس ١٩٦٠م، وقعت مصر الاتفاقية الثانية مع الاتحاد السوفيتي؛ لإقراضها ٥٠٠ مليون روبل إضافية؛ لتمويل المرحلة الثانية من السد العالي، متضمنة الاستمرار في بناء "الجسد" حتى نهايته، وإنهاء محطة الكهرباء، وتركيب التوربينات وتشغيلها، وإقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء، لتنطلق شرارة توليد الكهرباء الأولى، التي أنارت بعض القرى المصرية في أكتوبر ١٩٦٧م، ويبدأ تخزين المياه ببحيرة السد، التي كان لابد أن يطلق عليها اسم يظل خالدًا، اسم تحمل الضغوط الغربية، واتخذ طريق الكفاح لتحقيق الحلم القومي سبيلاً، لتحمل البحيرة اسم "ناصر". احتضنت بحيرة "ناصر" أولى قطرات المياه القادمة من منابع النيل عام ١٩٦٨م، وفي منتصف يوليو ١٩٧٠م، اكتمل صرح المشروع؛ ليتم افتتاحه رسميًا في منتصف يناير ١٩٧١م، ليبث التليفزيون المصري عبر شاشته، فرحة المصريين بالافتتاح الرسمي للسد العالي، الذي بلغت تكلفته ٤٠٠ مليون جنيه حينها.

 

مواصفات السد 

السد العالي عبارة عن سد ركامي طوله عند القمة ٣٨٣٠ مترا منها ٥٢٠ مترا بين ضفتي النيل ويمتد الباقي على هيئة جناحين على جانبي النهر، ويبلغ ارتفاع السد ١١١ مترا فوق منسوب قاع نهر النيل وعرضه عند القمة ٤٠ مترا. تقع محطة الكهرباء علي الضفة الشرقية للنيل معترضة مجري قناة التحويل التي تنساب منها المياه إلي التربينات من خلال ستة أنفاق مزودة ببوابات للتحكم في المياه بالإضافة إلي حواجز للأعشاب.

دور السد العالي

 

  • حمي السد العالي مصر من كوارث الجفاف والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد في الفترة من١٩٧٩م إلى ١٩٨٧م، حيث تم سحب ما يقرب من سبعين مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة السد العالي لتعويض العجز السنوي في الإيراد الطبيعي لنهر النيل.
  • حمي السد العالي مصر من أخطار الفيضانات العالية التي حدثت في الفترة من ١٩٩٨م، إلى ٢٠٠٢م، فلولا وجود السد العالي لهلك الحرث والنسل ولتكبدت الدولة نفقات طائلة في مقاومة هذه الفيضانات وإزالة آثارها المدمرة.
  • استصلاح الأراضي وزيادة الرقعة الزراعية.
  • تحويل الري الحوضي إلى ري مستديم وزيادة الانتاج الزراعي.
  • التوسع في زراعة الأرز.
  • توليد طاقة كهربائية تستخدم في إدارة المصانع وإنارة المدن والقري.
  • ضمان التشغيل الكامل المنتظم لمحطة خزان أسوان بتوفير منسوب ثابت علي مدار السنة.
  • زيادة الثروة السمكية عن طريق بحيرة السد العالي.
  • تحسين الملاحة النهرية طوال العام.

 

يقف السد العالي في أقصى الجنوب شامخًا شاهدًا على ملحمة الكفاح التي سطرتها سواعد الرجال، تروى أحجاره وصخوره لحظات تاريخية في حياة الشعب المصري وتضحياته وما سطرته عزيمتهم، لتحكي ملحمة البناء التي شهدتها مصر أثناء بناء السد العالي. فبعد أن كان حلمًا، أضحى حقيقة. لم يكن مجرد خيال، بل كان الأمل لبناء مصر.

للمزيد من الصور اضغط هنا

المصادر

كتاب «سنوات وأيام مع عبدالناصر» لسامى شرف سكرتير الرئيس عبدالناصر للمعلومات وزيرشؤون رئاسة الجمهورية الأسبق). 

مذكرات المهندس حلمى السعيد وزير السد العالى والكهرباء الأسبق.

موقع وزارة الموارد المائية و الري.

جريدة الأهرام المصربة.