الحركة الطلابية الإفريقية.. تاريخ ناصع ومستقبل مليء بالتحديات

الحركة الطلابية الإفريقية.. تاريخ ناصع ومستقبل مليء بالتحديات

بقلم الكاتب السوداني/ متوكل دقاش 

 

 بدأت الحركة الطلابية الإفريقية في العشرية الأولى من القرن الماضي، والمفارقة، أنها قد انطلقت من داخل مؤسسات التعليم الاستعمارية لتقارع هيمنته وتثور لتفكيكه وتعمل على إنهائه. والحقيقة، أنها لم تكن بداية سهلة، ذلك لأن "ميلاد النخبة الإفريقية قد جاء بعد مخاض عسير وسط التراكم المعرفي الذي أفرزه الوجود الاستعماري، الذي هيمن منذ الوهلة الأولى على منابع المعرفة الثقافية والاجتماعية وتمزيقها من مرجعيتها الحضارية". وعلى الرغم من أن المخطط التعليمي للاستعمار كان يهدف إلى تجهيز كادر بشري قادر على مساعدة حكوماته في إنجاز المهام الإدارية فقط، إلا أن نوعية التعليم الجديد، وبعض مصادر المعرفة الأخرى، قد أكسبت تلك الأجيال استعدادات مختلفة وطرائق تفكير جديدة أثارت قلق الاستعمار نفسه.

 

كانت استراتيجية الاستعمار لإضعاف الحركات الطلابية الإفريقية قائمة على عملية صناعة الولاء وسط الطلاب الأفارقة ومعاملتهم معاملة خاصة واعطائهم بعض الامتيازات. والواقع، أن الكثير منهم قد وقع في فخ موالاة النظم الاستعمارية، وتأثر بتلك التركيبة الذهنية والمعرفية التي صنعتها آلتها الدعائية ومنهجيتها التعليمية. مع ذلك، تخلقت الحركة الطلابية الإفريقية لتمثل نقطة الانطلاق نحو تفكيك بنية الاستعمار، والمنبع الذي تغذت منه حركات التحرر الوطني، والنواة التي تشكلت منها الاتجاهات القومية وتيارات الوعي والنضال ضده. فقد نشأت في السودان الجمعيات الأدبية والثقافية وأندية الخريجيين كامتدادات طبيعية للحركة الطلابية. بينما شكل الطلبة طلائع القوى المصادمة للاستعمار في كل من كينيا، والسنغال، وتونس، وغانا. وقد برزت في المراحل الأولى للحراك الطلابي أسماء صنعت تواريخ أمتها بعد سنوات قليلة من نشاطها الطلابي، مثل: كوامي نكروما ولوممبا وكينياتا وبورقيبة وسنغور والشيخ انتا ديوب.

 

 

 في كل مراحل نضالاتها، كان ينظر إلى الحركات الطلابية الإفريقية بوصفها حركات للتغيير الجذري، ليس ضد الاستعمار فحسب، وإنما ضد الاستبداد عموما. فبعد سنوات النضال ضد الاستعمار الأجنبي، كان على الحركات الطلابية الإفريقية بنزعتها الراديكالية، هذه المرة، مواجهة المستبدين الوطنيين. ويعتقد البعض، أن جذرية الحركات الطلابية نابعة من طبيعة تكوينها من فئة صغيرة السن ومتحررة من المسؤوليات والأعباء بكل أشكالها، إضافة إلى طموحها الكبير وإيمانها المطلق بأهدافها. تجسدت تلك الجذرية في مواجهة الحركة الطلابية في السنغال لسياسات سنغور رغم القمع العنيف. وأيضا مصادمة الحركة الطلابية في ليبيا لنظام العقيد معمر القذافي في أبريل 1976، ففي ظل ضعف الأحزاب السياسية في الجماهيرية، حملت الحركة الطلابية الليبية على عاتقها مهمة تحريك الفضاء السياسي والعمل المدني بكل شجاعة. وقد كان الأمر كذلك في السودان على أيام حكم البشير الديكتاتوري.

 حاليا، تحيط بالحركات الطلابية – في كل إفريقيا – ظروفا صعبة، وهي مواجهة بتحديات جسام، في ظل واقع اقتصادي مرير ومنحنى متصاعد لحدة فقر مقرون ببروز ديكتاتوريات، وتحولات جيوسياسية عالمية يتم فيها توظيف القارة ومواردها وشعوبها في عملية صناعة توازنات القوة. ذلك بالإضافة إلى تحديات الحركات الطلابية الذاتية، المتمثلة في مشاريعها ومناظيرها وأدوات عملها. إذ تحتاج كثير من هذه الحركات الطلابية إلى التجديد والابتكار، وتجاوز أبنيتها الفكرية والتنظيمية القديمة وايجاد وسائل وطرائق جديدة للعمل. فكل الآمال تعقد على الحركات الطلابية الإفريقية لتغيير واقع القارة البائس..