إن الموارد الطبيعية التى حبتنا بها الطبيعة إذا استغللناها الاستغلال الطبيعى؛ لارتفع شأن العرب جميعاً

إن الموارد الطبيعية التى حبتنا بها الطبيعة إذا استغللناها الاستغلال الطبيعى؛ لارتفع شأن العرب جميعاً

أبناء سوريا ولبنان:

أنا سعيد بهذا اللقاء، وكنت أرجو أن يكون فى الصباح ولكنى لا أحرمكم من سبل التعرف على مصر ونهضتها، فلاشك أن هناك عدداً كبيراً منكم يزور مصر لأول مرة، ولا شك أيضاً أنكم شعرتم بالحفاوة والكرم والتقدير اللائق بكم كشباب تمثلون العزة القومية العربية، ولاشك أن هذا الإكرام والحفاوة لا تقاس بجوار المشاعر والعواطف التى يكنها المصريون لأبناء العروبة أجمعين، ولاشك أيضاً أنكم لمستم هذه العواطف وهذه الأحاسيس، وأنتم الجيل الذى سيبنى نهضة العرب والأمل الذى يحدو العرب أجمعين.

فيجب أن نحس بالعزة والكرامة، ولن يتأتى ذلك إلا إذا وثقنا جميعاً بعضنا ببعض، فالثقة هى أول دلائل النجاح، ويجب أن نحارب لأجل هذه العقيدة فهذا الزمن ليس زمن الهزيمة، ولا زمن الضعف ولكن زمن القوة؛ وهذه القوة لن تكون إلا بالتمسك بهذه الثقة؛ فالثقة هى العامل الأول الذى نحارب به المستغلين الأجانب.

وهناك نظرية خاطئة من أساسها تقول: إنه لا توجد فى مصر روح عربية، وهذا وهم خاطئ من أساسه، وقد لمستم عدم صحته فى زيارتكم القصيرة هذه، والدليل على ذلك أنى وأنا شاب كانت تنعكس روحى دائماً تجاه العرب وليس تجاه أوروبا بالمرة. وهذا فى رأيى أكبر دليل على ذلك وليس مجرد كلام للدعاية أو التضليل؛ لأننا نحس بهذا التفاهم الروحى جميعاً، وقد شعرتم به أنتم فى هذه الرحلة القصيرة. وشىء أخر أريد أن نتبينه فى هذا الوقت وهو أن مصدر قوتنا هو قوميتنا؛ فقوميتنا هى أكبر سلاح فى أيدينا، ونحن نحارب دائماً فى سبيل الإبقاء على قوميتنا.

وفلسطين ضاعت قوميتها، ويجب أن ندافع عن هذا الخطر الذى يهددنا جميعاً، يجب أن نحس بها ونؤمن بها، وإلا سرنا نحو طريق الفناء، يجب أن تتكتل الجهود فى سبيل القوة العربية العزيزة.

والعبء الأكبر يقع اليوم علينا جميعاً، وبخاصة الدول التى حصلت على استقلالها، فإن سوريا ولبنان مطلوب منهما أن يعملا على حماية استقلالهما وحماية استقلال الآخرين، وهذه الأمانة فى عنق الشباب، بل فى عنقنا جميعاً.

وعامل آخر يجب أن نحس به ونضعه فى الموضع الأول، وهو موقعنا الاستراتيجى، وهذا الموقع كان من عوامل ضعفنا واحتلالنا والتسلط علينا فى الماضى، هذا فى الماضى، أما اليوم فيجب أن يكون مصدر قوتنا وعظمتنا وكرامتنا.

ولا شك أن أى إهمال نحو هذا الموقع سيضر بنا وبكم يا شباب العرب. إن الموارد الطبيعية التى حبتنا بها الطبيعة إذا استغللناها الاستغلال الطبيعى؛ لارتفع شأن العرب جميعاً، إن هذه المنطقة تحوى نحو ٦٠٪ من البترول، فإذا توقف تدفق هذا البترول إلى الجيش الأوروبى لشل عمله وأصبح جيشاً بلا حركة.

إذا ترجمنا هذه العوامل إلى حقائق لوصلنا إلى القوة والعزة والكرامة، وهذه رسالتكم - أيها الشباب - فإذا تخاذلتم فلابد أن يستغل الغرباء هذا التهاون والضعف.

أيها الشباب:

لقد مررنا بظروف متشابهة، وأحسسنا دائماً بأحاسيس متجانسة، وكافحنا كفاحاً خالداً كان له صدى ضخم فى أنحاء البلاد، فعندما نجح الكفاح فى سوريا ولبنان واستقلتا، استقلت مصر بعدهما. فكفاحنا لا يمكن أن ينفصل عن كفاحكم، وأى اضطراب فى بلادكم هو اضطراب فى بلادنا. وأنتم - يا شباب العرب - الذى جاهد آباؤكم وأجدادكم فى سبيل حريتكم، لابد أن تحرصوا على هذا الكفاح الغالى، يجب أن تحافظوا على الاستقلال الغالى الذى دفع الأباء والأجداد دماهم فى سبيله، واعتبروا أن مصر ستكون فى الصف الأول، فاعتمدوا عليها ووثقوا بها. ونرجو أن تكون هذه الزيارة الصغيرة فاتحة سلسلة من الزيارات ليتبادل الشباب العربى النهضة الفكرية التى نحرص عليها دائماً.

إننا نعمل لأجل غاية واحدة وهى تقدم العرب، ونرجو أن نكون أول العاملين له.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى وفد الشباب السورى واللبنانى

بتاريخ السادس والعشرين من فبراير العام ١٩٥٥م.