عن المعايير .. وسياسة أثبتت فشلها

عن المعايير .. وسياسة أثبتت فشلها
بقلم/ ياسر أبو معيلق
فيما يلي ترجمتي من الإنجليزية لتعليق متلفز ومكتوب للصديق المذيع بقناة MSNBC الأمريكية، أيمن محي الدين، على الحملة الغربية على دولة قطر في إطار تنظيمها لنهائي كأس العالم.
التعليق نُشر يوم انطلاق المونديال في قطر (٢٠ نوفمبر):
"منذ اللحظة التي فازت فيها قطر بحق تنظيم كأس العالم لعام ٢٠٢٢، كانت هنالك انتقادات لقدرتها على تنظيم هذا الحدث، واستحقاقها للتنظيم، وهي انتقادات مبررة: فإن أي دولة تخطط لاستقبال جماهير من كافة أنحاء العالم من أجل حدث دولي مهم يجب أن تتعرض لتمحيص مكثف.
لكن ما حصل في السنوات الماضية، وتكثّف في الأشهر الأخيرة قبل انطلاق المونديال يوم الأحد، يكشف عمق التحيز الغربي، والغضب الأخلاقي التمثيلي، وربما - بشكل أكبر - هول ازدواجية المعايير.
سيل من التعليقات الإعلامية السلبية، والعنصرية بكل صراحة، انهال على الدويلة الواقعة على الخليج (العربي)، تضمن عناوين تلمح إلى أن المشجعين الذين كانوا يحتفلون بقرب انطلاق كأس العالم تلقوا أموالاً من أجل الظهور، فقط لأنهم ينحدرون من دول جنوب آسيا. كما نشرت وسيلة إعلامية فرنسية كاريكاتيراً يصور المنتخب القطري كحفنة من الإرهابيين. والقائمة تطول...
لكن هل يدور هذا النقاش فعلاً حول حقوق العمال المهاجرين وحقوق الإنسان، أم أنه يدور حول عدم قدرة الدول الأوروبية والمعلقين الغربيين، الذين يعتبرون أنفسهم حراساً تقليديين لبوابة كرة القدم العالمية، على استيعاب فكرة استضافة دولة عربية شرق أوسطية لمثل هذا الحدث الهام؟
من أجل المكاشفة الكاملة، لقد عملت وعشت في قطر نحو خمس سنوات، وكنت شاهداً على التطور والتقدم الذي أحرزته البلاد، ورأيت أيضاً الأوجه التي تحتاج إلى تحسين. وبالنسبة لي كمسلم، فأنا واعٍ للنسق الاجتماعي المحافظ والقيود المجتمعية التي ينبغي على قطر موازنتها من أجل الترحيب بعشاق الرياضة من مختلف أوجه الحياة من جهة، والمحافظة على العادات والتقاليد الثقافية والدينية من جهة أخرى. وكمشجع مهووس بكرة القدم، فأنا أيضاً أخطط لحضور كأس العالم، والذي أشعر بحماس كبير - كأمريكي من أصول عربية - لأكون شاهداً على حدوثه في الشرق الأوسط.
اعذروني لأنني لا أعتقد أنه يجب عليك أن تشرب حتى الثمالة وتدخل في مشاجرات مع مشجعي الفريق المنافس من أجل الاستمتاع بكرة القدم، وهو ما سيكون صعب الحدوث هذا العام بسبب القرار المتخذ في اللحظة الأخيرة لمنع بيع الكحول داخل الملاعب أثناء كأس العالم.
العديد من الاحتجاجات المشحونة عاطفياً على الاستضافة القطرية تخفي الكثير تحت البساط. على سبيل المثال، فإن الكيان الحاكم لكرة القدم حول العالم، الفيفا، يعتبر أحد أكثر المنظمات الدولية فساداً في العالم، وقد ابتلي باتهامات الفساد وتلقي رشاوي من أجل تنظيم المباريات، لدرجة أن وزارة العدل الأمريكية أدانت عدداً من مسؤولي الفيفا الكبار. إذا كانت قطر شريرة، فإنها ليست وحدها!
من العدل انتقاد قطر بسبب سجلها السيء في مجال حقوق العمال المهاجرين أو حقوق مجتمع المثليين جنسياً أو حقوق النساء. لكن الأمر يبدو مشبوهاً، أو حتى غير أصيل، حين نرى الدول الغربية ومعلقيها السياسيين يختصون قطر بذلك، في حين أن "قانون الدفاع عن الزواج" في الولايات المتحدة ما يزال سائداً في معظم أنحائها. هذا القانون، إذا كنتم قد نسيتم، يعرف الزواج بين رجل وامرأة. وعلى الرغم من أن غالبية الولايات المتحدة تجاوزت هذا القانون ثقافياً وتدعم محاولات لإلغائه، إلا أن فهم الفرق بين الثقافة وبين القانون مهم، سواء هنا (في أمريكا) أو في الخارج. خلال العام المنصرم وحده، شهدت الولايات المتحدة وحدها حوالي ٢٤٠ قانوناً ومشروع قانون لسحب حقوق كانت قد أعطيت لمجتمع المثليين والعابرين جنسياً، أو لتجريم العناية المعززة للجنس (توضيح من المترجم: العناية المعززة للجنس "gender-affirming care" تشير إلى الدعم المجتمعي والطبي والقانوني لاختيار أي شخص الانتماء إلى جنس غير الذي وُلد فيه، وهي عادة ما تقدم للعابرين جنسياً).
أتساءل عما إذا كان أي من هؤلاء المعلقين الأوروبيين أو الأمريكيين المتشدقين بالدفاع عن حقوق الإنسان سيطالب بسحب حق استضافة الولايات المتحدة لكأس العالم عام ٢٠٢٦ بسبب تراجع ساستنا المنتخبين ونظامنا العدلي عن حقوق الصحة الإنجابية، ومنع كلمة "مثلي" (gay) في المدارس الحكومية، أو منع الكتب التي يعتقدون أنها تشكل تهديداً للنظرة اليمينية والدينية المتطرفة. وبحسب ما أرى إلى الآن، لا أحد ينتقد الولايات المتحدة لمحاولة غسل سياساتها المناوئة للمرأة بالرياضة!
بدلاً من التوقف عند الاتهامات الموجهة لقطر، على الأوروبيين والأمريكيين أن يكونوا قدوة أفضل لكيفية معاملة المهاجرين في دولهم، إذ توصل تحقيق أجري مؤخراً إلى أن فرنسا وبريطانيا تركوا ٢٧ (مهاجراً) يموتون بينما كانوا يتجادلون حول من سينقذ القارب الغارق الذي كان يحملهم. إذا أراد الاتحاد الدنماركي لكرة القدم أن يعترض على ظروف المهاجرين المعيشية في قطر، فإن عليه أيضاً أن يحتج على ظروفهم في أوروبا. الأمريكيون الذين يستهجنون قوانين قطر فيما يخص العمالة المهاجرة يجب عليهم استغلال الفرصة أيضاً لمناقشة حلول للمعاملة القاسية للمهاجرين في أمريكا.
أنا أبلغ من العمر بما فيه الكفاية لتذكر عندما طلبت الولايات المتحدة من لاعبي كرة القدم الوقوف من أجل النشيد الوطني، بعد أن أشعل كولن كيبرنيك موجة احتجاج عقب أن جلس على "ركبة ونصف" أثناء النشيد الوطني الأمريكي قبيل مباراة دوري كرة القدم الأمريكية (NFL). من المثير للسخرية أن نرى المنتخبات الغربية تشجع لاعبيها على الاحتجاج من أجل حقوق مجتمع المثليين جنسياً في قطر، ولكنها لا تطيق أن يتخذوا موقفاً تجاه الظلم الذي تمارسه حكومات بلادهم.
عندما فازت قطر بحق استضافة كأس العالم، شكك البعض في كيفية السماح لدولة ذات تاريخ كروي ضئيل بأن تستضيفه. هذه الشكوك تستصغر مغزى هذا الحدث العالمي، وتتجاهل التاريخ: فعندما فازت الولايات المتحدة بحق استضافة كأس العالم، لم يكن لديها منتخب كرة قدم محترف حتى! اليابان وكوريا الجنوبية ليستا دولتين ذات تاريخ كروي عريق، ولكن مع وصول حق استضافة كأس العالم إليهما، أشعل ذلك فيهما انطلاقة كروية مستدامة. علاوة على أن قطر هي المنتخب المتوج حالياً ببطولة آسيا، دعونا نتذكر أن الهدف الرئيس من كأس العالم هو الترويج لكرة القدم كشكل من أشكال التطور الإيجابي.
الحملة المعادية لقطر لا توضح سوى كيف ينظر الغرب لنفسه على أنه محور رياضة كرة القدم. عندما قررت الفيفا تغيير موعد البطولة إلى شهري نوفمبر وديسمبر الأكثر بروداً لتجنب حر الصيف القائظ في قطر، جوبه ذلك بانتقادات الكثير من الاتحادات والنوادي الكروية الأوروبية، التي زعمت أن ذلك سيزعج موسمها الكروي ومواعيد مبارياتها.
دعونا نتذكر أنه، وعلى مدى تاريخ كأس العالم، كانت البطولة تقام تقليدياً بين شهري يونيو وأغسطس الصيفيين، أثناء الإجازة الصيفية لمعظم الدوريات الأوروبية. على مدى ٩٠ عاماً، كانت دول أمريكا الجنوبية مضطرة للتكيف من أجل المشاركة في مباريات كأس العالم أثناء انعقاد دورياتها. لكن لا يبدو أن أحداً اشتكى من أن ذلك يسبب ضرراً لمنتخبات أمريكا الجنوبية، التي حازت على كأس العالم تسع مرات فيما بينها.
لا أحد يقول إن قطر كاملة، لأن تلك ستكون سخافة. لكنني أحثنا على أن نكون أكثر دقة في انتقاداتنا، وأن نقاوم ترديد اتهامات عمومية ومحابية سلفاً كالببغاءات، دون النظر إلى أنفسنا أولاً.
العالم أصبح أكثر ترابطاً اليوم، وجزء من ذلك سببه مناسبات مثل كأس العالم. لقد أصبح الناس أكثر تأففاً من الغرور الأخلاقي الغربي وخطابه الوعظي المستمر. إضافة إلى ذلك، فإن الاتهامات الطنانة والعناوين المغرقة في الأحكام المسبقة تقلل من قوة النقد المبرر للمنظمات الرياضية الدولية، مثل اللجنة الأولمبية الدولية أو الفيفا، التي عانت من مشاكل جسيمة لعقود.
لحسن الحظ، فإن المشجعين الذين سيصلون إلى قطر لمشاهدة مباريات كأس العالم وجدوا القدرة على التمييز التي فشل الكثير من المعلقين الغربيين في إيجادها في الفترة قبيل انعقاد هذا الحدث الرياضي، حتى بدون كل البيرة".
(الحقوق: MSNBC/Ayman Moheyldin. حقوق الصورة: Getty Images)