الباحث خليل منون يكتب: مصرفوبيا
يبدو أن السودان ذهب إلى حد العداء مع كل ما هو مصري، ويبدو الأمر مع الأسف كما لو أنه حالة من معالجة كل إخفاقات الواقع السياسي الممتد من زمن الاستقلال ليومنا هذا؛ بازاحة كل هذا التاريخ وتحميل مصر مسؤوليته. كما لو أن كل هذا السلاح المحمول بيد الجميع لا يستحق السؤال عن مصدره وحجم استفادة هؤلاء الداعمين من خلق عدو متصور.
من ناحية أخرى حالة وضع الفاعل السوداني بوصفه مفعول أو فاعل تابع تستحق السؤال؟ فهو في الأخير سوداني وابن مخلص لبابلية الهوية السودانية وتاريخها المتنوع والذي عجز السودانيين على الإستفادة من زخمة؛ بل على العكس تماما ذهبوا به إلى أبعد ما يكون للتفتيت واستحالة اللقاء بدولة وطنية توحد هذا التنوع ومصادرة.
الموزاييك/ الفسيفساء التاريخية للسودان لم تكن أبدا من صنع مصر؛ ودرس المركزية المصرية لم يجد اذن صاغية في السودان المعاصر؛ وهاتان الحالتين تبعدان مصر عن واقع السودان المعضلة، فلا هي من تصنع هذا التاريخ الذي يثقل كاهل النخبة؛ هذه النخبة التي ترفض درس المركزية السياسية التي تتعالى على اي تنوع يفتن الوحدة الوطنية.
مصر ليست جنة الفردوس الموعود، وكذلك ليست مصدر أي شرور بالسودان، وحلايب وشلاتين مصرية بحكم التاريخ والوثيقة والواقع.
وعلى السودان أن يبدأ من الداخل في التفكير بواقعه ان أراد الخروج للمستقبل؛ عليهم ولو لمرة تحمل مسؤولية الواقع كاعتراف طهراني لتاريخ لم يجدوا منه الخير، الخير الذي هم أهل له.