محمد إيهاب يكتب: القوة الناعمة وتوطيد العلاقات بين الدول
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وبداية عصر العولمة والتبادل الاقتصادي الكبير القائم على الاعتماد المتبادل والمعقد بين الدول ، تضاءل تأثير القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها نتيجة بروز القوة الاقتصادية التي أصبحت هي المعيار الأساسي للعلاقات بين الدول .
كما أن التحول الجوهري الذي طرأ على مفهوم القوة في المرحلة التي أعقبت الحرب الباردة بدأ معها المفكرون والكتّاب يفهمون القوة من ناحية ما تمثله من قدرة سيطرة على النتائج .
أما في فترة التسعينيات ، ومع نهاية الحرب الباردة ، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية مركزاً أحادي القطب ، بدأ السياسيون الأمريكيون خاصة في طرح مفاهيم جديدة ومختلفة للقوة ، تبلورت في ما بعد بالقوة الناعمة ، وقد فرض هذا النوع من القوة نفسه وأصبح من أهمّ العناصر التي تعتمدها الدول في برامجها وتعتمد عليها في سياق عملها السياسي والدبلوماسي .
من خلال البحث عن بدايات تشكل مفهوم "القوة الناعمة" نعثر على مقال لعالم السياسه الأمريكى "جوزيف ناي" عام 1990 استخدم فيه مصطلح "قوة الاستتباع غير القهرية - co-optive power" ثم طوّر لاحقاً المصطلح فأصبح "القوة الناعمة - soft power" كأحد مصادر قوة الاستتباع.
كما عرفها "ناى" أنها : القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الإقتصادي ، ولا عن طريق دفع الرشاوى وتقديم الأموال لشراء التأييد والموالاة ، كما يمكننا القول أن القوة الناعمة هي القدرة على التأثير في الآخرين بحيث يصبح ما تريده هو نفسه ما يريدوه وبحيث تصبح قيمك وثقافتك ومبادئك وطريقتك في الحياة هي النموذج الذي يحتذون به.
من الأمثله على القوة الناعمه مطاعم الوجبات السريعه ذات العلامات التجاريه المشهورة والمنتشره فى كل أرجاء العالم تمنح الولايات المتحدة الأمريكية قوة ناعمه ، كذلك كرة القدم فى أوروبا والبرازيل ، التطور الحضارى المُذهل والكفاءة الإداريه تمنح الإمارات العربية المتحدة قوة ناعمة.
وقد كانت المحاولة الحقيقة بعد الحرب العالمية الثانية لاستخدام القوة الناعمة من خلال برنامج "فولبرايت - Fulbright Program" للتبادل الطلابى حول العالم عام 1946 كوسيلة للتأثير في الثقافات والهيمنة على عقول المجتمعات الأخرى .
وللقوة الناعمة بحسب الباحثين خمسة أركان هي:
١- القدرة على تشكيل تصورات ومفاهيم الآخرين وتلوين ثقافتهم وتوجيه سلوكياتهم.
٢- القدرة على تشكيل جدول الأعمال السياسي للآخرين سواء الأعداء أو المنافسين.
٣- القدرة في جاذبية النموذج والقيم والسياسات ومصداقيتها وشرعيتها بنظر الآخرين.
٤- القدرة على فرض استراتيجيات الاتصال على الآخرين "من يتصل أولاً وكيف" .
٥- القدرة على تعميم رواية وسرد الوقائع" الفائز اليوم من تفوز روايته للأحداث" .
سُبل استخدام القوة الناعمة فى توطيد العلاقات بين الدول :
تلعب القوة الناعمة دوراً رئيسياً فى تعزيز العلاقات وسُبل التعاون المشترك بين الدول على الصعيد الأقتصادى والسياسى والفنى والثقافى وكذلك الرياضى.
تلعب دوراً إيجابياً فى نشر السلام والأمن الأقليمى والدولى وكذلك تسوية النزاعات والقضاء على كل صور العنف والتطرف.
إعادة تشكيل سُبل الفكر السليم والوعى لدى الشعوب وذلك عن طريق الفن والرياضة والثقافة .
فى الختام نود أن نُذكر بأن القوة الناعمة أصبحت سلاحاً قوياً لا يقل أهميه عن القوة العسكريه الخشنة وتلعب دوراً هاما فى تعزيز نقاط القوة لدى الدول على طاولة التفاوض.
المراجع :
جوزيف ناى ، "القوة الناعمه" ، بابلك أفيرز - Public Affairs ، ٢٠٠٤
د/حسام مطر ، "ما بعد القتال" ، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، يناير ٢٠١٩
حسام الدين ، القوة الناعمة والدور في العلاقات الدولية ، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ، ٢٠١٣
محمد عبد السلام ، "كيف يمكن التأثير في سلوك الفاعلين الدوليين؟" ، السياسية الدولية ، ابريل ٢٠١٢
ريهام مقبل ، "عناصر وأشكال القوة في العلاقات الدولية" ، السياسية الدولية" ، ابريل ٢٠١٢