ماذا بعد انضمام مصر للبريكس .. الرؤى والمتغيرات
إعداد: تقى خالد العربي – محلل استثمار مباشر- وباحثة متخصصة في الدراسات الاقتصادية
مقدمة عن المتغيرات الاقتصادية العالمية:
شهدت الساحة الدولية متغيرات دولية متتابعه نتجت من اسباب عديدة ومختلفة بعضها جاء نتيجة تداعيات وباء كرونا والبعض الاخر جاء نتيجة وجود صراعات وحروب فلم يلبس العالم من أخذ هدنه حتى التهبت الازمة الروسية الاوكرانية - لم تكن الاحداث الجارية شعلة لانطلاق التكتلات الاقتصادية فقد بدأت التكتلات الاقتصادية فالانتشار منذ خمسينات القرن الماضى ، ظهرت العديد من التكتلات الاقتصادية مثل تكتل “الاتحاد الأوربي”، ودخول الولايات المتحدة الامريكية في تكتل “نافتا NAFTA “،وتأسيس تكتل البريكس فى 2006.ولكن المجريات العالمية الحالية جعلت العديد من الدول تسعى للأنضمام الى تكتلات دولية لكبح المخاطر الناتجة عن المجريات الاقتصادية الحالية .
اولا :نشأة التكتل :
يعتبر البريكس واحدا من أهم التكتلات الاقتصادية عالميا، ظهرت تسمية البريك لأول مره فى 2001 عندما اعرب الاقتصادى الامريكي جولدن ساكس و جيم اونيل لاول مره عن توقعاته بأن اقتصاديات روسيا والهند والصين والبرازيل سوف يكون لها الصدارة وستتفوق على هيمنة الولايات المتحدة وعلى اقتصاديات الدول السبح الاخرى
ثم بعد خمس سنوات وفى عام 2006 بدأ التفاوض لإنشاء التكتل من أربع دول الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا بعد ذلك وقد اجتمع روؤساء وزارة هذه الدول فى نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وكانت تسمية التكتل انذاك بريك نسبة الى الدول الأربعة ، وفى 2010 طلبت دولة جنوب افريقيا انضمامها للتكتل من خلال عدة مفاوضات تم اقامتها فى روسيا وذلك لأن دخول جنوب افريقيا التكتل سيفتح الباب امام شركاتها فى الدخول فى اسواق البريكس والذى بدوره سيؤدى الى دعم اقتصادها المحلى و زياة انفتاحها اقتصاديا عالميا، كما ان تكتل البريكس سيحتاج جنوب افريقيا كبوابة لتثبيت اقدامه وزيادة حلفاؤه فى افريقيا ، انضمت رسيما جنوب افريقيا فى ديسمبر 2010ليتحول اسم التكتل من بريك الى بريكس ، و لينطلق من هنا تكتل البريكس فى خطته الاقتصادية عقب انضمام جنوب افريقيا.
ثانيا :أهمية انشاء تكتل البريكس :
تعتمد رؤية التكتل الاساسية فى التعـاون مشـترك بين الدول المجتمعة لتأسيس التكتل على التحرر من هيمنة الدول المسيطرة على اقتصاديات العالم والعمل على القضــاء علــى النظــام أحــادي القطبيــة مــن خــلال تحســين الاقتصــاد العالمــي والقضــاء علــى هيمنــة الــدولارمع إحداث إصلاحــات فــي المؤسســات الماليــة وإيجــاد بدائل تمويليه للدول بعيدا عن صنـدوق النقـد الدولـي والبنـك الدولـي .
والجدير بالذكر انه واحد من اهم الدوافع التى كان لها الدور فى نشأة التكتل هو تعزيز التكامل الاقتصادى بين اقتصادات الدول النامية ومن هنا جائت فكرة التوسع فى انضمام دول اخرى لخلق فرص اكثر للتعاون بين الدول فى مختلف القارات
بالاضافة ان دخول شركاء جدد سيسهم فى التوسع فى اســتخدام العمــلات المحلية للدول المتعاونة فى الاستثمارات الخارجيــة والتجــارة الثنائيــة والتجارة متعددة الاطراف والذى بدوره سيؤدى الى تقليل الاعتماد على الدولار الامريكى وهيمنة الولايات المتحدة مما سينتج عنه الهدف المنشود و هو التعاون والتكامل الاقتصادى بين الدول النامية و ستزداد حصة التصويت لبلدان دول البريكس فى صندوق النقد الدولى مما سيمكن التجمع من أنه يكون له صوت قوى فى قرارت صندوق النقد .
موقع البريكس من الخريطة العالم الأقتصادية :
تشكّل دول تكتل البريكس مجتمعة على نحو 40% من أجمالى مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضيةوذلك لان التكتل يضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، ولذلك رؤية تكتل البريكس تستهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عظمى قادرة على منافسة "مجموعة السبع" (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية ، وهذا ما تثبته الأرقام الصادرة عن مجموعة بريكس، التي تكشف عن تفوقها لأول مرة على دول مجموعة السبع، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة G7عند 30.7%.
إلى جانب ذلك، يستهدف التكتل تحقيق حزمة من الأهداف والغايات الاقتصادية والسياسية والأمنية عبر تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم والتعاون الاقتصادي بين الدول الاعضاء والذى من شأنه يسهم في خلق نظام اقتصادي عالمي ثنائي القطبية، عبر كسر هيمنة الولايات المتحدة ومجموعة السبع G7 على الاقتصاد العالمى .
الرؤى الاقتصادية من انشاء تكتل البريكس :
- تعزيز التكامل بين الدول المكونة للتكتل من خلال التعاون فيما بينها فى كسر هيمنة الدول الغربية على الاقتصاد العالمى والتى تظهر من خلال الاعتماد على الدولار الامريكي فى التجارة الدولية لذلك واحد من أهم أهداف التكتل زيادة الاعتماد على الدولار الامريكي .
- كما تسعى دول التكتل الى الالتزامات باصلاح المؤسسات المالية الدوية حتى يكون للاقتصادات الدول الناشئة صوت اقوى من أجل تمثيل دولها داخل المؤسسات المالية
- تهدف ايضا دول التكتل الى التعاون مع المجتمع الدولى فى الحفاظ على استقرار النظم التجارية مما يحسن التجارة الدولية وبيئة الاستثمار .
- الجدير بالذكر ان احد اهم اسباب نشاة التكتل السعى لانشاء بنك للتنمية بحيث يكون مؤسسة مالية دولية رديفة للمؤسسات المالية الدولية الحالية (كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى) لاستكمال رؤى التكتل فى دعم النمو الاقتصادى للدول خاصة النامية
- يهدف اللتكتل ايضا دعم وتقوية مقعد دول التكتل فى الامم المتحدة ومجموعة العشرين من اجل الحفاظ على الامن والسلم الدوليين ودفع اصلاحات النظم النقدية والمالية والعالمية والتى تقدم أدور كبير فى تحسين الاقتصاد العالمى .
قمم اجتماع دول البريكس :
عقد تجمع الدول الخمسة اجتماعات سنوية منذ عام 2009 بشكل متواصل في الدول الاعضاء، مع تناوبها على استضافة الاجتماعات. قبل انضمام جنوب أفريقيا، عُقدت قمتان «بريك» في عامي 2009 و 2010. وعقدت قمة «بريكس» الأولى (أي الدول الخمسة بعد انضمام جنوب أفريقيا) في عام 2011. وقد تم عقد قمة BRICS العاشرة الأخيرة في جوهانسبيرغ في جنوب أفريقيا عام 2018 ثم فى 2019 تم عقد القمة فى البرازيل و فى 2020 تم عقد القمة فى روسيا فى تشيليابنسك
آليات تعزيز دور دول التكتل على المستوى الدولى:
اعتزمت مجموعة دول بريكس -خلال قمة فورتاليزا التي عقدت بالبرازيل عام 2014- إنشاء بنك تنمية سمي "بنك التنمية الجديد" (New Development Bank) ، وصندوق احتياطي في شنغهاي "اتفاقية احتياطي الطوارئ" (Contingent Reserve Arrangement) )، وصل رأس مال البنك5مليار دولار مع احتمالية بلوغة 100 مليار دولار الذي هو بمثابة بنك تنمية متعدد الأطراف تديره دول بريكس الخمس، يكمن الدور الأساسي لهذا البنك هو منح قروض بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع البنيات الأساسية والصحة والتعليم، وما إلى ذلك، في البلدان الأعضاء بالمجموعة، وكذلك البلدان الناشئة الأخرى، كل هذه الخطوات جاءت من منطق تعزيز وجود المؤسسات الماليه فى دعم اصلاحات الدول النامية ،كما استهدف التكل تطوير التعاون بين دول الاعضاء فى تعزيز اتفاقيات التجارة والاستثمار وتطويرها بغرض تقليل معدلات الفقر وخلق المزيد من الفرص لمواطنين هذه الدول
دخول اعضاء جدد فى تكتل البريكس:
رحبت دول اعضاء البريكس الخمس (البرازيل-روسيا-الهند-الصين-جنوب افريقيا) بدخول اعضاء جدد فى اغسطس 2023 ، وتم توجيه دعوة فى قمة البريكس فى «جوهانسـبرج» لستة دول اعضاء جدد للانضمام للبريكس ووقع اختيار الدول التى تم دعوتها للانضمام الى التكتل على إيـران، المملكـة العربيـة السـعودية، الإمـارات العربيـة المتحـدة، مصر، الأرجنتيـن، وأثيوبيا.
انضمام مصر الى تكتل البريكس :
اهتمت مصر للأنضمام لتكتلات دولية جديدة هذا من منطلق حرصها على الانضمام لتكتلات اقتصادية لدعم تعاونها الاقتصادى لذلك قامت باتخاذ عدة خطوات مهمة لهذا الشأن كانضمامهـا لمبـادرة الحــزام والطريــق بتوقيــع اتفاقيــة الشراكة الاستراتيجية مــع الصيــن عــام 2016 وانضمامهــا لعضويــة بنــك التنميــة والاستثمارالاسيوي ، ومنظمــة شــنغهاي 2022 كشريك حــوار.
وعقب البريكس فى أغسطس 2023 عن انضمام 6 دول جديدة الى التكتل الاقتصادى ومن بين هذه الدول مصر والتى من المقرر انضمامها من يناير ، 2024 ستمثل هذه الخطوة ضوء فى دعم الأصلاحات التى تقوم بها الحكومة فى الوقت الحالى كما سيساهم انضمام مصر الى التكتل فى تقليل الاعتماد فى التعاملات البينية على الدولار الامريكي والذى من دوره سيؤدى الى تقليل الضغط النقد الأجنبي في مصر الذي يمثل الدولار الحصة الكبرى منه ، مما سينتج عنه فى النهاية تحسين عدد من المؤشرات الاقتصادية المحلية".
كما يمكننا القول ان انضمام مصر الى بنك التنمية التابع لتكتل البريكس سيوفر لها الدعم فى توفير فرص للحصول على تيسيرات وتمويلات لتنيذ كامل مشروعاتها التنموية وعلى مستوى الاقليمي سيساعد التكتل فى خلق نظام عالمي يمنح مزيدا من الثقل للدول النامية والناشئة".
وختاما : تعتبر مجموعة البريكس واحدة من اقوى التكتلات الاقتصادية التى ظهرت فى الاونة الاخيرة والتى يفتح فرصة للتكمال المفتوح والمتنوع على المستوى العالمى وتعزيز التكامل الاقتصادى بين الدول النامية ، وسيساهم دخول اعضاء جدد فى التكتل خاصة الفترة الحالية عقب الازمات الاقتصادية العالمية المتتالية الى توسيع استخدام العملات المحلية بين الدول المنضمة للتكتل فى الاستثمارات الخارجية والتجارة الثنائية والتجارة متعددة الاطراف ، مما سيقلل الاعتماد على الدولار والذى سيهدف بدوره الى تعزيز التنسيق بين الدول النامية ، ومع انضمام دول جديدة سيقوى صوت دول التكتل فى صندوق النقد الدولى و قراراته ، وعلى الصعيد المحلى فى مصر سيسهم انضمام مصر الى البريكس الى تعزيز حجم تجارتها البينية ومتعددة الاطراف وتقليل الاعتماد على الدولار والتحول الى الاعتماد على الجنيه المصرى ، كما ستساهم هذه الخطوة فى توفير التمويل من خلال انضمامها الى بنك التنمية ومن هنا نرى ان انضمام مصر الى تكتل يعتبر فرصة على طبق من فضة لدعم تصديريها وتعاملها بالجنية المصرى مع الدول الاعضاء بالتكتل.