في كفاحنا لا نعتمد إلا على أنفسنا

إن الإحساس الذى أحسست به بينكم، إنما هو القوة الكبرى التى نعتز بها، والتى لا تعتمد فى هذا الكفاح الطويل الذى أثمر الوحدة إلا على الله وعلى شعوركم وقوة الشعب العربى.. هذا الشعور وهذا الإيمان - أيها الإخوة - إنما هو قوة من عند الله وهبنا إياها حتى نكافح وحتى ننتصر.
واليوم - أيها الإخوة - قد حققتم النصر بعد الكفاح الطويل، وأقمتم أنتم بإرادتكم الجمهورية العربية المتحدة؛ فإننا نعتز بهذا الشعور، ونعتز بهذا الإيمان، ونعتز أيضاً بهذه الثقة، فبقوة المشاعر وبقوة الإيمان، وبالثقة المتبادلة بين الأخ وأخيه وبين المواطنين فى جميع أنحاء الجمهورية، سنستطيع بعون الله جميعاً أن نعمل لتحقيق الأهداف ولتحقيق الآمال.
أيها الإخوة:
إننا اليوم، ونحن نستقبل أول أيام الجمهورية العربية المتحدة، نتجه إلى الله ونطلب منه أن يهبنا النصر.. نتجه إلى الله ونطلب منه أن يهبنا الوحدة والاتحاد والثقة والإيمان.
إننا - أيها الإخوة - فى كفاحنا لا نعتمد إلا على أنفسنا، لا نعتمد على أجنبى ولا نعتمد على دخيل، ولكننا حينما نكافح إنما يعتمد كل فرد منا على أخيه، وإنما تعتمد الجمهورية كلها على أبنائها.. على الشعب؛ لقد أصبح الشعب اليوم فى الجمهورية العربية المتحدة مصدر القوة، ومصدر الثقة، ومصدر الإيمان.
أيها الإخوة:
فبقوة الشعب وإيمان الشعب استطاعت جمهوريتكم العربية أن تهزم الإنجليز، وأن تهزم الفرنسيين، وأن تهزم إسرائيل.. استطاعت جمهوريتكم الفتية - التى اتحدت قبل أن تعلن الوحدة الرسمية، والتى حاربت فى الشمال وفى الجنوب - أن تصد العدوان، وأن ترد الدول الكبرى؛ بفضل إيمان الشعب وبفضل ثقة الشعب.
اليوم - أيها الإخوة - أقمتم هذه الجمهورية، وآثرتم أن تكافحوا، وأن تعلنوها سياسة مستقلة وأن تعلنوا سياسة الوحدة، وأن تعلنوا أن الشعب العربى الذى تحرر لابد أن يعاون إخوته الذين يحاربون فى البلاد المغتصبة، والذين يحاربون الاستعمار. إننا اليوم - أيها الإخوة - أقمنا الدعامة العربية الحرة بين أركان هذه الجمهورية، فبالثقة وبالإيمان وبالوحدة استطعتم أن تقيموا الوحدة بين البلاد العربية، وبالثقة وبالإيمان أيضاً وبالاتحاد سنستطيع أن نثبت دعائم هذه الجمهورية؛ لتكون دائماً حصن الحرية وحصن القومية العربية.. بالإيمان وبالوحدة سنهزم دائماً المعتدين والمستعمرين، كما هزمناهم فى بورسعيد بالوحدة والإيمان.. بالإيمان والثقة وبالوحدة - أيها الإخوة - سنحقق كل الأهداف وكل الآمال.
إننا اليوم فى هذه الجمهورية إنما نمثل فكرة واحدة هى فكرة الحرية والقومية العربية.. سنعمل جميعاً - بعون الله - لتثبيت دعائم الحرية، ولتثبيت دعائم القومية العربية. أنتم الجنود وأنتم الجيش الكبير؛ إن الجمهورية كلها بأبنائها جميعاً إنما يكونون الجيش الكبير، وليست القوات المسلحة هى الطليعة التى تتقدم، ولكنها ستجد دائماً من كل فرد منا الجندى الذى يتسلح بعزمه وإيمانه وسلاحه حتى نرد كيد المعتدين.
هذه - أيها الإخوة - هى جمهوريتكم العربية فى أول أيامها، هذه - أيها الإخوة - هى آثار الوحدة، فلنعتمد على الله، ولنتقدم إلى المستقبل بعزم وحزم وثقة وإيمان.. والله ناصركم.
والسلام عليكم ورحمة الله.
___________________________________________
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى حلب
بتاربخ السادس عشر من مارس العام ١٩٥٨م.