الدكتور على الحفناوي يكتب: الأسطر القاتلة

الدكتور على الحفناوي يكتب: الأسطر القاتلة

 

عدة أسطر كتبها الزعيم محمد فريد تسببت في حبسه ستة أشهر، خرج بعدها مريضا من محبسه فسافر للعلاج ولم يعد حيا...

أسطر كتبها كمقدمة لديوان شعر بعنوان وطنيتي للشيخ على الغاياتى سنة ١٩١٠، قال فيها:

((تأثير الشعر في تربية الأمم

‏الشعر من أفعل المؤثرات في إيقاظ الأمم من سباتها وبث روح الحياة فيها. كما أنه من المشجعات على القتال ويث حب الاقدام والمخاطرة بالنفس في الحروب ولذلك نجد الأشعار الحماسية من قديم الزمان شائعة لدى العرب وغيرهم من الأمم المجيدة كالرومان واليونان وغيرهما

‏وليس من ينكر أن الأنشودة: الفرنسية التي أنشأها الضابط الفرنسي (روجيه دى ليل) وسميت المرسلييز كانت‏ من أقوى أسباب انتصار فرنسا على ملوك أوربا الذين تألبوا لإخماد روح الحرية في مبدأ ظهورها

‏لذلك كتب الكاتبون منا كثيرا في ضرورة وضع القصائد والأغاني الوطنية ليحفظها الصغار ويترنموا بها في أوقات فراغهم ولينشدوها في ساعات لعبهم بدل هذه الأغاني والأناشيد الى يرددها أطفال الأزقة خصوصا في ليالي شهر رمضان المبارك. كما كتبوا في لزوم تغبير الأغاني التي تنشد في الأفراح وكلها دائرة حول نقطة واحدة هي الغرام ووصف المحبوب بأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان.

لقد كان من نتيجة استبداد حكومة الفرد سواء في الغرب أو الشرق إماتة الشعر الحماسي وحمل الشعراء بالعطايا والمنح على وضع قصائد المدح البارد والاطراء الفارغ في الملوك والأمراء والوزراء وابتعادهم عن كل ما يربى النفوس ويغرس فيها حب الحرية والاستقلال. كما كان عن نتائج هذا الاستبداد خلو خطب المساجد من كل فائدة تعود على المستمع حتى أصبحت كلها تدور حول موضوع التزهيد في الدنيا والحض عل الكسل وانتظار الرزق بلا سعى ولا عمل.

تنبهت لذلك الأمم المغلوب على أمرها فجعلت من أول مبادئها وضع القصائد الوطنية والأناشيد الحماسية باللغة الفصحى للطبقة المتعلمة وباللغة العامية لطبقات الزراع والصناع وسواهم من العمال غير المتعلمين فكان ذلك من أ كبر العوامل على بث روح الوطنية بين جميع الطبقات. ويسرني أن هذه النهضة المباركة سرت في بلادنا فترك أغلب الشعراء نظم قصائد المديح للأمراء والحكام وصرفوا هممهم واستعملوا مواهبهم في وضع الأشعار الوطنية وإرسالها في وصف الشؤون السياسية التي تشغل الرأي العام. وقد لاحت «وطنيتي" في طليعة هذه النهضة الميمونة الرشيدة، ومما يزيد سروري أن شعراء الأرياف وضعوا عدة أناشيد وأغان في مسألة دنشواى وما نشأ عنها. وفى المرحوم مصطفى كامل باشا ومجهوداته الوطنية. وفي موضوع قناة السويس ورفض الجمعية العمومية لمشروعها. وأخذوا ينشدونها في سمرهم وأفراحهم على آلاتهم الموسيقية البسيطة. وهي حركة مباركة إن شاء الله تدل على أن مجهودات الوطنيين قد أثمرت ووصل تأثيرها إلى أعماق القلوب في جميع طبقات الأمة وتبشر باقتراب زمن الخلاص من الاحتلال ومن سلطة الفرد بإذن الله.

فعلى حضرات الشعراء أن يقلعوا عن عادة وضع قصائد المديح في أيام معلومة ومواسم معدودة. وأن يستعملوا هذه المواهب الربانية العالية في خدمة الأمة وتربيتها بدل أن يصرفوها في خدمة الأغنياء وتمليق الأمراء والتقرب من الوزراء. فالحكام زائلون والأمة باقية والسلام على من سمع ووعى. ووفق لخدمة بلاده وسعى. فان سعيه سوف يرى. ثم يجزآه الجزاء الأوفى.))

توقيع بخط يد "محمد فريد"‏

هكذا كانت الوطنية في مواجهة الاحتلال ومواجهة القصر.