عمر المختار أسد الصحراء وشيخ المجاهدين

عمر المختار أسد الصحراء وشيخ المجاهدين
عمر المختار أسد الصحراء وشيخ المجاهدين

في تاريخ كل أمة رجال عظماء قادوا النضال والكفاح في سبيل تحرير أوطانهم والوصول بها إلى بر الأمان، واستطاعوا بما لديهم من قدرات خاصة وموهبة في القيادة والشجاعة والإقدام أن يحققوا أهداف وطموحات شعوبهم، فنالوا كل تكريم واحترام وحفظهم التاريخ في ذاكرته.

ولد عمر بن المختار عام ١٨٦٢م، في قرية زاوية جنزور في برقة شرقي ليبيا على الحدود المصرية، توفي والده وهو صغير حيث وافته المنية وهو في طريقه إلى مكة المكرمة لآداء مناسك الحج بصحبة زوجته عائشة بنت محارب، وينتسب الشيخ المجاهد إلى قبيلة "المنفه" إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة، فتولى شيخ زاوية جنزور السنوسية حسين الغرياني رعايته بوصية من والده، فأدخله مدرسة القرآن الكريم بالزاوية وهو في سن التاسعة في زاوية القرية، ثم توجه عمر إلى واحة جغبوب، معقل الدعوة السنوسية، ليدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة العربية على أيدي كبار مشايخ الدعوة، وعلى رأسهم المهدي السنوسي.

كلفه المهدي السنوسي شياخة بلدة زاوية القصور بمنطقة الجبل الأخضر عام ١٨٩٧م، حصل في تلك الفترة على لقب "سيدي"، الذي لم يكن يحظى به إلا شيوخ الحركة السنوسية الكبار.

انتقل عمر المختار إلى تشاد عام ١٩٠٠م، ليعمل على نشر تعاليم الدين الإسلامي ومقاومة المُستعمِر الفرنسي في تلك البلاد. عاش المختار أيضا لسنوات في السودان، التي كان فيها حضور قوي للحركة السنوسية، نائبا عن المهدي السنوسي الذي قال فيه بإعجاب: "لو كان عندنا عشر رجال مثل عمر المختار لاكتفينا بهم". أقام المختار في "قرو" غربي السودان، ثم عينه المهدي شيخا لزاوية "عين كلك". كما شارك في القتال الذي نشب بين السنوسية والفرنسيين في المناطق الجنوبية في السودان. ويذكر أنه أُطلق عليه منذ الرحلة إلى السودان لقب "أسد الصحراء". وتقول الرواية عندما سافر عمر المختار على رأس وفد إلى السودان، يضم كلاًّ من السيد خالد بن موسى، والسيد محمد المسالوسي، وقرجيلة المجبري، وخليفة الدبار الزوي أحد أعضاء زاوية واو بفزان، وفي الكفرة وجد الوفد قافلة من التجار من قبيلتي الزوية والمجابرة، وتجار آخرين من طرابلس وبنغازي تتأهَّب للسفر إلى السودان، فانضم الوفد إلى هؤلاء التجار الذين تعودوا السير في الطرق الصحراوية، ولهم خبرة جيدة بدروبها.

وعندما وصل المسافرون إلى قلب الصحراء بالقرب من السودان؛ قال بعض التجار الذين تعودوا المرور من هذا الطريق: إننا سنمر بعد وقت قصير بطريق وعر لا مسلك لنا غيره، ومن العادة ـ إلا في القليل النادر ـ يوجد فيه أسد ينتظر فريسته من القوافل التي تمر من هناك، وتعودت القوافل أن تترك له بعيراً كما يترك الإنسان قطعة اللحم إلى الكلاب أو القطط، وتمر القوافل بسلام، واقترح المتحدِّث أن يشترك الجميع في ثمن بعير هزيل ويتركونه للأسد عند خروجه، فرفض عمر المختار بشدة قائلاً: (إن الإتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف بدون حق أبطلت؛ فكيف يصح لنا أن نعيد إعطاءها للحيوان؟! إنها علامة الهوان والمذلة، إننا سندفع الأسد بسلاحنا إذا ما اعترض طريقنا).

وقد حاول بعض المسافرين أن يثنيه عن عزمه، فرد عليهم قائلاً: إنني أخجل عندما أعود وأقول: إنني تركت بعيراً إلى حيوان اعترض طريقي، وأنا على استعداد لحماية ما معي، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، إنها عادة سيئة يجب أن نبطلها، وما كادت القافلة تدنو من الممر الضيق حتى خرج الأسد من مكانه الذي اتخذه على إحدى شرفات الممر، فقال أحد التجار ـ وقد خاف من هول المنظر وارتعشت فرائصه من ذلك ـ: أنا مستعد أن أتنازل عن بعير من بعائري ولا تحاولوا مشاكسة الأسد، فانبرى عمر المختار ببندقيته ـ وكانت من النوع اليوناني ـ ورمى الأسد بالرصاصة الأولى فأصابته، ولكن في غير مقتل، واندفع الأسد يتهادى نحو القافلة، فرماه بأخرى فصرعته، وأصر عمر المختار على أن يسلخ جلده ليراه أصحاب القوافل، فكان له ما أراد.

 وفي رواية أخري أنه منح هذا اللقب لما أظهره من بطولة و إقدام في مقاومة المستعمر الايطالى في المعارك الضارية التي دارت في مناطق مختلفة من الصحراء الليبية والتي أُستخدمت فيها الدبابات في الصحراء لأول مرة ،تنقل المختار في أنحاء شرق إفريقيا والصحراء الكبرى، حيث بنى المساجد والزوايا ليعلّم الناس دينهم وينشر الإسلام بينهم.

وبعد وفاة محمّد المهدي السنوسي، في العام ١٩٠٢م، عاد عمر المختار إلى برقة بطلبٍ من القيادة السنوسية، ليُعيَّن مُجدّداً شيخاً لبلدة زاوية القصور في العام ١٩٠٦م، ظل المختار في هذا المنصب ٨ أعوام حتى العام ١٩١١م أحسن إدارتها لدرجة أن السلطنة العثمانية آنذاك، رحّبت بإدارته للمنطقة التي جلب إليها الهدوء والاستقرار.

لم يكن عمر المختار بطلا وهو شيخ كبير كما يعتقد البعض، ولكنه بطل طوال حياته، ففي العام ١٩٠٨م، شارك في المعارك بين السنوسيين والقوات البريطانية على الحدود الليبية المصرية.

وفي سبتمبر العام ١٩١١م، أرسلت ايطاليا إنذاراً إلى الحكومة العثمانية والذي كان يتضمن تهديداً باحتلال طرابلس وبني غازي، وهو الأمر الذي قابلته الحكومة العثمانية بشكل من الضعف والتهاون طالبة الجلوس من أجل إجراء المفاوضات، ما أعطي ايطاليا الدافع لإعلانها بأن ليبيا مستعمرة إيطالية وأرسلت بوارجها الحربية لتستقر على مدن الساحل الليبي، وفي الـتاسع والعشرين من سبتمبر العام ١٩١١م، بدأت السفن الحربية تقصف مدن الساحل الليبي. فسارع عمر المختار بالعودة إلى "زاوية القصور" لتنظيم حركة الجهاد ضد الغزاة الإيطاليين، فشارك في معركة السلاوي أواخر العام ١٩١١م.

تولى المختار، البالغ وقتها من العمر ٥٣ عاما، قيادة "المجلس الأعلى" للعمليات الجهادية، الذي أدار أعظم المعارك في التاريخ الليبي مع المحتلين الإيطاليين،  حتي ألحق المجاهدون بقيادته هزائم قاسية بالغزاة الإيطاليين، فقتلوا مئات الضباط والجنود، حينها بدأت الحكومة الإيطالية التعرف على شخصية عمر المختار حيث بدأ اسمه يتردد في أوساط القيادة الإيطالية كقائد عسكري مسلم محنك يقوم بتكبيد الاستعمار العديد من الخسائر، ولم تنجح جميع المغريات التي قدمتها إليه الحكومة الإيطالية في إثناء عزمه في الجهاد.

 ونظراً لعدم قدرة الحكومة الإيطالية في مقاومة هذا القائد العظيم لجأت إلى الأستانة لتعقد صلحاً مع الحكومة العثمانية، حيث تم توقيع معاهدة لوزان بين الدولتين في  ٢١ أكتوبر عام ١٩١٢م، وقامت الحكومة العثمانية علي إثرها بسحب قواتها في اعتقاد منها بأن هذه الاتفاقية وضعت نهاية للحرب، وعلى الرغم من قيام القوات الإيطالية بسحب قواتها من المدن الليبية إلا أنهم قاموا بالعديد من العمليات الاستفزازية حيث زجت بالعديد من المجاهدين لغياهب السجون والاعتداء على الملكيات المختلفة لهم، الأمر الذي قابله المجاهدين الليبيين بخطف وقتل الجنود الإيطاليين ومحاولة تكبيدهم أكبر قدر ممكن من الخسائر؛ منها معركة درنة في مايو عام ١٩١٣م، التي دامت يومين، وانتهت بمقتل ٧٠ جنديا إيطاليا وإصابة نحو ٤٠٠ آخرين، ومعركة بوشمال عند عين ماره فى أكتوبر عام ١٩١٣م، فضلا عن معارك أم شخنب وشلظيمة والزويتينة في فبرايرعام ١٩١٤م، والتي كان يتنقل خلالها المختار بين جبهات القتال.

وبعد الانقلاب الفاشي في إيطالي في أكتوبر من العام ١٩٢٢م، تغيرت الأوضاع داخل ليبيا، واشتدت الضغوط على ملك ليبيا آنذاك محمد إدريس السنوسي، لتسليم ليبيا إلى المستعمر الايطالي، فاضطر إلى ترك البلاد وذهب للإقامة في مصر، وعهد بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار.

وبعد أن تأكد للمختار النوايا الإيطالية في العدوان، قصد مصر عام ١٩٢٣م، للتشاور مع الملك إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد، وبعد عودته نظم صفوف المجاهدين وتولى قيادتهم، وبعد الغزو الإيطالي على مدينة أجدابيا مقر القيادة الليبية أصبحت كل المواثيق والمعاهدات لاغية، وانسحب المجاهدون من المدينة وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدة نحو الجبل الأخضر، وفي تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار والانضواء تحت قيادة عمر المختار، كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح، وعندما ضاق الإيطاليون ذرعاً من الهزيمة على يد المجاهدين أرادوا أن يمنعوا عنهم طريق الإمداد فسعوا إلى احتلال "الجغبوب" ، ووجهت إليها حملة كبيرة في فبراير ١٩٢٦م، حيث شكل سقوطها أعباء ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار، ولكن الرجل حمل العبء كاملاً بعزم العظماء وتصميم الأبطال.

 

ورغم حصار المجاهدين وانقطاعهم عن مراكز تموينهم، إلا أن الأحداث لم تنل منهم ومن عزمهم، وتوالت الانتصارات الأمر الذي دفع إيطاليا إلى إعادة النظر في خططها وإجراء تغييرات واسعة، فأمر "موسوليني" بتغيير القيادة العسكرية حيث عين "بادوليو" حاكماً عسكرياً على ليبيا في يناير ١٩٢٩م، ويعد هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الطليان والمجاهدين.

 

تظاهر الحاكم الجديد لليبيا في رغبته للسلام لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده، وطلب مفاوضة عمر المختار، واستجاب الشيخ لنداء السلام وعندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تخيره ما بين مغادرة البلاد إلى الحجاز أو مصر أو البقاء في برقة وإنهاء الجهاد والاستسلام مقابل الأموال والإغراءات، وكعادة الأبطال والمجاهدين أبى الشيخ إلا أن يواصل الجهاد حتى النصر أو الشهادة.

وفي لقاء "سيدي رحومة" الذي حضره كل من عمر المختار، وبيترو بادوليو حاكم طرابلس الغرب وبرقة، ونائب حاكم برقة سيشلياني، قدم المختار شروطاً لوقف إطلاق النار، منها إعادة فتح المدارس العربية، وإطلاق سراح الأسرى، والتوقف عن اقتحام القرى والنجوع.

بينما قدَّم الإيطاليون عرضاً، كان بمثابة رشوة، يتضمن راتب تقاعدي مغرٍ للمختار، بينما يسلّم باقي رجاله أنفسهم وسلاحهم لضابط إيطالي تسميه روما.

وكان العرض قُدّم بوساطة الحسن بن الرضا السنوسي، الأمر الذي رفضه المختار وزجر الحسن الرضا قائلاً "لقد غرّوك يا بني بمتاع الدنيا الفاني"، واستمرَّت المفاوضات العسيرة أكثر من مرة، وانتهت كما بدأت. لكن بادوليو، أطلق في مؤتمر صحافي إشاعة أن "عمر المختار ورجاله استسلموا"، الأمر الذي كذَّبَته الوقائع لاحقاً.

 

عندما فشل غراتسياني في استمالة المختار بالتفاوض، لجأ إلى معسكرات الاعتقال الجماعية في الصحراء، وأحاطها بالأسلاك الشائكة، وزجّ فيها بأغلب القبائل الليبية في برقة، في محاولة للضغط على المختار للاستسلام.

لكن المختار لم يرضخ للضغوط، معتبراً أن التخلي عن المقاومة والاستسلام "خيانة بحق الليبيين".

ووصف الصحافي الإيطالي كانيفار وصول عمر المختار إلى المفاوضات "محاطاً بفرسانه، كما يصل المنتصر الذي جاء ليملي شروطه على المهزوم".

 وقد دفعت مواقف المختار الصلبة إيطاليا لتغيير تكتيكاتها بتعيين "جراتسيانى " ذو النزعة الوحشية والدموية ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، حيث أمر بوضع أسلاك شائكة على الحدود الليبية المصرية لمنع وصول المؤن والذخائر، وإنشاء محكمة طارئة، وفتح أبواب السجون في كل مدينة وقرية، ونصب المشانق في كل جهة، وحصار المجاهدين في الجبل الأخضر واحتلال الكفرة.

وفي كتابه "عمر المختار شهيد الإسلام وأسد الصحراء" يقول محمد محمود إسماعيل، إن المختار نشر رسالة إلى الليبيين في ذلك الوقت قال فيها، إنه وافق على تلك الهدنة مقابل عودة الأمير محمد إدريس السنوسي، وانسحاب الإيطاليين من جغبوب، والعفو العام عن كل المعتقلين السياسيين وإطلاق سراحهم.

ولم ينفذ الإيطاليون بنود الهدنة، وقبل نهايتها طالبوا بتمديدها بحجة سفر بادوليو لروما، فمددت لعشرة أيام وعشرين يوما.

وهكذا عندما اكتشف عمر المختار أن الإيطاليين يريدون كسب الوقت صعد من عمليات المقاومة فعين موسوليني الجنرال غراتسيانى محل بادوليو، شدد الإيطاليون ضغوطهم على المختار وسقطت منطقة الكفرة بأيديهم.

وفي ١١ سبتمبر من عام ١٩٣١م وبينما كان الشيخ عمر المختار يقوم بمهام الاستطلاع في منطقة "سلنطة" مع رفاقه، توصلت القوات الإيطالية لمكانه فأرسلت قوات لحصاره، وتعرفوا على شخصيته فنقل على الفور إلى مرسى سوسه، ومن ثم إلى بنغازي حيث أودع السجن الكبير بمنطقة سيدي أخر يبيش.

وبعدها بثلاثة أيام في الرابع عشر من سبتمبر ذات العام، وصل القائد الإيطالي غراتسياني إلى بنغازي، وسارع بعقد “محكمة خاصة" هزلية للشيخ الشهيد انتهت بإصدار منطوق الحكم بالإعدام شنقاً في الخامس عشر من ذات الشهر، وفي صباح اليوم التالي للمحاكمة أي في ١٦ سبتمبر ١٩٣١م، أحضر الشيخ الكبير مكبل الأيدي ثابتاً مرفوع الرأس وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وعندما ترجم له الحكم قال الشيخ "إن الحكم إلا لله … لا لحكمكم المزيف ... إنا لله وإنا أليه لراجعون". وصعدت روحه الطاهرة النقية إلى ربها تشكو أليه عنت الظالمين وجور المستعمرين.

وأمام أكثر من ٢٠ ألفاً من أبناء برقة، الذين ودعوه بالزغاريد وعدد كبير من السجناء السياسيين أخرجوهم لمشاهدة الإعدام.. وجيء بعمر المختار إلى منصة الإعدام وهو يتلو قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَةً)، ونفذ الحكم.

وعن هذا  كتب الجنرال ردولفو غراتسياني في كتابه "برقة الهادئة" (Cirenaica pacificata): يُخيل إلي أنَّ الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال؛ له حضور وهيبة رغم شعوره بمرارة الأَسْر. ها هو واقفٌ أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوتٍ هادئ وواضح.

غراتسياني: لماذا حاربتَ بشدَّة متواصلة الحكومة الفاشية؟

المختار: من أجل ديني ووطني. 

غراتسياني: وإلى أين كنت ستصل باعتقادك؟ 

المختار: لا شيء إلا طردكم.. لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله". 

قال غراتسياني عن نهاية اللقاء مع عمر المختار إنه "عندما وقف ليتهيأ للانصراف، كان جبينه وضاءً كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبي من جلالة الموقف، أنا الذي خاض المعارك والحروب العالمية، والصحراوية، ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان، ولم أستطع أن أنبس بحرفٍ واحد". وقال فيه أيضاً إن "ذنبه الوحيد أنه كان يكرهنا كثيراً".

وكان سبق للجنرال غراتسياني أن أعلن عن جائزة قدرها ٢٠٠ ألف فرنك لقاء جلب المختار حيّاً أو ميتاً. 

كان المختار على قدرٍ عالٍ من الفطنة والذكاء، كما اشتهر بالجدية، والحزم، والاستقامة، والصبر. كان على إلمامٍ واسعٍ بشؤون البيئة التي تحيط به، ويدرك أحوال الوسط الذي يعيش فيه، وعلى معرفة واسعة بالأحداث القبلية وتاريخ وقائعها، ومعرفة الأنساب والارتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض، وبتقاليدها، وعاداتها، ومواقعها، فأتقن وسائل فضّ الخصومات البدوية. 

كان خبيراً بمسالك الصحراء وبالطُرُق من برقة إلى مصر والسودان في الخارج وإلى الجغبوب والكفرة في الداخل. كما كان على معرفة بأنواع النباتات في برقة وخصائصها الطبية. كما كان على دراية بالأمراض التي تُصيب الماشية وبطُرُق علاجها.

 كان وسط الجهاد يختم القرآن مرة كل أسبوع ويحفظه للصبية ويقوم الليل ويصوم يومان بالأسبوع ولا ينام إلا ساعات قليلة، أغلب طعامه حليب الماعز والتمر والخبز. كل ما يملكه في الدنيا مصحف صغير ورثه من أبيه ونضارة غنمها من جنرال إيطالي وحصان اهداه له صديقه يوسف بورحيل، وثوبان يغسل واحدا ويلبس الآخر.

كان مثالا للفداء بالروح والدم، بات المختار أحد المجاهدين الذين لا تنساهم ذاكرة التاريخ، مقاوما ومحاربا شرسا يدافع باستماته عن وطنه فيكيفه فخراً أن مقولته (نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت) كانت عنواناً لحياته رافضا للاستسلام مرحباً بالموت والشهادة، ويكفيه فخراً أن مقولته، (سوف تأتي أجيال من بعدي تقاتلكم، أما أنا فحياتي سوف تكون أطول من حياة شانقي) قد صدقت فبعد سنوات قلائل من موته وفي عام ١٩٤٣م، تحررت ليبيا من إرث الاستعمار وبات المختار في الذكري والذاكرة.

المصادر

موقع BBC

موقع الميادين

موقع مصر وأفريقيا