حتى لا نظلم إيلون ماسك، فهو ليس الرجل الوحيد على الكوكب الذي يسعى لزرع شرائح في الأدمغة البشرية عبر شركة "نيورالينك" لكي تُكسب البشر قدرات فائقة، بل ليس هو الأنجح حتى الآن، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تتم تجربة شريحته الجديدة على البشر خلال عام ٢٠٢٣، بعد سلسلة من التأجيلات، فإن هناك شركة أخرى سبقته وأخذت موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على بداية تجربة شريحتها على أدمغة البشر، وهي شركة Synchron الأسترالية.
فقد نجحت هذه الشركة في زرع أول شريحة لها في مريض
أمريكي خلال عام ٢٠٢٢، وسبق أن زرعت بالفعل هذه الشريحة في ٤ مرضى في أستراليا، والذين تمكنوا من استخدامها في إرسال رسائل عبر تطبيق "واتساب" وكذلك التسوق عبر الإنترنت. وتلك الشريحة التي لا يزيد حجمها عن ١٫٥ بوصة، تسمح أيضاً للمرضى بالتواصل حتى بعد فقد القدرة على الحركة تماماً، من خلال استخدام الأفكار لإرسال رسائل إلكترونية للأجهزة.
وهنا، الفلسفة التي يراها إيلون ماسك قائمة على فكرة تشاؤمية مفادها أن الذكاء الاصطناعي سوف يتسبب في تدمير البشر، فهو لا يخطئ وقادر على التعلم السريع المستمر، وتحصيل جميع أنواع المعارف والعلوم والآداب بصورة تفوق أي طاقة بشرية ممكنة، وقادر أيضاً على مشاركتها مع غيره من نظم الذكاء الاصطناعي الأخرى، مُكوناً عقلاً صناعياً جمعياً، فما يدركه أحدهم، يدركه الجميع.
وهذا العقل سيكون بالطبع أذكى وأسرع من العقول البشرية بملايين المرات، وبمجرد إدراكه هذه الحقيقة سوف يتعامل مع البشر بدونية شديدة، فهم أقل منه ذكاءً ومهارة. ولا سبيل للحفاظ على ما سماه ماسك بـ "الإدراك البشري الخارق" أو Superhuman Cognition، إلا من خلال تطوير القدرات البشرية لكي تُساير قدرات الذكاء الاصطناعي، من خلال زرع شرائح ذكية داخل العقول والأجساد البشرية تُحسّن من أداء عملها ووظيفتها في مواجهة قدرات الذكاء الاصطناعي، وبذلك نضمن عملية استمرار بقاء الجنس البشري في مواجهة الذكاء الاصطناعي.
وإذا تحدثنا عن الوازع الأخلاقي لهذه الشريحة، فهي سوف تعالج أمراضاً عديدة، مثل الخرف، والزهايمر، وأمراض الذاكرة، واضطرابات الجهاز العصبي الحركية، وإصابات النخاع الشوكي، والشلل، وتلف الدماغ، والقلق، والإدمان. وأيضاً ستخفف من الآلام الحادة، وتعالج جزئياً حالة فقدان البصر والسمع. بالطبع ليس هذا ما تقوم به هذه الشريحة حالياً، ولكن ما يُتوقع أن تقوم به في المستقبل.
أضف إلى هذه التوقعات أيضاً، إمكانية إنشاء جيوش من البشر يمكن السيطرة عليها فقط من خلال التفكير، أو السيطرة على عقول عدد كبير من الموظفين الموجودين بأحد المصانع ذات الترقية التكنولوجية الضعيفة ودفعهم للعمل ساعات طويلة في ظروف قاسية من دون اعتراض، أو برمجة أطفال وطلاب في مرحلة الصغر على قيم محددة مثل الطاعة والولاء المطلق، أو حتى الشذوذ والانحراف، أو تقسيمهم لفئات وفقاً لاحتياجات المجتمع المستقبلية.
بل توقع، كذلك، أن تقوم إحدى الحكومات السلطوية بجعل هذه الشريحة إجبارية للمواطنين بدواع وظيفية وطبية وأمنية، لكنها في هذه الحالة تسعى في الحقيقة إلى السيطرة على عقول أفراد المجتمع حتى يصبح مجتمعاً خانعاً مسلوب الإرادة، طائعاً للسلطة، لا يتذمر أبداً ويمكن برمجته بسهولة، ويصبح المواطنون الذين رفضوا أن تتم زراعة هذه الشرائح في أدمغتهم متمردين وخارجين عن القانون ومصدر تهديد لهذا المجتمع ويجب التخلص منهم.