أسماء القليوبي تكتب: العم سام .. علي هامش الأزمة الأوكرانية

أسماء القليوبي تكتب: العم سام .. علي هامش الأزمة الأوكرانية


  نحن الآن أمام واقع جديد، تتغير فيه موازين القوى في العالم ، وتبرز قوي سياسيه وعسكريه جديدة ، وقد يتغير النظام العالمي من الأحادي القطبية الي متعدد القطبية، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي تحول النظام العالمي الحاكم الي أحادي القطبية وأصبحت الولايات المتحده الأمريكية هي المسيطرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، ولكن بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم عام 2008 ظهرت قوي أخري منافسة لها عالميا، فبرزت روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي عسكريا وسياسيا، وتنامي اقتصاد الصين خصوصا بعد البدء في تنفيذ طريق الحرير، والذي أظهر نية الصين في توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي، فبدأت أمريكا في التحرك إلي الحد الذي يضمن لها البقاء على قمة الهرم العالمي.


    ففي عام 2013 بدأت احتجاجات في أوكرانيا للمطالبة بدخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ، وازدادت الاحتجاجات وتم طرد الرئيس يانوكوفيتش المنتخب الموالي لروسيا ، بعد أن رفض توقيع شراكة سياسية اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي مختارًا بدلًا عن ذلك روابط أوثق مع روسيا  ، وتم انتخاب آخر معروف بتوجهاته الأمريكية ـ كما اتضح بعد ذلك ـ ولكن هذه التغيير لم يلق استحسان العديد من مناطق جنوب وشرق البلاد خصوصا بعد اعلان اللغة الاوكرانية لغه رسميه وحيده للبلاد ، وقد رأت تلك الأقاليم أن تلك الخطوة دليل علي أن المحتجين يحملون أجندة معاديه لروسيا  ، من هنا تأكد لدي الروس أن الأمريكيين كان لهم اليد الخفية في إسقاط الحكومة الأوكرانية الموالية لهم ، فقامت روسيا بضم جزيرة القرم في 2014، لأهميتها الاقتصاديه والاستراتيجيه لروسيا ، حيث تطل على البحر الأسود ومن خلاله يمكن ان تصل روسيا بالبحر المتوسط  ، فتعتبر بوابتها إلى  العالم بعد تجمد كل حدود روسيا المائية ، و انضمام أوكرانيا لحلف الناتو يعد بمثابة خنق روسيا ، وهو ما لم تسمح به.


     فقام الناتو بنشر قوات حتي تكون حاجز ردع في حالة وقوع أي هجوم روسي  ، في محاولة لضم أوكرانيا إلى حلف الناتو ، ويعد ذلك بمثابة استفزاز لروسيا لدخولها الحرب مع أوكرانيا ويصبح لأمريكا  الشرعية الدولية بفرض العقوبات على روسيا ويتم استنزافها اقتصاديا وعسكريا ولهذا السبب كانت تنشر المعلومات التي تفيد بغزو روسيا لأوكرانيا.


    وما أن أعلنت روسيا باستقلال دونيتسك ولوغانسك و بدأت بالتدخل في أوكرانيا ، قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على روسيا ـ وكأنها كانت معدة من قبل ـ واستبعادها من نظام سويفت العالمي، وتجميد الأموال الروسية لديها، ما أدى إلى تراجع قيمة الروبل الروسي، وارتفاع أسعار النفط، وتعزيز قوة الدولار، والإسراع في نقل رؤوس الأموال الأوروبية إلى الولايات المتحدة، ما يعيد مكانة الولايات المتحدة مرة أخرى، ويرفع معدلات صادراتها من الأسلحة .


    ويبدو أن المخطط الأمريكي لم يكن بجديد علي العالم وأيقنت روسيا قبل دخولها أوكرانيا هدف أمريكا ، ولكن روسيا أدركت أن لا محاله من الحفاظ علي الأمن القومي ، لذلك  تم الاعلان عن الحلف الروسي الصيني ولكن حاولت أمريكا محاصرة الصين عن طريق الأحلاف فأعلنت أمريكا التزامها بالدفاع عن تايوان إذا تعرضت للهجوم الصيني .


    ويتساءل البعض .. كيف لروسيا لم تكن قلقة من العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها ؟  لكن يبدو أن روسيا كانت على يقين بأن الحرب قادمة لا محاله ، لذلك قامت باستبدال الذهب بالدولار في البيع والشراء ، فزاد رصيدها من الذهب من 2 مليار دولار في عام 1995 إلى 130 مليار دولار في 2022.


    ولم يقتصر هدف أمريكا في هذه الحرب على اضعاف الروس فقط ، ولكن كان أيضا لتأديب دول الاتحاد الأوروبي التي بدأت تتمرد على الاتحاد وتعزف عن أمريكا ، فمن المعروف أن أوروبا تعتمد بنسبة كبيرة على الغاز الروسي بنسبة تصل إلى أكثر من 40% ، وتعتبر ألمانيا هي الدولة الأقوى اقتصاديا في أوروبا وبالتالي يقع عليها الضرر الأكبر ، حيث تم وضع مشروعين لتوريد الغاز من روسيا الى ألمانيا نورد ستريم واحد ـ نورد ستريم اثنان"  وهو ما يعود على كلا الطرفين بأرباح هائله ولكن لم يكتمل المشروع الثاني للرفض الامريكي له لأنه ينعش الخزينة الروسية وبالتالي تصبح الدول الأوروبيه تحت تهديد مما يدفعهم بالهرولة تجاه أمريكا لتجد لهم مخرج من الأزمة و تصبح أمريكا هي المستفيد الأول.


    ولم تكن الدول العربية ودول الخليج بعيدة عن دائرة الصراع،  فلهم مصالح مشتركة مع أمريكا وروسيا والصين، ومن المرجح أن تطالبهم أمريكا باتخاذ موقف معادي تجاه روسيا والصين، فإذا رفضت تكون معادية لأمريكا ودول حلف الناتو وتخسر علاقاتها معهم، وإذا قبلت تكون معادية لروسيا وتفقد الاتفاقيات والتعاون بينها وبين روسيا والصين ،وعلى الرغم من أن  الدول العربية حاولت في السنوات الأخيرة التنويع بين الدول الغربية والحفاظ على الحياد، إلا في هذه الأزمه  تقف الدول العربية موقف الحائر المشتت ، فالانحياز لأي من الطرفين بمثابة عداء الطرف الأخر وتهديد للمصالح، وفي كلا الاختيارين تكون أمريكا رابحة.


    وتسببت هذه الأزمة التي افتعلتها امريكا الى ارتفاع اسعار الغاز والقمح والكثير من السلع الغذائية التي تؤثر بالسلب على الكثير من الدول ومحاولة انهاكها و إغراقها في الديون بحيث تظل تابعة لها.


    ومن هنا يتضح أن الأزمة لم تكن بين روسيا وأوكرانيا كما زعم ولكن الأزمة بين أمريكا وروسيا والضحية فيها هي أوكرانيا، والا لماذا لم تتخذ نفس الإجراءات تجاه الصين لوقفها عن ضم تايوان ؟
    كعادة أمريكا تدعو إلى الحرب ولكنها تقف موقف المتفرج من المقاعد الخلفيه، وتكون هي الرابح الأكبر أمام اضعاف كل القوي، ولكن هذه المرة يبدو أن أمريكا تغرس أخر مسمار في نعشها.