خلق الأرض في الأساطير الفلسطينية

خلق الأرض في الأساطير الفلسطينية

كتب الباحث / وليد محمود

المقالة الخامسة ضمن سلسلة مقالات حكاية أرض

في الأساطير الفلسطينية، يعد خلق الأرض موضوعًا مركزيًا يتشابك بعمق مع المعتقدات الثقافية والروحية للشعب الفلسطيني. إن القصص والأساطير المحيطة بخلق الأرض لا توفر نظرة ثاقبة لأصول العالم فحسب، بل تعكس أيضًا قيم الثقافة الفلسطينية وتقاليدها ونظرتها للعالم.

وفقا للأساطير الفلسطينية، غالبا ما يعزى خلق الأرض إلى إرادة الله الإلهية. يُنظر إلى الأرض على أنها كيان مقدس، مرتبط بشكل معقد بالعالم الروحي ومشبع بالطاقة الإلهية. تختلف قصص الخلق عبر مناطق ومجتمعات مختلفة داخل فلسطين، لكنها جميعًا تشترك في خيط مشترك وهو التأكيد على أهمية الأرض كأساس للحياة.

إحدى أساطير الخلق السائدة في الفولكلور الفلسطيني هي قصة "الرجل والمرأة الأولان". ووفقاً لهذه الأسطورة، خلق الله الإنسان الأول، آدم، من تراب الأرض. ثم نفخ الله في آدم الحياة فجعله كائنا حيا. خلق الله من ضلع آدم المرأة الأولى، حواء، التي ترمز إلى الترابط بين البشرية والأرض. تسلط قصة الخلق هذه الضوء على الاعتقاد بأن البشر مرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالأرض، وأن وجودهم يعتمد على القوت والموارد التي توفرها الأرض.

أسطورة الخلق الأخرى في الفولكلور الفلسطيني هي قصة "السماوات السبع والأرضين". وفقًا لهذه الأسطورة، خلق الله سبع سماوات وسبع أرضين، لكل منها خصائصها وسكانها الفريدين. تم تصوير الأرض على أنها مكان التوازن والانسجام، حيث يتعايش الإنسان مع الكائنات الأخرى ويعيش في وئام مع الطبيعة. تؤكد قصة الخلق هذه على الترابط بين جميع الكائنات الحية وأهمية الحفاظ على علاقة متناغمة مع الأرض.

بالإضافة إلى أساطير الخلق هذه، يتضمن الفولكلور الفلسطيني أيضًا قصصًا عن تكوين الأرض من خلال الظواهر الطبيعية. على سبيل المثال، هناك حكايات عن الجبال التي تشكلها العمالقة أو الزلازل التي تشكل المناظر الطبيعية. تعكس هذه القصص الاعتقاد بأن الأرض كيان ديناميكي ومتغير باستمرار، تشكله قوى طبيعية خارجة عن سيطرة الإنسان.

إن خلق الأرض في الأساطير الفلسطينية لا يُنظر إليه على أنه عمل مادي فحسب، بل هو أيضًا عمل روحي ورمزي. غالبًا ما يتم تصوير الأرض على أنها قوة راعية وواهبة للحياة، وتوفر القوت والخصوبة والوفرة. ويُعتقد أن الأرض مشبعة بالطاقة الإلهية، ويُنظر إلى عناصرها، مثل التربة والماء والنباتات، على أنها مظاهر مقدسة لهذه الطاقة.

تم التأكيد على العلاقة بين الأرض والإنسانية بشكل أكبر في الأساطير الفلسطينية من خلال مفهوم الوكالة. يُنظر إلى البشر على أنهم رعاة الأرض، المناط بهم مسؤولية الحفاظ على مواردها والحفاظ على توازنها. وينعكس هذا الاعتقاد في الممارسات الزراعية التقليدية، حيث طور الفلسطينيون تقنيات زراعية مستدامة تحترم الدورات الطبيعية للأرض وتعزز الانسجام البيئي.

إن خلق الأرض في الأساطير الفلسطينية هو أيضًا بمثابة تذكير بالترابط بين جميع الكائنات الحية. ويسلط الضوء على أهمية الوحدة والتعاون واحترام الأرض وسكانها. وهذا الاعتقاد متأصل بعمق في الثقافة الفلسطينية وينعكس في جوانب مختلفة من الحياة اليومية، بما في ذلك الممارسات المجتمعية والتفاعلات الاجتماعية والوعي البيئي.

وبشكل عام، فإن خلق الأرض في الأساطير الفلسطينية هو مفهوم غني ومتعدد الأوجه يعكس الارتباط الروحي العميق بين الشعب الفلسطيني والأرض التي يسكنها. إنه بمثابة تذكير بقدسية الأرض ومسؤولية الإنسانية في حمايتها والحفاظ عليها. من خلال استكشاف أساطير الخلق هذه، نكتسب فهمًا أعمق للأهمية الثقافية والروحية لعنصر الأرض في الفولكلور الفلسطيني.

 (الصورة للفنان الفلسطيني: فتحي غبن)