الحرب على غزة ومستقبل الصراع العربي الإسرائيلي
كتبت/ منة الله عبد المجيد
باحثة متخصصة في الشئون السياسية
- مقدمة
تعد الحرب على غزة أحد أهم الحروب الدائرة في الوقت الحالي ولكن مع مرور الوقت الأمر يزداد سوءاً بالتحديد منذ السابع من أكتوبر 2023 ، وذلك منذ هجوم حماس علي قواعد إسرائيلية في جنوب إسرائيل ، ولقد جاء الرد الإسرائيلي على الهجمات أكثر عدوانية وفداحة في الخسائر البشرية والمادية وقد أسفر ذلك الي مقتل الالاف من الاطفال والأبرياء وحدث دمار جسيم في قطاع غزة ككل، وكان لذلك تبعيات على كثير من المدن والعواصم العربية والغربية أيضاً، حيث قامت العديد من المظاهرات الغير مسبوقة منذ سنوات عدة حيث كان هناك الكثير من مشاعر الاستنكار تجاه عمليات القتل الجماعي للمدنيين في قطاع غزة فأصبح سكان غزة يعيشون تحت الحصار في سجن مفتوح ، وفى ظل التفاوت الكبير في موازيين القوى العسكرية بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي ، أصبح هناك خسائر مأساوية فادحة لدى سكان غزة مع غياب أفق سياسي لحل تلك النزاع الدائر.
المحور الأول: بداية الصراع العربي الإسرائيلي
يُعد الصراع العربي الإسرائيلي أحد الصراعات الممتدة التي كان لها جذور تاريخية فيعد هذا الصراع أحد الصراعات التي لها العديد من الأطر فالصراع القومي والصراع الايديولوجي فهو صراع متعدد الأشكال وذلك منذ بداية هدف مشروع الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر إلى تأسيس إسرائيل وذلك الصراع حمل في طياته أسماء عدة منها : أزمة الشرق الأوسط ، الصراع العربي الإسرائيلي ، القضية الفلسطينية .
لقد مر الصراع العربي الإسرائيلي بعدة 5 مراحل في تطوره :
المرحلة الأولى : تدشين المشروع الصهيوني في فلسطين (1898-1948(
المرحلة الثانية : الصراع العسكري و وجود جبهة عربية موحدة (1948-1967)
المرحلة الثالثة : نكسة 1967
المرحلة الرابعة : منذ بداية حرب أكتوبر 1973 إلى تفكك الجبهة العربية 1996
المرحلة الخامسة : انتقال العلاقات من السلام إلى التطبيع مع وجود مقاومة داخلية (1996-2023 )
- الصراع العربي الإسرائيلي بين الماضي والحاضر: يعد هذا الصراع من الصراعات المتعددة الجوانب سواء سياسة أو اقتصادية أو عسكرية أو دينية ، ومن وجهه النظر الإسرائيلية كان لديهم العديد من التفسيرات الدينية المغلوطة وحاز ذلك الصراع باهتمام عالمي وذلك نظراً للأهمية الاقتصادية لمنطقة الشرق الاوسط ومن ثم نشبت عدة حروب بين العرب وإسرائيل وكانت السمة المميزة لتلك الصراعات هي التوتر الدائم حتى في اوقات حدوث مفاوضات كمفاوضات كامب ديفيد مروراً بمؤتمر مدريد للسلام 1991 واتفاق أوسلو 1993إلى وقتنا الحالي ، ولكن مع كل تلك الجهود لم يتم تسوية الصراع وظل الحال كما هو عليه وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات وبعدما فقدت الدول العربية الطرف المساند لها وانفراد الولايات المتحدة كقوى عظمى وكونها الحليف الاول لإسرائيل حال دون تسوية الصراع .
المحور الثاني أليات وقف الحرب على غزة
لكى تنتهى تلك الحرب الدائرة ليس هناك سوى ثلاث احتمالات، إما بانتصار طرف على الطرف الأخر ، إما قبول الطرفين بوقف الحرب ولكن دون إنهاء الصراع أي الاستعداد لجولة أخرى للحرب ، إما قبول الطرفين وقف الحرب والدخول في مفاوضات .
فيما يلى سوف نوضح السيناريوهات المحتملة لإنهاء الحرب على غزة :
- انتصار أحد الطرفين : يتم تحديد مدى الانتصار أو الهزيمة في الحرب بحجم الأهداف التي تم تحقيقها من وراء الحرب اي حجم المكاسب والخسائر التي حققها الطرف المنتصر ، فيما يتعلق بالحرب بين إسرائيل وحركة حماس فالمعني الوحيد للانتصار بالنسبة لإسرائيل هو القضاء على حركة حماس وإن لم تحقق هذا الهدف سوف تصبح الطرف الخاسر في الحرب .
- وقف إطلاق النار دون شروط : مع وجود عدد لا حصر له من الضحايا في قطاع غزة قد تصل الولايات المتحدة إلى قرار إنهاء الحرب مثلما انتهت الحروب السابقة وذلك يتم بصدور قرار بوقف إطلاق النار سيكون على إسرائيل الانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها في قطاع غزة
_ وقف القتال مع بدء التفاوض : ذلك السيناريو تفضله القوى الدولية ، ولكن يواجه ذلك الحل صعوبة لكى يتم تحقيقه لأبد من موافقة الطرفين ، ولكى يتم تحقيقه يجب اولاً رحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من السلطة .
المحور الثالث : مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي
عندما نتحدث عن مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي علينا أن نقر بمدى صعوبة هذا الامر حيث أن هذا الصراع يمتاز بالتغير والحركة وعدم الثبات ، فإذا تحدثنا عن هذا الصراع يجب ان نأخذ بعين الاعتبار عدة جوانب مرتبطة به وهى : الجانب الفلسطيني والتمسك بحقه في مقاومة الاحتلال ، الجانب العربي والنظر في العلاقات العربية الخارجية وإصلاح الوضع العربي الداخلي أيضاً ، الجانب الإسرائيلي ومدى تقدمه العسكري المدعوم من الغرب وكذلك مستقبل الأراضي العربية المحتلة .
- لكى يتم حل الصراع العربي الإسرائيلي هناك ثلاث تصورات أو مشاهد ممكنة الحدوث تتمثل في :
- عودة الحرب الشاملة إما الاستمرارية والبقاء على الوضع الراهن إما التغيير وسوف نتناول كل مشهد من المشاهد الثلاث بشيء من التفصيل
اولاً : عودة الحرب الشاملة
- ينطلق هذا المشهد من كون إسرائيل لن تجرى مصالحة تاريخية مع محيطها الاقليمي وخاصة مع فلسطين وأنها مستمرة في عدوانها على اراضي فلسطين .
يصبح ذلك التصور محتمل الحدوث في حالتين وهم : فشل مصر في إقناع إسرائيل بوقف العدوان على فلسطين عندئذ تكوم مصر مضطرة لإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل وقد يصل الأمر إلى وقوع الحرب من جديد ، إما الوصول على اتفاق لعمل عربي مشترك بشأن إدارة الصراع وصياغة سياسات مستقبلية لوقف الصراع على سبيل المثال لا الحصر وقف تصدير البترول للدول المساندة لإسرائيل كما حدث في 1973
ولكن هذا التصور من الصعب تحقيقه وذلك لعدة أسباب منها : عدم وجود اي مؤشر لتراجع الولايات المتحدة ودورها كحليف لإسرائيل وذلك بدليل استمرار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل حتى وقتنا الحالي وكذلك عدم وجود تحالف عربي مشترك ، وعدم وجود تصور حول كيفية التعامل مع إسرائيل مع اختلاف وجهات النظر تجاه القضية الفلسطينية وكذلك عدم وجود مؤشر حول وجود تصعيد للموقف تجاه إسرائيل من الجانب المصري حيث أنها تعمل دوماً على تهدئة الاوضاع بين فلسطين وإسرائيل مع الاخذ في الاعتبار معاهدة السلام بين مصر واسرائيل بجانب الضغوط الامريكية حيث أنها لا تريد أن تفقد المزايا التي تحصل عليها من قبل الولايات المتحدة .
ثانياً: الاستمرارية والبقاء على الوضع الراهن :
وذلك المشهد يعنى بقاء الوضع كما هو عليه واستمرار الصراع مع عدم وجود جدية من قبل إسرائيل في اي مبادرات للسلام وخاصة مع وصول الاحزاب اليمينية المتطرفة للسلطة كما هو الحال في حكومة نتنياهو الحالية .
لكى يتم تطبيق هذا التصور لابد من عدم الوصول لتسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سواء بالمقاومة أو بالتفاوض وكذلك البقاء على ثغرة التفوق التكنولوجي لصالح إسرائيل مع امتلاكها جميع وسائل الحرب المتطورة وذلك استناداً منها على التجربة الامريكية بجانب امتلاكها للسلاح النووي .
ثالثاً التغيير :
مما لا شك فيه أن إسرائيل مدركة جيداً أن القضية الفلسطينية لن تنتهى بالنسبة للعرب فهي تعد قضيتهم المركزية .من الجدير بالذكر أنه لن يتم تحقيق هذا المشهد إلا في حالة قيام الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات لصالح فلسطين وفي مقابل ذلك تعمل الولايات المتحدة على تهيئة وضع إقليمي امن لإسرائيل وذلك مع ثبات موقف الولايات المتحدة في الدفاع عن إسرائيل بعد اقامة السلام .
خاتمة
- لكى تنتهى تلك الصراعات الدائرة لابد من النظر بصورة أكثر واقعية للواضع الراهن الذى يزداد سوء يوماً تلو الأخر، وليس هناك جديد يذكر سوى التدمير والخراب فإذا نظرنا نظرة أكثر واقعية لتلك المشاهد الثلاثة سنجد أن المشهد الثاني وهو "الاستمرارية " هو الاقرب للذهن وهو استمرار إسرائيل بالدفاع عن وضعها الامني ومعتقداتها ، وكذلك مشهد "التغيير" بإنهاء الحرب وإقامة السلام لأنه باستمرار إسرائيل في تلك الحرب ستفقد تدريجياً الهوية اليهودية التي تسعى للحفاظ عليها وذلك يتوقف على دور المجتمع الدولي من خلال دوره بالإلزام إسرائيل بتسوية الصراع والاقرار بالحقوق الفلسطينية كاملة .