"أرض الميعاد".. ولـمـاذا فـلـسـطـيـن؟

الجزء الأول {أرض الميعاد}
بقلم/ أحمد الجويلي
الجميع يريد الزحف نحو حقيقية رمادية يملؤها غبار السنين، ووصولا إلى يقين ولو كان زائف المهم هو ان يكون مريح للذهن ويُفرغ المحتوى من المضمون، ويُخرج الإنسان العربي من دائرة المسؤولية، وقبل أي شيء ولكي نصل الى يقين راسخ، منطقي لا يشوبه عاطفة او رأي مبني على تراكمات السنين، علينا أن نسأل سؤالين من أهم ما يكون، من هي إسرائيل ولماذا فلسطين!!
هل تكون إسرائيل الدولة التي اعترف بها البعض منذ وقت ليس ببعيد أم هي إسرائيل التي لا تلقى أي حب من جانب الشعوب العربية، أم هي إسرائيل التي تدافع عن وجودها وبسط نفوذها بحس ما يتم الترويج لها من قبل أيدي كوهين وغيره من الصحفيين المقربين من الموساد، والذي ومع الاسف ينالون قدر وافر من المصداقية لدى الشعوب العربية.
اولا علينا ان نفرق بين اليهود واليهودية والصهيونية وإسرائيل فكل عنصر فيهم لديه خصوصية منفردة قائمة بذاتها، اليهود هو المادة الخام العنصر الذي قام على أساس عرقي بحت، وهو بحسب المؤرخين عنصر متكرر بلا وطن أو معادلة تؤويه، واليهودية هي يهودية موسى عليه السلام والتي اضطروا إلى تعديلها بشكل يناسب المرحلة الجديدة عبر تفاسير مختلفة تماما عما جاء في الألواح في تفسير عميق ومفصل أعده كبار الحاخامات اليهود تاريخيا وسمي بالتلمود وكأن الألواح لم تكن كافية لسد الفجوة العرقية لديهم، لذلك قاموا بإعداد التلمود وقالوا إن السيد المسيح لم يُبعث بعد، بل ينتظرونه ويسمى ※مشيح※، وهناك حركات دينية يهودية تقوم على هذا الفكر مثل الحاسديم وغيرها، ومن ثم أضافوا للشرائع التلمودية حكايات شعبية وبعض الوصفات الطبية التقليدية البدائية، محاولة منهم لخلق ما يسمى بهوية وذاكرة قومية موحدة تجمع الشتات.
وهنا نحن لدينا المادة الخام، العنصر وتفاعلاته والبيئة الحاضنة ينتظر الفكر او المحرك حتى ظهر الفكر الصهيوني، وهو موجود من قبل هرتزل ولكنه لم ينجح في جمع كافة العناصر بالكامل، هي أخطرها بكل تأكيد، فهي من تتحكم في كل هؤلاء العناصر، ومنذ بداية وجودها بشكل علني في ٢٩ أغسطس ١٨٩٧ بمدينة بازل في سويسرا، نجح هرتزل في جمع كافة الخيوط وتعقيداتها المتشابكة، وخلق منها مادة فعالة وخطوات عمل ثابتة ..
الصهيونية هي حركة سياسية محض تقوم على فكر استعماري بحت وأصبحت اتجاه قومي معترف به، لأنه مستوحى من الفكر الغربي الاستيطاني، الذي يقوم على التوسعية والاحتلال، وتم من خلالها إحياء فكرة الوطن القومي الذي يجمع شتات اليهود، من خلال هذا التوجه، ولم يكن فيها أي صبغة دينية على الإطلاق حتى الآن، تم طرح أفكار جغرافية مناسبة جدا لكي تجمع شتات اليهود منها البرازيل والأرجنتين،لضعف القوى الاقتصادية وسيطرة رأس المال اليهودي فيها منذ عقود حينها في تلك المناطق، ولكن الدعم الغربي كان رافضاً تماما لتلك المناطق الجغرافية الغير مفيدة بالشكل الكافي للتوجه نحو نظريتهم الاستعمارية، هل يكون مكسب الامبريالية الغربية فقط أن يحققوا غاية كبار المرابين اليهود، بالتخلص من أعباء من يشعر أن لهم حق فيما يملكون وأعني نظرية فقراء اليهود في العالم!!
بالطبع العكس هو الصحيح لذلك تم رفض تلك الأماكن واختيار فلسطين لم يكن عشوائياً ابداً بل لعدة اعتبارات، اولا هي تعتبر أرض بلا صاحب واليهود شعب بلا وطن…
وهنا تكون مقدمة منطقية نظرية للاستعمار، لتوطين اليهود خارج أوروبا، والاعتبار الآخر أن الوطن العربي قد بدأت تدب فيه رياح التغيير، وحيث انه يملك من الثروات ما يراه الغرب أن العرب لا يستحقونه وأنهم غير مؤهلين لإدارة تلك الثروة، كعادة الغرب المثيرة للسخرية، هو يرى نفسه أنه فوق الجميع ويعي ويفهم أكثر من جميع الأمم والحضارات، ويدخل في صدام الحضارات بقوة رغم ان ما يملك من الحضارة لا يؤهله للفوز بالمعركة!
من تلك النقطة انطلقت الأمور بسهولة لفصل قطبي الوطن العربي بذراع استعماري يظفر بكل الدعم، فلا نتصور ابدا مجرد التصور أن الغرب سيدعم الموقف العربي يوما ما، لأن دعمه لإسرائيل مستمد من دعمه لنظريته الاستعمارية التي ابتدعها حتى يفوز في صراع الحضارات الذي أنهك الجميع وهم أولهم، وليس من أجل ذاك السبب وحده، بل لأن تلك المادة الخام تم تقسيمها لعناصر أولا اليهود الأغنياء أو المرابين الكبار كما ذكرنا وثانيا اليهود الفقراء والمستضعفين وثالثاً اليهود العاديين الذي ليس لديهم أي نوع من انواع القهر او ما يدفعهم للهجرة اوطانهم، المرابين تم عقد الصفقة معهم، فقد كان جهادهم بالتمويل للسيطرة على المتبقي من العناصر، والمستضعف والفقير حلم الهجرة وأن يصبح غنيا بما يكفي، وآمناً يكفيه لخوض المغامرة، أما العنصر الثالث الآمن في وطنه يشعر بالقومية في مكانه لديه قوت يومه ما الذي يدفعه للهجرة؟
لا يوجد إلا الدين.. أرض الميعاد وحلم العودة ودخول الجنة لمجرد أنه قد تم دفنه في أرض الرب، والتي وعدها الرب إياهم، ولذلك تم صبغ الصهيونية بالصبغة الدينية…
وللعلم هناك حركات كثيرة قامت ضد الصهيونية في بدايتها لأن الصهيونية في الأساس تحمل حلم العودة والشريعة اليهودية في تفسيراتها التلمودية تنص على أن الأرض قد وعدها الرب للشعب اليهودي نعم، ولكن العودة إليها محرم في هذا الزمان ولا عودة إلا مع المخلص الذي يأخذهم لإقامة الملك الداوودي، وحكم الأغيار.. الفكرة واحدة ولكن التوقيت مختلف لذلك كان لابد من ان تقوم الحاخامات الكبيرة بالإفتاء بل والتحريف في التفاسير القديمة بقولها أنه يجوز للشعب اليهودي، الذهاب والانتظار وتمهيد الأرض هي مهمة مقدسة واجبة لعودة المنتظر وهذه المهمة قد تبنتها جماعة الحاسديم الدينية التي تحرك وتعطي البركة للعديد من الأحزاب حاليا كمثل حزب الليكود وغيره، ومن هم الأغيار .. هم العرب وكل من لا يؤمن بوجود الدولة اليهودية ومهمتها المقدسة في التمهيد لقدوم المنتظر حتى وان كانوا يدينون باليهودية!
لذا امتدت فكرة الحدود لأرض الميعاد من فكرة النيل للفرات إلى أن تكون حدود إسرائيل حيث تطأ قدم أي صهيوني فيها…
لذلك قد تعتقل إسرائيل العديد من الحركات اليهودية المناهضة لتلك النظرية وإن كانوا يتفقون في الجوهر ويختلفون في الطريقة والمعاد، وحيث ان الهدف هو حكم العرب بالحديد والنار والمنطلق هو حقدهم علينا، وتصورنا بأننا نملك مالا نستحق من الثروات التي وعدها الرب إياهم…
ومن هنا ندرك أن الهدف ليس فلسطين وحدها ولكنها خطوة تؤهلهم للنيل من المتبقي من الجميع، بلا استثناء فمن يظن انه يستطيع ان يتلاعب عن طريق السلام بتنظيم تحكمه عقيدة وفكر أنشأه ألمع العقول الاستيطانية هو مسكين ساذج ينتهي وقت ان تنتهي مهمة السلام، ومع الانتهاء انتهي مع أولى خطوات الرحلة التي قد تستمر وقد لا تستمر إما بالوعي أو ب انتهاء الآجال!
يتبع......