متحف القوات الجوية المصرية.. بانوراما مجد نسور السماء

متحف القوات الجوية المصرية.. بانوراما مجد نسور السماء

في قلب قاعدة ألماظة الجوية، شرق القاهرة، ينتصب شامخًا واحد من أجمل وأحدث المتاحف العسكرية المصرية: متحف القوات الجوية المصرية، الذي افتُتح في 31 مايو 2016 خلال الولاية الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسي. هذا الصرح ليس مجرد متحف، بل هو نافذة مفتوحة على تاريخ مجيد وحكايات بطولية سطرها نسور الجو المصريون بأرواحهم في سماء الوطن.

منذ لحظة دخول الزائر إلى البهو الرئيسي، يطالع "قاعة الشهداء" التي تخلّد أسماء وصور الأبطال الذين ضحوا بحياتهم دفاعًا عن تراب مصر. أما "قاعة النشأة التاريخية" فتأخذنا في رحلة إلى الوراء، حين طالب البرلمان المصري عام 1928 بإنشاء قوة جوية وطنية، فبدأت مغامرة الطيران المصري بثلاثة ضباط فقط: فؤاد حجاج، عبد المنعم الميقاتي، وأحمد عبد الرازق، والذين تلقوا تدريبهم في بريطانيا ليحلقوا بعد سنوات بطائراتهم فوق القاهرة، معلنين ميلاد سلاح الجو المصري.

في هذه القاعة، يتجول الزائر بين محطات تأسيس وتطور القوات الجوية، من بداياتها كجزء من الجيش، إلى لحظة إعلان استقلالها عام 1937 باسم "القوات الجوية الملكية المصرية" بأمر من الملك فاروق، بعد أن تطور سلاح الطيران المصري بفضل صفقات متعددة مع شركات بريطانية.

وتستعرض المعروضات الدور الذي لعبته القوات الجوية في حرب فلسطين 1948، مرورًا بتورطها في حادثة شهيرة عندما هاجمت بالخطأ قاعدة بريطانية في "رامات ديفيد" ظنًا أنها تحت السيطرة الإسرائيلية. وتكشف الوثائق والمجسمات عن حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين حصلت مصر على طائرات متطورة، وكان أول طيار مصري يحلق بطائرة نفاثة هو في تلك الفترة.

وبعد ثورة يوليو 1952، تغيّر اسم السلاح إلى "القوات الجوية المصرية"، لتدخل عصرًا جديدًا من التحديث والاعتماد على السلاح الشرقي، خاصة الطائرات السوفيتية مثل الميج-15 والياك-11، والتي لعبت دورًا مهمًا في معارك مصر المصيرية لاحقًا.
ويتناول المتحف تفاصيل دقيقة عن سنوات الانكسار والنهوض، لا سيما ما جرى في نكسة يونيو 1967، حيث دُمرت معظم الطائرات على الأرض، ولم تشارك القوات الجوية فعليًا في القتال. إلا أن الطيار محمد عباس حلمي سطر صفحة نادرة من البطولة حين قاد طائرته التدريبية منفردًا ليصطدم بها بقاعدة إسرائيلية، في محاولة لتوجيه رسالة صمود وسط الرماد.

ثم تأتي حرب الاستنزاف كصفحة مضيئة أعادت بناء الروح العسكرية، بقيادة الفريق طيار مدكور أبو العز، الذي أعاد تجميع 250 طائرة وتأهيلها، لتهيئة السلاح الجوي المصري لمعركة الكرامة المنتظرة.

وكانت الضربة الجوية في السادس من أكتوبر 1973 بداية الطريق نحو النصر، حين فتحت الطائرات المصرية المجال لعبور ناجح لقناة السويس، لتعود سيناء إلى حضن الوطن بعد غياب دام ست سنوات.
في متحف القوات الجوية المصرية، لا تشاهد مجرد طائرات ومجسمات، بل تقف وجهاً لوجه مع تاريخ وطن كُتب في السماء، بصوت الطيارين، ودم الشهداء، وحلم أمة أرادت أن تملك سماءها كما امتلكت أرضها.

واليوم، لا يقتصر دور المتحف على حفظ التاريخ، بل يمتد ليكون منبرًا للتثقيف الوطني ومقصدًا تعليميًا للأجيال الجديدة. ففي قاعاته وساحاته، يتعرف الزوار – من طلاب ومدنيين وعسكريين وسياح – على عبقرية التخطيط العسكري، وبطولات لا تُروى في الكتب فقط، بل تُرى وتُحس. إنه شاهد حي على أن السماء كانت دومًا جبهة القتال الأولى وميدان الشرف الأعلى، وأن القوات الجوية المصرية ستظل، كما كانت دومًا، حارسة سماء الوطن.