مركز الإصلاح بالعاشر من رمضان: نموذج مصري متكامل للعدالة الإنسانية والتأهيل العصري

في خطوة تؤكد تحولًا نوعيًا في فلسفة العقوبة والإصلاح بمصر، أنشأت وزارة الداخلية مركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان بموجب القرار الوزاري رقم 202 لسنة 2023، ليصبح أحد أبرز النماذج الحديثة في مجال حقوق الإنسان والرعاية المتكاملة للنزلاء. يقع المركز، الذي يضم ستة مراكز فرعية (1، 2، 3، 4، 5، 6)، على أطراف مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، وعلى بُعد 60 كيلومترًا فقط من ميدان التحرير في قلب القاهرة.
قبل دخولك إلى مركز الإصلاح، يلفت انتباهك التنظيم الدقيق للمناطق المحيطة، بدءًا من ساحة انتظار السيارات الواسعة، مرورًا بكتيبة التأمين المشددة، وانتهاءً بمعارض منتجات النزلاء التي تقدم سلعًا بأسعار رمزية للجمهور، في إطار دعم فكرة دمج النزلاء في المجتمع اقتصاديًا.
أول ما يصادف الزائر عند الدخول هو مبنى "القيادة المركزية"، الذي يدير كافة المرافق باستخدام أحدث التقنيات الرقمية. تليه منطقة الاستراحات المجهزة لاستقبال أهالي النزلاء، ثم "قاعة التدريب والاحتفالات" الكبرى، والتي أُنشئت على مساحة شاسعة مزودة بشاشات عرض، وصولًا إلى منطقة الخدمات المتعددة.
يضم مركز الإصلاح ستة مبانٍ داخلية مخصصة للرجال والنساء، تحتوي على عنابر حديثة مزودة بأسِرّة مريحة وشاشات تلفاز، بالإضافة إلى ساحات لممارسة الرياضة، وغرف للرسم والموسيقى والقراءة، فضلًا عن حضانة مخصصة لأبناء النزيلات. الجانب الروحي حظي باهتمام خاص؛ إذ يحتوي المركز على مسجد بعمارة فريدة لاستيعاب الصلوات والدروس الدينية، ومصلى مسيحي لإقامة الطقوس القبطية، في تأكيد واضح على احترام التعدد الديني.
في مشهد يعكس التزام وزارة الداخلية بصحة النزلاء، تم إنشاء مركز طبي متكامل داخل المركز، يضم غرف عمليات وعيادات في جميع التخصصات لتقديم الرعاية المجانية دون الحاجة لنقل المرضى إلى الخارج. كما تم التوسع في الطاقة الاستيعابية للأسِرّة الطبية وزيادة عدد وحدات الغسيل الكلوي، وتخصيص عنابر ملائمة للنزلاء من ذوي الاحتياجات الخاصة.
لم تقتصر خطة الإصلاح على الإقامة الآمنة، بل امتدت إلى بناء مستقبل إنتاجي للنزلاء. داخل المركز، تنتشر مناطق الإنتاج الصناعي للمنتجات البلاستيكية، والمناطق الزراعية الواسعة، ومزارع تسمين المواشي والدواجن، ومحطات معالجة وتنقية المياه. هذه المشاريع لا توفر فقط الاكتفاء الذاتي بل تفتح أبواب التأهيل المهني والاعتماد الذاتي للنزلاء. ولضمان سرعة المحاكمات دون أعباء التنقل والتأمين، تم إنشاء مجمع محاكم داخل المركز، ما يضمن عدالة منضبطة وراحة إنسانية للنزلاء، في إطار استراتيجية الدولة لدمج العدالة مع الكفاءة.
تشهد مراكز الإصلاح والتأهيل بمختلف المحافظات عملية تطوير شاملة تعكس التزام مصر بتنفيذ المعايير الدولية لحقوق الإنسان، من خلال توفير الغذاء الصحي، وتأهيل النزلاء عبر برامج إنتاجية وتعليمية وطبية، إلى جانب الرعاية النفسية والاجتماعية.
باختصار، مركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان ليس مجرد مؤسسة عقابية، بل نموذج حضاري يُعيد تشكيل مفهوم السجون في مصر، ويضع النزيل في قلب المعادلة التنموية، كمواطن يستحق فرصة جديدة للحياة.
مصادر:
Egyptian Front For Human Rights
اليوم السابع