ياسر أبومعيلق يكتب: بمناسبة الجسم المجهول الذي أسقطته الولايات المتحدة فوق ألاسكا 

ياسر أبومعيلق يكتب: بمناسبة الجسم المجهول الذي أسقطته الولايات المتحدة فوق ألاسكا 

إليكم معلومة تؤرقني منذ أن قرأت عنها قبل سنوات:

"خواء بويتس"، أو "الفراغ العظيم" (Boötes Void)، هي منطقة شبه كروية الشكل تقع بالقرب من مجموعة "بويتس" النجمية، وتبعد حوالي ٧٠٠ مليون سنة ضوئية عن الأرض (السنة الضوئية وحدة مسافة وتقيس ما يقطعه الضوء في سنة، أي حوالي ٩ تريليونات كيلومتر).

يبلغ قطر هذه المنطقة حوالي ٢٥٠ مليون سنة ضوئية، أي نحو ٫٢٧٪ من قطر الكون المعروف، مما يجعلها أكبر فراغ معروف في الكون.

لماذا يسمى "خواء" أو "فراغ"؟ لأن هذه المنطقة - على مساحتها التي يصعب تصورها - لا يوجد فيها سوى عدد قليل من المجرات لا يزيد عن ٦٠ حتى لحظة كتابة هذا المقال.

ربما يبدو رقم ٦٠ مجرة كبيراً، إلا أن وجود ٦٠ مجرة في فراغ بهذا الحجم يوازي وجود ٦٠ شيئاً - أياً كان - في مساحة تعادل حدود الصين بأكملها!

طبقاً لتقديرات علماء الفلك الحاليين، فإن فراغاً كونياً مثل "خواء بويتس" يُفترض أن يحتوي على ١٠ آلاف مجرة على الأقل.

لماذا يؤرقني ذلك؟

لأنه، وبحسب نظريات بدء الكون، فإن قوى الجاذبية الكونية لم يكن لديها ما يكفي من الوقت لـ"إخلاء" منطقة بحجم "الفراغ العظيم"، مما يعني ضرورة البحث عن تفسيرات أخرى، وربما غير طبيعية، لوجود هذا الفراغ الكوني العملاق.

واحد من تلك التفسيرات هو أن الفراغات العملاقة مثل "بويتس" تكونت نتيجة التحام عدد من الفراغات الأصغر، ولكن ذلك يتطلب وجود عدة فراغات بجانب بعضها البعض.

التفسير الأكثر إثارة للقلق - والأرق - هو أن هذا الفراغ تكون نتيجة توسع حضارة فائقة التقدم من الفئة الثالثة على مقياس كارداشيف (الفئة الثالثة هي حضارة تمكنت من تسخير واستهلاك طاقة مجرة بأكملها. الحضارة البشرية، مثلاً، لم تصل حتى إلى الفئة الأولى من مقياس كارداشيف).

بحسب هذا التفسير، فإن هذه الحضارة "تمتص" ضوء المجرات التي تتوسع إليها، عبر إحاطة كل نجم فيها بهياكل قادرة على استغلال الضوء والحرارة المنبعثين لتغطية احتياجات الطاقة المتعاظمة لسكانها...

هذا ربما يفسر أيضاً الشكل الكروي الأملس لـ"خواء بويتس"، كما يظهر في الصور الفلكية.

ملحوظة صغيرة: بسبب سرعة الضوء، كل ما يراه علماء الفلك في "خواء بويتس" متأخر بنحو ٧٠٠ مليون سنة، أي أن شكل الخواء اليوم يختلف كثيراً جداً عما نراه في صور التلسكوبات وأجهزة الاستشعار!

فكم اتسع هذا الفراغ في الـ٧٠٠ مليون سنة الماضية؟!

(خريطة ثلاثية الأبعاد لعناقيد المجرات الهائلة "Local superclusters" القريبة منا فقط، وليس الكون بأكمله. الدائرة تشير إلى فراغ بويتس. الحقوق بتصرف: NASA/Andrew Z. Colvin).