شهر في الجامعة العربية

شهر في الجامعة العربية

بقلم/ أحمد رأفت  

علمت بتدريب جامعة الدول العربية وكنت قد قرأت حولها عشرات الدراسات و الكتابات التي تشرح الطريق الصخري لإنشائها و الطريق البالغ الصعوبة التي يجب أن تجتازه لكي تستعيد مجدها و عصرها الذهبي فضلا عن أن تتطور لتكون دولة تنصهر فيها ارادات دولها ليكون لها إرادتها الخاصة و سيادتها الحقيقية ورغم ذلك قررت التقديم فأنا اريد أن أرى ذلك على أرض الواقع اريد أن أدخل التجسيد الواقعي والاساس الذي يبنى عليه للوصول إلى وحدة العرب المنشودة كيف تجري الأمور بداخله ما هو شكل موظفيه والأهم هو كيف سأشعر أنا داخله.

وبذهابي لمقر الجامعة العربية لإجراء المقابلة الشخصية لم استطع اخفاء انبهاري بكل شيء حولي فكل ما في المكان على الطراز العربي والإسلامي مما يعبر عن هويتي وأصلي وشعرت برفض لكل ما هو حديث الذي غالبا ما يكون مستوحى من الغرب وفنه فأنىّ يكون لنا مثل هذه الحضارة والفن و نتجاهله و نهمله ودخلت إلى المقابلة و قد وجدت امامي رجل مهيب يكسوه العلم و الوقار و قد أخذ يسألني متدرجا بصعوبة الأسئلة و قد وفقني الله في الإجابة و خرجت خائفا أتأمل كل شيء لعلها المرة الأخيرة التي ادخل فيها الجامعة العربية.

ولم يكن هناك من هو اسعد مني يوم عرفت أنني من المقبولين في تدريب الجامعة العربية وكنت قبلها ادعو الله في كل صلواتي أن أحظى بهذا التدريب وانا عربي كسائر العرب تربيت في بيت طالما تغنى بأغاني العروبة وزرع في الإيمان بحتمية وحدة العرب فاستعددت خير استعداد للتدريب بمزيد من القراءة عن الجامعة وإدارتها وقطاعتها و اخر اخبارها و ذهبت إلى اليوم الأول في التدريب وكان قلبي ممتلئا بالفرحة الممزوجة بجلال المكان وروعته وقد زاد هذا الشعور إذ رأيت زملائي في ملابسهم الرسمية من مختلف أقطار الوطن العربي.

 

وعلمنا أن الاسبوع الاول سيكون محاضرات عن مختلف القطاعات تمهيدا للعمل الميداني في الاسبوع الثاني والثالث في إدارة من إدارات الجامعة العربية و كانت تلك المحاضرات في القاعة الأندلسية و هي القاعة التي كانت فيها المقابلة و هي قاعة بهية جميلة كغالب قاعات الجامعة مع احتفاظها برونقها و طابعها الخاص و خير ما استهللنا به كان مقطع مسجل عن فلسطين الحبيبة التي تهتز بذكرها القلوب و تدمع على سيرتها العيون و تشحذ بها همم العرب استعدادا لليوم الموعود، وفي نفس اليوم قمنا بجولة شاهدنا فيها القاعة الكبرى بالجامعة وهي المكان الذي شهد العديد من الأحداث الهامة في تاريخ الجامعة ويعقد فيه الاجتماعات الوزارية ومخصص بها مكان لكل دولة بعلمها ويتوسط القاعة آيات الذكر الحكيم وأعلام الأمة العربية في وسطها علم الجامعة العربية وقد أخذ جلال المشهد عقول وقلوب المتدربين.

 

وعلى مدار الأسبوع تلقينا محاضرات من مختلف القطاعات وكان الشاهد أن غالب أسئلتنا كانت إما مستوضحة لنقطة من النقاط أو عاتبة لتأخر التكامل العربي في هذا القطاع المحاضر و بعد هذا الأسبوع  كانت  علاقات المتدربين قد توثقت ببعضهم البعض و اضطر كل واحد منا أن ينضم إلى إدارته مفارقا لزميله والتي كان مقدرا أن يعمل بها لمدة أسبوعين، و قد كان تقسيمنا إلى الإدارات وفقا لتخصص كل واحد منا.

 

 كان تخصصي الشؤون الأوراسية في العلوم السياسية فالتحقت بإدارة أوروبا قسم أوراسيا وهي إدارة تابعة لقطاع السياسة الدولية وهنالك التقيت بأستاذ جامعي متخصص في تخصصي وجدت في قربي منه خلال تلك الفترة ربحا كبيرا ففضلا عن قيمته العلمية وما تعلمته من إعداد التقارير الخاصة بشؤون أوراسيا و عملي معه على كتاب عن العلاقات العربية الروسية كانت الاستفادة الحقيقية هي معرفته و إرشاده لي لأصول التخصص فقد كان نعم المدير في التدريب و خير الاستاذ و الصديق كإنسان.

 

واذكر من تلك الفترة في الإدارة محادثة بين موظفين الإدارة وبيني وزميلتي عن الصورة الذهنية لدينا عن الجامعة العربية قبل التدريب و بعدها وكنت بما أعلمه بحكم تخصصي اعلم الصعوبات التي تجعل الجامعة محدودة الدور والثقل السياسي وجعلت  أبرر للموظفين رؤية الناس السلبية للجامعة وبأنهم معذورون في تلك الرؤية ولم نختلف في الرأي وإن اختلفنا في الأسباب التي تدعم كل رأي و كان موضع اتفاقنا أن الجامعة وموظفيها يقومون بالعمل المنوط بهم على أكمل وجه بينما الناس تطلب منهم ما هو خارج عن دورهم وإن كنا جميعا نأمل بأن تلعب الجامعة هذا الدور الذي يريده الناس إلا أنه حتى الآن ذلك ليس من مهمات الجامعة.

 

وابتسم الزمان وشاء أن نكون في الادارة اسبوع اخر كان المسؤولين عن التدريب اعتزموا النية على أن يكون راحة لنا فيما عدا يومين للمحاضرات فلما علمت من أحدهم ذلك حزنت و ابديت له اعتراضي بانني أحب أن أكون في الإدارة اسبوع اخر على الراحة و أبلغت زملائي فما كان منهم إلا ما كان مني من رفض للراحة على التواجد في إدارات الجامعة إذ هنالك راحة ارواحنا الحقيقية و قد وافق المسؤولون عن التدريب بأن نكون في الإدارات أسبوع آخر.

 

وانتهى الاسبوع الاخير في الجامعة العربية وكان خروجنا الاخير من الجامعة كمتدربين ، وانتابني نفس الشعور  الذي شعرته في خروجي الاول منها وكأنني كنت في حلم جميل في مكان من الخيال بل المستقبل المكان الذي يعد الخطوة الأولى والأهم للحلم الأكبر وهو وحدة العرب وكم أريد أن ابذل كل جهدي وصولا إلى تلك الغاية و قد اتخذت قراري بأن يكون جهدي البحثي في مجال دراستي منصب على دراسات التكامل نحو الجامعة العربية وطرق إصلاحها رغم علمي بثراء الكتابات في هذا الموضوع إلا أنني سأستمر في تقديم الدراسات حوله نحو مزيد من التطور مستمسكا بإيماني بوحدة العرب.

"أمم العروبة لا نجاة لمدبر ** يبغي النجاة ولا حياة لمحجم"

كوني جميعا فالتفرق لم يزل ** مذ كان من نذر القضاء المبرم"