الإرهاب وتغير المناخ في حوض بحيرة تشاد

الإرهاب وتغير المناخ في حوض بحيرة تشاد

كتبت/ دينا عبد الراضي الجنزوري
باحثة ماجستير – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة 

تضم منطقة حوض بحيرة تشاد أجزاءً من الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، ويعتمد نحو 90% من سكان المنطقة على إمدادات مياه البحيرة المتضائلة ومياه الأمطار بصورة رئيسة،  وتواجه المنطقة واحدة من كبرى الأزمات الإنسانية في العالم منذ عام 2017، حيث يعاني أكثر من 7 ملايين شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، هذا فضلًا عن نزوح ما يقرب من مليوني شخص بسبب الصراعات بالمنطقة. 

وفي الآونة الأخيرة، تفاقمت الظواهر المناخية الحادة بتلك المنطقة، وفي مقدمتها ارتفاع معدلات الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي الزراعية، مما تسبب في تدهور الأمن الغذائي؛ حيث يتنافس نحو 30 مليون شخص في نيجيريا وتشاد والنيجر والكاميرون على إمدادات المياه المتضائلة في البحيرة، وهو ما يفسح المجال لزيادة نشاط الجماعات الإرهابية، لا سيَّما جماعة بوكو حرام التي تنشط بتلك المنطقة.  

وفي هذا السياق، فقد أفضت الظواهر المناخية المتطرفة التي شهدتها المنطقة إلى نزوح 2.7 مليون شخص في حوض بحيرة تشاد عام 2020، غالبيتهم في نيجيريا بواقع 1.9 مليون نازح في ولايات: أداموا، ويوبي، بورنو، ومن الجدير بالذكر أن الأخيرة سجلت أكبر نشاط للجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل الإفريقي؛ حيث وقع بها نحو 867 هجومًا، أسفر عن وفاة 6581 شخصا، وذلك خلال عام 2019؛ حيث بلغت الأعمال الإرهابية ذروتها في تلك الفترة. 

ووفقًا لتقرير "مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022" احتلَّت دول الساحل الإفريقي وغرب إفريقيا مرتبة متقدمة في ترتيب الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب، أبرزها ما يلي:  
1. بوركينا فاسو (المرتبة الرابعة عالميا).
2. نيجيريا (المرتبة السادسة عالميا).
3. مالي (المرتبة الـسابعة عالميا).
4. النيجر (المرتبة الـثامنة عالميا).
5. الكاميرون (المرتبة الـ 11 عالميا).
6. موزمبيق (المرتبة الـ 13 عالميا).
7. تشاد (المرتبة الـ 19 عالميا).

وعلى هذا النحو، تنتشر الجماعات الإرهابية، لا سيَّما تنظيمي القاعدة وداعش في إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث إن 7 من أصل أكبر 10 دول إفريقية شهدت تصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية -تقع في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء والساحل، وهي: النيجر، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وموزمبيق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومالي، وإثيوبيا. 

هذا، وقد أدت الظواهر المناخية المتطرفة في منطقة بحيرة تشاد إلى تدهور الإنتاج الزراعي، ومن ثمّ، عمدت جماعة بوكو حرام إلى استغلال الأوضاع، وفرضت سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي المحيطة ببحيرة تشاد. وفي هذا الإطار، أشار بعض الخبراء إلى أن الإرهاب يمثِّل أكبر التحديات الأمنية التي تواجه منطقة حوض بحيرة تشاد، والتي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الجريمة وأعمال العنف في الآونة الأخيرة. علاوةً على ذلك، تستخدم بعض الجماعات الإرهابية حاليا الأمن الغذائي للدول كسلاح لتأجيج الصراعات، فعلى سبيل المثال، عمدت الجماعات المسلحة كتنظيم داعش وبوكو حرام للسيطرة على موارد الغذاء واستخدامها كسلاح لتحفيز الصراعات. 

التغير المناخي وآفاق التنمية في القارة الإفريقية
في ضوء التداعيات المتشابكة لتغيُّر المناخ وتأثيراتها السلبية على الأمن الإنساني، فلا يمكن معالجة الظواهر المناخية من المنظور البيئي فقط، وإنما يتعيَّن إدراج أهداف مكافحة التغير المناخي ضمن مخططات التنمية الشاملة في القارة، لا سيَّما وأن معالجة عواقب التغيرات المناخية من شأنها دعم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتعزيز التنمية الاقتصادية في القارة السمراء، بما يسهم في احتواء الصراعات وأعمال العنف التي تشهدها القارة في المستقبل. 

وفي هذا الإطار، يؤكد المقال أهمية إعطاء الأولوية للاستثمار في البنية التحتية، لا سيَّما في قطاع الزراعة، الذي يُعد بمثابة العمود الفقري للعديد من اقتصاديات الدول الإفريقية، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمار في قطاع السياحة، ودعم جهود التنمية المستدامة في المناطق الساحلية، مشيرًا إلى أن محدودية حجم التصنيع داخل الدول الإفريقية قد يمثل فرصة لتعزيز مسارات التنمية المستدامة وتحسين البنية التحتية لدعم جهود التكيف مع عواقب التغيرات المناخية.

ومن ناحية أخرى، يلقي المقال الضوء على "مفهوم العدالة المناخية"، الذي يعالج قضية المناخ من منظور أخلاقي وسياسي وليس كقضية بيئية فقط، وذلك في ضوء الارتباط الوثيق بين تداعيات التغيُّر المناخي ومفاهيم العدالة الأخرى، لا سيَّما العدالة البيئية، والاجتماعية، التي تتضمن قضايا المساواة وحقوق الإنسان والمسؤولية التاريخية عن التغيرات المناخية، مع التأكيد على أهمية توزيع المخاطر المتعلقة بالمناخ. 

ويؤكد المقال أهمية تبني منهج العدالة المناخية في التعامل مع ظاهرة التغيُّر المناخي، وتركيز جهود دول القارة الإفريقية على التخفيف من حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقليل نسبة اعتماد اقتصاد الدول الإفريقية على الوقود الأحفوري، ودعم سبل الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، علاوةً على دعم أهداف التنمية المستدامة، لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في ربوع القارة السمراء.
كذلك يسلَّط المقال الضوء على مفهوم "حوكمة المناخ"، والذي يُعرف بأنه "الدبلوماسية والآليات وتدابير الاستجابة التي تهدف إلى توجيه النظم الاجتماعية والدولية نحو منع المخاطر التي يفرضها التغير المناخي أو التخفيف منها أو التكيف معها"، مشيرًا إلى أهمية إعادة بلورة سُبل إدارة مواجهة التغيرات المناخية، مع إيلاء الاهتمام بتعزيز دبلوماسية المناخ في إفريقيا في المستقبل، لا سيَّما وأن سياسات المناخ الوطنية والإقليمية الراهنة في القارة الإفريقية تعاني العديد من عوامل الضعف، بالإضافة إلى عدم اتساقها مع التوجهات الدولية في هذا الصدد.

وفي هذا الإطار، يشدَّد المقال على أهمية وجود هيكل منظم ونهج واضح لإدارة دبلوماسية المناخ في القارة الإفريقية، علاوةً على ذلك فإن القارة الإفريقية بحاجة إلى التحول من مجرد الاقتصار على معالجة التغيرات المناخية إلى اعتماد نهج شامل للاستثمار في العمل المناخي.