حكاية أرض .. رمز الحياة والخصوبة عند الفلسطينين

حكاية أرض .. رمز الحياة والخصوبة عند الفلسطينين

كتب الباحث/ وليد محمود

المقالة السادسة من سلسلة مقالات حكاية أرض 

في الفولكلور الفلسطيني، تُبجَّل الأرض كمصدر للحياة والخصوبة. ويُنظر إليها على أنها قوة راعية وواهبة للحياة لا تدعم الرفاهية الجسدية للشعب فحسب، بل تدعم أيضًا وجودهم الثقافي والروحي. إن العلاقة بين الأرض والخصوبة متأصلة بعمق في الأساطير والحكايات الشعبية والطقوس والتقاليد الفلسطينية.

تعتبر الأرض المزود النهائي، حيث توفر القوت والغذاء لجميع الكائنات الحية. ويعتقد أنه يمتلك قوة إلهية تمكنه من جلب الحياة بوفرة. وينعكس هذا الاعتقاد في أساطير الخلق في الفولكلور الفلسطيني، حيث يتم تصوير الأرض في كثير من الأحيان على أنها أم جميع الكائنات الحية. وبحسب هذه الأساطير فإن الأرض هي الأساس الذي تقوم عليه كل الحياة، ومن الأرض تخرج جميع المخلوقات.

تحكي إحدى أساطير الخلق البارزة في الفولكلور الفلسطيني قصة كيف خلق الله الأرض وكل سكانها. توصف الأرض في هذه الأسطورة بأنها أرض خصبة وفيرة، تعج بالنباتات والحيوانات والبشر. ويُعتقد أن الله شكَّل الأرض من تراب الأرض ونفخ فيها الحياة، وأعطاها القدرة على الحفاظ على الحياة. تؤكد هذه الأسطورة على العلاقة الوثيقة بين الأرض وخلق الحياة، وتسلط الضوء على دور الأرض كمصدر للخصوبة.

ولا تقتصر خصوبة الأرض على المجال المادي، بل تمتد إلى الجوانب الثقافية والروحية للحياة الفلسطينية. في الحكايات الشعبية الفلسطينية، غالبًا ما يتم تصوير الأرض على أنها عالم سحري تعيش فيه كائنات خارقة للطبيعة. ويعتقد أن هذه الكائنات مثل الجن والجني لديها القدرة على منح الأرض الخصوبة والوفرة. ويُنظر إليهم على أنهم حراس خصوبة الأرض، ويضمنون نمو المحاصيل وازدهار الحيوانات وازدهار الناس.

كما يتم الاحتفاء بخصوبة الأرض في الطقوس والتقاليد الفلسطينية. إن الممارسات الزراعية، مثل الزراعة والحصاد، متجذرة بعمق في الاعتقاد بأن خصوبة الأرض هي هبة من الله. يؤدي المزارعون طقوسًا واحتفالات لتكريم الأرض وطلب بركاتها من أجل حصاد ناجح. غالبًا ما تتضمن هذه الطقوس تقديم الطعام والصلوات والرقصات، وكلها تهدف إلى التعبير عن الامتنان للأرض واستحضار خصوبتها.

ومن هذه الطقوس حفل "بركة الأرض" الذي يقام قبل موسم الزراعة. خلال هذا الحفل، يجتمع المزارعون في حقولهم ويقدمون الصلوات والبركات للأرض. إنهم يطلبون خصوبة الأرض وحمايتها، مما يضمن حصادًا وفيرًا. لا تعمل هذه الطقوس كوسيلة للتواصل مع الأرض فحسب، بل تعزز أيضًا الإيمان بقدرتها على منح الحياة.

كما يتم الاحتفاء بخصوبة الأرض في الأعياد والاحتفالات الفلسطينية. أحد هذه المهرجانات هو مهرجان قطف الزيتون، الذي يقام في الخريف عندما يكون الزيتون جاهزًا للقطف. يعد هذا المهرجان وقت الفرح والامتنان، حيث تجتمع العائلات والمجتمعات معًا لقطف الزيتون والاحتفال بوفرة الأرض. تقام الأغاني والرقصات والأعياد التقليدية لتكريم الأرض ودورها في توفير الغذاء.

ولا يقتصر الاحتفاء بخصوبة الأرض في الطقوس والمهرجانات فحسب، بل ينعكس أيضًا في الأمثال والأمثال الفلسطينية. وكثيراً ما تنقل هذه الأمثال حكمة الأرض وأهميتها في استمرار الحياة. على سبيل المثال، يؤكد المثل القائل "الأرض أم كل شيء" على دور الأرض كقوة راعية تمنح الحياة لكل شيء. ومثل آخر، "الأرض مضيفة كريمة"، يسلط الضوء على وفرة الأرض واستعدادها لتوفير احتياجات الجميع.
في الفن والحرف الفلسطينية، يتم الرمز إلى خصوبة الأرض من خلال استخدام المواد والتقنيات الأرضية. على سبيل المثال، يُصنع الفخار والسيراميك التقليدي من الطين المستخرج من الأرض. غالبًا ما تصور التصاميم والأنماط المعقدة على هذه القطع الفخارية مشاهد الطبيعة والخصوبة، مما يؤكد بشكل أكبر على العلاقة بين الأرض والوفرة.

وفي الختام، فإن الأرض متشابكة بعمق مع الفلكلور الفلسطيني فهي بمثابة مصدر للحياة والخصوبة. يتم تبجيلها كقوة راعية لا تحافظ على الرفاهية الجسدية للشعب فحسب، بل أيضًا على وجودهم الثقافي والروحي. وينعكس الإيمان بقوة الأرض الواهبة للحياة في أساطير الخلق والحكايات الشعبية والطقوس والتقاليد. ومن خلال هذه الأشكال المختلفة من التعبير، يحتفل الفلسطينيون ويكرمون خصوبة الأرض، معترفين بدورها الحيوي في حياتهم.