إن أعداء الأمة العربية حاولوا دائماً بكل وسيلة من الوسائل أن يفرقوا بين أبنائها وأن يفرقوا بين الدول العربية

فى الحقيقة الفترة اللى مضتها معكم تعتبر من أسعد الفترات اللى أستطيع أن أشعر بها؛ لأنها كانت دائماً تعبر عن هذه العواطف النبيلة الكريمة، تعبر عن الإخاء وعن المحبة التى هى دستور وحدة الأمة العربية بدون دستور.. الإخاء بين الشعب العربى فى كل بلد عربى، والمحبة بين العرب فى كل بلد عربى. وإننا نشعر بثقة كبيرة فى المستقبل بعون الله؛ لأننا إنما نسير فى طريقنا من أجل عزة بلدنا وعزة العروبة جمعاء. ونحن نعتمد على هذه الروح التى تنبعث من كل بلد عربى ومن كل قرية عربية؛ بدون أن نلتقى بأبنائها إلا التقاء المشاعر، وإلا الالتقاء فى حب أمتنا العربية، وفى استقلال بلادنا العربية، وفى العمل من أجل عزة الوطن العربى.
إن أعداء الأمة العربية حاولوا دائماً بكل وسيلة من الوسائل؛ أن يفرقوا بين أبنائها، وأن يفرقوا بين الدول العربية، ويبثوا حملات من الكراهية بين أرجاء الشعب العربى فى كل وطن عربى. وقد تعرض لبنان الشقيق لهذه الحملات زمناً طويلاً، ولازالت حملات الكراهية تنبث فى أرجاء لبنان وفى أرجاء العالم العربى. لقد كانت فى الماضى هذه الحملات تقوم بها الدوائر الاستعمارية الغربية، واليوم تقوم بها الدوائر الاستعمارية وأعوان الاستعمار، كما يقوم بها الشيوعيون العملاء؛ وهم بهذا إنما يحاولون أن يفتتوا وحدة الشعب العربى ليتمكنوا منا وليخضعونا.
ولكن هذه الروح وهذا الوعى.. الوعى الكبير الذى لمسته فى كل مناسبة، والذى يزيدنى دائماً اقتناعاً بأن الأمة العربية بعد أن قاست طويلاً فى الماضى، صممت على أن تتسلح بالوعى حتى تقف ضد أعدائها؛ هذا الوعى هو سلاحنا ضد من يريدون أن يسيطروا علينا، وضد من يبثون الكراهية والفتنة بين ربوعنا، وضد الطامعين فينا سواء أن كانوا استعماريين أم شيوعيين عملاء. ولهذا فإننا نسير للمستقبل بعزم وإيمان، بأخوة ومحبة وتضامن، نسير للمستقبل تجمعنا الوحدة.. وحدة القلوب، الوحدة التى عبرتم عنها اليوم بهذه المشاعر الجميلة التى تعبر عن المحبة الخالصة، المحبة التى لا تبغى ثمناً، ولا تبغى أى شىء إلا إيمانها بحقها فى الحرية وحقها فى الحياة، متكاتفة مع إخوتها العرب فى كل بلد عربى.
هذه الروح وهذه المشاعر التى رأيتها اليوم؛ إنما هى سلاحنا الأساسى فى معركتنا الكبرى من أجل حرية الأمة العربية وتضامنها، ومن أجل وحدة العرب ضد أعداء العرب، ومن أجل تضامن العرب ضد أعداء العرب، ومن أجل خلق وطن عربى عزيز كريم فى كل بلد عربى، ومن أجل الوحدة العربية التى تجمعنا الآن فى هذا المكان بلا وحدة دستورية ولا وحدة قانونية، لأنها وحدة المشاعر.. ووحدة نعبر عنها بتبادل المشاعر، تبادل المحبة، وتبادل الإخاء، وتبادل الرجاء للخير لكل منا فى أى بلد عربى.
هذه هى فعلاً الوحدة الحقيقية التى تجمعنا؛ فكل ما يصيب لبنان يصيبنا، وكل ما يصيبنا يصيب لبنان، وكل ما يصيب أى بلد عربى يصيبنا جميعاً. هذه هى وحدتنا، وهذا هو تعبيرنا عن الوحدة العربية؛ الوحدة للتكاتف ضد أعدائنا، ليست الوحدة المبنية على الطمع، ولا الوحدة المبنية على العمل من أجل الأجنبى، أعوان الاستعمار أو من أجل الأجنبى للتبعية، ولكنها وحدة خالصة بدون أطماع، وبدون أسانيد دستورية. وهى التى تجمعنا الآن فى هذا المكان، نحن أبناء الجمهورية العربية المتحدة وأبناء لبنان، ونشعر جميعاً بالمحبة ترفرف فوق رءوسنا، والإخاء يجمع شملنا، والشعور الطيب والأمانى الطيبة تنبثق من مشاعرنا وتنبثق من نفوسنا.
بهذه الروح نأمل فى المستقبل، وبهذه الروح نشعر أن هناك قوة كبرى فى لبنان ضد حملات الكراهية التى تستهدف لبنان كما تستهدف الجمهورية العربية المتحدة، وضد حملات الكراهية التى تستهدف جرنا جميعاً للخضوع لسيطرة الاستعمار، وضد حملات الكراهية التى يقوم بها الشيوعيون من أجل ربطنا بعجلة التبعية.
بهذا الإيمان، وبهذه الروح الطيبة، وبهذه المحبة، وبهذه الأخوة؛ سننتصر دائماً - بإذن الله - فى المستقبل كما انتصرنا فى الماضى.
وإنى أرجو لكم وللبنان الشقيق ولرئيس لبنان الشقيق، كل عز وكل تقدم وكل رفاهية، وأرجو أن تبلغوا لشعب لبنان تحياتى ومشاعر شعب الجمهورية العربية المتحدة، وأشكركم جداً.
_______________________________________
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى الوفود اللبنانية من القصر الجمهورى بالقاهرة
بتاريخ الثالث والعشرين من أبريل العام ١٩٥٩م.