لقد قامت الثورة لتحقق أهداف الشعب وبدأت بالإقطاع الذى كان قائماً يمتص دماء أبناء مصر

أيها المواطنون.. السلام عليكم ورحمه الله:
لقد حدثنا أخى جمال سالم عن الثورة الاقتصادية التى تمت فى عام واحد، كما أوضح لنا أخى صلاح سالم ما يكتنف بلادنا من مؤامرات هى بلا شك من آثار ومخلفات الماضى البغيض، الذى كان سبباً مباشراً لثورتكم فى ٢٣ يوليو.
وانا أريد أن أبدأ حديثى اليوم بالكلام إليكم أيها الأصدقاء المؤمنون، وإنما أريد أولاً أن اتوجه إلى أولئك الخونة القابعين فى جحورهم يتسمعون الآن إلينا ونفوسهم يحكمها الخوف، وتقتلها المرارة والحقد والكراهية. أريد أن أقول لهم إنهم مازالوا يفكرون بعقلية ما قبل ٢٣ يوليو. إنهم مازالوا يضربون على الغرائز الرخيصة يحاولون أن يستغلوا ما يتصوروه هم إنه طبيعة البشر فيشيعوا الفرقة والنفور ويبثوا الشكوك والأكاذيب. فتارة يتوهمون أنهم يستطيعون أن يخلقوا هوة بين الشعب والجيش، وتارة يتوهمون أن إشاعة الفتنة وإثارة الحسد فى صفوف الجيش ستلعب دورها الذى طالما لعبت عادة بين صفوف هذا الشعب، فحطمت وحدته وفرقت إرادته، وشاء لهم خيالهم مرة أخرى أن يصوروا ضباط مجلس قيادة الثورة فى صورة وحوش تتصارع فيما بينها، وتتضارب وتتشابك من أجل العرض الزائل الرخيص.
إنها محاولة يائسة لاولئك النفر الحالمين من ضعاف النفوس ومن هواة الهدم والتفرقة، فإليهم جميعاً أقول: إن عجلة الثورة ستستمر فى تقدمها محطمة فى طريقها كل خائن وكل خائر، ولن تعرف الثورة بعد اليوم إلا الصرامة والقسوة لكل من تحدثه نفسه بالوقوف فى طريقها.
إن هذه الأسلحة القديمة لم تعد تجدى اليوم فاستعمالها أشبه ما يكون الآن، وفى هذه الظروف بمن يحارب برصاص خائر ضعيف أمام طاقة روحية هائلة تفجرت من أعماق شعبنا، هذا الشعب الذى كان منذ قرون طويلة ينتظر ذلك اليوم الموعود ويرقب مطلعة فى أمل ولهفة وتحفظ. ومع ذلك فإن أمام أعداء الشعب سلاحاً آخر يتناسب مع التطور الذى حدث ليس أمامهم غلاً أن ينصبوا المشانق لرجال مجلس قيادة الثورة، وأن ينصبوا آلاف أخرى لكل ضابط وجندى فى الجيش، وأن ينصبوا ملايين أخرى لعشرين مليوناً من أبناء هذا الشعب، وساعتها إذا استطاعوا التنفيذ ستتحقق أهداف الرجعية كما يريدها الخونة المارقون. أما قبل هذا فنحن جميعاً جيشاً وشعباً صف واحد مستعد وقوة واحدة محاربة لهدف واحد لا انحراف عنه ولا تهاون فيه، ذلك أن يتطهر هذا الوطن من الاستعمار ومن أعوانة الخونة من المصريين.
أيها المواطنون:
لقد قامت الثورة لتحقق أهداف الشعب وبدأت بالإقطاع الذى كان قائماً يمتص دماء أبناء مصر، ويجب أن تحافظ الثورة على قوتها حتى تحقق أهدافها، فإن القلق قد يعود بنا إلى الوراء، ولذلك فإننا نقول إن ولائنا لإنسانياتنا وولائنا لكفاح آبائنا الطويل، وولائنا لهذا الفوز المبدئى الذى وهبنا الله إياه هو الذى يحفزنا لمكافحة الرجعية فى كل أزيائها، ويدعونا لأن ننظر الشعب ونلفت نظرة إلى الخطر الذى يصيبنا إذا لم نواجه قوى الشر، فنحن لا نعمل لأنفسنا بل نعمل لوطننا، فإن الوطن باق ونحن زائلون.
أيها المواطنون:
لقد حكمتم زهاء ربع قرن فى ظل دستور يضارع أرقى الدساتير وفى ظل برلمانات متعددة جاءت وليدة انتخابات متتالية، حكمتم باسم الديمقراطية، ولكنكم باسم الديمقراطية المزيفة لم تنالوا حقوقكم ولم تنالوا استقلالكم ولم تنعموا يوماً واحداً بالحرية والكرامة التى لم يكفلها الدستور فى عهودهم إلا لهم من دون الشعب، فخسرتم كل شىء وكسبوا كل شىء حتى ثرتم على هذه الأوضاع فحطمتموها، فمن منا يمكن أن يقبل أن تسلم الثورة أمر هذا الشعب باسم الديمقراطية الزائفة وباسم الدستور الخلاب وباسم البرلمان المزيف إلى تلك الفئة من الخادعين؟! هؤلاء الذين عاشوا لتحقيق شهواتهم ومطامعهم من دماء هذا الشعب جيلاً بعد جيل، هؤلاء القوم الذين ثرتم من أجل تصرفاتهم ومطالبهم وحقدهم واستغلالهم، إلا فليسمعها الناس عالية صريحة أن هذه الثورة لن تتخلى عن مكانها حتى تحقق هدفها الأكبر وهو القضاء على الاستعمار وأعوانه من الخونة المصريين. ومهما طال الأمد فهى معركة واحدة بدأناها ولن نعرف فيها زماناً ولا مكاناً حتى تتطهر البلاد من المستعمرين والخونة المارقين، وعندئذ ستتعلم الأحزاب أن تنشأ على قواعد جديدة من أجل مصر، وليس من أجل حفنة من الناس المستغلين المضللين.
أيها المواطنون:
إن المستعمر يقول اليوم فلننتظر فقد أثبت التاريخ أن المصريين لا يصبرون على النضال، وأن جميع حركاتهم الوطنية لم تصل إلى غرضها لأنهم انفضوا قبل الوصول إلى منتصف الطريق، إنهم ينتظرون اليوم الذى ننفض فيه. وأنا أقول لهم: إننا اليوم نحتلف عن الماضى فنحن نعلم أين يكمن الداء وسنسقيهم منذ اليوم أشد الدواء فلن تستطيع الخيانة بعد اليوم أن تعمل عملها، ولن نمكن أى خائن من أن يرفع رأسه أو أن يعمل لكى تنفض ثورتنا قبل أن تصل إلى هدفها الذى حددناه.
وأخيراً فلن يجد الاستعمار حكومة خائنة أو متهاونة تساعده على تحقيق أغراضه، إننى أعلنها عالية مدوية أن مصر قد أجمعت على أن تصل إلى حريتها واستقلالها مهما كانت الصعاب، ومهما كانت المشاق، وأن وجود الاحتلال الأجنبى فى بلادنا ٧٠ عاماً يدعونا لأن نستعد لأسواء الاحتمالات، وإننا إذ نطالب برفع الذل عن رؤوسنا، هذا الذل الذى ورثناه فنحن نعبئ قوانا للساعة الفاصلة، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.
أيها المواطنون:
إننا إذا انتصرنا على الرجعية، فإن الاستعمار سيترنح فى بلادنا وكلنا نعرف أن الذى ثبت أقدام الاستعمار فى بلادنا هم الخونة المصريون. وإذا نظرنا إلى الماضى لوجدنا أن جميع الحركات الوطنية قد انتكست بفعل الخونة المصريين، أما الغاصب المستعمر فلم يكن له من عمل إلا تجهيز الخطط والمراقبة حتى يحقق أغراضه. وقد تسببت الخيانة التى قاسينا منها ٧٠ عاماً فى أن يفقد كل فرد منا ثقته فى نفسه وفى وطنه حتى قامت هذه الثورة وقطعت الطريق على الاستعمار وعلى كل خائن فى هذا البلد. وانا أطالبكم اليوم أن يثق كل واحد منكم فى نفسه، وأن يثق كل واحد منكم فى وطنه، وبذلك نحقق هدفنا الأكبر القضاء على الاستعمار الأجنبى وأعوانه من الخونه المصريين.
والله أكبر والعزة لمصر، والله أكبر وتحيا الجمهورية.
والسلام عليكم ورحمة الله.
--------------------------------------------------------------
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى المؤتمر الشعبى بميدان الجمهورية
بتاريخ ١٩سبتمبر١٩٥٣م.