إن الجيش مدرسة تجمع الضباط وضباط الصف والعساكر.. وهذه المدرسة ينعكس عليها الوطن لأنها تجمع المواطنين

إن الجيش مدرسة تجمع الضباط وضباط الصف والعساكر.. وهذه المدرسة ينعكس عليها الوطن لأنها تجمع المواطنين

إخوانى:

أشكركم على هذه الدعوة التى أتاحت لنا الاجتماع فى هذا المكان، والتى أعطتنا الفرصة لكى نرى القلوب تنعكس على الوجوه.

وقد يحاول الطغاة والمغرضون أن يوقعوا بين أبناء هذا الوطن ليباعدوا بين الإخوة والمواطنين، ولكننى اليوم وأنا بينكم لم أشعر أنى غريب عنكم، بل أشعر كأنى أعيش فى الجو الذى عشت فيه عام ١٩٣٨ حين تقابلت مع مجموعات وفئات مختلفة.

إن الجيش مدرسة تجمع الضباط وضباط الصف والعساكر، وهذه المدرسة ينعكس عليها الوطن لأنها تجمع المواطنين، وهذه الأحاسيس والمشاعر هى التى أحس بها الآن وأنا بينكم.

لقد حاولوا فى الماضى أن يفصلوا بين أبناء الوطن ويقسموهم إلى فئات، فهل يستطيعون اليوم أن يفصلوا الدم عن الدم، والقلب عن القلب، والمصير عن المصير، والأرض عن الأرض؟!

إن الذى يجمعنا فى الحقيقة هو الهدف، كما تجمعنا القلوب ويجمعنا الدم، وهذا هو المعنى الذى أحس به اليوم.

لن يفلح أعداء الثورة فى تقسيم أبناء هذا الوطن إلى فئات وشيع كما كانوا يفعلون فى الماضى بإشاعة روح الحقد والكراهية، فالبلاد اليوم قد تغيرت وجاءت هذه الثورة نقطة فاصلة فى تاريخها، فكانت بداية عهد يقوم على المحبة والتعاون فى سبيل الفرد والمجموع، فكل فرد اليوم لا يفكر فى نفسه وإنما يفكر قبل كل شىء فى بلده.

أمامنا طريق طويل، وهذه الثورة ليست ثورة الجيش ولكنها ثورتكم أنتم، ثورة الوطن وليست ثورة جمال أو صلاح أو فلان أو علان؛ لأن الأشخاص تزول، والثورة هى ثورة الشعب تعمل لتحقيق أهدافه العليا.

إخوانى:

إن المصاعب كثيرة وكبيرة، وأنتم قد رأيتم فى الشهر الماضى الأعداء فى الداخل والخارج يتربصون كامنين يخدعونكم بكلام منمق، فيجب أن تصفى القلوب والنفوس حتى نستطيع أن نبنى بلداً نعيش فيه.

وهذه المسئولية ليست مسئولية صغيرة، فكل فرد يجب أن يفكر فى وطنه وفى ابنه وأخيه حينما يفكر فى نفسه.

وهذا الإحساس يجب أن ينعكس فى كل مكان، وقد كنت أشعر بهذا كله وأنا فى الجيش، وكنت أشعر بطبيعة المصرى وتضحيته وإخلاصه، ففى حرب فلسطين كنت أرى الجندى يحارب ولا هدف له إلا إخلاصه، وكان يموت فى سبيل هذا الإخلاص وهذه الطبيعة، وقد استطعنا بهذه الطبيعة أن نبقى كى نعمل لرفعة هذا البلد حتى نجعل مصر دولة عظمى.

وأنتم اليوم حماة الأمن عليكم مسئولية كبرى، وقد أتيحت لكم فرصة الاختلاط بكل الطبقات.

إخوانى:

هذه الثورة ثورة عميقة ليست ثورة سطحية، وأهدافها لا تتحقق فجأة أو بفعل السحر ولكن بالعمل والاتحاد والمحبة، فالهدم سهل ولكن البناء يحتاج إلى عمل وعرق وجهد كل واحد، وقد يكون البناء معنوياً لا مادياً، ولكن نستطيع أن ننتقل بعد ذلك إلى البناء المادى، ونحن - يا إخوانى - يجب أن نعيش فى بلد حر كريم، وعلينا أن نتضافر جميعاً نحو تحقيق هذه الأهداف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى نادى الكونستبلات

بتاريخ الخامس عشر من مارس العام ١٩٥٤م.