تأثير التغيرات المناخية علي أمن و سلامة الغذاء
بقلم دكتوره / نهال فتحي أحمد
تشكل الأغذية غير المأمونة خطراً عالمياً يهدد صحة الجميع ويعد الرضع وصغار الأطفال والنساء الحوامل والمسنون والأشخاص المصابون باعتلالات سابقة من الفئات المعرضة لهذا الخطر بشكل خاص. تشير التقديرات إلى إصابة 600 مليون شخص أي حوالي شخص واحد كل 10 أشخاص في العالم بالمرض بعد تناول غذاء ملوث ووفاة 420000 شخص سنوياً. علي المستوي الاقتصادي يتم تسجّيَل خسائر سنوية قدرها 110مليار دولار أمريكي من حيث الإنتاجية والنفقات الطبية بسبب الأغذية غير المأمونة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط , ولا شك ان التغيرات المناخية بالألفيتين الماضيتين لعبت دورا هاما في هذه الاحداث و ستلعب دورا لا يستهان به في المستقبل. فمن المتوقع أن يسبب تغير المناخ حوالي 250000حالة وفاة إضافية في السنة بين عامي 2030 و2050 و ان الزيادة في معدلات الوفيات المرتبطة بالسلامة الغذائية ستساهم بشكل كبير في هذا العدد.
لذلك فالتغيُّرات المناخية تمثل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي العالمي والتنمية المستدامة وجهود القضاء على الامراض, فيعد تغير المناخ من اهم العوامل المسببة لارتفاع العبء العالمي للأمراض و الوفيات المتعلقة بالأغذية بما في ذلك نقص الاغذية و الامراض السارية و الغير سارية. كما انه يؤثر بطريقه مباشرة او غير مباشرة علي سلامة الغذاء و قد يؤدي الي تغيرات في أنماط انتشار مخاطر سلامة الغذاء عبر آثاره على الجراثيم والفيروسات والطفيليات والمواد الكيميائية والسامة المرتبطة بالأمراض المنقولة بالأغذية. فعلي سبيل المثال فان ارتفاع درجات الحرارة و الرطوبة و زيادة فترات الجفاف تزيد من نمو الفطريات وارتفاع نسبة السموم الفطرية بالسلع الاساسية والحبوب مما يشكل خطرا علي الصحة العامة علي مستوي العالم. فعند تناول الجرعات العالية من السموم الفطرية تظهر الأعراض الحادة للتسمم وقد تؤدي إلى الوفاة، و يمكن القول بأن الجرعات القليلة من السموم الفطرية والتي لا يظهر معها أي أعراض مباشرة على الإنسان تكون ذات خطورة بالغة على الصحة العامة حيث أن تراكمها داخل الجسم قد يجعلها مواد مسببة للسرطان او ضعف المناعة الجسدية وقد تحدث مشاكل بالأعصاب وغيرها من المشاكل الصحية التي تضر بجسم الإنسان.
يمكن التعرض للسموم الفطرية بصورة مباشرة عن طريق استهلاك محاصيل ملوثة او صورة غير مباشرة عن طريق طريق استهلاك أغذية حيوانية المنشأ مستمدة من مواشى استهلكت اعلاف ملوثة. ومن المعروف أن ظهور السموم الفطرية يكون أكثر تواترا في المناطق المتسمة بمناخ حار و رطب ويمكن أن تتكون السموم الفطرية قبل الحصاد بالمحصول القائم و حتي بعد الحصاد يمكن أن يتكاثر العديد منها إذا كانت الظروف التالية للحصاد مواتية لاستمرار نمو الفطريات. وتستنتج منظمة الاغذية والزراعة للأمم المتحدة أن التغيرات المناخية يمكن أن تؤدي إلى حصاد القمح بدرجة رطوبة تتجاوز النسبة المطلوبة للتخزين والمتراوحة بين 12 و14 في المائة مما يزيد من خطر تكون السموم الفطرية. كما قدر ان ارتفاع درجة مئوية واحدة في متوسط درجة الحرارة العالمية ستؤدي الي انخفاض متوسط محاصيل القمح العالمية بنسبه 6 بالمائة, ويمكن أن يؤدى هذا الانخفاض في توافر الاغذية و خاصة السلع الاستراتيجية إلى زيادة المخاطر التي تتعرض لها الصحة العامة نتيجة للتسمم بالسموم الفطرية، ولاسيما في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط حيث يبيع صغار المزارعين واسرهم منتجاتهم على الصعيد المحلي ويأكلون ما يزرعون ويضطرون نتيجة لذلك إلى بيع محاصيل ملوثة واستهلاكها من أجل البقاء على قيد الحياة. ويشيع التسمم بالسموم الفطرية في أفريقيا حيث توثق الشبكة الدولية للسلطات المعنية بالسلامة الغذائية عدة احداث سنويا متعلقة بالسلامة الغذائية يسبب كل حدث منها المرض أو الوفاة في صفوف الفئات السكانية الشديدة الضعف.
ايضا توفر ارتفاع درجات الحرارة المصاحبة لتغير المناخ بيئة مثالية لتكاثر السالمونيلا التي تعتبر عاملا من العوامل الرئيسية المسببة في الامراض المنقولة بالأغذية ويقدر أنها سببت أكثر من 50000 حالة وفاة بعام 2010. وفقا لما تذكره منظمة الصحة العالمية في تقرير عام 2017 عن حماية الصحة من تغير المناخ في أوربا، تزداد حالات الاصابة بداء السالمونيلا بنسبة متراوحة بين %5 و%10 لكل زيادة قدرها درجة واحدة سيلسيوس في درجة الحرارة الاسبوعية و يشار في التقرير نفسه إلى دراسة أُجريت في كازاخستان سجلت زيادة بنسبة %5.5 في حالات الاصابة بداء السالمونيلا عند ارتفاع قدره درجة سيلسيوس واحدة في متوسط درجة الحرارة الشهرية.
مما سبق نستنتج ان التغييرات المختلفة الطارئة من جراء تغير المناخ تؤثر علي السلوكيات التي لها وقع على أمن و سلامة الغذاء بما في ذلك سلوك الانسان والحيوان والنواقل والسلوك المتغير لبقاء الكائنات الحية والهوام على قيد الحياة ونموها وانتشارها. و يزداد ظهور هذه الاحداث في بلدان العالم النامي التي تكون فيها نظم رصد الاغذية ضعيف و بالتالي تعجز هذه البلدان عن كشف و تقدير ملوثات الاغذية مما يزيد من المخاطر التي تتعرض لها الصحة العامة من خلال التعرض الحاد والمزمن للملوثات.
في النهاية يمكن الجزم بان إن حجم التحديات التي تحملها التغيرات المناخية التي يشهدها العالم وتأثيرهما الممتد علي أمن و سلامة الغذاء كبير جدا ويدفع بإلحاح شديد إلى تضمين الكل شعبا و حكومة في تحمل المسؤولية. و من هنا يصبح ترشيد الاستهلاك ضرورة لكافة فئات المجتمع، ويفترض أن يصبح منهجاً ومدخلاً لخفض النفقات، هذا مع الارتقاء بمستويات الوعي الفردي و القومي بأهمية الحفاظ على الموارد وحماية النظام البيئي وتوازنه، والترشيد يشمل على سبيل المثال، محاولات خفض الفاقد من الطعام وإعادة تدويره بشكل سليم مع مراعاة تطبيق ممارسات النظافة العامة الأساسية عند شراء الأغذية و تخزينها وبيعها وإعدادها من أجل حماية صحة الفرد والمجتمع.
المصادر المرجعية:
World Health Organization. 2015. “WHO Estimates of the global burden of foodborne diseases”. Geneva: World Health Organization. http://apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/199350/9789241565165_eng.pdf?sequence=1.
World Health Organization. 2014. “Quantitative risk assessment of the effects of climate change on selected causes of death, 2030s and 2050s”. Geneva: World Health Organization. http://apps.who.int/iris/ bitstream/handle/10665/134014/9789241507691_eng.pdf?sequence=1&isAllowed=y
Springmann, Marco, Daniel Mason-D’Croz, Sherman Robinson, Tara Garnett, H Charles J Godfray, Douglas Gollin, Mike Rayner, Paola Ballon, and Peter Scarborough. 2016. “Global and regional health effects of future food production under climate change: A modelling study”. The Lancet 387 (10031): 1937-1946. doi:10.1016/s0140-6736(15)01156-3.
Food and Agriculture Organization of the United Nations. 2008. “Climate change and food security: A framework document”. Rome. http://www.fao.org/forestry/15538-079b31d45081fe9c3 dbc6ff34de4807e4.pdf
Zhao, Chuang, Bing Liu, Shilong Piao, Xuhui Wang, David B. Lobell, Yao Huang, and Mengtian Huang et al. 2017. “Temperature increase reduces global yields of major crops in four independent estimates”. Proceedings of The National Academy of Sciences 114 (35): 9326-9331. doi:10.1073/ pnas.1701762114.
WHO Regional Office for Europe. 2017. “Protecting health in Europe from climate change: 2017 Update”. Copenhagen: WHO Regional Office for Europe. http://www.euro.who.int/__data/assets/pdf_file/0004/355792/ProtectingHealthEuropeFro mClimateChange.pdf?ua=1
