أسماء القليوبي تكتب: الغزو الثقافي وابتكار هوية افتراضية موحدة للشعوب!

أسماء القليوبي تكتب: الغزو الثقافي وابتكار هوية افتراضية موحدة للشعوب!

النقاش حول الهوية بعيد الجذور عميق الأثر ، وتغذية طموحات قوى سياسية وعقائدية معينة .
   حتي وقتنا هذا لم يكفوا أيديهم عن محاولة طمس الهويه ؛ علي الرغم أن كل محاولاتهم قد باءت بالفشل منذ القدم ، وظلت هوية مصر ثابتة في دستورها وفي تصرفات شعبها ، ولكي يحققوا مرادهم كان عليهم ان يعدوا خطه ذات اتجاهات متعددة و تسير في خطوات منسجمة مع بعضها .
   وقد ساهمت التكنولوجيا المعاصره في التقارب بين الشعوب والثقافات حتى أصبح العالم قرية واحدة صغيرة ، وأصبح القول المأثور " الشرق شرق والغرب غرب " غير صحيح بل زاد التقارب والتبادل الثقافي فيما بينهم .
   ولكن لم يكن التبادل الثقافي بينهم يسير بشكل متساوي ، بل يسير بشكل أقوى في الاتجاه المؤدي من الغرب إلى الشرق فظهرت استجابة  الشرق لهذه الأفكار بهدف توليد هوية عربيه عصريه تواكب هذا التطور ،  وقد بلغ الأمر إلى حد التهميش وإحلال الثقافة الغربية مكان الهوية الوطنية ، وظهور مثقفين ومحللين يبشرون بالعولمة والنموذج الأمريكي ويدينون بالولاء للنموذج الغربي .
   وتحت ستار العولمه والعالميه تم ايقاع الغزو الثقافي  بشكل لم يسبق له مثيل ، ويعد الغزو الثقافي لبلد ما أصعب من الغزو العسكري ، فقد تم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي كأحد وسائل حروب الجيل الخامس وقاموا ببث مفاهيم وقيم امبريالية تفرض نفسها من خلال الواقع الافتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي ، ومحاولة  الانصهار داخل الهوية الافتراضية حتى يتم الامتثال لقواعد وقوانين هذه الشبكات مثلما يمتثل الشخص السجين لأوامر سجانه حتى ينول رضاه .
   الهوية والفن عنصران متوازيان لبعضهما البعض لتكوين شخصية الفرد والمجتمع ، فلا هوية بلا فن ولا فن بلا هوية ، فالفن هو لغة التواصل بين الثقافات ، والهوية هي التي تحدد ذاتية وخصوصيات الشعب ، ولأن الفن هو أسرع وسيلة للتغيير فقد استخدموه بكل وسائله لتغيير الهوية من كتب ومجلات وأفلام ومسلسلات وبرامج وأغاني .
   ففي احد الحوارات التليفزيونيه لمالك شركه نتفلكس قال : "يمكن أن نتجاوب مع بعض طلبات الحكومات ، ولكن لا نحذف أي من مشاهد الشذوذ أو المثلية لان هدف شبكتنا هو مشاركة أسلوب الحياة ونأثر به في الآخرين .
   فالرسالة في حديثه واضحة هو ضرب المجتمعات في القيم والأخلاق وجعلها هشة ضعيفه وسهل التحكم فيها ، ثم غرس ونشر نمط الحياة الغربية ، وبعض القيم الموجهة بحجة التعبير عن الواقع ومحاولة تمجيده وبروزته في العقل اللاواعي ، وتحول الشعوب إلى مجرد مادة استعمالية يمكن توظيفها ، وقد تختلف الوسيلة من وقت لآخر حسب التطور لكن يبقى الهدف واحد .
   فأنتجوا بعض الأفلام التي تنشر الشذوذ والأباحية والتعري بشكل درامي بحيث يجعل المشاهد يتعاطف معه ، حتى تصبح لدى المشاهد عادية بالتدريج ثم محببة في بعض الأوقات ، حتى يصبح فعل قوم لوط أمرا طبيعيا بين الناس ، من منطق اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس . 
   فمثلا في البداية جعلوا الحجاب رمزا للتخلف والرجعية ، والتحرر منه بمثابة التحضر والتقدم ، ثم ظهرت موجة العري التي تفشت في مجتمعاتنا بشكل ساقط .
    وإذا عدنا بالذاكرة إلى الماضي القريب كان عندما تجتمع الأسرة على مشاهده فيلم ما، و ظهر به أحد المشاهد الخارجة كان يقوم الأباء بتحويل القناة غاضبا ، ولكن اليوم فقد بات المشهد مألوفا ، ولم يقتصر علي ذلك بل يتفوه البعض ممن يتبعون نفس موقف زوجة سيدنا لوط ، ويطلقون على أنفسهم دعاة الفكر والتنوير بضرورة حرية الإبداع وتقبل الآخر ، وينتهي بالمطالبة بحقوق هؤلاء بدافع حقوق الإنسان ، وكأننا ليس من بني الإنسان ومن حقنا منع انتشار هؤلاء بيننا .
فهل تخلوا مجتمعاتنا من هذه القضايا ؟ 
   بالعكس توجد ولابد من الاهتمام بها .. ولكن تكمن الفكرة في إذا كان الهدف هو معالجة المشكلة أم زيادة انتشارها !.
   أم يكون الهدف الرئيسي موازي مع الفكر الرأسمالي المهيمن حاليا على السوق الإعلامية ؟  والدليل على ذلك أن معظم الأفلام التي تأخذ هذا الاتجاه من شركة إنتاج واحدة . 
   يتبادر هنا إلى ذهننا سؤال .. هل هدف هذه الشركات العملاقة هو كسب المال فقط ؟
   بالطبع لا واتضح ذلك في حديث مالك نتفلكس ، ولكن الكسب المادي حقيقة لا يمكن الإغفال عنها ، فقد ازدادت أرباح إحدى هذه الشركات عام ٢٠٢٠ بأكثر من الضعف ووصلة إلى ٧٠٠ مليون دولار مقارنة ب ٣٤٤ مليون دولار في ٢٠١٩ وتجاوزت إيراداتها ل ٥ مليار دولار فقد ساعدت جائحة كورونا في تضاعف خدمة الشركة و هناك عدد من الشركات الأخرى .
   وفي الحقيقة كل ذلك ما هو إلا محاولة لفقدان الذات و الانسلاخ من الهوية الطيبة السمحه ، وجعل الانسان مجرد شئ مسيطر عليه بلا أخلاق ولا عقيدة بلا هويه ، أجوف مادي ، وتفكك الأسره وانهيارها ، وانحدار القيم وسهل تقبل أي فكره منحرفه .
   فالرهان على عقلك يا عزيزي، أما أن تنساق وراء ما أهدافهم الشيطانيه ، أم أن تدرك أنك المستهدف أنك عدوهم الأول والأخير .