كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من ضباط الكلية الحربية بالقاهرة عام ١٩٥٩

أعبر لكم عن تهنئتى بتخرجكم، وأتمنى لكم جميعاً كل خير، وحسن البلاء، والعمل من أجل رفعة شأن وطننا. الظروف دائماً بتتغير وتختلف بالنسبة للدول، ولكن مهما اختلفت الظروف أو تغيرت فإن رجال القوات المسلحة عليهم واجب أبدى؛ هذا الواجب هو حماية الوطن، وفى نفس الوقت حماية أهداف الشعب الذى نمثله جميعاً، وفى نفس الوقت الاستعداد لحماية المكاسب التى حققناها فى كل وقت. دى رسالة القوات المسلحة، وبتعتبر رسالة مقدسة لإن كل واحد فى سبيلها بيكون على استعداد لأن يبذل دمه، ويضحى بروحه اللى هى أغلى شىء بالنسبة لأى فرد فى الوجود؛ بيبذلها راضى فى سبيل وطنه، وفى سبيل حرية بلده، وفى سبيل عزة بلده، وفى سبيل أن يعيش باقى أبناء الوطن أحرار يتمتعون بالحرية ويتمتعون بالاستقلال.
النهارده بنشعر ان احنا جزء من الجيش الوطنى القوى اللى كان اللى قبلكم بيتمنوه، وكنا زمان نتمنى أن نرى الجيش الوطنى القوى؛ الجيش الوطنى بمعنى انه بينبثق من الشعب، ويعمل لتحقيق أهداف الشعب ولحماية الشعب، الجيش القوى اللى بيستطيع انه يحقق هذه الرسالة اللى وضعت على عاتقه من جميع أفراد الشعب، مهما اختلفت اتجاهاتهم ومهما اختلفت أعمالهم، ولكنهم جميعاً يعملوا ويعتقدوا أن هناك الجيش الوطنى اللى بيحميهم واللى بيحمى مستقبلهم مهما اختلفت الظروف، ومهما اختلفت الأيام؛ فهذه الرسالة رسالة باقية ورسالة أبدية لرجال القوات المسلحة.
لما ننظر للوضع بتاعنا فى العالم - ولا نستطيع بأى حال من الأحوال أن ننفصل عن العالم - نجد أننا فى منطقة استراتيجية، وتاريخها كان دائماً تتمثل فيه جميع الخلافات، ويتمثل فيه الصراع بين الدول الكبرى للسيطرة على هذه المنطقة؛ لما لها من أهمية حيوية، ولما لها من أهمية استراتيجية.
فالمسئولية اللى علينا - نحن جنود الجمهورية العربية المتحدة - مسئولية كبرى؛ لأننا دائماً نتعرض لتيارات مختلفة، ودائماً نتعرض لأطماع الدول التى تريد أن تكون لها القوة، وتعتقد أن سيطرتها على هذه المنطقة من العالم ستمكنها من القوة. ونحن قد اخترنا وصممنا على أن تكون سياستنا سياسة مستقلة، وعلى أن تكون بلادنا أيضاً مستقلة، حينما أعلنا سياستنا المبنية على سياسة الحياد الإيجابى وعدم الانحياز. (تصفيق). ومعنى هذا أننا لن نخضع لسياسة مراكز القوة التى تتبعها الدول الكبرى، ولن نرضى بأى حال من الأحوال أن نكون ذيولاً لأى دولة من الدول، أو أن يقرر مصيرنا فى بلد أجنبى، أو أن تقرر السياسة التى نتبعها فى عاصمة أجنبية. قررنا هذه السياسة، وأجمع الشعب على تأييد هذه السياسة، وسرنا فى سبيل تطبيق هذه السياسة.
وهذه السياسة - أيها الإخوة - ليست بالسياسة السهلة؛ لأن الدول الكبرى التى تطمع فى هذه المنطقة، كل منها يحاول أن يجعلنا ذيلاً لها حتى تستطيع أن تكون هذه المنطقة أو هذه البلاد ضمن مناطق النفوذ لها؛ وبهذا طبعاً نفقد جزءاً من استقلالنا، ونفقد حريتنا فى تقرير سياستنا. قاومنا كل السياسات التى كانت تهدف إلى وضعنا داخل مناطق النفوذ فى الماضى، وكنا نعتقد أننا نقاوم الدول الكبرى، ونقاوم قوى لا يمكن أن نقارن قوتنا المادية بها، ولكنا فى نفس الوقت كنا نؤمن أن لا خير فى حياة تحت السيطرة الأجنبية، وأن لا خير فى حياة ضمن مناطق النفوذ، ويجب أن نقاوم بكل وسيلة من الوسائل وضعنا داخل مناطق النفوذ.
على هذا الأساس قاومنا حلف بغداد وقاومنا الأحلاف العسكرية، ولم يكن حلف بغداد فى هذا الوقت يستهدف بغداد وحدها، ولكنه كان يستهدف وضع جميع الدول العربية داخل مناطق النفوذ الغربية. وصممنا - رغم أننا نشعر ونعلم قوتنا مقارنة بقوة الدول الكبرى - صممنا على أن نضع هذه السياسة موضع التنفيذ؛ سياسة عدم الانضمام إلى الأحلاف أو عدم الدخول ضمن أى منطقة من مناطق النفوذ، وكافح الشعب كله وهو يعتمد على قواته المسلحة لتحميه فى وقت الشدة، كافح الشعب العربى فى الإقليم الشمالى فى سوريا ضد الأحلاف، وانتصر الشعب العربى.
ولم يستطع حلف بغداد أن يمتد خارج حدود العراق ليضم معه سوريا، وكافح الشعب هنا فى مصر فى نفس الوقت - وكان هذا قبل الوحدة - من أجل نفس الهدف ومن أجل نفس الغرض، واستطاع أن يحقق هدفه؛ ولم ننضم إلى أى حلف، ولم تستطع مناطق النفوذ الغربية أو سياسة مناطق النفوذ أن تطوينا معها أو أن تخضعنا لإرادتها.
ونجحت هذه السياسة لأن الشعب كله أجمع عليها؛ أجمع عليها فى الشمال كما أجمع عليها فى الجنوب، وكان التقاء هذه الإرادة هو مقدمة للوحدة التى جمعتنا تحت علم الجمهورية العربية المتحدة؛ لأن المعارك التى خضناها فى الشمال والمعارك التى خضناها فى الجنوب كانت معارك متشابهة متجانسة، وكان كفاح الشعب فى الشمال يلتقى مع كفاح الشعب فى الجنوب، كل منهما صمم على أن يكون سيد إرادته، وكل منهما صمم على أن يكون استقلاله استقلالاً حقيقياً ينبع من أرضه وينبع من ضميره، وكل منهما صمم على أن يقف حاجزاً ضد سياسة مناطق النفوذ والتبعية والأحلاف الأجنبية، وكل منهما كان يعتقد أن الشعب الآخر سيسانده إذا قامت أزمة أو إذا حل به ضيق. (تصفيق).
وكانت هذه هى عناصر الوحدة الحقيقية؛ فإن الوحدة التى جمعتنا لم تكن وليدة يوم إعلانها دستورياً، ولكنها كانت حقيقة واقعة قبل ذلك بزمن طويل؛ لأن الوحدة فى المعارك، والوحدة فى الأهداف، ثم الوحدة فى أن تكون إرادتنا إرادة مستقلة، ثم الوحدة فى تبنى سياسة القومية العربية التى كانت سياسة قديمة بين أرجاء الأمة العربية ولكنها كانت دائماً تتعرض لمقاومة الطامعين فيها، وكانت تنتظر الحرية والاستقلال للشعوب العربية أو لأى من الشعوب العربية حتى تعلن للملأ واضحة صريحة. فحينما استقلت سوريا وطردت الفرنسيين، واستطاعت أن تحرر إرادتها ثم تحرر مشيئتها، كانت دمشق هى قلب العروبة النابض الذى رفع راية القومية العربية. وكنا نقاسى هنا فى القاهرة من السيطرة البريطانية، وكانت باقى البلاد العربية تقاسى من آثار الحرب العالمية الأولى التى وضعتها تحت الاحتلال وتحت السيطرة الأجنبية، وبمجرد أن استقلت سوريا رفعت هذه الراية وأعلنت هذه الدعوة، وتبنى الشعب فى سوريا هذه الدعوة؛ دعوة القومية العربية، وكان كل فرد من أبناء الشعب السورى يشعر أنه لا يمكن أن يحس بالحرية الحقيقية أو الاستقلال الحقيقى، طالما كان هناك بلد عربى يئن من السيطرة الأجنبية ومن الاحتلال.
وحينما تحررت إرادة القاهرة وتحررت مشيئتها بالتغلب على الاحتلال البريطانى وطرد قوات الاستعمار البريطانى من مصر، حينما تحررت هذه الإرادة وتحررت هذه المشيئة، ارتفعت أيضاً هذه الراية فى القاهرة.. راية القومية العربية وراية التضامن العربى. وكان إخوتنا هنا فى القاهرة يشعرون أيضاً أن لا طعم لهذه الحرية ولا طعم لهذا الاستقلال طالما كانت باقى البلاد العربية أو أى من البلاد العربية تئن من السيطرة الأجنبية أو من الاحتلال؛ لأننا كنا نشعر أن حريتنا إنما هى متماسكة، وأن استقلالنا هو متماسك، وأن وقوع أى بلد عربى أو بقاء أى بلد عربى تحت سيطرة أجنبية إنما هو تهديد لحريتنا وتهديد لاستقلالنا.
وبهذا حينما تحققت الحرية والاستقلال فى سوريا ثم حينما تحققت الحرية والاستقلال فى مصر، ارتفعت فى دمشق والقاهرة راية القومية العربية ودعوة القومية العربية، والتقت إرادة الشعب العربى فى سوريا مع الشعب العربى فى مصر من أجل تثبيت هذه الحرية والاستقلال، ومن أجل العمل والتضحية فى سبيل رفع راية القومية العربية. وكنا نشعر فى هذا الوقت أن القوات المسلحة والجيش الوطنى القوى ضرورة كبرى لحماية هذه الرسالة؛ لحماية الحرية وحماية الاستقلال، ثم لحماية الدعوة الكبرى.. دعوة القومية العربية التى وجدت الفرصة فى هذه الأيام لترتفع أو لتثبت وجودها. وليست دعوة القومية العربية بدعوى عنصرية، وليست دعوة القومية العربية دعوة تتعلق بفرد أو بجمال عبد الناصر، وليست دعوة القومية العربية دعوة جديدة، ولكن دعوة القومية العربية دعوة قديمة منذ قرون طويلة كانت تظهر.. تظهر قوتها حينما تتحرر البلاد العربية وحينما تشعر بخطر. فمنذ القرن العاشر كانت دعوة القومية العربية عالية وعلمها فى السماء؛ لأن الأمة العربية حينما تعرضت للغزو وحينما تعرضت للتهديد، استطاعت أن ترى أن بقاءها وأن الحفاظ على تقاليدها وعلى أرضها هو فى التمسك بدعوة القومية العربية.
وفى هذه الأيام اندمج الجيش السورى مع الجيش المصرى فى الدفاع عن القومية العربية، وعن مقدرات العرب وأرضهم وحضارتهم، واستطاع الجيش العربى الموحد فى هذا الوقت أن ينتصر على الصليبيين الذين استمروا فى بلادنا العربية مدة تزيد أكثر من ثمانين عاماً، ولم يستطيعوا أن يحققوا النصر إلا حينما تمسكوا بالقومية العربية، ووضحوا دعوة القومية العربية. وحينما شعروا أن حريتهم فى وحدتهم وفى تكاتف جيوشهم تكاتف الجيش السورى مع الجيش المصرى، واستطاعوا بذلك أن ينقذوا سوريا وأن ينقذوا مصر وأن ينقذوا فلسطين، وأن ينقذوا باقى البلاد العربية التى استولى عليها الاستعمار الصليبى. (تصفيق). وفى الحقيقة ليست دعوة القومية العربية هى دعوة جديدة أو رسالة جديدة أو اكتشاف جديد، ولكنها كانت دائماً دعوة راسخة خالدة فى نفوس الأمة العربية، وكانوا ينشغلون عنها بعض الوقت، ولكنهم كانوا يتمسكون بها حينما يهددهم خطر.
وحينما غزا التتار هذه المنطقة من العالم - البلاد العربية - واستطاعوا أن يفتحوا بغداد ويعبروا الفرات إلى سوريا، ثم يهددوا مصر، كانت هذه الغزوات وكان هذا التهديد واضح كل الوضوح للأمة العربية، ثم كان من الواضح أيضاً أن لا سبيل إلى صد هذا الغزو إلا تحت راية القومية العربية. وعلى هذا الأساس اتحد أيضاً الجيش المصرى مع الجيش السورى وخاضوا معركة المصير، واستطاعوا أن يهزموا جيوش التتار التى لم تكن قد هزمت من قبل فى زحفها حتى وصلت إلى الأراضى السورية، واستطاعوا بعد ذلك أن يتعقبوا التتار الذين هزموا حتى عبروا نهر الفرات. واستطاعت هذه الوحدة، واستطاع الجيش العربى الموحد مرة أخرى أن يحمى البلاد العربية والدعوة العربية، وأن يحمى القومية العربية والحضارة العربية، ولم تكن هذه الرسالة هى رسالة عنصرية أو رسالة تتبين منها الأنانية، ولكنها كانت رسالة التضحية والقتال، ورسالة الدفاع عن المصير العربى.
وحينما تعرضت الأمة العربية بعد ذلك فى أيام الحرب العالمية الأولى لأطماع الطامعين، وحينما أراد العرب أن يتخلصوا من الاحتلال العثمانى الذى استمر أكثر من خمسمائة عام، كان سبيلهم إلى هذا هو رفع راية القومية العربية مرة أخرى، وجمع شمل العرب مرة أخرى؛ حتى يتخلصوا من هذا الاحتلال الطويل. وثارت هذه الثورة - الثورة العربية - ثارت ترفع هذه الراية، ولكنها أخطأت لأنها لم تعتمد على نفسها وعلى الشعب العربى، بل تحالفت مع بريطانيا، ولا يعقل بأى حال من الأحوال أن تقبل أى دولة من الدول الكبرى لنا أن نستقل أو أن نتضامن أو أن نتحد. وصارت بريطانيا تستغل القومية العربية وتستغل رسالة القومية العربية لأهدافها؛ حتى تستطيع أن تتخلص من الإمبراطورية العثمانية، ولكنها بعد أن انتصرت تنكرت لجميع الوعود التى قطعتها على نفسها إبان الحرب العالمية الأولى، وقسمت البلاد العربية بينها وبين فرنسا.
ثم ثارت البلاد العربية بعد ذلك، كل بلد ثار ثورات متعددة ليحصل على حريته أو يحصل على استقلاله، حتى حرب فلسطين. وفى حرب فلسطين دخلت الدول العربية هذه الحرب، ولكنها لم تدخل هذه الحرب تحت راية القومية العربية بل دخلتها والخلافات تبث فيها الضعف، والأحقاد تبث فيها الفتن، وكنا ٧ جيوش عربية تحارب فى فلسطين تحت سبع قيادات مختلفة أو ست قيادات مختلفة، وكانت المأساة الكبرى التى بليت بها الأمة العربية نتيجة أطماع قادتها، ونتيجة تنكرهم لمبادئ القومية العربية فى هذا الوقت. وكلنا نعلم كيف سارت هذه المعارك، وكلنا نعلم كيف استطاعت إسرائيل أن تستغل فينا هذه الخلافات وهذه الفتن وهذه الأحقاد، لتضرب الجيوش العربية جيشاً جيشاً، وكيف كانت تستغل أيضاً هذه الانقسامات حتى تحقق لنفسها أكثر ما تستطيع أن تحقق من مكاسب، وكيف انتهت حرب فلسطين هذه النهاية الأليمة؛ شرد عرب فلسطين وانتصرت الصهيونية.. الصهيونية العالمية، وأصبحت بعد انتصارها خطراً يهدد الدول العربية جمعاء؛ لأن إسرائيل لم تكن نتيجة مجهودات وقعت أو قامت فى عام ٤٨، ولكنها كانت نتيجة مجهودات استمرت سنين طويلة.
وكان وعد "بلفور" سنة ١٧ هو أول نتيجة حقيقية أو أول نتيجة مادية، ومنذ ١٧ إلى ٤٨ استمرت الصهيونية مع الاستعمار من أجل وضع هذا موضع التنفيذ؛ بمعنى أن سنة ٤٨ لم تكن هى السنة التى بدأت فيها قضية فلسطين وانتهت، ولكنها كانت نتيجة مخططات استغرق وضعها موضع التنفيذ سنين طويلة. ولم تكن بأى حال من الأحوال أهداف الصهيونية العالمية منحصرة فى الجزء الذى استولوا عليه فى فلسطين؛ لأنهم كانوا دائماً ينادون بأن دولتهم أو مملكتهم المقدسة تمتد من النيل إلى الفرات، وإنهم كما انتهزوا الفرص فى الماضى سينتهزوا الفرص فى المستقبل، وكلنا نعلم أنهم ضموا بعض الأراضى المصرية من منطقة سيناء بعد أن قاموا بعدوانهم على أمل أن تستمر تحت سيطرتهم.
إذن ليست المأساة وليست الكارثة التى حلت بنا هى استيلاء الصهيونيون على فلسطين، ولكن هناك التهديد المستمر للتوسع.. التهديد المستمر للتوسع من النيل إلى الفرات، وهذا لا يمكن أن يحدث على مرحلة واحدة ولكنه يحتاج إلى مراحل وإلى سنين.
إذن هذا خطر قائم على الدول العربية جمعاء؛ على الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها، وعلى لبنان، وعلى الأردن، وعلى العراق، وبهذا تنمحى القومية العربية وتحل محلها قومية دخيلة صهيونية.
هذه هى الأخطار التى نتعرض لها نتيجة انقسام الدول العربية وفرقتها فى عام ٤٨، ونتيجة تنكرها لرسالة القومية العربية. فإذا قارنا ذلك بانتصاراتنا فى القرن العاشر والقرن الثالث عشر ضد الغزو الصليبى الاستعمارى وضد غزو التتار، نعرف الفرق ونعرف أن بقاءنا ونعرف أن المحافظة على أرضنا وعلى عروبتنا وعلى حريتنا، هو فى اتحادنا وتضامننا، هو فى فهمنا للقومية العربية، ولا يمكن للأطماع والأحقاد أن تفرق بيننا. ولكن هذا لا ينسجم بأى حال من الأحوال مع مصالح الصهيونية العالمية؛ لأن الصهيونية العالمية وإسرائيل تعتقد أن وحدة العرب أو تضامن العرب أو وحدة العرب عسكرياً، إنما تعنى بالنسبة لهم عدم تمكنهم فى المستقبل بأى حال من الأحوال للتوسع فى البلاد العربية، وإنما تعنى بالنسبة لهم خلق مجتمع عربى قوى على حدودهم، وهذا لا يمكنهم بأى حال أن يحققوا أطماعهم أو أن يضعوها موضع التنفيذ، أو أن ينتهكوا حقوق شعب فلسطين الذى طرد من فلسطين سنة ٤٨، ولايزال يصمم على استعادة حقوقه فى بلده وفى أرضه وفى أملاكه التى اغتصبت منه اغتصاباً.
لهذا دأبت الصهيونية العالمية بكل وسيلة من الوسائل على حرب القومية العربية، وعلى عدم تمكين البلاد العربية من التضامن أو الاتفاق العسكرى. وكانت تستغل فى هذا كل ما يمكن لها أن تستغل؛ سواء نفوذها فى الدول الاستعمارية، وسواء فى هذا الأموال أو الإغراء أو الاعتماد على الخونة العرب الذين طعنوا البلاد العربية فى الماضى. وكان الاستعمار أيضاً - الذى كان يطمع فى وضع هذه المنطقة من العالم ضمن مناطق النفوذ، وأن يسيطر عليها، وأن يأخذ لنفسه الخيرات بأبخس الأثمان منها، وأن تكون له فيها القواعد والمطارات حتى يكون له تفوق عسكرى - كان الاستعمار الغربى يشعر أنه لا يستطيع أن يحقق هذه الأهداف وهذه الأغراض إذا كانت هناك أمة عربية قوية، أو إذا كان هناك تضامن يجمع بين الدول العربية، أو إذا كان هناك جيش عربى موحد يعمل على حماية هذه الأمة العربية.
ولذلك فقد حاول الاستعمار بكل وسيلة من الوسائل أن يفرق بين الدول العربية، وأن يخلق بينها البغضاء والتنابذ، مستغلاً فى ذلك الخونة أعوان الاستعمار من أعوانه الذين تعاونوا معه دائماً، ورضوا لأنفسهم أن يكونوا وسطاء ليبيعوا له بلدهم بثمن بخس، هؤلاء الساسة الخونة الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا عملاء للاستعمار وأعواناً للاستعمار، والذين ارتضوا أن يكونوا فى وطنهم طابوراً خامساً ضد رغبة شعبهم وضد حرية بلدهم وضد إرادة أمتهم.
وسار الاستعمار الغربى فى هذا الطريق، واستخدم فى هذا السبيل كل ما يمكن له أن يستخدم من مال ومن نفوذ، ومن دعاية، ومن حرب اقتصادية ومن حصار اقتصادى. وكان يحاول معتمداً على هؤلاء العملاء أن يخلق بين البلاد العربية الفتن وأن يفتعل الأزمات؛ حتى تنتشر الكراهية وحتى تخلق الكراهية بين البلاد العربية. كان الاستعمار والصهيونية يتحالفون فى هذا المضمار؛ ليفتتوا البلاد العربية ويخلقوا بينها المحن والأحقاد، ولكن وعى الشعب العربى الذى تنبه لكل هذه الأساليب، ثم تصميم الشعب العربى على أن يحقق لنفسه الحرية والاستقلال، ثم معرفته للطريق الذى تتفق مع مصلحته، ومعرفته للطريق الذى تتنافى مع مصلحته؛ هزم كل هذه المحاولات، ولم تستطع محاولات الاستعمار الغربى أو محاولات الصهيونية أن تفرق بين الشعوب العربية، ولو أنها استطاعت لبعض الوقت أن تخلق من بعض السياسيين فى البلاد العربية - هؤلاء العملاء - تخلق زوابع لإثارة الفتن وإثارة الأحقاد، ثم لإشعال الدول العربية والعالم العربى.
ولكن الكراهية التى أرادوا أن يبثوها بين شعوب الدول العربية، أو بين أبناء الشعب العربى فى مختلف الدول العربية، لم تنجح بأى حال من الأحوال؛ لأن الشعب العربى آمن برسالة القومية العربية، وكان يعرف أن البقاء عليه وحماية مصيره هى فى التمسك بهذه الرسالة، وأن وحدة الأمة العربية وتضامنها هو حماية لكل بلد عربى، ثم فى نفس الوقت هو سبيل القوة للأمة العربية، وسبيل العزة والحرية والاستقلال.
سار الشعب العربى فى طريقه وهزم كل هذه المحاولات، وتساقطت رؤوس هؤلاء الخونة الذين آثروا لأنفسهم أن يكونوا عملاء للأجنبى فى بلادنا، وبقى الشعب العربى مؤمن برسالته، ومؤمن بحقه فى الحرية والحياة. وكان الشعب العربى فى هذه المعارك كلها يؤمن بقواته المسلحة؛ يؤمن بالجيش العربى الذى صمم على أن يحمى هذه الرسالة، وصمم على أن يضحى فى سبيل رسالة القومية العربية؛ لأننا جميعاً آمنا أن بقاءنا متوقف على حماية هذه القومية فى أى بلد عربى، وأن محو القومية العربية فى أى بلد عربى إنما يعنى أن الدور سيلحقنا لتمحى القومية فى بلدنا. وإن محو القومية العربية فى فلسطين إنما كان هو النذير لنا؛ لأننا إذا تخاذلنا أو تكاسلنا فإن هذا المصير سيلحقنا كما لحق فلسطين.
وبهذا ففى السنوات الماضية صمم الشعب العربى على أن يقف ضد محاولات الصهيونية ومحاولات الاستعمار، ثم صمم الشعب العربى على أن يحمى استقلاله وحريته، واستطاع الشعب العربى أن يهزم ألاعيب الاستعمار وخطط الاستعمار، واستطاع الشعب العربى أن يبقى خارج مناطق النفوذ، واستطاع الشعب العربى أن يسقط عملاء الاستعمار، واستطاع الشعب العربى أن يرفع راية القومية العربية عالية منتصرة ضد محاولات الدول الكبرى. (تصفيق).
فهل كان هذا نهاية لطريق كفاحنا فى سبيل حريتنا واستقلالنا، وفى سبيل المحافظة على قوميتنا؟ لم يكن هذا نهاية الطريق بأى حال، وأنا كما قلت لكم فى أول حديثى: إننا هنا فى هذه المنطقة الهامة من العالم تعرضنا على مر السنين وعلى مر الأيام لأطماع الدول الكبرى، وتعرضنا على مر السنين وعلى مر الأيام لمحاولات إدخالنا ضمن مناطق النفوذ؛ ولهذا، وبالنسبة لموقعنا الهام إستراتيجياً، فإننا سنسير فى طريق صعب طويل للحفاظ على هذه الحرية وهذا الاستقلال. بانتصارنا على محاولات الاستعمار لم ينته الطريق لأن الاستعمار لن ييأس مطلقاً، بل سيحاول بكل وسيلة من الوسائل أن يضع هذه المنطقة ضمن مناطق النفوذ معتمداً على العملاء وأعوان الاستعمار.
وفى نفس الوقت ظهرت هناك عوامل جديدة؛ لأننا بعد أن انتصرنا هذا الانتصار الكبير فى هذه المرحلة ضد قوى الاستعمار ومحاولاته، شعر الشيوعيون فى البلاد العربية أن الوقت قد آن لهم ليضربوا الحركة العربية القومية، وحركة القومية العربية.. يضربوها ليتخلصوا منها؛ لأنهم يرون فيها عقبة ضد سيطرتهم على البلاد العربية، وبهذا بدأت مرحلة جديدة بل بدأ عامل جديد فى صراعنا وفى معركة القومية العربية. الصراع الأول هو صراع القومية العربية مع الصهيونية التى ترى فى القومية العربية عقبة ضد أطماعها فى التوسع، وتحقيق حلمها فى خلق ملك إسرائيل بين النيل والفرات. والعقبة الأخرى هى الدول الاستعمارية ومحاولاتها فى وضع هذه المنطقة - وضع البلاد العربية - داخل مناطق النفوذ الغربية. والعامل الجديد هو نشاط الأحزاب الشيوعية فى هذه المنطقة من أجل طعن القومية العربية، وتصفية القومية العربية حتى يخلو الجو للشيوعية لتسيطر على هذه المنطقة من العالم العربى.
وقد بدأ هذا التحول بعد أن قامت الثورة فى العراق.. قامت الثورة فى العراق فى شهر يوليو للتخلص من أعوان الاستعمار فى العراق، ثم نادت الثورة فى العراق بسياسة قومية عربية وتبنت هذه السياسة، وقام الحزب الشيوعى فى العراق فى هذا الوقت بمهاجمة الجمهورية العربية المتحدة، ومهاجمة سياسة الجمهورية العربية المتحدة. وبدأت هذه الهجمات على الجمهورية العربية المتحدة بعد ثورة العراق بشهر، وكانت تتمثل فى الغمز واللمز، ثم تحورت وتطورت لتناظر بين فائدة الاتحاد أو الوحدة، وأيهما أفضل.. هل الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة أفضل أو الوحدة؟ وتبنى الشيوعيون فى العراق.. تبنوا فكرة الاتحاد، وعلى هذا الأساس هاجموا الوحدة. ولم يكونوا بهذا فى الحقيقة يرغبون فى وحدة أو اتحاد؛ ولكنهم كانوا يعتقدون أنهم قد يستطيعوا بذلك أن يؤثروا على الوحدة التى جمعت مصر وسوريا تحت علم الجمهورية العربية المتحدة، وكانوا يأخذون هذه المناظرات ذريعة للسب فى سياسة الوحدة. ولم يكونوا بهذا يقصدون ماذا سيتبع فى العراق، ولكنهم كانوا يقصدون التأثير على الشعب السورى، وإعطاء الحزب الشيوعى فى سوريا فرصة ليبث الفتنة بين أبناء الجمهورية العربية المتحدة.
بدأت هذه المرحلة بعد ثورة العراق بشهر، ثم تطورت وتطورت حتى أصبحت سافرة. وكان الشيوعيون فى العراق والشيوعيون فى سوريا؛ هؤلاء العملاء الذين تنكروا لبلدهم، كانوا بهذا يهدفون إلى تفتيت الوحدة التى جمعت الجمهورية العربية المتحدة من الشعب السورى والشعب المصرى. وكانوا بهذا أيضاً يحاولون أن يطعنوا سياسة القومية العربية؛ لأنهم كانوا يؤمنون أن هذه السياسة، وإيمان الشعب العربى بهذه السياسة، لن يمكن لهم السبيل ولن يمكن لهم النجاح فى سياستهم التى يهدفون بها إلى السيطرة على البلاد العربية. وكان للحزب الشيوعى السورى فى هذا تجربة؛ لأنه حينما قاوم الوحدة فى العام الماضى، لم يستطع أن يقف أمام تيار القومية العربية الذى أجمع على الوحدة فى سوريا وفى مصر، ولهذا آثر فى هذا الوقت أن ينزوى ويدخل فى جحوره، حتى يجد فرصة مناسبة ليبث الفتنة ويخضع سوريا للشيوعية، وكانت الفرصة التى وجدها هى ثورة العراق وقيام الحزب الشيوعى فى العراق بالنشاط وبحماية الحزب الشيوعى فى سوريا. وسارت هذه الحملات تستهدف بث الفتنة فى بلدنا، وسارت هذه الحملات تستهدف أول ما تستهدف السياسة التى تبناها الشعب العربى وآمن بها وآمن أنها سبيله الوحيد للحفاظ على كيانه والحفاظ على حريته واستقلاله، وهى سياسة التضامن العربى والقومية العربية.
وبدأت العراق.. أو بدأ الشيوعيون فى العراق يهاجمون سياسة القومية العربية، ثم بدأوا يطعنون سياسة القومية العربية. وكان من الواضح لنا أنهم تناسوا أو نسوا كل ما يمت للاستعمار بصلة؛ الاستعمار الذى كسبنا فى حربنا معه جولة وجولات، ولكن لازالت أطماعه مصوبة نحو بلادنا. وكانوا أيضاً فى نفس الوقت لا ينظرون إلى الصهيونية على أساس أنها الخطر الذى ستتعرض له البلاد العربية، بل آثروا أن يحاربوا القومية العربية؛ لأنهم كانوا يؤمنوا أن بقاء القومية العربية وإيمان الشعب العربى بها هى عقبة مانعة فى سبيل إخضاع الشعب العربى للشيوعية.
وسرنا فى هذا السبيل، ونتتبع ما يحدث من بغداد - ما يحدث من الشيوعيين - بدون أى رد فعل، وكنا نحاول بكل وسيلة من الوسائل أن نضع سياسة القومية العربية أو سياسة الإخاء العربى موضع التنفيذ. وحينما قامت ثورة العراق شعرنا بارتياح كبير؛ لأن جيش العراق الذى كان نورى السعيد قد عطله عن التضامن مع الدول العربية، عاد مرة أخرى وأزال هذه العقبات من طريقه، متضامناً مع جيوش الدول العربية؛ ولهذا تضامنا فى أول الثورة مع جيش العراق، لحماية العراق وحماية باقى الوطن العربى ضد مؤامرات الاستعمار التى صوبت فى هذا الوقت، وكانت تدبر ضد الثورة فى العراق. ولكن ما حدث فى العراق كان ثورة على الثورة؛ فإن الذين قاموا بثورة ١٤ يوليو كلهم الآن فى السجون، وقامت ثورة على ثورة ١٤ يوليه، قام بها الانتهازيون والشيوعيون الذين يتحكمون الآن فى العراق تحت الأسماء والشعارات الزائفة.. زيفوا شعارات الديمقراطية والحزبية، وكانوا يقولون: إنهم يريدون الأحزاب، أين هى الحزبية الآن فى بغداد؟ وأين هى الديمقراطية الآن؟ تحت اسم هذه الشعارات المزيفة التى أعلنها الشيوعيون العملاء فى العراق قضوا على أى معنى من معانى الديمقراطية الحقيقية؛ لأنهم أقاموا الحكم على الإرهاب وعلى سفك الدماء، صفوا الأحزاب الوطنية، وحرقوا الصحف الوطنية، ولم يبق هناك إلا الحزب الشيوعى - الحزب الشيوعى متحالف مع حزب آخر - ونحن نعتقد أنه سيذوق من نفس الكأس الذى ذاقت منه باقى الأحزاب التى تركها لتلاقى هذا المصير؛ الديمقراطية الزائفة والشعارات الزائفة، الحرية الزائفة.. حرية المعتقلات وحرية القتل.
قامت ثورة على الثورة، بل قام انقلاب على الثورة؛ حتى تسيطر الأحزاب الشيوعية والشيوعيون العملاء فى البلاد العربية بادئين بذلك فى العراق. قد تتبعنا هذا، وحاولنا بكل وسيلة من الوسائل أن تنتصر سياسة التضامن وسياسة الإخاء، ولكن كان الشيوعيون العملاء فى العراق والانتهازيون فى العراق، يشعرون أن سياسة التضامن هى مرحلة من مراحل سياسة القومية العربية التى يرون فيها خطراً على عقيدتهم. والمسألة - أيها الإخوة - ليست اختلاف فى العقيدة أو اختلاف فى الفكرة، ولكن المسألة هى السيطرة.. حب السيطرة، ثم سياسة مراكز القوى، ثم سياسة الدول الكبرى، ثم هل سنكون - نحن البلاد العربية - أحرار فى بلادنا أو سنكون تابعين وداخل مناطق النفوذ؟ هل سنتبع سياسة الحياد الإيجابى أو سنتبع سياسة الانحياز إلى أى معسكر من المعسكرات؛ المعسكر الشرقى أو المعسكر الغربى؟
سياسة القومية العربية التى منعت الحزب الشيوعى فى سوريا - حينما أجمع الشعب إرادته على الوحدة - من أن يستطيع أن يرفع صوته ضد رغبة الشعب، وجد فيها الشيوعيون فى العراق الخطر الكبير على مخططاتهم لإخضاع الدول العربية، ولإخضاع هذه المنطقة للسيطرة الشيوعية. ولهذا فإننا نرى اليوم سياسة من الصهيونية العالمية وإسرائيل ضد الجمهورية العربية المتحدة التى صممت على أن تكون سياستها مبنية على أهداف ومبادئ القومية العربية من الناحية السياسية ومن الناحية الاجتماعية؛ والتى تمثل الوحدة والاتحاد والتضامن العربى.
ثم الاستعمار العالمى أيضاً يقاوم الجمهورية العربية المتحدة، وهو فى هذا يعتمد على العملاء وأعوانه من الخونة أو الانتهازيين، كما يحدث فى العراق. الاستعمار يجد فى نجاح الجمهورية العربية المتحدة ونجاح سياستها تدعيم لقوة العرب فى هذه المنطقة، ثم خلق لمنطقة مستقلة قوية؛ وهذا يعنى بالنسبة للاستعمار الغربى استحالة عودته مرة أخرى لوضع هذه المنطقة ضمن مناطق نفوذه، فإن الاستعمار ولو أنه هزم فى جولة أو جولات، ولكنه لم ييأس بل إن سياسته لازالت محاولة وضع هذه المنطقة بأى وسيلة مباشرة أو غير مباشرة داخل مناطق النفوذ، لما فى ذلك من تأثير على الأوضاع الدولية.
وبعد هذا الشيوعية؛ الشيوعية التى أعلنت الأحزاب الشيوعية فى بلادنا عن أهدافها. وفى نفس الوقت المعسكر الشرقى أو الاتحاد السوفيتى الذى أيدنا حينما كنا نكافح ونقاتل الاستعمار الغربى، وحينما أعلنا عن سياستنا المبنية على الحياد الإيجابى وعدم الانحياز، لماذا غير الاتحاد السوفيتى موقفه؟ نحن لم نغير سياستنا، منذ أول يوم كانت سياستنا هى سياسة الحياد وعدم الانحياز، وأن تكون مشيئتنا وإرادتنا ملكاً لنا. ولكن الاتحاد السوفيتى بعد أن قامت ثورة العراق، وبعد أن استطاع الحزب الشيوعى فى العراق من أن يدعم وجوده وكيانه، غير سياسته وألقى بكل تأييده مع الأحزاب الشيوعية. إننا لا نفهم من هذا إلا أن سياسة الحياد التى اتبعناها فى الماضى ليست اليوم هى السياسة التى تلائمه، ولكنه يريد سياسة الانحياز أو وضعنا داخل مناطق النفوذ، نفس الشىء. العقبة الوحيدة فى سبيل وضع هذه المنطقة ضمن مناطق النفوذ سواء للشرق أو للغرب هى الجمهورية العربية المتحدة. (تصفيق).
دا الموقف باختصار؛ العقبة فى سبيل توسع إسرائيل ووضع مخططها موضع التنفيذ الجمهورية العربية المتحدة وسياستها المبنية على جمع العرب جميعاً وتضامنهم للوقوف ضد الخطر الصهيونى، والعقبة ضد سياسة الانحياز للشرق أو للغرب هى الجمهورية العربية المتحدة اللى نادت دائماً وتنادى حتى الآن بسياسة الحياد وعدم الانحياز. إذا كان الشرق عايز المنطقة دى تنحاز ليس أمامه إلا انه يحاربنا.. يحارب الجمهورية العربية المتحدة اللى لن تدخل ضمن مناطق النفوذ بأى حال من الأحوال. وإذا كان الغرب أيضاً عايز هذه المنطقة تنحاز له ويضعها ضمن مناطق النفوذ - زى ما كان بيحاول دائماً - ليس أمامه إلا أن يحارب الجمهورية العربية المتحدة ويخضعها. وهو طبعاً حارب؛ حارب بقواته المسلحة - الغرب - واعتدى علينا، وحارب حرب اقتصادية، وحارب حرب نفسية وحارب حرب الدعاية.. كل أصناف الحروب اللى ممكن يتبعها ضدنا اتبعت؛ ولهذا نجد التقاء بين الجميع فى محاولة للتأثير على شعب الجمهورية.
طبعاً شعب الجمهورية العربية المتحدة لم يتأثر لأنه كافح، والسياسة دى لم تفرض عليه ولكنها سياسة نبتت منه ونبعت من إرادته، الشعب فى سوريا كافح وقاتل، ولاقى الأزمات والصعاب علشان يحافظ على الاستقلال وعلى سياسة الحياد وعدم الانحياز، ورفض رغم جميع التهديدات أن يغير هذه السياسة. وهنا فى مصر أيضاً قبل الوحدة حدث نفس الشىء، بل إن هذه الضغوط وهذه المحاولات كانت هى اللى قربت تاريخ الوحدة وقربت توقيت الوحدة، وكانت عامل من عوامل السرعة فى قيام الجمهورية العربية المتحدة؛ الخطر اللى كان بيتهدد سوريا والخطر اللى كان بيتهدد مصر، وكنا نشعر أن اندماج سوريا ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة سيضاعف من قوتنا، وسيمكنا من أن نكون جميعاً فى المعركة إذا حدث أى اعتداء علينا، فإذا أراد أى معتدى أن يعتدى على سوريا فهو معتدى على سوريا ومصر، وإذا أراد أى معتدى أن يعتدى على مصر فهو معتدى على سوريا ومصر. (تصفيق).
الجزء الآخر بعد محاولات تضليل شعب الجمهورية التى لم تنجح بل لاقت استنكار الشعب فى الجمهورية العربية المتحدة - الشعب المتسلح بالوعى - هو حملات الكراهية علشان فصل الجمهورية العربية المتحدة عن باقى الأمة العربية. هذه السياسة ليست سياسة جديدة، ولكنها سياسة قديمة اتبعها الاستعمار وإسرائيل والصهيونية طوال السنوات الخمس الماضية. والآن بتتبعها الأحزاب الشيوعية والشيوعيين العملاء؛ بنجد إن الشيوعيين فى لبنان مثلاً.. الحزب الشيوعى فى لبنان بيهدف إلى إثارة نوع من الحقد والكراهية علشان يفرق بين شعب لبنان وشعب الجمهورية العربية المتحدة، حملة كراهية وحملة بث أحقاد وضغائن علشان طبعاً يستطيعوا انهم يحققوا إرادتهم؛ لإن أى تضامن بيعتبروه ضد إمكانية وضعنا أو أى بلد عربى ضمن مناطق النفوذ.
الحزب الشيوعى فى العراق أيضاً بيبث حملة كراهية، نفس الشىء اتبعه الاستعمار، ونفس الشىء اتبعته الصهيونية، بل نفس الشىء النهارده لازال الاستعمار بيتبعه ولازالت الصهيونية تتبعه، واللى بيستمع أو بيقرا إذاعة إسرائيل بيجد نفس الخط؛ خط التوقيع بين الشعوب العربية وبين البلاد العربية، خط خلق التفرقة أو بث بذور التفرقة والفتنة. اللى يستمع إلى إذاعة بغداد بيجد نفس الشىء.. نفس الخط، اللى بيستمع إلى الإذاعة السرية الاستعمارية - صوت مصر الحرة - نفس الشىء، ليه؟ لإن تضامن الشعوب العربية وتمسك الشعوب العربية بسياسة القومية العربية لن يمكن أياً منهم أن يحقق أهدافه؛ لن يمكن الصهيونية من انها تحقق أهدافها فى التوسع وفى ضرب الأمة العربية، ولن تمكن الاستعمار من أن يضع أى بلد عربى داخل مناطق النفوذ، ولن تمكن الشيوعية من أن تضع أى بلد عربى داخل مناطق النفوذ.
يحاول الشيوعيين العملاء فى البلاد العربية اليوم، بالذات فى العراق أو فى لبنان أو الشيوعيين اللى كانوا فى الأردن وهاربانين من الأردن، سايبين الاستعمار وسايبين الصهيونية والنهارده العدو الوحيد أمامهم هو الجمهورية العربية المتحدة والقومية العربية المتحدة، بل إنهم بيجدوا فى حملات الاستعمار وحملات الصهيونية علينا، بيجدوا فيها مساعدة ومعاونة لتحقيق أهدافهم. الغرض هو عزل كل بلد عربى عن الآخر، ضرب فكرة القومية العربية.. سياسة القومية العربية، ثم سيطرة لوضعنا داخل مناطق النفوذ الأجنبى.
الشعب العربى بالوعى والشعب العربى بتجاربه الطويلة استطاع أن يتنبه لهذه الأساليب. وأنا باقول النهارده: ان احنا كفاحنا طويل إذا كنا بنحب نعيش أحرار، وإذا كنا عايزين نعيش مستقلين. وكما قلت فى الماضى: إن الاستقلال مش بالأمر السهل، الاستقلال بيعوز حماية وبيعوز صلابة وبيعوز تضحية، وطبعاً لا تقارن هذه التضحية ولا هذه المتاعب بالذلة والاستعباد إذا سقطنا - لا قدر الله - لنكون ضمن مناطق النفوذ. التمن اللى بندفعه فى حرصنا وحمايتنا لحريتنا واستقلالنا وعزتنا لا يقارن بالتمن اللى بتدفعه الدول اللى بتدخل لتكون ذيول لدول أجنبية، أو لتدخل ضمن مناطق النفوذ، أو تكون دول تابعة. واحنا صممنا وآلينا على أنفسنا، مش القادة بس ولكن الشعب هو اللى فرض هذه السياسة وصمم على أن يحميها؛ سياسة الاستقلال الكامل، سياسة محاربة مناطق النفوذ، سياسة عدم الانحياز لا للشرق ولا للغرب، سياسة أن لا نأخذ أوامر من الخارج، سياسة عدم الخضوع لأى دولة أجنبية. طبعاً مهما كافحنا فى سبيل هذه السياسة فإن التضحية بتكون بسيطة جداً بجانب تضحية الشعب كله حينما يشعر بالذلة بعد ما يكون تابع؛ كلنا بنشوف الدول التابعة كيف تسير، وكيف لا تستطيع بأى حال من الأحوال أن تكون لها إرادة أو لها مشيئة.
أنتم الحماة باعتباركم رجال القوات المسلحة، وباعتباركم اليوم بتتحملوا مسئولية كبرى فى سبيل رسالة سامية، مصيرها بيقرر مصير كل فرد فى الأمة العربية، وبيقرر مصير الأمة العربية جمعاء؛ اللى هى رسالة القومية العربية. ولهذا فإن الأمة والشعب بيشعر بالطمأنينة وهو بيحارب؛ لإنه بيحس ان فيه الجيش الوطنى القوى اللى بيعتمد عليه، واللى حيضحى فى سبيل هذه الرسالة، بنجد ان الشعب بيسير فى هذا الطريق وهو مطمئن كل الاطمئنان.
واحنا اللى وضعنا هذه السياسة، وبما أننا قد صممنا على أن تكون سياستنا سياسة مستقلة؛ فلابد على كل منا أن يعمل بكل ما فى طاقته وأن يضحى بكل شىء فى سبيل هذه الرسالة، من أول رئيس الجمهورية لآخر عسكرى فى البلد.. أحدث عسكرى، كلنا بنعمل على حماية هذه الرسالة، وعلى وضع هذه المبادئ والأهداف موضع التنفيذ، الشعب كله جيش فى سبيل وضع هذه الرسالة موضع التنفيذ، والله يوفقنا جميعاً.