وجدت أن هناك بلاءً كبيراً يحيق بنا؛ هو الاستعمار الفكرى والعقلى الذى عمل على بث التفرقة وتقويض الأخلاق

وجدت أن هناك بلاءً كبيراً يحيق بنا؛ هو الاستعمار الفكرى والعقلى الذى عمل على بث التفرقة وتقويض الأخلاق

أيها المواطنون:

كنا نهتف بسقوط الإنجليز أو ضد حزب من الأحزاب، وكنا نعتبر أن هذا هو الطريق المؤدى إلى تحقيق أهداف الوطن.

ولكن بعد تفكير وجدت أن هناك عيباً، كنا دائماً ننادى بالجلاء والاستقلال والقضاء على الاستعمار، وكان الاستعمار يتمثل فى شكل معين من الملابس الكاكية والوجوه الحمراء، ولكن هذا لم يكن العيب.

وأخيراً وفقت إلى ضوء يمكن أن يسير فى الطريق، وجدت أن هناك بلاءً كبيراً يحيق بنا؛ هو الاستعمار الفكرى والعقلى الذى عمل على بث التفرقة وتقويض الأخلاق. إن هذا الاستعمار الفكرى الذى تمكن من وطننا مدة طويلة، إذا لم نتخلص منه فلن نصل إلى غايتنا فى نهضة أمتنا.

وهناك طريقة الاستعلاء التى كانت سائدة بين الحكام من الخديوى، إلى عسكرى البوليس، إلى المواطن المغلوب على أمره، كل يطغى على من هو دونه.

وهناك عيب آخر من عيوبنا؛ وهو أن كل فرد يعتقد أنه يعرف كل شىء، ولا يحلو له إلا النقد وتوجيه اللوم إلى الآخرين، وهو لا يعرف شيئاً ولا يتقن عمل شىء.

وهناك عيب ثالث؛ هو الحسد والضغينة التى تمثل سياسة الهدم، وهذا يفسر خنق الكفاءات، فى حين أننا نرى فى البلدان الأخرى أنه إذا ظهرت كفاءة بادر المواطنون إلى دفعها للظهور؛ لأنهم يعلمون أن هذا الذى يصل سيعاون غيره على الوصول. إذا استطعنا أن نعرف الحق - الحق غير المقصود به الباطل - واستوعبنا دروس الماضى فسوف نحقق أهدافنا. يجب أن نتغلب أولاً على الاستعمار الفكرى والعقلى، وعندئذ نرى أمامنا الطريق واضحاً.

والسلام عليكم ورحمة الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلمة البكباشى جمال عبد الناصر فى معسكر تدريب الشباب بالإسكندرية

بتاريخ ١٨ سبتمبر ١٩٥٣م.