الخطاب الأحادي الشمولي وتفكيك الأدوار في الأسرة

بقلم / هناء سيد جبر
على مدار عقود كان ولا زال الخطاب المهتم بالأسرة وسلوك المجتمع في مصر موجّهاً وأحادي الإلزام.
فبالنظر نحو ما يتم تداوله حول المرأة نجد خطابات لا نهائية التحذير من أن تقصير المرأة في دورها الأُسري سيودي بالنهاية للتفكك والانحلال مع تهميش كامل لدور الرجل واعتباره غائباً لديه العذر التام وانحصار دوره نحو شريكته والأسرة مجرّد مصدر دخل.
المشكلة الرئيسية هنا تكمن في أن الإفتراض هنا واحد وهو أن الرجل وحده يعمل لساعات عمل لا محدودة وأن المرأة وحدها في المنزل مما يجعلها الأقرب لسد احتياج الأسرة والأطفال من رعاية وتربية لكن ربما هذا الخطاب لم يضع في حسبانه الأسر التي يعمل فيها كلا الأم والأب وهو الظن الحسن في هذا الخطاب لأنه لو قلنا أن الخطاب بالأساس لا يعترف بالأمهات العاملات أو حتى العائلات وحدهن واللاتي يقمن بجميع الأدوار فهو يستدعي منا أن ننوه عن قصور الخطاب وتعمّده لتدليس الواقع.
الفكرة هنا أن التشعب في القضية يأتي من خلافات لا تنتهي حول عمل المرأة والتي ربما يدور في فلكه من لا يعلم واقع الحال بشكل كامل فالجدل الرائج أن المرأة إذا التزمت ببيتها سينصلح حال البلاد والعباد هو جدل مثالي ينظر إلى المجتمع ويكأنه وفّر للمرأة كل احتياجاتها وأمانها فصار عملها رفاهية مُفتعلة.
المُربِك هنا تحديداً أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية فأغلب النساء المصريات اللاتي يعملن يكون دافعهن الأول المساهمة في تسديد احتياجات البيت التي لم يعد يكفيها منذ زمن وجود دخل واحد. إذن فان كانت المرأة هي الأخرى تعمل ولديها مصدراً للدخل وفي غالب البيوت المصرية فإن عملها لم يكن أبداً عذراً في التقصير فبتخيّل مشهد يتكرر كل يوم في بيوت كثيرة فإن المرأة تعمل وتعود لمنزلها في عَجَلة لا تكاد تُغيّر ملابسها حتى تتفقد حال البيت وأهله واحتياجاته الكاملة من مأكل وملبس ونظافة ومشاعر
أما النساء اللاتي أرغمتهن الظروف الاجتماعية على العمل مثل عدم الاستقرار العائلي أو الانفصال بأنواعه المثبوتة والغير مثبوتة واللاتي لم يجدن عائلاً لأطفالهن.
أما الأمهات اللاتي لا يعملن ولا يرغبن في العمل فإن الخطاب ربما لم يوص بما لها من حقوق يجعلها تشعر بأن دورها لا يقتصر كخادمة في خدمة الأسرة بأكملها في كافة النواحي دون النظر إلى ما تحتاجه وما يكفيها في تسليم ظاهر بأن سعادتها في التفاني لأجل غيرها دون انتظار لأي عائد.
والقول أن فطرة المرأة تجعلها الأكثر استحقاقاً للمسئولية والتعب هو قول كاذب منافي لفطرة الإنسان الذي يسعى دوماً للوجود في جماعة لتقليل المسئولية وحدّة التزامات الحياة فإن كانت المرأة تتزوج من الأساس لأن فطرتها تدفعها أن تحمل كل الأسرة على عنقها فهو التضليل بعينه!
الأولى في الحديث والنقاش والمحاولة هو توفير بيئة العمل الامنة للأمهات وأيضاً للآباء على الحد الذي يسمح لكلاهما العمل والقيام بدور الرعاية والتربية، بالشكل الذي يجعل الأسرة امنة من التفكك القائم على ظروف البيئة والعمل.
.
الخطاب الذي لا ينفك عن إلصاق المسئولية الكاملة للمرأة دون الالتفات إلى ما تحتاجه هي، لم يوجه أي خطاب متكرر نحو الرجل الذي بالطبع ليس لديه الوقت لسماع خطابات خصوصاً فإن عودته من العمل تُحتّم على الجميع الصمت لتوفير الراحة لرب الأسرة الذي يقوم على مصروفاتها ..
أما الشمولية التي افترضت ان كل البيوت واحدة وكل الظروف واحدة فإنها كانت مسماراً أعمى في نعش الرضا الذي تحاول كل أسرة ألّا تخسره.
كل الخطابات أغفلت التكاملية الأسرية، أن الأدور خصوصاً في الأسرة لا تقوم إلا على تكامل تفاهمي مبني على ظروف خاصة ربما لا تتكرر، أغفلت أن الأسرة دائرة تكتسب نتاجها المُحقّق من كل فرد فيها وان اختلال التوازن ليس خطراً فقط في شريك دون الآخر.
فالمرأة التي تعمل مثلما الرجل يتحتّم على كلاهما مشاركة أعمال المنزل في إطار التفاهم والمقدرة والرجل الذي يشغله عمله اليوم بأكمله على المرأة حمل دوره المنزلي في حين أن تواجده محاولة لإشباع وتقدير تفاني الموجودين لسد غيابه المؤقت.
وغيرها من الأمثلة والأنواع والادوار التي تعاني جميعها من ظروف بيئة العمل التي في الغالب التي تفرض عليهم
لذا على الخطاب أن يذكّر الجميع أن الأسرة وخصوصاً الأطفال خلقوا في احتياج متساوي لوجود الأم والأب، مهما حاول البعض إقناعك ان الأم كانت كافية فاعلم انها مجرد مسكّنات، لا يقتصر دور الآباء على الأمان المادي، هناك أنواع أخرى من الأمان الذي لا يمكن اكتفاءه من أحد سوى الآباء
لذا فإن من باب أولى ألّا نقرر للناس ونلزمهم بتجربة واحدة أو نُملي عليهم طريقة وحدها الصحيحة، الصحيح هو ما يكون فيه منفعة لكل من في الأسرة دون نهب صريح لحقوق أحد أو تفاني أحدهم في حياة الاخر دون مردود يسد الحاجة المنشودة لكل فرد.
في الأسرة تكون المرونة عاملاً هائلاً في تلاشي التقصير والوصول للتكامل وتغطية كافة الاحتياجات بدءً من المأكل مروراً بالاحتواء والاحتضان ووصولاً للرفاهية إن أمكن. فلا تكون المسئولية على الأم وحدها أو الأب وحده لكنها مسئولية تكاملية مرنة تعني كل فرد ولا تغفل احتياج الاخر وتحقق الأمان الكامل لك.
فالأسرة ليست مفرمة الأفراد ولا الساقية التي تربط فيها المرأة وتغمّى عينيها حتى تدور في فُلك الاخرين دون شكوى تفني شعورها وعمرها وسعادتها ولا مهلكة الرجال ومنغّظ أحلامهم التي تبدأ من القهاوي وتنتهي فيها.
الأسرة مكان تكون فيه أنت الذي تريد مع الشخص الذي تريد في إحتواء لصغائر الأمور وتحقيق متبادل للحاجة وتكافؤ في المسئولية. والعمل من أجل أن يظل البيت هو الفكرة الأكثر أماناً للإنسان ودرعاً له أمام الظروف المتقلّبة، تعطي وأنت موقن أن عطائك لن يضيع وحقك لن يتوه عنك.
نأمل مجتمع يتفهم اختلاف الناس والظروف ويُقدّر الإنسان ولا يبني افتراضاته على تجارب محدودة وأن تسع بيئته هذا الاختلاف وأن يكن مكاناً يُعين فيه كل أحد الاخر على الحياة لا أن يصبح دوّامة لا تنتهي من الجدل الذي لا يجدي.
مع أمانينا ببيئة عمل صالحة للإنسان ومن حوله.